كتاب الطهارة الحديثات المجلد 1

اشارة

سرشناسه : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1368 - 1279

عنوان و نام پديدآور : كتاب الطهاره/ تاليف الامام الخميني

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1380.

مشخصات ظاهري : ج 4

شابك : 964-335-460-1(دوره) ؛ 964-335-485-x(ج.1) ؛ 964-335-459-811000ريال:(ج.2) ؛ 964-335-380-x13000ريال:(ج.3) ؛ 964-335-381-811000ريال:(ج.4)

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.

يادداشت : كتابنامه

موضوع : طهارت

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني(س)

رده بندي كنگره : BP185/2/خ75ك2 1380

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 80-2199

مقدّمة التحقيق

اشارة

الحمد للّٰه الذي خلق العقل أوّل ما خلق، و لم يجعل لمدارج كماله حدّا يقف عليه، و لا أمراً ينتهي إليه، فمنتهى فهمه لا غاية لها، و حَلَبة سباقه لا نهاية لها، و الحمد للّٰه الذي جعل الفهم قريناً للعقل، و جعل العقل مفتاحاً للفقه، ثمّ رفع الفقه و شرّفه كما أعزّ العقل و كرّمه، و أناط وقائع الحياة بالفقه كما أناط بعضها بالعقل العملي و أحكامه، فما من صغيرة و لا كبيرة إلّا و في الفقه حكمها، و ما من شاردة و لا واردة إلّا و له فيها نظر و رأي مصيب، فاز من حكّمه و عمل به، و خاب من جانبه و تمرّد عليه، كيف و هو دستور ربّ العالمين، و منهاج شريعة خاتم المرسلين صلّى اللّٰه عليه و آله.

و الصلاة و السلام على صاحب الشريعة الجامعة، و الرسالة الخالدة، و النبوّة الخاتمة، أفضل الأوّلين و الآخرين مقاماً، و أعلاهم شأناً، و أزكاهم نفساً، و على آله الأطهار، الميامين الأخيار، ورّاث النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في العلم و الفهم، و خلفائه في

السياسة و الحكم صلّى اللّٰه عليهم أجمعين.

لا يخفى: أنّ الأبحاث الفقهية متفاوتة من حيث الدّقة و اليسر، و التفصيل و الإجمال، ففي الوقت الذي ظلّت فيه مباحث الحدود و الديات على يسرها و تلخيصها مع أنّها من أُسس القوانين الاجتماعية المدنية، نجد أنّ مباحث

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 2

الطهارة و الصلاة و البيع مثلًا قد بلغت القمّة في عمق الاستدلال و في التفصيل و الاستيعاب؛ حتّى صار التعليم و التعلّم فيها من لوازم التفقّه و من مقدّمات الاستئناس بكلام المعصوم (عليه السّلام) و الفقهاء الكرام، فما من فقيه اليوم إلّا أنّه قد أجاد التحقيق و التدقيق في المسائل و الفروعات من أبواب العبادات حتّى غير المبتلى بها ليكون متبحّراً في سائر أبواب الفقه الاجتماعية ناظراً في حلالهم و حرامهم عارفاً بأحكامهم. و من المؤسف له أنّ هذه الأبحاث لمّا تتسع كما ينبغي مع كثرة فروعها و شدة الابتلاء بها.

و ليس ذلك إلّا بسبب العناية الفائقة التي أولاها المحقّقون من علمائنا لبحث الطهارة و نحوها، حيث توالت عليها عمليات التحقيق و التمحيص؛ فتعدّدت فيها النظريات العلمية و المباني الفقهية، و نمت كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء، و سمنت و بدنت و جسمت، و لم تتورّم و لم تنتفخ، كما قد يتوهّم. فكان حصيلة هذه الجهود المضنية و الجبّارة المئات بل الآلاف من الكتب و الرسائل القيّمة التي جاد بها الزمان على أبناء الطائفة المحقّة دون سائر الطوائف؛ و ذلك بفضل انفتاح باب الاجتهاد و التحقيق عندنا، و انسداد بابه عند غيرنا.

و من أفضل ما كتب في بحث الطهارة و أنفعه و أدقّه و أجمعه ما ألّفه سماحة

المرجع الديني الأعلى آية اللّٰه العظمى السيّد الإمام روح اللّٰه الموسوي الخميني، قدس اللّٰه نفسه الزكية، فكان بحثه (قدّس سرّه) وحيداً في تحقيقه، فريداً في سعته و تفريده.

و استجابةً لرغبة الكثيرين من عشّاق الإمام الراحل (قدّس سرّه) نشير إلى جانب من حياته المباركة؛ فإنّها كالمسك كلّما كرّرته تضوّع.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 3

الإمام الخميني طاب ثراه في سطور

ولد رحمه اللّٰه في العشرين من شهر جمادى الثانية عام 1320 ه. ق، بمدينة «خمين» و فيها تلقى مقدّمات العلوم الإسلامية إلى عام 1339 ه. ق، تقريباً، حيث هاجر إلى مدينة «أراك» و واصل فيها دراسته العلمية و سيره التحصيلي.

و في سنة 1340 ه. ق و في أعقاب هجرة آية اللّٰه العظمى الحائري اليزدي (قدّس سرّه) إلى مدينة «قم» المقدّسة هاجر الإمام إليها، فتلقّى القسم الأكبر من السطوح على آية اللّٰه المرحوم السيّد علي اليثربي (قدّس سرّه) و تلقّى البعض الباقي على آية اللّٰه المرحوم السيّد محمّد تقي الخونساري (رحمه اللّٰه).

و كانت أكثر استفادته (رحمه اللّٰه) في مجال الدراسات العليا الفقهية و الأُصولية من بحوث آية اللّٰه العظمى الحائري اليزدي مؤسّس الحوزة العلمية بمدينة «قم» المقدّسة، كما حضر عند علماء آخرين من المحقّقين، كآية اللّٰه الشيخ محمد رضا النجفي الأصفهاني صاحب كتاب «وقاية الأذهان» و آية اللّٰه السيّد محمد صادق الأصفهاني.

كما و درس الرياضيات و الفلسفة عند السيّد أبو الحسن الرفيعي القزويني، و أخذ عمدة العلوم العرفانية و المعنوية على العارف الكامل آية اللّٰه الميرزا محمّد علي الشاه آبادي.

و بعدها استقلّ بتدريس الفلسفة و العرفان، و طار صيته إلى كلّ مكان، فاجتمع حوله عدد كبير من الأفاضل و المحقّقين، و تخرّج على يديه الكثير منهم، و قد استغرق

ذلك عقدين من الزمن.

و كان لسماحته (قدّس سرّه) أيضاً حلقة درس في الأخلاق تحضرها نخبة من أهل الفضل و العلم، و كان لهذا الدرس أثر كبير في تهذيب نفوس الحاضرين و تزكيتها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 4

ثمّ إنّه (قدّس سرّه) شرع في تدريس «دورة الخارج» من الفقه و الأُصول منذ سنة 1360 ه. ق. في مدينة «قم» المقدّسة و حاصله تدريس تقريباً ثلاث دورات في علم الأُصول و مباحث الزكاة و الطهارة و المكاسب المحرّمة و البيع و الخيارات و الخلل في الصلاة من الفقه الاستدلالي.

و قد استمرّت إفاضاته إلى آخر يوم من أيّام إقامته في «النجف الأشرف» حيث تلت ذلك الأحداث السياسية الساخفة في إيران، فانشغل الإمام بها عن بحوثه الفقهية و الأُصولية، و ركّز جلّ اهتماماته على إزالة الطاغوت و تشكيل حكومة المستضعفين في الأرض، إلى أن وفّقه سبحانه لذلك سنة 1357 ه. ش. فأسّس بنيان هذه الحكومة على التقوى، و أرسى دعائمها على مبادئ الدين الإسلامي الأصيل، مقتدياً بسيرة أجداده المعصومين (عليهم السّلام) فلم يَمِل في حكومته من حقّ إلى باطل، و لم تخفه سطوات المستكبرين، فكان همّه إعلاء كلمة اللّٰه، و إعزاز المؤمنين المستضعفين، و إذلال المستكبرين الطاغين، حتّى اختاره سبحانه للقائه سنة 1368 ه. ش، رضي اللّٰه عنه و أرضاه، و حشره مع محمد و آله الطاهرين صلّى اللّٰه عليهم أجمعين.

مصنّفاته و تقريراته (قدّس سرّه)

على الرغم من تصدّي الإمام الخمينى (قدّس سرّه) للزعامة السياسية قبل تشكيل الحكومة الإسلامية بزمان طويل، و رغم ما عاناه من الحبس و التشريد على يد الشاه و أعوانه الطغاة، إلّا أنّه تمكّن من أن يخلّف تراثاً علمياً ضخماً و عطاءً فكرياً غضّاً في

مختلف جوانب العلوم الإسلامية؛ سواء أكتبه بقلمه الشريف، أو قرّره الأعلام و الأفاضل من أبحاثه، فلنذكر مصنفاته كلّها و بعضاً من تقريرات بحثه

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 5

أ مصنفاته (قدّس سرّه):

1 شرح دعاء السحر.

2 مصباح الهداية إلى الخلافة و الولاية.

3 تعليقة على الفوائد الرضوية للقاضي سعيد القمي.

4 تعليقة على شرح فصوص الحكم للقيصري.

5 تعليقة على مصباح الانس لابن الفناري.

6 الأربعون حديثاً (چهل حديث).

7 سرّ الصلاة (معراج السالكين و صلاة العارفين).

8 آداب الصلاة (آداب نماز).

9 كشف الأسرار (كشف أسرار).

10 شرح حديث جنود العقل و الجهل.

11 تعليقة على الحكمة المتعالية لصدر المتألّهين (مفقودة).

12 الرسائل العشرة و هي مشتملة على رسائل:

التقية.

فروع العلم الإجمالي.

قاعدة «مَن مَلك شيئاً ملك الإقرار به».

تداخل الأسباب.

قياس العلل التشريعية بالتكوينية.

موضوع علم الأُصول.

الفجر في الليالي المقمرة.

العقود و الإيقاعات.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 6

الشرط المخالف للكتاب.

قاعدة «على اليد ..».

و لكن لم نتحقّق بعدُ أنّ هذه الثلاثة الأخيرة هل هي تعبّر عن آراء الإمام الشخصيّة، أم أنّها تقريراته لبعض معاصريه و هي:

13 لمحات الأُصول، و هي تقريرات لدروس آية اللّٰه العظمى البروجردي (قدّس سرّه).

14 أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية، مجلّدان.

15 بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر.

16 الاستصحاب.

17 الاجتهاد و التقليد.

18 التعادل و الترجيح.

19 مناهج الوصول إلى علم الأُصول، مجلّدان.

20 الطلب و الإرادة.

21 كتاب الطهارة، 4 مجلّدات «و هو هذا الكتاب».

22 المكاسب المحرّمة، مجلّدان.

23 التعليقة على وسيلة النجاة لآية اللّٰه العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدّس سرّه).

24 التعليقة على العروة الوثقى لآية اللّٰه العظمى محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (قدّس سرّه).

25 نجاة العباد.

26 حاشيۀ رسالة إرث ملّا هاشم خراساني.

27 حاشيۀ توضيح المسائل آية اللّٰه العظمى بروجردي.

28 توضيح المسائل.

29

مناسك الحجّ.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 7

30 تحرير الوسيلة، مجلّدان.

31 كتاب البيع، 5 مجلّدات.

32 ولايت فقيه.

33 الخلل في الصلاة.

34 تفسير سورۀ حمد.

35 ديوان أشعار، مجلّد واحد، و الظاهر أنّه قد فقدت منه ثلاثة مجلّدات.

36 استفتاءات، مجلّدان مطبوعان، و مجلّدان غير مطبوعين.

37 صحيفة امام، 22 مجلّداً.

ب تقريرات الأعلام لبحوثه (قدّس سرّه):

1 شرح منظومة و أسفار، 3 مجلّدات تقرير آية اللّٰه السّيد عبد الغني الأردبيلي.

2 الطهارة، مباحث المياه و الأغسال تقرير آية اللّٰه العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، و من بعض العلماء الآخرين.

3 الطهارة، تتمّة مباحث الوضوء إلى بحث الدماء الثلاثة، و تحتفظ هذه المؤسّسة في أرشيفها بتقريرات مختلفة لآيات اللّٰه: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، و السيد جواد علم الهدى، و محمّد نصراللهي الخراساني. و لهم في كثير من المباحث تقريرات اخرى.

4 المسائل المستحدثة تقرير آية اللّٰه محمّد المحمّدي الجيلاني.

5 كثير السفر تقرير آية اللّٰه السيّد حسن الطاهري الخرّم آبادي.

6 قضاء الصلاة عن الميت تقرير آية اللّٰه الطاهري الخرّم آبادي و آية اللّٰه الشيخ علي الكريمي.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 8

كلمة حول هذا الكتاب

يعدّ كتاب الطهارة أوّل ما دوّنه الإمام الراحل من بحوثه الفقهية التفصيلية، و قد جرت سيرته (رحمه اللّٰه) غالباً على تدوين بحوثه العالية بقلمه الشريف فترى أكثر كتبه مصنّفة بقلمه حينما كثر التقرير عن أقرانه و معاصريه، و هذا من مزايا كتبه.

و كان (قدّس سرّه) قد شرع ببحث و تدوين هذا الكتاب سنة 1373 ه. ق، و ذلك على حسب ترتيب «شرائع الإسلام» للمحقّق الحلّي (رحمه اللّٰه) الذي عبّر عنه بقرآن الفقه، حتّى انتهى إلى مباحث الدماء الثلاثة، فصنّف فيها كتاباً عزّت نظائره، و ندرت أمثاله؛ لجمعه آراء

المتقدّمين و المتأخرين، و لغور سبرة في نقدها و محاكمتها، فلم يدع لمتكلّم مقالًا، و لم يترك للأواخر إلّا متابعته و مسايرته، ثمّ سار (قدّس سرّه) على نفس هذا المنهج في مباحث التيمّم و النجاسات و أحكامها إلى أن فرغ منه سنة 1378 ه. ق بمدينة «قم» المقدّسة.

أنّ أبرز ما انفرد به هذا الكتاب الشريف، التتبّع الوافي في مجالي الفقه و الحديث، و الدقّة و العمق في استقصاء الأقوال و محاكمة الأدلّة و نقدها. و يظهر هذا جلياً بمراجعة بحوثه و مقارنتها ببحوث سابقي الإمام و لاحقيه، حيث يجد فيها الخبير فوائد فقهية كثيرة لم يسبق غيره (قدّس سرّه) إليها، و يلمس فيه بوضوح القريحة القويمة في فهم الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة، و في تحديد مرادات الفقهاء و مقاصدهم.

و مع كلّ هذا فقد اشتمل الكتاب على بعض المباحث الرجالية المفيدة، كالتحقيق في أخبار أصحاب الإجماع، كما و استعرض بعض القواعد الفقهية المهمّة في باب الطهارة، و فيه تطبيق لبعض الآراء الأُصولية التي ابتكرها

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 9

الإمام (رحمه اللّٰه) خصوصاً مسألة الخطابات القانونية و عدم سراية الأحكام إلى غير موضوعاتها، و ما يتفرّع عليها من جواز اجتماع الأمر و النهي و غيره.

و رغم أنّ كتاب الطهارة هو أوّل ما دوّنه الإمام الراحل بأنامله الكريمة، إلّا أنّه لم يكن أوّل ما أفاض في بحثه و تدريسه، فقد سبقه كتابات حسب ما ذكره تلامذته-: المكاسب المحرّمة، و الزكاة، إلّا أنّه (قدّس سرّه) لم يدوّن منهما شيئاً، فضاعا- و للأسف مع ما ضاع من تراثه العظيم.

و من المؤسف له أيضاً أنّ الإمام (قدّس سرّه) لم يكتب أوائل هذا الكتاب كمباحث

الوضوء بقلمه الشريف، بل اكتفى بإلقائها على المحقّقين من تلامذته، فما كان منهم- حفظهم اللّٰه إلّا أن قيّدوه بالكتابة، حفظاً له من الضياع، و ضنّاً به عن الاندراس، و تحتفظ مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني ببعض هذه التقريرات المفصّلة و المنقّحة، و ستقوم بطبعها في القريب العاجل إن شاء اللّٰه تعالى.

و جدير بالذكر أنّ هذا الكتاب كان قد طبع سابقاً باهتمام آية اللّٰه السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، و آية الهّٰر الشيخ علي أكبر المسعودي شكر اللّٰه لهما سعيهما، و قد حرصت المؤسّسة على تجديد طبعه بعد نفاد نسخ الطبعة السابقة، و بعد أن بذل جمع من الفضلاء قصارى جهدهم في تصحيحه و تقويم نصّه و تحقيقه، راجيةً أن ينال رضى اللّٰه تعالى و إعجاب الأعلام و المحقّقين.

منهج التحقيق

للتحقيق المثالي في عصرنا مراحل عديدة معروفة و مكلفة، و قد أخذت المؤسّسة على نفسها أن تأخذ بأشقّها و أحمزها، بل لم تقنع بمرحلة إلّا بعد تكرارها و إعادة النظر فيها مراراً، فلم يقع تحقيق هذا الكتاب دفعةً واحدة، و لا من

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 10

قبل شخص واحد، بل توالت عمليات التحقيق و التصحيح، و تعدّد الأفاضل القائمون عليها؛ حرصاً منها على إخراجه كتبها بحلّة قشيبة، و بأقلّ عدد ممكن من الأخطاء التي لا يعصم منها إلّا من عصمه اللّٰه سبحانه و تعالى. و إلى القارئ الكريم إشارة إلى هذه المراحل:

1 تصحيح الكتاب على ضوء النسخة التي هي بخطّ العلّامة المؤلّف (قدّس سرّه) الموجودة عندنا.

2 تقطيع المتن و تزيينه بعلامات الترقيم المتعارفة.

3 إضافة عناوين بهدف تسهيل عملية مراجعة الكتاب و مطالعته، و نظراً لكثرة ما أضفناه من العناوين فقد

جرّدناها من العضادتين [] و بهذا اختلطت عناوين المؤلّف مع عناويننا.

4 استخراج الآيات القرآنية مع الإشارة إلى مصادر الأحاديث الأصلية كالكتب الأربعة، و إلى الناقلة عنها كالوسائل، إلّا في صورة تكرّر ورود الحديث، حيث اكتفينا بعد ذلك بوسائل الشيعة، و أسقطنا المصادر الأصلية.

5 استخراج الأقوال و الآراء الفقهية و الأُصولية و اللغوية و الرجالية و التفسيرية و الحكمية و غيرها، على قدر ما عثرنا عليه منها؛ سواء منها الصريحة و غيرها.

و قد استعملنا كلمة «انظر» مكتفين بالحاكي فيما إذا لم نتمكّن من تشخيص صاحب القول الأصلي بعينه، أو لم نعثر على كتابه، و إن عرفناه بشخصه، أو فيما إذا لم يتطابق المحكي مع ما هو موجود في المصدر الأصلي.

6 ذكر وجه الضعف أو الترديد في الأحاديث التي صرّح الإمام بضعفها أو تردّد فيها؛ و ذلك على حسب المباني الرجالية للإمام الراحل نفسه. و قد سلكنا سبيل الاختصار مكتفين بما سننشره إن شاء اللّٰه تعالى تحت موسوعة مستقلّة تضمّ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، المقدمة، ص: 11

بيان منهج الإمام (رحمه اللّٰه) في علم الرجال، و تتكفّل بشرح الأسانيد التي تعرّض لها (قدّس سرّه) في جميع كتبه.

7 وضع الفهارس الفنّية لكلّ مجلّد من هذا الكتاب؛ إلّا فهرس مصادر التحقيق فإنّه جعل في آخر المجلّد الرابع.

و في الختام تتقدّم المؤسّسة بالشكر الجزيل و الثناء العاطر إلى كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب، راجيةً لهم التسديد و الموفّقية في خدمة ديننا الحنيف. و هم:

1 فضيلة الأخ الشيخ حسين الشائعي، الذي أشرف على عمليّة التحقيق و بذل غاية جهده في إتقانها و إتمامها، شكراللّٰه مساعيه الجميلة.

2 الإخوة الأجلّاء حجج الإسلام: مهدي اوجي، عليرضا نخبة

روستا، سامي خفاجي، محمّد إيزي، مرتضى قلي بيگيان، محمود أيوبي، علي كريمي، حقيقة اللّٰه أكبري، إبراهيم طاهري كيا الذين ساعدونا في تخريج الآيات و الروايات و الأقوال.

3 الإخوة الأفاضل: رضا هوشياري، عباس أخضري، حسنعلي منصوري، محمد علي حسن زاده، حجة اللّٰه أخضري، محمد حسن عباسي، الذين قاموا بتصحيح الأخطاء المطبعية.

4 الأخ الأعزّ فليح العبيدي الذي قام بتقويم النصّ و وضع علامات الترقيم.

5 الأخوان فلاح المظفر و أبو النور في الإخراج الفنّي للكتاب.

و آخر دعوانا أن الحمد للّٰه ربّ العالمين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

19/ 10/ 1379 مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فرع قم المقدّسة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 5

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين و بعدُ ..

فلمّا انتهىٰ بحثنا في الدورة الفقهية إلى الدماء الثلاثة، أحببت أن أُفرز رسالة فيها حاوية لمهمّات مسائلها.

و فيها مقاصد

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 7

المقصد الأوّل في الحيض

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 9

تمهيد في حدّ الحيض شرعاً

اشارة

و البحث في أطراف معناه اللغوي غير مهمّ، و يُشبه أن يكون دم الحيض: ما تقذفه الرحم حال استقامتها و استقامة مزاج المرأة، و دم الاستحاضة: ما تقذفه حال الانحراف؛ لضعف أو مرض أو غيرهما.

و لمّا كانت النساء نوعاً في حال الاستقامة و السلامة، لا يقذفن الدم أقلّ من ثلاثة أيّام، و لا أكثر من عشرة، و نوعهنّ لا تقذف أرحامهنّ قبل البلوغ و بعد اليأس، و خلاف ذلك من شذوذ الطبيعة و نوادرها، تصرّف الشارع المقدّس في الموضوع، و حدّده بحدود، لاحظاً فيه حال النوع الغالب؛ إلحاقاً للشواذّ و النوادر بالعدم.

فلو رأت المرأة قبل سنّ البلوغ ما تراه البالغات منظّمةً مرتّبةً في كلّ شهر ثلاثة أو خمسة مثلًا؛ بحيث علم أنّه الدم المعهود الذي تقذفه الرحم بحسب العادة، أو رأت بعد الخمسين في عادتها كما رأت قبل الخمسين؛ بحيث علم أنّه هو الدم المعهود الذي كانت تقذفه رحمها قبل زمان يأسها، لم يحكم بالحيضية، لا لأجل أنّه ليس بحيض؛ أي الدم الذي تقذفه الرحم في حال استقامتها

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 10

و اعتدالها، بل لإسقاط الشارع شواذّ الطبيعة و نوادرها عن الحكم الذي لغالب النسوة و نوعهنّ.

و كذا الحال فيما إذا رأت يومين أو أكثر من عشرة أيّام، مع فرض كونِ الرحم في حال السلامة، و الدمِ المقذوف هو الدم المعهود الذي تقذفه الأرحام.

و ما ذكرنا هو الأقرب لفتاوى الأصحاب (رحمهم اللّٰه) و الأخبار الكثيرة في الباب. مع عدم مخالفته للوجدان و الضرورة؛ فإنّ الالتزام بأنّ الدم إلى الدقيقة الأخيرة من اليوم العاشر يكون حيضاً، و يكون

مجراه مجرى خاصّاً، ثمّ ينسدّ دفعة ذلك المجرىٰ، و ينفتح عرق آخر هو العرق العاذل، و يخرج منه دم الاستحاضة، كأنّه مخالف للضرورة. و كذا حال الدم إلى الدقيقة الأخيرة من عادتها لمن استمرّ بها الدم، و كذا الأشباه و النظائر.

و بعض الروايات التي يتراءىٰ منها أنّ مجرييهما مختلفان

كرواية معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد؛ إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حارّ «1»

لا بدّ من توجيهها بوجه لا يخالف الوجدان و الضرورة، فكيف يمكن الالتزام بأنّ من استمرّ بها الدم و تكون ذات عادة، يكون مجرى دمها إلىٰ آن ما قبل العادة و آن ما بعدها، غيرَ مجراه في زمان العادة؟! و قد حكي عن العلّامة: «أنّه لو قيل بأنّ الدم بعد الخمسين من المرأة في زمن عادتها علىٰ ما كانت تراه قبل ذلك ليس بحيض، كان تحكّماً لا يقبل» «2».

و لعلّ مراده أنّ الدم الكذائي و لو كان حيضاً، و لا افتراق بينه و بين الدم

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 2، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1.

(2) منتهى المطلب 1: 96/ السطر 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 11

قبل الخمسين، لكنّ الشارع مع ذلك أسقط حكمه، و هو يوافق ما ذكرناه نتيجة، تأمّل.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الشرع حدّد الدم في موارد؛ فما كان خارجاً عن الحدود التي جعلت للحيض و لو كان في الواقع حيضاً لا يكون محكوماً بحكمه.

كلام المحقّق الخراساني و جوابه

فما أفاده المحقّق الخراساني «1» من تقريب خلاف ذلك، و حمل أخبار الحدود علىٰ مورد الاشتباه؛ لبُعد عدم

ترتّب أحكام الحيض شرعاً علىٰ ما علم أنّه حيض واقعاً، مؤيّداً ببعض الروايات، كموثّقة سماعة «2» و رواية إسحاق بن عمّار «3» و منكراً للإجماع استناداً إلى المحكي عن «المنتهىٰ»، كما تقدّم ذكره، لا يمكن المساعدة عليه.

و ليت شعري، أيّ بُعدٍ في الالتزام بجعل الشارع قسماً خاصّاً من الدم موضوعاً لحكمه؛ علىٰ ما قرّبنا وجهه، و هل هذا إلّا مثل تحديد السفر بثمانية فراسخ .. و غير ذلك من التحديدات الواقعة في الشرع، و هل يمكن مع هذا الاستبعاد رفع اليد عن الإجماع و الأخبار، بل ضرورة الفقه؟! و أمّا ما استند إليه من عبارة العلّامة فغير واضح، فلعلّه ليس بصدد بيان

______________________________

(1) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 3 و 4.

(2) الكافي 3: 77/ 2، تهذيب الأحكام 1: 158/ 453، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 296، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 12

كون دم الحيض بعد الخمسين أيضاً موضوعاً لحكمه، بل مراده أنّه مع كونه حيضاً لا يترتّب عليه حكمه. و لو كان مراده ذلك، فلعلّه مبني علىٰ أنّ حدّ اليأس زائد على الخمسين، بل إلى الستّين، و أمّا بعد اليأس و هو الستّون علىٰ جميع الأقوال فلا يلتزم أحد ببقاء حكم الحيض و لو كان الدم مثل ما رأت قبلها. كما أنّه قبل البلوغ لم يذهب أحد منّا إلىٰ ترتّب أحكام الحيض عليه، و كذا في الدم المرئي أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة؛ ممّا نقل الإجماع عليهما كثير من الفقهاء «1»، و عن «الأمالي» في الحدّين: «أنّهما

من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به» «2».

و أمّا الروايات التي استند إليها فلا بدّ من توجيهها، كما لعلّه يأتي من ذي قبل «3»، أو ردّ علمها إلىٰ أهلها؛ بعد مخالفتها للنصوص الكثيرة و الإجماع، بل ضرورة الفقه، فالأخذ بالحدود الشرعية الواردة في الروايات لا محيص عنه، فتدبّر.

ثمّ هاهنا مطالب

______________________________

(1) الخلاف 1: 236 238، غنية النزوع 1: 38، المعتبر 1: 201، ذكرى الشيعة 1: 230.

(2) أمالي الصدوق: 516.

(3) يأتي في الصفحة 85.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 13

المطلب الأوّل فيما يميّز به دم الحيض عن غيره

اشارة

إذا علمت المرأة أنّ دمها من أيّ أقسام الدم، تعمل علىٰ طبق أحكامه. و مع الاشتباه فإمّا أن يشتبه دم الحيض بدم الاستحاضة، أو بدم البكارة، أو بدم القرحة، أو بغيرها. و قد يكون الاشتباه ثلاثي الأطراف، أو رباعيها.

فيتمّ الكلام فيه برسم مسائل:

المسألة الأُولىٰ: فيما يميّز به دم الحيض عن الاستحاضة

في أمارية الأوصاف

وردت روايات بذكر أوصاف يشخّص بها دم الحيض و الاستحاضة كالحرارة و السواد و الخروج بالحُرقة و كونه عبيطاً بَحْرانياً، و له دفع و إقبال إلىٰ غيرها في أوصاف الحيض، و الصفرة و البرودة و الفساد و الكدرة و الإدبار في الاستحاضة.

فيقع الكلام في أنّ تلك الأوصاف هل هي أمارة تعبّدية واحدة، كالخاصّة المركّبة، أو أمارات مستقلّة؟

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 14

أو ليست بأمارات رأساً؟ بدعوىٰ: أنّ ظاهر الروايات أنّها بصدد رفع اشتباه الحيض بالاستحاضة؛ بذكر أوصافها التي تعهدها النساء، و أنّه لا مجال معها للاشتباه؛ لحصول القطع غالباً؟

و بالجملة: هذه الأوصاف وردت لرفع الاشتباه، لا لجعل الإمارة في موضوع الشبهة.

أو يكون بين الأوصاف تفصيل؛ ففي غير إقبال الدم و إدباره يكون كما ذكر من عدم الأمارية، بخلافهما بدعوىٰ ظهور الأخبار في هذا التفصيل؟

و علىٰ فرض الأمارية، هل تكون الأمارة لتشخيص الحيض، أو هو و الاستحاضة مطلقاً، فيجب الأخذ بها في جميع موارد الشبهة إلّا ما دلّ الدليل علىٰ خلافه، أو تكون لتشخيصه عند اشتباهه بالاستحاضة مطلقاً، فلو اشتبه دم المبتدئة بينهما تكون الأوصاف أمارة، أو عند اشتباهه بها في موضوع أخصّ؛ و هو عند استمرار الدم بها، ففي المثال المتقدّم لا تكون أمارة؟

وجوه و أقوال.

ثمّ إنّه يقع كلام آخر في أنّ الأوصاف التي ذكرت للحيض، أمارات على الحيضية، و كذا الأوصاف التي في الاستحاضة أمارات عليها،

فجعل الشارع أمارتين؛ إحداهما: للحيض، و الأُخرى: للاستحاضة؟

أو تكون أوصاف الحيض أمارة دون الاستحاضة؟

ثمّ عند فقد أمارة الحيض، هل يكون استحاضة من غير جعل أمارة عليها، أو لا يكون استحاضة أيضاً، فلا بدّ أن تعمل مع فقد أمارة الحيضية علىٰ طبق العلم الإجمالي أو القواعد الأُخر؟

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 15

تفصيل المحقّق الخراساني بين الأوصاف

ذهب المحقّق الخراساني إلى التفصيل المتقدّم، فأنكر الأمارية التعبّدية في الأوصاف غير إقبال الدم و إدباره، و فيهما ذهب إلى الأمارية التعبّدية، و قال:

«نعم، ظاهر المرسلة الطويلة «1» جعل إقبال الدم و إدباره أمارة تعبّدية على الحيض و عدمه، لكنّ الإقبال و الإدبار لا دخل له بالأوصاف، بل العبرة بتغيّر الصفة التي كان عليها شدّة و ضعفاً» «2» انتهى.

فلا بدّ أوّلًا من الكلام معه حتّى يتّضح الحال من هذه الجهة، ثمّ الكلام في سائر الجهات، فلا محيص من ذكر الروايات و البحث في دلالتها:

ففي صحيحة حفص بن البَخْتَري قال: دخلتْ علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) امرأة، فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم، فلا تدري أ حيض هو أو غيره، قال: فقال لها إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود، له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفرُ باردٌ، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة.

قال: فخرجت و هي تقول: و اللّٰه، أن لو كان امرأة ما زاد علىٰ هذا! «3».

و لا يخفىٰ: أنّ ظاهرها أنّ من لم تدرِ أنّ دمها حيض أو غيره، فطريق تشخيصها هو هذه الأوصاف، و إنّما الكلام في أنّ سوق الرواية بصدد بيان ما يرفع به الشبهة تكويناً؛ و أنّه مع هذه الأوصاف تقطع المرأة بأنّه حيض، أو أنّها أوصاف غالبية يحصل

بها الظنّ النوعي بالموضوع، و قد جعلها الشارع أمارة عند الاشتباه؟

______________________________

(1) سيأتي متنها في الصفحة 16- 17.

(2) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 4 5.

(3) الكافي 3: 91/ 1، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 16

و بعبارة اخرىٰ: أنّها بصدد رفع الشبهة تكويناً؛ و إرشادها إلىٰ آثار تقطع منها بالواقع، أو بصدد رفع الشبهة تشريعاً.

الظاهر هو الثاني؛ لأنّ هذه الأوصاف لا تكون من اللوازم العادية بحيث تقطع النساء غالباً لأجلها بالحيض، نعم يحصل لهنّ غالباً العلم به، لكن لا لأجل هذه الأوصاف، بل للعادة المستمرّة لهنّ، و عدم اعوجاج طبائعهنّ غالباً، ففي حال الاستقامة تعلم المرأة بقرائن غالباً أنّ ما تقذفه الرحم حيض، و أمّا لو استمرّ مثلًا بها الدم أو حصلت شبهة اخرىٰ لها، فليس [لها] أن تقطع مع ذلك بالواقع لأجل تلك الصفات، و مع عدم حصول القطع وجداناً، لا محيص عن كونها أمارة ظنّية اعتبرها الشارع، نظير الشهوة و الفتور و الدفع في المنيّ. مع أنّ تشخيص المنيّ عادة، أسهل للرجال من تشخيص الحيض عند الاشتباه للنساء.

و بالجملة: كون الرواية بصدد بيان أنّ هذه الأوصاف، علامات يحصل بها القطع فلا معنى للسؤال، في غاية البعد.

و في مرسلة يونس موارد للدلالة علىٰ أنّ تغيّر لون الدم أمارة تعبّدية، ففيها أنّ فاطمة بنت أبي حُبَيش أتت النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي أُستحاض و لا أطهر، فقال لها النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ليس ذلك بحيض، إنّما هو عِرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي ...

إلىٰ أن قال فهذا يبيّن أنّ

هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها، أ لا تسمعها تقول: إنّي أُستحاض و لا أطهر! و كان أبي يقول: إنّها استحيضت سبع سنين، ففي أقلّ من هذا تكون الريبة و الاختلاط، فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف إقبال الدم من إدباره، و تغيّر لونه من السواد .. إلىٰ غير ذلك؛ و ذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف، و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلىٰ معرفة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 17

لون الدم؛ لأنّ السنّة في الحيض أن تكون الصفرة و الكُدرة فما فوقها في أيّام الحيض- إذا عرفت حيضاً كلّه إن كان الدم أسود أو غير ذلك، فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم و كثيره أيّام الحيض، حيض كلّه إذا كانت الأيّام معلومة، فإذا جهلت الأيّام و عددها، احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلىٰ إقبال الدم و إدباره و تغيُّر لونه .. «1» الحديث.

فإنّ الظاهر منها أنّ إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه، أمارة تعبّدية لتشخيصه، و أنّها إذا اختلط عليها أيّامها و لم تعرف عددها و لا وقتها ممّا هي أمارة تعبّدية اخرىٰ احتاجت إلىٰ أمارة دونها في الأمارية؛ و هي إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه من السواد .. إلىٰ غير ذلك، فلا يكون تغيّر لون الدم أمارة قطعية على الحيض، و إلّا لم يعقل تأخّرها عن الرجوع إلى العادة المعلومة.

مع أنّ أمارية العادة أيضاً لا تكون قطعية، خصوصاً مع حصولها بمرّتين، و بالأخصّ في زمان اختلاط الدم و الريبة، كما هو المفروض.

و بهذا يظهر: أنّ المراد بقوله إنّ دم الحيض أسود يعرف ليس هو المعروفية الوجدانية القطعية، بل الظنّية التعبّدية، و

لهذا قال و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم؛ لأنّ السنّة في الحيض .. إلىٰ آخره؛ فإنّ الرجوع إلىٰ معرفة لونه إذا كان بحسب احتياجها إليه، و عند فقد ما يوصلها إلى معرفة الأيّام و لو تعبّداً، لا يعقل إلّا أن يكون أمارة ظنّية، دون أمارية العادة. و يؤكّد ذلك تعليله: بأنّ السنّة في الحيض أن تكون الصفرة في أيّام الحيض حيضاً.

و ممّا يؤكّد ما ذكرنا

قوله (عليه السّلام) في المرسلة فجميع حالات المستحاضة

______________________________

(1) الكافي 3: 83/ 1، وسائل الشيعة 2: 276، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 4 و الباب 8، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 18

تدور علىٰ هذه السنن الثلاث؛ لا تكاد تخلو من واحدة منهنّ: إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خِلقتها التي جرت عليها؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها. فإن اختلطت الأيّام عليها، و تقدّمت و تأخّرت، و تغيّر عليها الدم ألواناً، فسنّتها إقبال الدم و إدباره و تغيّر حالاته.

حيث جعل تغيّر حالات الدم من السنن الثلاث التي سنّها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قبال السنّتين الأُخريين، و معلوم أنّ الأخذ بتغيّر اللون لأجل التبعية للسنّة، لا للعلم الوجداني بالموضوع. و لهذا تمسّك في ذيلها أيضاً للرجوع إلىٰ تغيّر دمها مع اختلاط الأيّام

بقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إنّ دم الحيض أسودُ يعرف

و لو كان يحصل العلم بالحيض من لون الدم، لم يعقل التشبّث بالتعبّد.

و بالجملة: لا يشكّ الناظر في المرسلة في أنّ تغيّر الدم ألواناً، من الأمارات التعبّدية التي جعلها الشارع

أمارة عند فقد أمارة هي أقوى في الأمارية منها.

و العجب من المحقّق الخراساني (رحمه اللّٰه) حيث اعترف بظهور المرسلة في أمارية إقبال الدم و إدباره، و أنكر الأمارية في تغيّر اللون! مع أنّ الإقبال و الإدبار ذكرا فيها مع تغيّر اللون بسياق واحد، و لا يمكن التفكيك بينهما.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال

في موثّقة إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة أن أُدخلها علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فاستأذنت لها، فأَذِنَ لها فدخلتْ .. إلىٰ أن قال: فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها؟ قال إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد، ثمّ هي مستحاضة.

قالت: فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة، كيف تصنع بالصلاة؟ قال تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين.

قالت له: إنّ أيّام حيضها تختلف عليها، و كان يتقدّم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة، و يتأخّر مثل ذلك، فما علمها به؟ قال دم الحيض ليس به خفاء؛ هو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 19

دم حارّ تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد.

قال: فالتفتت إلىٰ مولاتها فقالت: أ تراه كان امرأة مرّة «1»؟!

و هذه الموثّقة عمدة ما تشبّث بها لما ادعىٰ من عدم إمكان كونها بصدد جعل أمارة تعبّدية.

و أنت خبير: بأنّ المتعيّن فيها أيضاً هو الحمل علىٰ جعل الأمارة، لا إرجاعها إلىٰ ما تقطع بها بالحيض؛ ضرورة أنّ إرجاعها إلى الأوصاف المذكورة، يكون بعد فقد أمارة تعبّدية هي أيّام حيضها، و معه كيف يمكن أن يقال: إنّ تغيّر الأوصاف ممّا تقطع منه بالحيض، و كيف يمكن الإرجاع أوّلًا إلىٰ أمارة ظنّية، ثمّ مع فقدها إلىٰ ما يحصل

به العلم؟! و أمّا التعبير بأنّه ليس به خفاء [فهو] و إن كان مشعراً بما ذكره، لكن مع ما ذكرنا و مع النظر إلى المرسلة المتقدّمة لا ينبغي الشكّ في أنّ المراد أنّ تلك الأوصاف أمارات له، و معها لا خفاء به.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الموضوع الذي له أمارة من أوصافها و حالاتها، لا يكون به خفاء.

و أمّا قول المرأة: «أ تراه كان ..» إلىٰ آخره، فلا يدلّ علىٰ تصديقها بأنّ دم الحيض وجداناً كذلك، بل لا يبعد أن يكون تعجّبها من ذكره أوصافاً لا يطلع عليها إلّا النساء؛ فإنّ الحرارة و الحرقة ممّا لا يطلع عليهما إلّا صاحبة الدم، فتعجّبت من ذكر أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أوصاف الدم الذي يكون من النساء فقط.

و هذا القول و إن كان ربّما يستشعر منه ما ادعاه لكن لا يمكن معه رفع اليد عمّا هو كالنصّ في جعل الأمارة، بل بما ذكرنا يقطع المنصف بأمارية الأوصاف.

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 3، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 20

مقدار أمارية الأوصاف

ثمّ بعد البناء على الأمارية، يقع الكلام في أنّها أمارة مطلقة لتشخيص مطلق الدماء من الحيض؛ و أنّ الحيض دائر مدار وجودها و عدمها في الثبوت التعبّدي و اللاثبوت، أو أنّها أمارة لتشخيص الحيض من الاستحاضة مطلقاً، أو مع استمرار الدم.

وجوه و أقوال أقربها أوسطها، ثمّ الأخير.

و أمّا الأوّل و هو الذي نسب إلى «المدارك» و «الحدائق» و «المستند» «1» فضعيف:

أمّا أوّلًا: فلأنّ تلك الأوصاف التي ذكرت للحيض لا تكون مختصّة به وجداناً، خصوصاً مع البناء على استفادة طريقية كلّ واحد منها مستقلا، كما هو

الأقوىٰ؛ ضرورة أنّ نوع الدماء الخارجة من الإنسان مع خلوّ طبيعته عن الانحراف و الضعف و المرض يكون عبيطاً حارّاً أحمر يضرب إلى السواد، بل كثير منها يكون له دفع، و يكون بَحْرانياً مقبلًا، فلا تكون تلك الأوصاف من خواصّ دم الحيض بحيث تميّزه عن سائر الدماء.

و أمّا دم الاستحاضة فهو بحسب النوع لمّا كان مقذوفاً من الطبيعة المنحرفة بواسطة ضعف و فتور و مرض، لا محالة يكون فاسداً بارداً أصفر مدبراً غير دافع.

فهذا الأمر الوجداني يساعدنا في الاستفادة من الأخبار؛ و أنّ المنظور من

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 311 و 313، الحدائق الناضرة 3: 152، مستند الشيعة 2: 383.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 21

ذكر الأوصاف ليس تمييز دم الحيض من سائر الدماء مع اشتراكها نوعاً فيها، بل هذه الأوصاف المشتركة بين الحيض و غير الاستحاضة، ذكرت فيما دار الأمر بين الحيض و الاستحاضة؛ لامتيازها عنه، لا امتيازه عن غيرها، و لهذا لم تذكر هذه الأوصاف في دوران الأمر بينه و بين العُذْرة و كذا بينه و بين القُرحة.

فحينئذٍ لو دار الأمر بين الحيض و بين جريان الدم من شريان لانقطاعه، لا تكون تلك الأوصاف معتبرة؛ فإنّ الضرورة حاكمة بأنّ دم الشريان أيضاً طري عبيط له دفع و حرارة، و يكون أسود كدم الحيض بحسب النوع، و معه كيف يمكن الذهاب إلىٰ ما ذهب إليه الأعلام المتقدّم ذكرهم؟! و أمّا ثانياً: فلأنّ سياق الروايات، يشهد بأنّها في مقام تشخيص الحيض عن الاستحاضة لا غير؛ أ لا ترى إلىٰ صحيحة حفص بن البَخْتري «1» مع كون السؤال عن أنّها لا تدري حيض هو أو غيره، أجاب عن الحيض و الاستحاضة، و

سكت عن غيرهما! و ذلك لأنّ نوع الاشتباه الحاصل للنساء إنّما هو الاشتباه بين الدمين، و أمّا سائر الدماء فنادرة الوجود؛ لا يكون السؤال و الجواب محمولين عليها إلّا بالتنصيص.

فيكون محطّ الجواب و السؤال هو الاختلاط و الاشتباه بين الدمين، فلا يمكن استفادة الأمارة المطلقة؛ لا من منطوقها، و لا من مفهوم مثل رواية حفص.

فدعوى دلالة السياق علىٰ مدعاهم في غاية السقوط، بل دعوى دلالته علىٰ تشخيص الدمين قريبة جدّاً.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 22

حول اختصاص أمارية الصفات بمستمرّة الدم

نعم، حمل الروايات على التشخيص بين الدمين في حال الاستمرار؛ بحيث يكون التمييز بها لمستمرّة الدم كما ذهب إليه الشيخ الأعظم بل نسب إلى المشهور «1» غير وجيه ظاهراً؛ لأنّ السؤال في صحيحة ابن البَخْتَري مثلًا و إن كان عن مستمرّة الدم، لكن ظاهر الجواب هو ذكر الأوصاف التي لماهية دم الحيض في مقابل ماهية دم الاستحاضة؛ لا قسم خاصّ منه.

فقوله (عليه السّلام) بعد السؤال إنّ دم الحيض حارّ عبيط .. و دم الاستحاضة أصفر بارد

ظاهر في أنّ هذه الأوصاف لطبيعة الدمين و ماهيتهما، لا لصنف خاصّ منهما.

كما أنّ

قوله (عليه السّلام) في موثّقة إسحاق: إنّ دم الحيض ليس به خفاء؛ هو دم حارّ .. و دم الاستحاضة دم فاسد .. «2»

يدلّ علىٰ ما ذكرنا. و حمله علىٰ صنف خاصّ بمجرّد كون السؤال عنه بعيد.

و

قوله فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة

متفرّعاً على قوله السابق في الصحيحة يؤيّد ما ذكرنا.

و يدلّ علىٰ ذلك

صحيحة معاوية بن عمّار أو حسنته «3»، قال: قال

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 183/ السطر 26.

(2) تقدّم في الصفحة 18.

(3) رواها الكليني، عن محمّد بن

إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسىٰ و ابن أبي عمير، جميعاً عن معاوية بن عمّار.

وجه الترديد لوقوع محمّد بن إسماعيل النيسابوري في السند. راجع ما يأتي حوله في الصفحة 77 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 23

أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد؛ إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حارّ «1».

و لا تكون هذه الرواية مسبوقة بالسؤال؛ حتّى يأتي فيها ما ذُكر في غيرها. و لو سلّم عدم الاستفادة ممّا سبق، فلا مجال لرفع اليد عن ظهورها في أنّ وصف الحرارة لمطلق دم الحيض، و لا إشكال في كونها بصدد بيان تشخيص الدمين، و لا معنىٰ للإهمال في هذا الحال. و غاية الأمر في الروايات الأُخر عدم الدلالة، لا الدلالة على العدم. مع أنّ عدم الدلالة ممنوع.

الكلام حول دلالة مرسلة يونس الطويلة

نعم، بقيت المرسلة الطويلة حيث يدعىٰ دلالتها علىٰ أنّ الرجوع إلى الصفات ليس سُنّة المبتدئة؛ و أنّه مختصّ بالمضطربة التي لها أيّام متقدّمة مغفول عنها، و أنّ المبتدئة التي لم تُسبق بدم فسنّتها الرجوع إلى الروايات «2»، ففيها بعد ذكر السنّتين من السنن الثلاث التي سنّها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

قال: و أمّا السنّة الثالثة فهي التي ليس لها أيّام متقدّمة، و لم ترَ الدم قطّ، و رأت أوّل ما أدركت فاستمرّ بها، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأُولىٰ و الثانية؛ و ذلك أنّ امرأة يقال لها: حَمَنة بنت جحش أتت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي استحضت حيضة شديدة، فقال: احتشي كُرْسُفاً.

فقالت: إنّه أشدّ من ذلك؛ إنّي أثجّه ثجّاً فقال: تلجّمي

و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة، ثمّ اغتسلي غسلًا، و صومي ثلاثة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

(2) الحدائق الناضرة 3: 194.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 24

و عشرين يوماً أو أربعة و عشرين ...

إلىٰ أن قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الأُولىٰ و الثانية؛ و ذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تَيْنك ...

إلىٰ أن قال فهذا بيِّن واضح؛ إنّ هذه لم يكن لها أيّام قبل ذلك قطّ، و هذه سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه، أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث و عشرون، حتّى تصير لها أيّام معلومة فتنتقل إليها.

فجميع حالات المستحاضة تدور علىٰ هذه السنن الثلاث؛ لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ:

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خلقتها التي جرت عليها؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها.

فإن اختلطت الأيّام عليها و تقدّمت و تأخّرت، و تغيّر عليها الدم ألواناً، فسنّتها إقبال الدم و إدباره و تغيّر حالاته.

و إن لم تكن لها أيّام قبل ذلك، و استحاضت أوّل ما رأت، فوقتها سبع، و طهرها ثلاث و عشرون.

و إن استمرّ بها الدم أشهراً فعلت في كلّ شهر كما قال لها ...

إلىٰ أن قال بعد ذكر حصول العادة بمرّتين و إن اختلط عليها أيّامها، و زادت و نقصت حتّى لا تقف منها علىٰ حدّ، و لا من الدم علىٰ لون، عملت بإقبال الدم و إدباره، ليس لها سُنّة غير هذا؛ لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغتسلي،

و لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ دم الحيض أسود يعرف، كقول أبي: إذا رأيت الدم البَحْراني ..

و إن لم يكن الأمر كذلك، و لكنّ الدم أطبق عليها، فلم تزل الاستحاضة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 25

دارّة، و كان الدم على لون واحد و حالة واحدة، فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون؛ لأنّ قصّتها كقصّة حَمَنة حين قالت: إنّي أثجّه ثجّاً «1».

فهذه الرواية عمدة مستند من ذهب إلىٰ أنّ المبتدئة سنّتها الرجوع إلى السبعة و الثلاثة و العشرين؛ ليس لها سنّة غيرها، و ليس لها الرجوع إلى الصفات.

لكنّ المتأمّل فيها من أوّلها إلىٰ آخرها، لا يبقى له ريب في أنّ الرجوع إلى التمييز بعد الرجوع إلى العادة، مقدّم على الرجوع إلى الروايات، و أنّ الرجوع إليها أي إلى السنّة الثالثة إنّما هو مع فقد الأمارة على الحيض أو الاستحاضة، و أنّ من كانت لها عادة معلومة يجب عليها الرجوع إليها؛ لأنّ العادة طريق قوي إلى الحيض، و مع فقد الأمارة القوية ترجع إلى الأمارة التي دونها؛ و هي إقبال الدم و إدباره و تغيّر حالاته و ألوانه، و مع فقد هذه أيضاً يكون المرجع هو السنّة الثالثة، و هي التي لفاقدة الأمارة.

و معلوم من الرواية حتّى مع قطع النظر عن ذيلها الذي هو كالصريح في المطلوب أنّ حَمنة بنت جحش كانت فاقدة الأمارة:

أمّا فقدها للعادة فمعلوم.

و أمّا فقدها للتمييز؛ فلأنّ الظاهر منها أنّ الدم كان في جميع الأزمنة كثيراً له دفع؛ حيث قالت إنّي استحضت حيضة شديدة و قالت إنّه أشدّ من ذلك؛ إنّي أثجّه ثجّاً، فقال: تلجّمي و تحيّضي .. فإنّ «الثجّ»: هو سيلان دم الأضاحي و

الهدي و الدم الذي بهذه الشدّة و الكثرة لا ينفكّ عن الحرارة و الحمرة،

______________________________

(1) الكافي 3: 83/ 1، تهذيب الأحكام 1: 381/ 1183، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 26

فله دفع و شدّة و حرارة و كثرة من غير تغيّر حال، و إنّما جعلت السنّة الرجوع إلى السبع لأجل ذلك.

ثمّ لو فرض إبهام فيها من هذه الجهة، فلا إشكال في أنّ ذيلها يرفع كلّ إبهام متوهّم؛ حيث قال فإن لم يكن الأمر كذلك .. إلىٰ آخرها، فيعلم من ذلك أنّ قصّة حَمنة هي كون الدم علىٰ حالة واحدة من الحرارة و الدفع و الكثرة، و على لون واحد لا يكون لها تمييز، و أنّ الثجّ دليل عليه، كما ذكرنا.

فلا إشكال في أنّ الرواية تدلّ علىٰ أنّ الرجوع إلى السبع و الثلاث و العشرين، سنّة التي فقدت الأمارتين المتقدّمتين، و تكون الاستحاضة دارّة عليها، و يكون في جميع الأوقات لها دَرّ و دفع، و علىٰ لون واحد، و علىٰ حالة واحدة، فمن كانت قصّتها هذه فلا إشكال في أنّها ترجع إلى الروايات.

فلا يستفاد منها أنّ المبتدئة إذا رأت أوّل ما رأت بصفة الحيض، لا تكون الصفات أمارة لها كيف! و صدر الرواية يدلّ علىٰ أمارية الصفات مطلقاً،

حيث قال فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف إقبال الدم من إدباره، و تغيّر لونه من السواد إلى غيره؛ و ذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف

فترى كيف علّل رجوعها إلى الصفات

بقوله إنّ دم الحيض أسود يعرف

فيعلم منها أنّ العلّة في الرجوع، هي كون ماهية دم الحيض بهذه الصفة، لا أنّ صنفاً منها كذلك، فتدلّ علىٰ

أنّ هذه الصفات من مميّزات هذه الماهية عن ماهية الاستحاضة، و لهذا أرجعها إليها.

فيستفاد منها أنّه كلّما وجدت هذه الصفة، امتاز الحيض عن الاستحاضة فيما دار الأمر بينهما في غير ذات العادة التي سنّتها الرجوع إليها. و الظاهر أنّ المسألة لا تحتاج إلى زيادة إطناب.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 27

هل الأوصاف خاصّة مركّبة؟

ثمّ إنّ صريح «المستند» و ظاهر «الحدائق» و المحكي عن «المدارك» أنّ هذه الأوصاف خاصّة مركّبة؛ متى اجتمعت في الدم يحكم بأنّه حيض «1».

و استدلّ الأوّل منهم: «بأنّ ذلك مقتضى الجمع بين الروايات التي ذكرت بعضها و ما ذكر الجميع؛ بتقييد الإطلاق».

و هو في غاية البعد؛ فإنّه لا توجد في الروايات رواية تستجمع جميع الصفات، و أجمع الروايات في ذلك

صحيحة حفص حيث قال فيها إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود، له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة «2»

و مع ذلك لم تذكر فيها «الكثرة» التي ذكرتها صحيحة أبي المغراء «3» و رواية ابن مسلم في باب جمع الحيض و الحمل «4»، و ترك «الحرقة» المذكورة في موثّقة إسحاق بن جرير «5» و ترك ذكر «العبيط» في ذيلها مع ذكرها في صدرها.

و دعوى تقييد إطلاق كلّ رواية برواية أُخرى في غاية البعد، بل ارتكابه في

مرسلة يونس ممتنع؛ فإنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) نقل قضية شخصية عن

______________________________

(1) مستند الشيعة 2: 384، الحدائق الناضرة 3: 152، مدارك الأحكام 1: 313.

(2) تقدّم في الصفحة 15.

(3) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1191، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5.

(4) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2:

334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(5) تقدّم في الصفحة 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 28

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال لفاطمة بنت أبي حُبيش إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي ..

فترك أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) سائر الصفات لو كانت في كلام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) غير ممكن، و عدم ذكر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مع كونه في مقام بيان تكليفها و تأثيرها في الحكم أيضاً غير ممكن.

و ليس المقام مقام ذكر الكليات و القواعد و المطلقات و ترك القرائن إلىٰ زمان آخر، كما نقول ذلك في الروايات الملقاة إلىٰ أصحاب الأُصول و الكتب ففي مثل المقام لا يجوز تأخير البيان مع حاجتها الفعلية. و احتمال تغيّر الحكم بعد قضيّة فاطمة مع بُعده في نفسه يدفعه ذكر أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) ذلك في مقام بيان الحكم و إفادة أحكام المستحاضة.

و بالجملة: إنّ روايات الباب علىٰ كثرتها، لا تشتمل واحدة منها علىٰ جميع الصفات، بل في غالبها اكتفي بخاصّة واحدة، كصحيحة معاوية بن عمّار «1» حيث ذكر فيها الحرارة و في مقابلها البرودة، و

كمرسلة يونس حيث ذكر إقبال الدم في مقابل الإدبار تارة، و استشهد بقول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إنّ دم الحيض أسود و علّل الحكم ب «أنّ دم الحيض أسود يعرف

اخرىٰ. و في صحيحة أبي المغراء اكتفىٰ بذكر الكثرة و في مقابلها القلّة. و في موثّقة إسحاق بن عمّار «2» اقتصر علىٰ كون الدم عبيطاً.

و في بعضها ذكر الوصفين منها، كموثّقة إسحاق

بن جرير حيث اكتفىٰ فيها بذكر الحرارة و الحُرْقة في الحيض، و ذكر الفساد و البرودة في الاستحاضة. و في مرسلة يونس اكتفىٰ بذكر البَحْراني و فسّره بالكثرة و اللون. و في رواية

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 10.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 29

محمّد بن مسلم في باب جمع الحَبْل و الحيض اقتصر على الكثرة و الحمرة في مقابل القلّة و الصفرة.

و في رواية حفص التي هي أجمعها ذكر في صدرها أربع صفات، و اقتصر في ذيلها على الثلاث.

فكيف يمكن أن تكون الأوصاف من قبيل الخاصّة المركّبة التي يكون لجميعها دَخْل في الموضوع، و لم يذكر الجميع في رواية مع كثرتها، و معه كيف يمكن تقييد الإطلاق؟! مع الغضّ عمّا ذكرنا من عدم إمكانه بالنسبة إلى المرسلة الطويلة.

فالقول بالخاصّة المركّبة غير صحيح. إلّا أن يدعىٰ أنّ بين الصفات ملازمة عادية غالبية؛ بحيث يستغني المتكلّم عن ذكر جميعها، فذكر الواحدة أو الاثنتين بمنزلة ذكر الجميع مع تلك الغلبة.

لكنّ الدعوىٰ غير ثابتة، فأيّ ملازمة غالبية بين كون الدم عبيطاً و بين كثرته، أو بين الدفع و السواد، أو بين الحرقة و العبيطية؛ فربّما كان الدم أسود غير دافع، أو حارّاً غير كثير؟! و بالجملة: هذه الدعوىٰ غير ثابتة، بل خلافها ثابت، فلا يمكن إلّا المصير إلى استقلال كلّ صفة في الأمارية.

في حجّية مطلق الظنّ بالحيضية

ثمّ إنّه قد يدعىٰ كون مطلق الظنّ بالحيضية حجّة، كما نفى البعد عنه صاحب «الجواهر» «1» أو كون الظنّ الحاصل من أيّ صفة من صفات الحيض

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 140.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 1، ص: 30

حجّة و لو لم تذكر في الروايات، بل و لو كانت مختصّة بمرأة بحسب حالها، كما نفى البعد عنه المولى الهمداني «1».

و الظاهر بُعدهما، خصوصاً الاولىٰ منهما؛ فإنّه إن كان المراد أنّ المستفاد من الأخبار هو حجّية الظنّ الشخصي؛ بحيث يدور الحكم بالحيضية مداره، فإن حصل من غير الصفات المذكورة في الروايات يكون حجّة، و إن لم يحصل من المذكورات فيها ظنّ لم يحكم بالحيضية، فهو تخرّص غريب لا يمكن الالتزام به، خصوصاً في الشقّ الثاني.

و إن كان المراد هو حجّية الظنّ الحاصل نوعاً من الصفات الخاصّة بالحيض و لو لم تذكر في الروايات مثل النتن المذكور في بعض الروايات غير المعتبرة «2» فله وجه؛ بدعوىٰ عدم خصوصية لتلك الصفات إلّا كونها من الصفات الغالبية، فلو فرض صفة أُخرى غالبية، لاستفيد منها بالارتكاز العرفي و إلغاء الخصوصية، كونها أمارة أيضاً. لكنّه غير خالٍ عن الإشكال، و بعيد عن مساق كلامهما، فالجمود على الروايات أسدّ و أشبه.

ثمّ الظاهر أنّ المستفاد منها هو جعل الأمارتين للحيض و الاستحاضة، فكما أنّ الصفات المذكورة لدم الحيض أمارة تعبّدية له، كذلك الصفات المذكورة لدم الاستحاضة، كالبرودة و الفساد و الصفرة و غيرها، فلو وجد في دمٍ بعضُ صفاتهما يكون من قبيل تعارض الأمارتين، و سيأتي زيادة توضيح للمقام إن شاء اللّٰه «3».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 301/ السطر 34.

(2) دعائم الإسلام 1: 127، مستدرك الوسائل 2: 7، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

(3) يأتي في الصفحة 49.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 31

المسألة الثانية فيما يميّز به دم الحيض عن دم العُذرة

اشارة

إذا اشتبه دم الحيض بدم العُذْرة، فتارة: لا يحتمل غيرهما، و أُخرى: يحتمل الآخر؛ من استحاضة أو

قُرحة أو غيرهما، كاحتمال انقطاعِ عرق في الباطن.

و علىٰ أيّ حال: قد يكون زوال البكارة معلوماً، فيدور الأمر بين كون الدم منها أو من غيرها، و أُخرى: يشكّ في زوالها، فيحتمل الزوال و الخروج منها أو من غيرها، و يحتمل عدم الزوال و الخروج من غيرها.

و علىٰ أيّ تقدير: قد يكون الدم في أيّام العادة، و قد يكون في غيرها، و قد تكون له حالة سابقة من حيض أو غيره، و قد لا تكون.

فيقع الكلام في جهات:

في أمارية التطوّق للعذرة و الانغماس للحيض

منها: أنّ المستفاد من روايات الباب، هل هو جعل أمارة تعبّدية على العُذْرة، أو ما ذُكر فيها من تطوّق الدم لرفع الاشتباه، و معه يحصل القطع بكونه دم العُذرة، كما تقدّم من المحقّق الخراساني في أوصاف دم الحيض «1» و احتمل ذلك في المقام أيضاً «2»؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 15.

(2) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 14/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 32

ثمّ علىٰ فرض الأمارية، هل تكون أمارة مطلقة لتشخيص دم العُذرة مطلقاً، أو فيما إذا دار الأمر بينهما مطلقاً أو فيما إذا كان زوال البكارة معلوماً أيضاً؟

و هل يكون التطوّق أمارة على العُذرة، و عدمُه علىٰ عدمها، أو لا أمارية لعدمه؟ و هل يكون الاستنقاع أيضاً أمارة على الحيضية، أو لا؟

احتمالات يظهر حالها في خلال الجهات المبحوث عنها.

و لا بدّ من تقديم ذكر مستند الحكم حتّى يتضح الحال:

ففي صحيحة خلف بن حمّاد الكوفي قال: دخلت علىٰ أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) بمنىٰ، فقلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج جارية مُعصِراً لم تطمث، فلمّا افتضّها سال الدم، فمكث سائلًا لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام، و إنّ القوابل اختلفن في

ذلك، فقال بعضهنّ: دم الحيض، و قال بعضهنّ: دم العُذْرة، فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال فلتتّق اللّٰه، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتّى ترى الطهر، و ليمسك عنها بعلها، و إن كان من العُذْرة فلتتّق اللّٰه و لتتوضّأ و لتصلّ، و يأتيها بعلها إن أحبّ ذلك.

فقلت له: و كيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي؟ قال: فالتفت يميناً و شمالًا في الفسطاط؛ مخافة أن يسمع كلامه أحد، قال: فنهد إليّ فقال يا خلف، سرّ اللّٰه، سرّ اللّٰه فلا تذيعوه، و لا تعلّموا هذا الخلق أُصول دين اللّٰه، بل ارضوا لهم ما رضي اللّٰه لهم من ضلال.

قال: ثمّ عقد بيده اليسرىٰ تسعين، ثمّ قال تستدخل القطنة، ثمّ تدعها مليّاً، ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً، فإن كان الدم مطوّقاً في القطنة فهو من العُذرة، و إن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض.

قال خلف: فاستخفّني الفرح فبكيت، فلمّا سكن بكائي قال ما أبكاك؟ قلت: جعلت فداك، من كان يُحسن هذا غيرك! قال: فرفع يده إلى السماء و قال

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 33

إنّي و اللّٰه ما أُخبرك إلّا عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن جبرئيل، عن اللّٰه عزّ و جلّ «1»

و قريب منها غيرها «2».

قال بعض شرّاح الحديث: «إنّ قوله: «عقد بيده اليسرىٰ تسعين» لعلّه من اشتباه الراوي، أو كان لحساب العقود ترتيب آخر غير مشهور، و إلّا فاليد اليسرى للمئات لا العشرات» «3» انتهىٰ.

و الأمر سهل بعد وضوح أنّ المراد منه وضع رأس ظفر مسبّحة يسراه على المفصل الأسفل من إبهامها؛ لإفهام كيفية وضع القطنة.

و لا إشكال في أنّ ظاهر

الرواية هو بيان الأمارة الشرعية التعبّدية لرفع الاشتباه تعبّداً، لا التنبيه علىٰ أمر تكويني لحصول القطع؛ لعدم الملازمة بين الاستنقاع و الحيض؛ لاحتمال اجتماع دم البكارة في جوف المحلّ و حصول الاستنقاع به، كاحتمال كون الحيض موجباً للتطوّق أحياناً، فحصول العلم لأجله ممنوع.

مع أنّ الظاهر من صدر الرواية و ذيلها حيث عدّ ذلك من سرّ اللّٰه الذي لا بدّ من كتمانه و عدم إفشائه للناس، و من أُصول دين اللّٰه، و من وحي اللّٰه إلىٰ رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بتوسّط جبرئيل أنّ ذلك من أحكام الشريعة و الأمارات التعبّدية، و إلّا لم يكن وجه لهذه التعبيرات و التقيّة الشديدة مع حصول العلم به لنوع النساء؛ و كونه من الأُمور الطبيعية، فاحتمال عدم الأمارية ضعيف لا يمكن رفع اليد عن ظاهر النصوص به.

______________________________

(1) المحاسن: 307/ 22، الكافي 3: 92/ 1، وسائل الشيعة 2: 272، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 2: 273، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 2 و 3.

(3) الوافي 6: 447.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 34

دخل العلم بالافتضاض في أمارية التطوّق

و منها: أنّ المفروض في الروايات و إن كان العلم بالافتضاض؛ و أنّه مع فرض العلم به دار الأمر بينه و بين الحيض، لكنّ المتفاهم منها أنّ التطوّق في هذا الحال- أي حال الدوران بينهما من خواصّ دم العُذرة المميّزة إيّاه من دم الحيض، و أنّ دم الحيض لا يوجب التطوّق، بل يوجب الاستنقاع و الانغماس.

كما يساعد عليه الاعتبار أيضاً؛ فإنّ دم الحيض من الباطن، فلا يتطوّق منه القطنة غالباً، و دم العذرة من زوال غشاء البكارة و خرقه، فيخرج الدم من الأطراف،

فتصير مطوّقة نوعاً، فلأجل هذه الغلبة جعل الشارع التطوّق أمارة للعُذرة.

و بالجملة: المتفاهم من الروايات عرفاً أنّه مع الدوران بين الأمرين يكون التطوّق أمارة للعذرة من غير تأثير للعلم بزوال البكارة و عدمه في ذلك.

فحينئذٍ لو شكّت في زوالها، و دار الأمر بينهما، فوضعت القطنة علىٰ نحو ما في الرواية فأُخرجت و كانت مطوّقة، يحكم بكون الدم من العُذرة، فيكشف عن تحقّق زوالها، فيرفع ذلك الشكّ؛ لحجّية الأمارة بالنسبة إلىٰ لوازمها و ملزوماتها.

في مورد أمارية التطوّق و الانغماس

و منها: أنّ الظاهر من الروايات خصوصاً من رواية خلف بن حمّاد المتقدّمة أنّ المفروض في السؤال و الجواب هو دوران الدم بين العذرة و الحيض، و لا ثالث للاحتمالين؛ فإنّ قوله: «إنّ القوابل اختلفن ..» إلىٰ آخره، ظاهر في أنّهن اتفقن علىٰ نفي الثالث و لو لأجل لازم قولهنّ، فحينئذٍ كان

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 35

المفروض الاحتمالين؛ سواء قلنا بأمارية قول القوابل، و أنّ الأمارتين لدى التعارض لا تسقطان بالنسبة إلىٰ مدلولهما الالتزامي، أو لا:

أمّا على الأوّل فظاهر.

و أمّا على الثاني؛ فلأنّ الظاهر أنّ هذا الاختلاف صار سبباً لصرف ذهن السائل عن سائر الدماء و احتمالها. مضافاً إلىٰ أنّ سائر الدماء حتّى دم الاستحاضة علىٰ خلاف العادة و من انحرافات الطبيعة، بخلاف دم الحيض، فإنّه طبيعي، فالسؤال و الجواب منصرف إليه عن غيره، و لهذا يفهم ذلك من صحيحة ابن سوقة «1» أيضاً.

مع أنّ ظاهر السؤال فيها هو السؤال عن تكليفها بالنسبة إلى الصلاة، فجواب أبي جعفر (عليه السّلام): بأنّه مع التطوّق من العذرة، و مع الانغماس من الحيضة، إنّما هو في الموضوع الخاصّ؛ لا لأجل كون التطوّق يرفع جميع الاحتمالات إلّا العذرة، و الانغماس

جميعَها إلّا الحيضة حتّى يكون الاستنقاع و الانغماس من مميّزات الحيض عن جميع الدماء، لكن لا مطلقاً و إلّا لذكر مع الأوصاف في الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة، بل عند إضافة احتمال العذرة أيضاً فإنّ هذا بمكان من البُعد، كيف! و لو كان لدم الحيض خاصّة مميّزة، لم يكن معنى لتأثير زوال العُذرة أو احتماله فيها.

______________________________

(1) و

هي: سئل أبو جعفر (عليه السّلام) عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دماً كثيراً لا ينقطع عنها يوماً، كيف تصنع بالصلاة؟ قال: تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوقةً بالدم فإنّه من العذرة، تغتسل، و تمسك معها قطنةً و تصلي، فإن خرج الكرسف منغمساً بالدم فهو من الطمث، تقعد عن الصلاة أيام الحيض.

الكافي 3: 94/ 2، وسائل الشيعة 2: 273، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 36

هذا مع أنّ الوجدان أيضاً غير مساعد علىٰ ذلك؛ فإنّ دم الحيض و الاستحاضة كليهما يخرجان من الجوف، و تصير القطنة بهما مستنقعة منغمسة نوعاً، من غير افتراق من هذه الجهة بينهما، فلا يكون الاستنقاع خاصّة مميّزة للحيض عن مطلق الدماء.

بل الظاهر أنّه من مميّزات سائر الدماء الخارجة من الجوف عن دم العذرة الذي يخرج من غشاء البكارة علىٰ نحو التطوّق. علىٰ إشكال في ذلك أيضاً؛ فإنّ مقتضى الجمود على الروايات، هو كون التطوّق أمارة على العذرة و الاستنقاع على الحيض؛ في حال دوران الأمر بينهما لا غير.

و غاية ما يمكن من دعوى إلغاء الخصوصية و الفهم العرفي هو كون الأمارتين مميّزتين لهما في حال الدوران بينهما مطلقاً و لو مع الشكّ في زوال العذرة، و لو كان هذا خارجاً عن مفادها

بدواً. و أمّا التخطّي عن مورد الدوران بينهما إلىٰ غيره فمشكل بعد خروجه عن مفادها و عدم مساعدة العرف عليه أيضاً.

نعم، لا إشكال في حصول الظنّ بأنّ التطوّق من العذرة في الدوران بينها و بين الاستحاضة، و الاستنقاع من الاستحاضة، لكن لا دليل على اعتبار هذا الظنّ أو الغلبة مع قصور الأدلّة.

و كما أنّ التطوّق ليس أمارة على العذرة في الدوران بينها و بين الاستحاضة، كذلك الاستنقاع ليس أمارة على الاستحاضة، و لا علىٰ عدم العذرة حتّى يؤخذ بلازمها؛ لعدم الدليل علىٰ ذلك، لأنّ الظاهر من الأدلّة أنّه في الموضوع الخاصّ.

و كما يكون التطوّق أمارة على العذرة، يكون الاستنقاع أمارة على الحيض، لا أنّه أمارة علىٰ عدم العذرة.

و لو سُلّم أماريته علىٰ عدمها، فإنّما هي في مورد الدوران فقط لا مطلقاً.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 37

أمارية التطوّق للعذرة مطلقاً

و منها: أنّ مقتضىٰ إطلاق صحيحة زياد بن سوقة و رواية خلف بن حمّاد الثانية «1» المحتمل كونها صحيحة؛ لاحتمال كون جعفر بن محمّد الواقع في سندها، هو جعفر بن محمّد بن يونس الثقة «2»، و كونها حسنة؛ لاحتمال كونه جعفر بن محمّد بن عون «3» أنّ التطوّق أمارة العذرة في حال الدوران مطلقاً لذات العادة و غيرها. كما أنّ مقتضىٰ إطلاق جميع الروايات هو أماريته لها و لو كان الدم بصفة الحيض.

و توهّم «4»: أنّ وقوع الاختلاف في متن

رواية خلف بن حمّاد، يوجب الترديد في جواز التعويل عليها؛ حيث قال في الرواية الأُولىٰ: «فقلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج جارية مُعصراً لم تطمث، فلمّا افتضّها سال الدم، فمكث سائلًا لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام» و في الثانية قال: «قلت لأبي

الحسن الماضي (عليه السّلام): جعلت فداك، رجل تزوّج جارية أو اشترىٰ جارية طمثت، أو لم تطمث، أو في أوّل ما طمثت، فلمّا افترعها غلب الدم، فمكث أيّاماً و ليالي ..» إلىٰ آخره،

فترى أنّ الظاهر من الاولىٰ أنّ السؤال كان مقصوراً علىٰ مُعصر لم تطمث،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 385/ 1184، وسائل الشيعة 2: 274، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 3.

(2) رجال الطوسي: 374/ 1.

(3) قال النجاشي في ترجمة محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي: «كان أبوه وجهاً روىٰ عنه أحمد بن محمّد بن عيسىٰ».

رجال النجاشي: 373/ 1020، تنقيح المقال 1: 225/ السطر 9.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 141 142.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 38

و الثانية عن التي طمثت، أو لم تطمث، أو في أوّل ما طمثت.

مدفوع: بأنّ هذا ليس من التشويش أو الاختلاف الموجبين للتأمّل فيها؛ فإنّ ترك بعض الخصوصيّات ممّا لا يضرّ بالحكم لبعض الدواعي، أو لعدم الداعي في النقل لا يوجب خللًا فيها، و لا ريب في أنّ اختلافهما إنّما هو لأجل ذلك؛ أ لا ترى أنّ مقدّمات ملاقاته و غيرها ممّا هي مذكورة في الرواية الأُولىٰ إنّما ترك ذكرها في الثانية لبعض الدواعي، أو عدم الداعي في النقل، فترك بعض شقوق المسألة أيضاً من هذا القبيل.

و لا ظهور للرواية الاولىٰ في كون السؤال مقصوراً علىٰ ما ذكر إلّا لعدم الذكر و السكوت، و المذكور فيها أحد الشقوق التي ذكرت في الرواية الثانية؛ و هو قوله: «أو في أوّل ما طمثت» أي في أوّل زمان طمثها، و هو بمنزلة قوله: «معصراً» فإنّ المراد منه كونها في عصر الطمث و زمانه.

و معنى «أوّل ما طمثت»:

أوّل زمان طمثها، في مقابل التي طمثت؛ أي كانت امرأة ليس أوّل طمثها، بل طمثت سابقاً. و قوله: «لم تطمث» في مقابلهما؛ أي التي في سنّ الطمث و لمّا تطمث؛ أي مضى منها أوقات كان من شأنها أن تطمث فيها و لم تطمث، فلا إشكال من هذه الجهة فيها.

فتحصّل: أنّ مقتضىٰ إطلاقها عدم الفرق بين ذات العادة و غيرها، و الدم الموصوف بصفات الحيض و غيره.

و لا ينافيها ما دلّ على اعتبار العادة و الصفة:

أمّا اعتبار الصفات؛ فلأنّ الظاهر من أدلّتها هو أنّ تلك الصفات مميّزات الحيض عن الاستحاضة، لا عن مطلق الدماء كما مرّ «1».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 39

و أمّا اعتبار العادة فكذلك أيضاً؛ فإنّ أقوى ما دلّ عليه هو

مرسلة يونس القصيرة، حيث قال فيها و كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض «1».

و الظاهر منها بعد الغضّ عن الإشكالات الآتية فيها سنداً و متناً «2» أنّها ناظرة إلىٰ أنّ الصفات المميّزة بين الحيض و الاستحاضة إنّما هي لغير ذات العادة، و أمّا هي فعلى عادتها؛ رأت حمرة أو صفرة، و ليست ناظرة إلى مثل ما نحن فيه، و ليست الكلّية إلّا في مورد الصفات، لا مطلق الدم، فالجمع العرفي يقتضي اختصاص الرجوع إلى العادة بمورد الدوران بين الحيض و الاستحاضة، دون الحيض و العذرة ممّا ذكر له طريق خاصّ و أمارة مستقلّة.

أمارية التطوّق و الانغماس في جميع صور الشكّ

و منها: أنّ المرأة التي اشتبه دم حيضها بالعذرة تارة: تعلم حال سابقها، و أُخرى: لا تعلم، بل حال حدوث الدم تشكّ في

أنّه منه، أو منها، أو مختلط منهما.

و على الأوّل تارة: تكون الحالة السابقة هي الحيض، ثمّ تشكّ في عروض دم العذرة.

و أُخرى: تكون هي دم العذرة، ثمّ يحدث الشكّ في عروض الحيض، فتحتمل بقاء دم العذرة و عدم كون الدم من الحيض، و انقطاع دم العذرة و كونَه من الحيض، و اختلاطَهما.

______________________________

(1) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 3.

(2) يأتي في الصفحة 92 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 40

و ثالثة: تكون الحالة السابقة هما معاً، ثمّ تشكّ في بقاء أحدهما و انقطاع الآخر، أو بقائهما و امتزاجهما. و قد يكون الشكّ سارياً، و يأتي فيه الفروض المتقدّمة.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أنّ المستفاد من روايات الباب: أنّ التطوّق أمارة للعذرة و الانغماس للحيض في جميع صور الشكّ أو لا، و على الأوّل هل يجب الاختبار في جميعها أو لا؟

لا يبعد استفادة جميع الصور ما عدا الشكّ في زوال البكارة منها:

أمّا غير صورة كون الحالة السابقة هي الحيض فلإطلاقها؛ فإنّه بعد سيلان الدم و عدم انقطاعه، يمكن أن يكون الشكّ سارياً، فتشكّ في أنّ الدم من أوّل الأمر من أيّهما كان، و يمكن أن تكون عالمة بكونه من العذرة، و تشكّ في حدوث الحيض، و يمكن أن تكون عالمة بكونه منهما، ثمّ تشكّ؛ لأجل الشكّ في انقطاع أحدهما، فترك الاستفصال دليل على إطلاق الحكم.

و أمّا الصورة المذكورة، فلاستفادتها من رواية خلف الثانية فإنّ قوله: «جارية طمثت، أو لم تطمث، أو في أوّل ما طمثت» يحتمل وجوهاً، أقربها أن يكون المراد من «التي طمثت» هي المرأة التي كانت تحيض، و من «التي

لم تطمث» هي من لم تحض سواء كانت معصراً أو لا، فحينئذٍ يكون المراد من «التي في أوّل ما طمثت» بقرينة المقابلة هي التي طمثت فعلًا، و كان طمثها ذلك أوّلَ طمث لها، فلمّا افترعها غلب الدم و صار كثيراً، لا أنّه حدث الدم، و عليه فالصورة المذكورة تكون مسؤولًا عنها بالخصوص.

و مع الغضّ عنه يكون قوله: «جارية طمثت» بإطلاقه شاملًا لهذه الصورة، و قوله «غلب الدم» أعمّ من غلبة الدم حدوثاً و غلبته بعد وجود أصله؛ لو لم نقل بظهوره في الثاني.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 41

و كيف كان: فلا يبعد استفادة جميع الصور من الرواية.

و أمّا صورة الشكّ في زوال العذرة و إن كانت خارجة منها، لكن يفهم حكمها منها عرفاً؛ فإنّ الظاهر كما مرّ «1» أنّ التطوّق أمارة لماهية دم العذرة من غير تأثير للعلم و الشكّ فيه، فمع الشكّ في حصوله لو اختبرت فخرجت القطنة مطوّقة، يحكم بزوال البكارة، كما يحكم بكون الدم من العذرة.

حول وجوب الاختبار في جميع صور الشكّ

ثمّ بعد كون التطوّق أمارة مطلقة في حال الدوران بينهما، و كذا الاستنقاع على الظاهر، فالظاهر وجوب الاختبار في جميع الصور حتّى صورة الشكّ في زوال البكارة:

أمّا في غير هذه الصورة، فظاهر بعد دخولها في مفاد الروايات.

و أمّا في هذه الصورة، فلأنّ الظاهر منها أنّه مع إمكان تحصيل الأمارة علىٰ أحدهما، يسقط الأصل؛ فإنّ صورة عدم المسبوقية بالحيض هي المتيقّنة من الصور في شمول الروايات لها، و مع ذلك لم يعوّل عليها أبو الحسن (عليه السّلام) مؤكّداً بقوله فلتتّقِ اللّٰه فيفهم منه أنّ الأصل في مثل ما يمكن تحصيل الأمارة الشرعية، غير معوّل عليه. مع أنّ العرف أيضاً لا يساعد على

الرجوع إلى الأصل مع وجود الأمارة الحاكمة؛ و إمكانِ الاطلاع عليها بالاختبار، تأمّل.

فوجوب الاختبار مطلقاً أحوط، بل أوجه و أقوى.

ثمّ إنّ وجوبه ليس نفسياً و لا شرطياً بل طريقي كوجوب العمل بخبر الواحد، فإذا تركته و صلّت، فإن كانت حائضاً تستحق العقوبة لأجل الصلاة في حال

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 42

الحيض، و إن كانت طاهرة تصحّ صلاتها مع حصول قصد القربة.

و ليس في الروايات لإدخال القطنة كيفية خاصّة غير ما في رواية خلف «1» فهل الوَدْع ملياً و الإخراج رفيقاً واجبان، أو لا؟ وجهان:

من أنّ مقتضى الجمع بينها و بين إطلاق صحيحة زياد «2» تقييد إطلاقها.

و من إمكان الحمل على الأولوية و الاستحباب؛ أخذاً بإطلاقها الذي في مقام البيان.

و الأوّل أحوط لو لم يكن أقوى. و اختلاف روايتي خلف من هذه الجهة لا يضرّ؛ بعد تقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة عند العقلاء، خصوصاً مثل تلك الزيادة التي لا يحتمل فيها الخطأ و الاشتباه، فعدم الذكر في الرواية الثانية لجهة من الجهات.

ثمّ إنّه إذا تعذّر عليها الاختبار، ترجع إلىٰ سائر القواعد المقرّرة للشاكّ.

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 32.

(2) تقدّمت في الصفحة 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 43

المسألة الثالثة فيما يميّز به دم الحيض عن دم القرحة

اشارة

إذا اشتبه دم الحيض بدم القرحة، فعن المشهور وجوب الاختبار و ملاحظة خروج الدم من الأيسر أو الأيمن، فإن كان من الأيسر فهو من الحيض، و إن كان من الأيمن فهو من القرحة «1».

و عن «المعتبر» عدم الاعتبار بالاختبار «2»، و تبعه الأردبيلي و صاحب «المدارك» «3». و عن الشهيد في «الدروس» عكس المشهور «4»، و عن «الذكرى» الميل إليه «5»، لكنّه

أفتىٰ في «البيان» موافقاً للمشهور «6».

استفادة أمارية خروج الدم من الأيسر أو الأيمن من رواية أبان

و مبنىٰ ذلك هو الاختلاف الواقع في نسخة «الكافي» و «التهذيب» في المرفوعة التي هي الأصل في هذا الحكم،

ففي «الكافي» عن محمّد بن يحيىٰ رفعه عن أبان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): فتاة منّا بها قرحة في جوفها،

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 252، مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 12، مستند الشيعة 2: 385- 386، جواهر الكلام 3: 144.

(2) المعتبر 1: 198 199.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 141 142، مدارك الأحكام 1: 318.

(4) الدروس الشرعيّة 1: 97.

(5) ذكرى الشيعة 1: 229.

(6) البيان: 57.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 44

و الدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة، فقال:

مُرها فلتستلقِ علىٰ ظهرها، ثمّ ترفع رجليها، ثمّ تستدخل إصبعها الوسطىٰ، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة «1».

و عن الشيخ في «التهذيب» روايتها، لكن فيها قال فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة «2».

ثمّ إنّ الظاهر ترجيح نسخة الشيخ علىٰ نسخة «الكافي» للشهرة المنقولة على الفتوى بمضمونها قديماً و حديثاً، بل عن «جامع المقاصد» نسبتها إلىٰ فتوى الأصحاب «3»، و عن «حاشية المدارك» نقل اتفاق المتقدّمين و المتأخّرين من المحدّثين علىٰ موافقة المشهور «4»، و هو الموافق لرسالة علي بن بابويه إلى الصدوق «5» التي قيل: «إنّها كانت المرجع عند إعواز النصوص» «6» و الموافق «للفقه الرضوي» «7» و أفتى به المفيد «8» و غيره «9».

______________________________

(1) الكافي 3: 94/ 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 385/ 1185.

(3) جامع المقاصد 1: 282.

(4) انظر مفتاح

الكرامة 1: 338/ السطر 14، حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 52، ذيل قوله «فيما يخرج» (ط. حجري).

(5) الفقيه 1: 54.

(6) الحدائق الناضرة 3: 134.

(7) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 193.

(8) لم نعثر عليه في مصنّفات المفيد (رحمه اللّٰه)، انظر مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 15.

(9) النهاية: 24، السرائر 1: 146.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 45

فلا إشكال في اشتهار الحكم بين الأصحاب.

و في مقابله فتوى ابن الجنيد «1» لكن مفروض كلامه دوران الأمر بين الحيض و الاستحاضة؛ فإنّ المحكي عنه: «أنّ دم الحيض أسود عبيط تعلوه حمرة، يخرج من الجانب الأيمن، و تحسّ المرأة بخروجه، و دم الاستحاضة بارد رقيق يخرج من الجانب الأيسر» و الظاهر أنّه من الصفات المميّزة بين الحيض و الاستحاضة، كسائر الصفات المذكورة، فلا يعلم فتواه في المقام.

و عن ابن طاوس و الشهيد في «الذكرى»: «أنّ ما في «التهذيب» مخالفاً «للكافي» إنّما هو في النسخ الجديدة» و قطعا بأنّه تدليس، و كانت النسخ القديمة موافقة «للكافي» «2».

و قد رجع «الشهيد» عن هذا الاعتقاد ظاهراً؛ لفتواه في «البيان» الذي يقال: «إنّه متأخّر في التصنيف عن «الذكرى» «3» موافقاً للمشهور «4».

و عن «شرح المفاتيح»: «أنّ ابن طاوس لم ينقل عنه مخالفة المشهور» «5».

و أمّا حديث التدليس في النسخ الجديدة، فيردّه فتوى الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» علىٰ وفق المشهور «6»، و لا إشكال في أنّ مستنده هذه الرواية.

______________________________

(1) انظر المعتبر 1: 199، مختلف الشيعة 1: 194.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 25، ذكرى الشيعة 1: 229 230.

(3) مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 31.

(4) البيان: 57.

(5) مصابيح الظلام 1: 21/ السطر 24 (مخطوط).

(6) المبسوط 1: 43، النهاية: 24.

كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 46

مع أنّ اختلاف النسخ لم ينقل إلّا من ابن طاوس و الشهيد، فعن ابن طاوس نسبة كون الحيض من الأيسر إلىٰ بعض نسخ «التهذيب» الجديدة، و عن «الذكرى»: أنّ كثيراً من نسخ «التهذيب» موافقة لرواية «الكليني».

و كيف كان: لو كان الاشتباه من النسّاخ، لما أفتى الشيخ في كتبه الفتوائية- خصوصاً مثل «النهاية» بخلافها.

و لو كانت النسخ الموافقة «للكافي» بهذه الكثرة لما خفي علىٰ غيرهما، مع بناء محشّي «التهذيب» علىٰ ما قيل «1» علىٰ نقل النسخ المختلفة، و لم ينقلوا ذلك. بل عن «شرح المفاتيح»: «أنّه اعترف جميع المحقّقين باتفاق نسخ «التهذيب» علىٰ ما وجدناه» «2».

فاتّضح أنّه لم يكن خلاف في المسألة بين المتقدّمين كالصدوقين و المفيد و الشيخ و من تأخّر عنهم «3» سوى المحقّق في «المعتبر» علىٰ ما حكي عنه، و قد حكي عن «المعتبر»: «أنّ ما في «الكافي» لعلّه من وَهْم الناسخ» «4». و أمّا الأردبيلي فطريقته المناقشة و عدم الاعتناء بالشهرات، و كذا متابعوه.

و من ذلك كلّه يقع الترديد فيما نقل عن ابن طاوس و الشهيد و ليس عندي كتابهما حتّى أتأمّل في عبارتهما، فمن المحتمل أن يكون قطعهما بالتدليس كان لأمر غير ما ذكر، كالاعتماد التامّ على «الكافي» و حفظه.

______________________________

(1) مصابيح الظلام 1: 21/ السطر الأخير (مخطوط)، مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 29، جواهر الكلام 3: 145 146.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 338/ السطر 29، مصابيح الظلام 1: 21/ السطر 27 (مخطوط).

(3) المهذّب 1: 35، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 57، السرائر 1: 146.

(4) المعتبر 1: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 47

و علىٰ أيّ حال: فالمسألة مشهورة فتوى،

و الخلاف لو ثبت شاذّ نادر، و قد ذكرنا في محلّه: أنّ الشهرة الفتوائية ليست من المرجّحات «1» حتّى يناقش بأنّ ما نحن فيه ليس من الروايتين المتعارضتين؛ بل بقيامها تمتاز الحجّة عن غيرها و أنّ المشتهرَ بين الأصحاب فتوى بيّنٌ رشده فيتّبع، و الشاذَّ النادرَ بيّنٌ غيّه فيجتنب.

و الإنصاف: أنّ الشهرة في مثل هذا الحكم المخالف للاعتبار و القواعد و التعبّدي المحض، حجّة معتبرة في نفسها مع قطع النظر عن الرواية، فضلًا عن المقام الذي يمكن حصول الاطمئنان باتكالهم علىٰ رواية أبان أو «الفقه الرضوي» فالمسألة من هذه الجهة خالية من الإشكال.

و أمّا ما يقال «من أنّ الحكم علىٰ خلاف الاعتبار، و أنّ القرحة قد تكون في الطرف الأيسر، و قد تكون محيطة بالمحلّ» «2»، فلا ينبغي الإصغاء إليه في الأحكام التعبّدية.

مع أنّ كيفية خروج الدم غير معلومة لنا، فلعلّ الغالب في خروج الحيض- إذا كانت المرأة مستلقية كذلك.

و كيف كان: لا يمكن رفع اليد عن الدليل المعتبر بمثل ذلك، مع دعوى شهادة النساء بما يوافق المشهور «3».

______________________________

(1) التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 168 و 177.

(2) مدارك الأحكام 1: 318، مستند الشيعة 2: 388.

(3) حاشية المدارك، ضمن مدارك الأحكام: 52، ذيل قوله «فيما يخرج» (ط. حجري)، جواهر الكلام 3: 146.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 48

الإشكال في مقتضى إطلاق رواية أبان

ثمّ إنّ إطلاق الرواية و ترك الاستفصال فيها و إن اقتضىٰ عدم الفرق بين الجهل بمحلّ القرحة و العلم به؛ سواء كانت في الأيمن أو الأيسر و دعوىٰ جهل المرأة بمحلّها غالباً، مع كون القرحة ذات ألم غالباً في غير محلّها لكنّ الالتزام به مع العلم بكون القرحة في الطرف الأيسر، في

غاية الإشكال. مع عدم إحراز فتوى الأصحاب في مثل تلك المسألة التي تكون علىٰ خلاف الاعتبار، فالاتكال علىٰ مثل ترك الاستفصال في القضية التي لا يبعد أن تكون شخصية مشكلٌ، تأمّل.

كما أنّ الظاهر أنّ تلك الأمارة خاصّة بدوران الأمر بين الحيض و القرحة، لا مطلقاً، و ما عن «المدارك»: «أنّ الجانب إن كان له مدخل في الحيض وجب اطراده، و إلّا فلا» «1» فهو كما ترى.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 318.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 49

المسألة الرابعة في سائر الاشتباهات بين دم الحيض و غيره

اشارة

فإنّ منشأ الشكّ في دم الحيض قد يكون فقدان الأمارة، كما لو اشتبه بدم الجرح مثلًا ممّا لم يرد فيه نصّ.

و قد يكون تعارض الأمارتين، كما لو رأت دماً فيه بعض صفات الحيض و بعض صفات الاستحاضة؛ إن قلنا بأمارية الصفات.

و قد يكون قصور اليد عن الوصول إلى الأمارة المحقّقة، كما لو علمت بتحقّق التطوّق أو الانغماس، لكن اشتبه عليها حاله لأجل مانع من ظلمة أو غيرها.

و قد يكون عدم التمكّن من استعمال الأمارة، كما لو غلب الدم، أو ضاق المجرىٰ. و من فقدان الأمارة ما إذا كان الاشتباه ثلاثيّ الأطراف أو أكثر، كما لو دار الأمر بين الحيض و الاستحاضة و القرحة، أو هي و الجرح أو العذرة؛ ممّا قصرت النصوص عن شمولها.

و أيضاً: قد يكون الشكّ لأجل الشكّ في المكلّف، كما لو شكّت الخنثىٰ في ذكورتها و أُنوثتها، فصار منشأً للشكّ في كون الدم حيضاً، أو شكّت في بلوغها أو يأسها، فصار منشأً لشكّها في كونه حيضاً.

و قد يكون الشكّ لأجل الشكّ في تحقّق شرط أو مانع، كما لو شكّت في كون الدم بعد العشرة أو لا، أو قبل الثلاثة أو لا، أو

شكّت في تحقّق الفصل المعتبر بين الدمين.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 50

و قد يكون لأجل الشكّ في شرطية شي ء، كالتوالي ثلاثة أيّام، أو مانعية شي ء، كالفترات اليسيرة بين ثلاثة أيّام.

و قد يكون لأجل الشكّ في تحقّق شرطه بعدُ، كالمبتدئة التي تشكّ في استمرار دمها إلىٰ ثلاثة أيّام.

إلىٰ غير ذلك، كالشكّ في كونه حيضاً مع وجدان الشرائط و فقدان الموانع بحسب الأدلّة الشرعية، و مع تحقّق ما تحتمل شرطيته و فقدان ما تحتمل مانعيته بحسب الشبهات الحكمية، لكن مع ذلك تشكّ في الحيضية لأجل بعض الاحتمالات الشخصية الجزئية التي تختلف بحسب اختلاف الحالات و الأمزجة. هذه هي نوع الشكوك الواقعة أو ممكنة الوقوع للنساء.

فيقع الكلام في أنّه مع فقدان الأمارات أو تعارضها أو عدم إمكان التعويل عليها، هل تكون قاعدة شرعية أو عقلائية ممضاة ترفع الشكّ شرعاً، و تكون معوّلًا عليها لدى الشبهة، أو لا؟ و على فرض وجودها، فما حدّها سعةً و ضيقاً؛ و هل يمكن رفع جميع الشكوك المتقدّمة بها، أو تختصّ ببعضها؟

الكلام في قاعدة الإمكان
اشارة

و ليعلم: أنّ ما هو الدائر في الألسن و المشتهر بين الأصحاب في المقام؛ هو قاعدة الإمكان، و هي: «أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» و قد تكرّر نقل الإجماع عليها، و أرسلوها إرسال المسلّمات «1»، فلا بدّ من بسط الكلام فيها موضوعاً، و مدركاً و مورداً

______________________________

(1) المعتبر 1: 203، جامع المقاصد 1: 288، مفتاح الكرامة 1: 345/ السطر 20، رياض المسائل 1: 345، جواهر الكلام 3: 163 164.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 51

موضوع قاعدة الإمكان

أمّا الأوّل: فيحتمل في بادئ الأمر أن يكون «الإمكان» بمعنى الاحتمال بقول مطلق، فيشمل جميع الصور من الشكوك المتصوّرة؛ لمساوقة الشكّ للاحتمال، أو أعمّيته من الشكّ.

و أن يكون بمعنى عدم الامتناع بحسب القواعد الشرعية؛ أي إذا لم يرد دليل شرعي علىٰ عدم حيضيته بحسب نفس الأمر؛ وصل إلينا أو لم يصل.

و أن يكون بمعنى عدم الامتناع بحسب ما وصل إلينا من القواعد الشرعية؛ أي إذا لم يدلّ دليل شرعي علىٰ عدم حيضيته، و أُحرز عدم امتناعه كذلك، لا بمعنى الإمكان العامّ حتّى يشمل مورد قيام الأمارة على الحيضية، بل بمعنى أنّه إذا لم يقم أمارة و دليل شرعي على الطرفين، تكون القاعدة معوّلًا عليها. و لعلّ هذا مراد من قال: «إنّ الإمكان هو الاحتمالي، لكن الاحتمال المستقرّ» «1».

و أن يكون بمعنى الإمكان الذاتي و عدم الامتناع ذاتاً؛ أي سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم بالحيضيّة.

هذا، لكنّ الاحتمال الأخير غير صحيح؛ لأنّ المراد من «الدم» هو الدم الخارجي الموجود، لا ماهية الدم، و الدم الموجود إمّا واجب الحيضية، أو ممتنعها. و كذا الاحتمال الثاني؛ فإنّ العلم بالواقعيات غير حاصل للمكلّفين، فتقييد الموضوع بأمر

غير محقّق، موجب للغوية القاعدة.

فيبقى الاحتمال الأوّل و الثالث:

و لازم الاحتمال الأوّل هو الحكم بحيضية كلّ محتمل إلّا ما قام دليل علىٰ

______________________________

(1) الروضة البهيّة 1: 374، روض الجنان: 73/ السطر 1 6، رياض المسائل 1: 345.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 52

خلافها. بل المعوّل عليه هو القاعدة في موارد الشبهات المصداقية لأدلّة جعل الأمارات، فلو شكّت في تحقّق أمارة العذرة أو الاستحاضة مثلًا، فلا يجوز التمسّك بدليلهما، و معه ينسلك في موضوع القاعدة؛ لأنّ موضوعها هو الاحتمال، و مع عدم إحراز الأمارة يتحقّق الاحتمال الذي هو موضوعها، و كذا في تعارض الأمارتين.

و لازم الثاني هو الحكم بحيضية ما أُحرز استجماعه للشرائط المقرّرة له، فقبل استمرار الدم إلىٰ ثلاثة أيّام، لا يحكم بالحيضية إلّا إذا أُحرز الشرط بالأصل. و كذا مع الشبهة المصداقية للقواعد المقرّرة الشرعية؛ لعدم إحراز الإمكان بحسب القواعد المقرّرة. و كذا مع الشكّ في قيام الأمارة بعد إحراز أماريتها، كما لو اشتبهت الأمارتان لأجل الظلمة مثلًا؛ لعدم إحراز موضوع القاعدة؛ و هو الإمكان الواقعي بالنظر إلى المقرّرات الشرعية. ثمّ إثباتُ أنّ «الإمكان» في موضوع القاعدة بأيّ معنى يكون، تابعٌ للدليل الدالّ عليه.

دليل قاعدة الإمكان
اشارة

و أمّا الثاني: فقد استدلّ عليها بوجوه:

الأوّل: أصالة السلامة

و قد عوّل عليها في «الرياض» «1» و قرّبها في «مصباح الفقيه» بما لا مزيد عليه. و محصّله: أنّ أصل السلامة أصل معتبر معتمد عليه عند العقلاء كافّةً في جميع أُمورهم معاشاً و معاداً، و يشهد به تتبّع الأخبار و سيرة العقلاء؛ و أنّ دم الحيض تقذفه الرحم بمقتضىٰ طبعها و مع عدم انحرافها عن

______________________________

(1) رياض المسائل 1: 345.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 53

حالتها الطبيعية، و أمّا سائر الدماء حتّى دم الاستحاضة فدماء غير طبيعية منشؤها خلل في المزاج أو آفة، فلا يعتني العقلاء باحتمال ينافي أصالة السلامة، فعند الاشتباه بين دم الحيض و غيره، لا بدّ من البناء على الحيضية عملًا بأصل السلامة.

ثمّ بالغ في التأييد و الاستشهاد بطوائف من الأخبار يأتي الكلام فيها إن شاء اللّٰه «1» و جعل جميعها دليلًا علىٰ كون الأصل في دم النساء هو الحيضية، و أنّ ملاحظة سيرة النساء و الأسئلة و الأجوبة الواردة في الأخبار، تكاد تُلحق المسألة بالبديهيات .. إلىٰ آخر ما فصّل و قرّر «2».

و يمكن المناقشة فيه بوجوه:

منها: أنّ بناء النساء علىٰ أنّ الدم المقذوف حيض لو سلّم، فكونه لأجل الاتكال علىٰ أصل السلامة غير مسلّم، خصوصاً مع هذه الحدود التي قرّرها الشارع، فلو علمت المرأة: أنّ الدم بأيّ صفة و في أيّ وقت خرج، إذا لم يبلغ ثلاثة أيّام، و نقص منها و لو ساعة واحدة، ليس بحيض شرعاً، و كذلك الدم المتجاوز عن العشرة و لو قليلًا، و الدم الخارج قبل تمام عشرة أيّام من الحيضة السابقة .. و هكذا، فهل تبنى على الحيضية بمجرّد رؤية الدم اتكالًا علىٰ

أصالة الصحّة، فتحكم باستمراره إلىٰ ثلاثة أيّام، و هل ترى أنّ العقلاء يحكمون بأنّ الدم مع انقطاعه قبل ثلاثة أيّام بساعة، من انحراف المزاج، بخلافه إذا استمرّ إلىٰ تمام الثلاثة؟! و الذي يمكن أن يقال: إنّ بناء النساء علىٰ حيضية الدم غالباً، غير قابل للإنكار، لكن لا لأجل الاتكال علىٰ أصالة الصحّة، بل معهودية الدم،

______________________________

(1) ستأتي في الصفحة 55 64.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 271/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 54

و الحالات التي تعرضهنّ في حال خروج الدم أو قبله، و الأوصافُ و الخصوصيات التي للدم المعهود، و غيرُ ذلك من الغلبة و غيرها، صارت موجبة لقطعهنّ أو اطمئنانهنّ بكون الدم هو المعهود من النساء، و أمّا الاتكال علىٰ مجرّد أصالة الصحّة لو فرض عدم وجود الغلبة و القرائن و العلائم التي للدم و للمرأة في قرب رؤيته أو حينها فغير معلوم، لو لم نقل: إنّه معلوم العدم.

و منها: أنّه بعد تسليم جريانِ أصالة الصحّة و كونِ اتكالهنّ عليها، لا يمكن أن تكون دليلًا علىٰ قاعدة الإمكان؛ سواء فسّرناها بالمعنى الأوّل من المعاني المتقدّمة، أو بالثالث؛ ضرورة أنّ أصالة السلامة ليست من الأُصول التعبّدية، فإنّه مضافاً إلىٰ عدم ثبوت التعبّد في الأُمور العقلائية، لازمه أن لا نحكم على الدم بالحيضية؛ لأنّ الحيضية من لوازم صحّة المزاج و سلامته، فأصالة السلامة مجراها المزاج، و لازم صحّة الرحم أن يكون قذفها طبيعياً، و لازم ذلك كون الدم حيضاً و كون المرأة حائضاً، فلا محيص لإثبات المدعىٰ.

إلّا أن يدعىٰ: أنّ أصالة السلامة طريق عقلائي لإثبات متعلّقه، و أنّ الظنّ الحاصل لأجل الغلبة و غيرها طريق إلى السلامة، و مع ثبوتها تثبت لوازمها.

فمع تسليم

هذه الأمارة العقلائية و الغضّ عن المناقشة فيها، لا يمكن أن تكون مبنى القاعدة؛ لأنّ مفاد القاعدة: أنّ ما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض، بمجرّد احتمال الحيضية على المعنى الأوّل، أو إمكانها أي عدم الدليل علىٰ خلافها على المعنى الثاني، و مع قيام الأمارة على الحيضية يخرج المورد عن موضوع القاعدة، و كيف يمكن أن يكون دليل الشي ء مُعدِماً لموضوعه؟! و بعبارة اخرىٰ: أنّ موضوع القاعدة هو إمكان الحيضية، فوجوب الحيضية و امتناعها خارجان عن مصبّها. إلّا أن يفسّر «الإمكان» بالإمكان العامّ أي سلب الضرورة عن الجانب المخالف بالنظر إلى القواعد الشرعية حتّى

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 55

لا ينافي الوجوب، و هو كما ترى؛ فإنّ مرجعها في كثير من الموارد أو جميعها أنّ كلّ ما يجب أن يكون حيضاً فهو حيض، و أنّ كلّ ما دلّت الأدلّة الشرعية و الأمارات المعتبرة علىٰ حيضيته، فهو حيض.

فلا محيص عن أن يقال: إنّ قاعدة الإمكان قاعدة برأسها، مؤسّسة للحكم بالحيضية فيما لم يدلّ دليل علىٰ أحد الطرفين، و كانت المرأة فاقدة الأمارة، فتأسيس القاعدة لرفع الشكّ عند فقد الأمارة. و الالتزام بكونها منتزعة من موارد قيام الأدلّة على الحيضية إنكار لأصل القاعدة.

و منها: أنّه علىٰ فرض تسليم ذلك، لا تفي أصالة السلامة بجميع موارد قاعدة الإمكان، ففي مورد تعارض الأمارتين، أو الجهل بالأمارة القائمة، أو كون المرأة في معرض اختلال المزاج و انحرافه، لا مصير إلىٰ أصالة الصحّة، مع أنّ موضوع القاعدة يشملها. فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الاستدلال بأصالة السلامة لإثبات المدعىٰ، ممّا لا مجال له.

الثاني: التمسّك بطوائف من الأخبار

إمّا مستقلا، أو مؤيّداً بها لأصالة السلامة «1»:

منها: ما وردت في تحيّض الحامل معلّلة بأنّ

الحبلىٰ ربّما قذفت بالدم

كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سأل عن الحبلىٰ ترى الدم، أ تترك الصلاة؟ قال نعم؛ إنّ الحبلىٰ ربّما قذفت بالدم «2».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 271/ السطر 36.

(2) الكافي 3: 97/ 5، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 56

و قريب منها مرسلة حَريز «1». و هي تدلّ علىٰ أنّ احتمال قذف الدم موضوع للتحيّض، و هذا هو قاعدة الإمكان.

و فيه: أنّ الحكم لمّا كان محلّ خلاف بين العامّة و كان أبو حنيفة منكراً لاجتماع الحيض مع الحبل «2»، وردت هذه الروايات لرفع استبعاد اجتماعهما، و لهذا ترى في بعضها ذكر وجه خروج دم الحيض،

كصحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك، الحبلىٰ ربّما طمثت؟ قال نعم؛ و ذلك أنّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدم، فربّما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة «3».

فقوله إنّ الحبلىٰ ربّما قذفت بالدم إخبار عن الواقع لرفع الاستبعاد، لا للتعبّد بجعل الدم حيضاً بمجرّد الاحتمال.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 56

كما ترى أنّ ما

في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ، ترى الدم؟ قال نعم؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم و هي حبلىٰ «4»

كالصريح فيما ذكرنا؛ فإنّ قوله نعم جواب سؤاله: بأنّ الحبلىٰ ترى الدم أو لا؟ و قوله إنّه

ربّما قذفت .. إخبار عن واقع محفوظ، و لا معنى للتعبّد في هذا المقام.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1186، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 9.

(2) انظر الخلاف 1: 239، المغني، ابن قدامة 1: 371، فتح العزيز، ذيل المجموع 2: 576.

(3) الكافي 3: 97/ 6، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 14.

(4) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1188، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 57

و لا يخفىٰ: أنّ مضمون الروايات التي ذكر فيها هذه الجملة واحد،

فقوله في صحيحة عبد اللّٰه المتقدّمة: «إنّ الحبلىٰ ترى الدم، أ تترك الصلاة؟»

مراده أنّها ترى الدم المعهود مثل سائر النساء، فهل عليها أن تترك الصلاة أو لا؟

و لهذا عرِّف «الدم» في الروايات باللام، كما ترى

في صحيحة عبد الرحمن قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الحبلىٰ، ترى الدم و هي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر، هل تترك الصلاة؟ قال تترك الصلاة إذا دام «1»

و

في صحيحة ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ، ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر .. «2» الحديث

أنّ السؤال عن ترك الصلاة بعد الفراغ عن كون الدم في أيّام العادة أو بصفات الحيض؛ لاحتمال أن لا يجتمع الحيض و الحبل، كما قال أبو حنيفة.

و كيف كان: فالتأمّل في الروايات يورث القطع بعدم كونها في مقام إفادة القاعدة.

بل يمكن أن يُدعىٰ: أنّ في أخبار جواز اجتماع الحمل و الحيض، ما يشهد بعدم اعتبار قاعدة الإمكان؛ للإرجاع إلى الصفات،

ففي صحيحة أبي

المغراء إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ، و إن كان قليلًا فلتغتسل عند كلّ صلاتين «3».

و

في موثّقة إسحاق إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين، و إن كان

______________________________

(1) الكافي 3: 97/ 4، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 97/ 3، تهذيب الأحكام 1: 387/ 1194، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1191، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 58

صفرة فلتغتسل عند كلِّ صلاتين «1».

و

في رواية محمّد بن مسلم إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، و إن كان دماً قليلًا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء «2».

فتحصّل: أنّ الاستدلال بهذه الروايات للقاعدة في غير محلّه.

و منه يظهر حال ما دلّ على التحيّض قبل وقت حيضها معلّلًا ب «إنّه ربّما تعجّل بها الوقت و هو

موثّقة سَماعة قال: سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، فقال إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت «3».

فإنّ الظاهر أنّ قوله ربّما تعجّل بها الوقت ليس بصدد بيان أنّ مجرّد احتمال التعجّل موضوع للحكم بالحيضية، بل بصدد أنّ الدم المعهود للنساء إذا جرىٰ قبل العادة، فهو من الحيض، و يكون من تعجّل الوقت؛ فإنّ العادة في النساء ليست مضبوطة بالدقّة بحيث لا تتقدّم يوماً أو يومين، بل كثيراً ما يتعجّل الوقت فيكون من العادة.

بل يمكن دعوى إشعارها أو دلالتها بعدم اعتبار قاعدة الإمكان؛ فإنّها لو كانت معتبرة، و كان كلُّ دم يمكن أن يكون حيضاً محكوماً بالحيضية، لم

يكن وجه لتخصيص الحكم بما يصدق عليه عرفاً عنوان «تعجّل الوقت» و قد حدّده

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(3) الكافي 3: 77/ 2، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 59

في بعض الروايات بيوم أو يومين فالتقييد بذلك لأجل أمارية العادة للحيض، لكن لا بمعنى أنّها منضبطة بحيث لا تتقدّم قليلًا أو لا تتأخّر كذلك.

و بالجملة: لا يستفاد من مثل تلك الرواية قاعدة الإمكان.

و ممّا استدلّ «1» به لها ما دلّ علىٰ أنّ ما رأت قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ، و إن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة «2».

و

روايته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ؛ و إذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى مستقبلة «3».

و

رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه في أبواب العدد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة إذا طلّقها زوجها، متى تكون هي أملك بنفسها؟ قال إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها.

قلت: فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قُرْئها؟ فقال إن كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها، و هو من الحيضة التي طهرت منها، و إن

كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة، و هي أملك بنفسها «4».

______________________________

(1) راجع رياض المسائل 1: 345 346، مصباح الفقيه، الطهارة: 271/ السطر 33.

(2) الكافي 3: 77/ 1، تهذيب الأحكام 1: 159/ 454، وسائل الشيعة 2: 298، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 156/ 448، وسائل الشيعة 2: 296، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 11.

(4) الكافي 6: 88/ 10، وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 17، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 60

دلّت هذه الأخبار علىٰ أنّ الدم بمجرّد رؤيته محكوم بالحيضية، لكن إذا كان قبل العشرة فهو من الاولىٰ، و إذا كان بعدها فهو من الثانية.

و أنت خبير: بأنّ الظاهر من الروايات مفروغية كون الدم حيضاً، و أنّ محلّ البحث كونه من الأُولىٰ أو الثانية.

و بعبارة اخرىٰ: أنّها في مقام بيان أنّ أيّ دم من الحيضة الأُولىٰ، و أيّ دم من الحيضة الثانية، لا في مقام بيان أنّ كلّ ما رأته فهو من الحيض.

و ممّا يوضح ذلك قوله

في رواية ابن مسلم أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة

فإنّ قوله إذا رأت الدم .. عقيب ذلك يؤكّد أن المراد منه هو دم الحيض. كما أنّ

قوله في الرواية الأخيرة فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قُرْئها

كالصريح في تعجّل دم الحيض، فقوله إن كان الدم قبل عشرة أيّام .. إلىٰ آخره جواباً عن ذلك، ظاهر في أنّ الكلام بعد فرض حيضية الدم.

و توهّم عدم علمها بالحيضية لولا القاعدة مدفوع بأنّ النساء كثيراً ما علمن بها بواسطة القرائن و الأمارات التي عندهنّ. مع أنّ الشارع جعل للحيض طريقاً إذا اشتبه بالاستحاضة،

و الاشتباه قلّما يتفق في غيرهما.

و بالجملة: استفادة مثل تلك القاعدة من مثل تلك الروايات، غير ممكن.

و منها:

صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل: في امرأة نفست، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً، ثمّ طهرت، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، قال تدع الصلاة؛ لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس «1».

حيث حكم بالحيضية بمجرّد عدم الامتناع و خروج أيّام الطهر.

______________________________

(1) الكافي 3: 100/ 1، تهذيب الأحكام 1: 402/ 1260، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 61

و فيه أوّلًا: أنّ تلك الرواية في عداد سائر الروايات التي دلّت علىٰ أنّ أيّام النفاس، يمكن أن تكون ثلاثين يوماً أو أزيد «1» ممّا أعرض أصحابنا عنها «2». مع أنّ ظاهرها أنّ أيّام النفاس تجتمع مع أيّام الطهر، و هو أيضاً يوجب الاضطراب في المتن؛ و إن أمكن تأويله بالحمل علىٰ أيّام النفاس عرفاً و إن لم يكن واقعاً و شرعاً، لكنّه تأويل بعيد ينافي تقريره ترك الصلاة ثلاثين يوماً.

إلّا أن يقال: إنّ

قوله لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس

في مقام الردع عن ترك الصلاة؛ فإنّ أيّام النفاس ليست أيّام الطهر عيناً، فيحمل علىٰ أنّ الثلاثين ليست أيّام النفاس جميعاً، بل بعضها أيّام النفاس، و بعضها أيّام الطهر، فيكون قد أظهر الحكم الواقعي تحت حجاب التقيّة.

و ثانياً: أنّ المراد من «الدم» هو دم الحيض مقابل الصفرة، و هو أمارة الحيض عند دوران الأمر بينه و بين الاستحاضة. و الشاهد عليه مضافاً إلىٰ أنّ «الدم» في الروايات ذُكر في مقابل الصفرة

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا إبراهيم

(عليه السّلام) عن امرأة نفست، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر، ثمّ طهرت و صلّت، ثمّ رأت دماً أو صفرة، قال إن كان صفرة فلتغتسل و لتصلّ، و لا تمسك عن الصلاة «3».

و روى الشيخ مثلها، إلّا أنّه قال: فمكثت ثلاثين ليلة أو أكثر، و زاد في آخرها

فإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها، ثمّ لتغتسل

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 13 و 16 و 17 و 18.

(2) جواهر الكلام 3: 378 379.

(3) الكافي 3: 100/ 2، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 62

و لتصلّ «1»

فتدلّ علىٰ أنّ مرجعها الصفات، لا قاعدة الإمكان، و الإنصاف أنّها علىٰ خلاف المطلوب أدلّ.

و منها:

صحيحة يونس بن يعقوب أو موثّقته «2»، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة .. قال تدع الصلاة؛ تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم، و إلّا فهي بمنزلة المستحاضة «3»

و قريب منها رواية أبي بصير «4».

لكنّ التمسّك بمثلهما لا يجوز؛ للزوم كون الحيض أكثر من عشرة أيّام، أو كون الطهر أقلّ منها، و كلاهما خلاف الواقع، فلا بدّ من طرحهما أو توجيههما، و قد وجّههما الشيخ و المحقّق بما لا بأس به «5».

هذا مع أنّ قوله: «ترى الدم» في مقابل «ترى الطهر» أي ترى الحيض

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 176/ 503، الإستبصار 1: 151/ 523، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 3.

(2) رواها الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير،

عن يونس بن يعقوب.

و الرواية صحيحة أو موثّقة؛ لأنّ يونس بن يعقوب مردّد بين كونه ثقةً أو موثّقاً، فإنّه كان فطحياً ثمّ رجع.

و لكن لا يخفى أنّ الرواية صحيحة عند المصنّف كما يأتي التصريح بها في الصفحة 123، 176، 364.

راجع تنقيح المقال 3: 344 345 (أبواب الياء).

(3) الكافي 3: 79/ 2، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1179، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 1: 380/ 1180، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 3.

(5) الاستبصار 1: 132، ذيل الحديث 454، المعتبر 1: 207.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 63

و الدم المعهود. مضافاً إلىٰ أنّ الرواية في مقام بيان حكم آخر، و لا يمكن أن يتمسّك بها للمقام، كما لا يخفى.

و منها: ما دلّ علىٰ أنّ الصائمة تفطر بمجرّد رؤية الدم «1». و لا يخفىٰ ما فيه بعد الرجوع إليها.

كما لا يخفى ما في التمسّك بقوله: «و الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض»

كصحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «2»

إذ لا إشكال في أنّ الظاهر من «الأيّام» خصوصاً قوله أيّامها هو أيّام العادة، دون أيّام الإمكان كما قيل «3».

و منها:

صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة ذهب طمثها سنين، ثمّ عاد إليها شي ء، قال تترك الصلاة حتّى تطهر «4».

فإنّ عود شي ء أعمّ من الموصوف بصفات الحيض و غيره، و في زمان العادة و غيره.

و فيه: أنّ ظاهر العود

مجي ء الطمث. مع أنّ الأخذ بإطلاق قوله: «شي ء» لا معنىٰ له، فلا بدّ من تقدير، و الظاهر أنّ التقدير: «عاد إليها شي ء من الطمث» فإنّه ذهب فعاد، و لا أقلّ من احتماله، و معه لا يجوز التمسّك به للقاعدة.

______________________________

(1) كخبر منصور بن حازم، تهذيب الأحكام 1: 394/ 1218، وسائل الشيعة 2: 366، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 50، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

(3) جواهر الكلام 3: 169، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 223/ السطر 20.

(4) الكافي 3: 107/ 1، تهذيب الأحكام 1: 397/ 1234، وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 32، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 64

الثالث: الإجماع

كما في «الخلاف» و حكي عن «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «النهاية» و بعض من تأخّر عنهما.

و فيه: مضافاً إلىٰ وهن دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة التي كثرت الأخبار و القواعد فيها؛ بحيث يمكن اتكال القوم عليها، فكيف يمكن حصول العلم أو الاطمئنان بوجود شي ء آخر غير تلك الأدلّة كان هو منشأ الإجماع؟! أنّ في أصل الدعوىٰ تأمّلًا و إشكالًا، فلا بدّ من نقل عباراتهم حتّى يتّضح الحال:

قال في «الخلاف»: «الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض، و في أيّام الطهر طهر؛ سواء كانت أيّام العادة، أو الأيّام التي يمكن أن تكون حائضاً فيها، و علىٰ هذا أكثر أصحاب الشافعي ..» «1».

إلىٰ أن قال: «دليلنا علىٰ صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة، و قد بيّنا أنّ إجماعها حجّة».

و أيضاً:

روىٰ محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة

في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «2»

ثمّ تمسّك برواية أبي بصير «3».

و قد نقل «4» عن «المبسوط» تفسير قوله «و الصفرة و الكدرة في أيّام

______________________________

(1) المحلّى بالآثار 1: 388، المجموع 2: 384.

(2) الكافي 3: 78/ 2، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1231، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 2.

(3) الخلاف 1: 235.

(4) جواهر الكلام 3: 165 166.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 65

الحيض حيض» بأيّام الإمكان «1»، فكأنّ الشيخ فهم من قوله أيّامها و أيّام الحيض أيّامَ الإمكان، فحينئذٍ من الممكن مطابقة عبارات الأصحاب أو جملة منهم لهذا النصّ الذي استند إليه، و قد فهم الشيخ منها ما فهم، و أسند إليهم الحكم باجتهاده، فصارت المسألة بتخلّل اجتهاده إجماعية.

و بالجملة: بعد استظهار الشيخ أيّامَ الإمكان من أيّامها في مثل رواية ابن مسلم لا يبقى وثوق بنقل إجماعه؛ لإمكان استظهاره ذلك من عبارات الفقهاء أيضاً، خصوصاً مع دعواه: «أنّ الفقهاء كان بناؤهم علىٰ عدم التخطّي عن النصوص، بل عن عباراتها أيضاً».

هذا مع أنّ في مطلق إجماعات «الخلاف» كلاماً علىٰ نحو الكلام الذي في إجماعات «الغنية».

و عن «المعتبر»: «و ما تراه المرأة بين الثلاثة إلى العشرة حيض إذا انقطع، و لا عبرة بلونه ما لم يعلم أنّه لقرح أو لعذرة، و هو إجماع. و لأنّه زمان يمكن أن يكون حيضاً، فيجب أن يكون الدم فيه حيضاً» «2».

و عن «المنتهىٰ»: «كلّ دم تراه المرأة ما بين الثلاثة إلى العشرة ثمّ ينقطع عليها، فهو حيض ما لم يعلم أنّه لعذرة أو قرح، و لا اعتبار باللون، و هو

مذهب علمائنا أجمع، و لا نعرف مخالفاً؛ لأنّه في زمان يمكن أن يكون حيضاً، فيكون حيضاً» «3».

و عن «النهاية»: «كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً و ينقطع على العشرة، فإنّه حيض سواء اتفق لونه أو اختلف، قوي أو ضعف إجماعاً» ثمّ استدلّ

______________________________

(1) المبسوط 1: 43.

(2) المعتبر 1: 203.

(3) منتهى المطلب 1: 98/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 66

بأنّه دم في زمان يمكن .. إلىٰ آخره «1».

و أنت خبير: بأنّ شيئاً من تلك الكلمات، لا يدلّ علىٰ دعوى الإجماع على القاعدة، بل يكون محلّ كلامهما هو المسألة الفرعية؛ و هي ما ترى المرأة بين الثلاثة إلى العشرة، فادعيا الإجماع علىٰ هذه المسألة الفرعية، و أضافا التمسّك بالقاعدة من غير دعوى الإجماع عليها.

و توهّم كون موضوع كلام العلّامة في «النهاية» قاعدة الإمكان، فاسد جدّاً؛ للزوم المصادرة و الاستدلال على القاعدة بنفسها.

فمن المحتمل بعيداً أن يكون مفروض كلامهما بعد مفروغية كون الثلاثة حيضاً، و يكون مستندهما في حيضية الزائد إلى العشرة، هو الاستصحاب. و ذكر إمكان حيضية الدم لتنقيح موضوع الاستصحاب، لا التمسّك بالقاعدة، كما عن «الذكرى» «2»:

«أنّ ما بين الأقلّ و الأكثر حيض مع إمكانه و إن اختلف لونه؛ لاستصحاب الحيض، و لخبر سماعة «3»».

و معلوم أنّ التمسّك بالاستصحاب بعد مفروغية كون الدم في الثلاثة حيضاً.

و ممّا ذكرنا يتضح حال دعوى عدم الخلاف و الإجماع و الشهرة من المتأخّرين و المقاربين لعصرنا؛ لعدم الوثوق بها في هذه المسألة التي مرّ حالها من ترامي الأدلّة و الاستدلالات فيها. و طريق الاحتياط واضح، و هو سبيل النجاة.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 118 و 134، انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 222/ السطر الأخير.

(2) ذكرى الشيعة

1: 231.

(3) تهذيب الأحكام 1: 161/ 462، وسائل الشيعة 2: 309، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 67

في مقدار سعة قاعدة الإمكان

و أمّا الثالث: أي بيان موردها و مقدار سعة نطاقها، فهو تابع لمدرك القاعدة، فيختلف باختلافه.

فإن كان مثل أصالة السلامة، فيلاحظ بناء العقلاء في الإجراء و الاستناد، و لا إشكال في عدم مورد لجريانها إلّا فيما شكّ موضوعاً؛ في أنّ الدم الخارج منها هو الدم الطبيعي المقذوف من الرحم السالم أو لا، و كان منشأ الشكّ فيها هو الشكّ في السلامة و الانحراف، دون سائر الموارد من الشبهات الحكمية، أو الشكّ في تحقّق ما يعتبره الشارع، أو الشبهة الحاصلة من تعارض الأمارات، أو عدم إمكان العلم بالأمارة الموجودة، أو عدم إمكان استعمال الأمارة .. و غير ذلك من الشبهات المتقدّمة «1».

و إن كان المستند هو الروايات، فلا بدّ من ملاحظة مفاد المستند، و أشملها دلالةً على الفرض هو روايات اجتماع الحمل و الحيض و ما دلّ علىٰ أنّ الوقت ربّما يعجّل بها و رواية النفاس «2» و شي ء منها لا يدلّ إلّا على البناء على الحيض في الشبهة الموضوعية و الشكّ في أنّ الدم الخارج حيض أو لا؛ فإنّ الظاهر من الروايات الواردة في الحمل، أنّ الشبهة كانت في أنّ الحامل تقذف الحيض، أو لا تقذف؛ لكون الدم غذاء ولدها، فدلّت الروايات علىٰ أنّ الغذاء قد يزيد عن الطفل، فتقذفه الرحم.

و أمّا سائر الشكوك كالشكّ في اعتبار الشارع أمراً في لزوم ترتّب الآثار،

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 55.

(2) تقدّم بعض الروايات في الصفحة 55 61.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 68

أو الشكّ في

تحقّق ما اعتبره الشارع .. و أمثال ذلك فلا دلالة فيها بالبناء عليها بوجه. و منه يظهر حال سائر الروايات.

و أمّا الإجماع، فالقدر المتيقّن منه الشبهة الموضوعية؛ بعد إحراز ما له مدخل في الحكم بالحيضية، كالبلوغ و عدم اليأس و الاستمرار إلىٰ ثلاثة أيّام. بل مع الشبهة الحكمية في دخل شي ء فيه كالشكّ في شرطية التوالي مثلًا، أو مانعية شي ء يشكل التمسّك بالقاعدة؛ لعدم ثبوت الإجماع في مثله أيضاً علىٰ فرضه.

و الإنصاف: أنّ القاعدة بنفسها غير ثابتة، و بعض الفروع التي ادعي الإجماع فيها لو ثبت قيامه عليها، كالفرع المتقدّم الذي سيأتي الكلام فيه «1» نلتزم به؛ لا لأجل القاعدة، بل للإجماع في المسألة الفرعية.

حول أمارية القاعدة و أصليتها و بيان نسبتها مع غيرها

ثمّ إنّ القاعدة علىٰ فرض تماميتها في كونها أصلًا أو أمارة، تابعة لمدركها:

فإن كان المدرك لها هو أصالة السلامة، و قلنا بأماريتها أو الظنّ الحاصل لأجل الغلبة، فتكون أمارة.

و إن كان المدرك لها الإجماع و الأخبار، فلا تكون إلّا أصلًا معوّلًا عليه لدى الشبهة.

ثمّ إنّ تقديمها على الاستصحاب بناءً علىٰ أماريتها واضح أصلًا و كيفيةً. و أمّا بناءً علىٰ أصليتها فمقدّمة عليه أيضاً؛ للزوم لغويتها لو عملنا بالاستصحاب؛

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 175.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 69

لنُدرة مورد لا يكون فيه استصحاب.

و تأخّرها عن سائر الأمارات الشرعية على الأصلية، واضح. و أمّا على الأمارية فلأنّ جعل الأمارات الشرعية لغير الحيض رادع عن بناء العقلاء، فلو دار الأمر بين الحيض و الاستحاضة في المبتدئة مثلًا، و قلنا بأمارية البرودة و الصفرة و الفتور للاستحاضة، فلا مجال للتمسّك بالقاعدة حتّى على الأمارية، لعدم اعتبار بناء العقلاء مع قيام الأمارة علىٰ خلافه.

هذا تمام الكلام في قاعدة الإمكان.

و قد

تحصّل عدم اعتبارها، فمع الشكّ في كون دمٍ حيضاً أو غيره ممّا لم تقم أمارة أو دليل علىٰ رفع الشبهة لا محالة يرجع الأمر إلى الأُصول الشرعية؛ موضوعية أو حكمية، و اللّٰه العالم.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 71

المطلب الثاني في حدود الحيض و قيوده و شرائطه

اشارة

و هي أُمور:

الأمر الأوّل: في اشتراط الحيض ببلوغ تسع سنين

اشارة

لا إشكال نصّاً و فتوى في أنّ ما تراه الصبيّة قبل بلوغها تسعاً، ليس بحيض و إن كان مع الصفات و المميّزات، و قد تكرّر دعوى الإجماع عليه «1»، و تدلّ عليه بعده

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) ثلاث يتزوّجن علىٰ كلّ حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض.

قال: قلت: و ما حدّها؟ قال إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين .. «2».

و ليس في سندها من يمكن التوقّف فيه إلّا سهل بن زياد و هو مورد وثوق على الأصحّ «3».

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 116، ذكرى الشيعة 1: 228، مستند الشيعة 2: 374.

(2) الكافي 6: 85/ 4، وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 2، الحديث 4.

(3) سيأتي وجهه في الصفحة 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 72

و رواها الشيخ بسند فيه الزبيري «1» و فيه توقّف و إن لم يبعد وثاقته.

و الظاهر منها أنّ الحدّ هو تمام التسع؛ لأنّ «تسع سنين» لا تصدق إلّا من حين الولادة إلىٰ آخر التسعة، فإتيان تسع سنين لا يكون إلّا بتمامها؛ للفرق بين قوله: «أتى لها تسع سنين» و قوله: «أتى لها السنة التاسعة» فمع ورودها في التاسعة أتى لها السنة التاسعة، و لكن أتى لها أقلّ من تسع سنين، كما أنّها لم تبلغ تسع سنين، كما في روايته الأُخرىٰ.

كما أنّ المراد منه التحقيق لا التقريب.

لا لما قيل: «إنّ الظاهر من مقام التحديد هو ذلك» «2» و إن لم يخلُ من وجه.

و لا لما قيل: «من أنّ تطبيق المفاهيم على المصاديق يكون بالدقّة العقلية، لا بتشخيص العرف» «3» فإنّه ضعيف؛ لأنّ

مبنىٰ مخاطبات الشرع معنا كمخاطبات بعضنا مع بعض، و لا شبهة في أنّ المخاطبات العرفية لا تكون مبنية على الدقّة العقلية؛ لا مفهوماً و لا في تشخيص المصاديق.

فإذا قال: «اغسل ثوبك من الدم» فكما أنّ مفهومه يؤخذ من العرف، كذلك المعوّل عليه في تشخيص المصداق هو العرف، فلون الدم دم عقلًا،

______________________________

(1) رواها الشيخ بإسناده، عن عليّ بن الحسن، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

قال الشيخ في المشيخة: «و ما ذكرته في هذا الكتاب عن عليّ بن الحسن بن فضّال فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه و إجازة عن عليّ بن محمّد بن الزبير عن عليّ بن الحسن بن فضّال»، تهذيب الأحكام، المشيخة 10: 55.

تهذيب الأحكام 7: 469/ 1881، وسائل الشيعة 22: 183، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 3، الحديث 5.

(2) مستند الشيعة 2: 374.

(3) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 574 575.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 73

لكن لا يجب غسله؛ لعدم كونه دماً عرفاً، بل هو لون الدم.

بل لأنّ الميزان في تشخيص المفاهيم و المصاديق نظر العرف بحسب فهمه و دقّته، لا مع التسامح العرفي.

فإذا كان للمفهوم مثلًا ثلاثة مصاديق:

أحدها: مصداق برهاني عقلي؛ بحيث لا سبيل للعرف إلىٰ تشخيصه و لو مع الدقّة و عدم التسامح، كلون الدم؛ فإنّ العرف لا يدرك استحالة انتقال العرض؛ و أنّ المنتقل أجزاء صغار جوهرية، فلا يكون اللون دماً في أدقّ نظر العرف، و لا يتسامح في سلب الدمية عنه.

و ثانيها: مصداق عرفي من غير تسامحٍ عرفي، بل يكون مصداقاً بدقّته العرفية.

و ثالثها: مصداق تسامحي لدى العرف، كإطلاق «الألف» علىٰ

عدد ناقص منه بواحد أو اثنين، و إطلاق «الرطل» علىٰ ما نقص بمثقال أو درهم، و لا إشكال في أنّ هذا الإطلاق مسامحي مجازي يحتاج إلى التأوّل.

فميزان تشخيص موضوعات الأحكام هو الثاني لا الأوّل، و هو معلوم. و لا الثالث، إلّا مع قيام قرينة حالًا أو مقالًا علىٰ تسامح المتكلّم، و إلّا فأصالة الحقيقة محكّمة.

هذا من غير فرق بين الموضوعات، و لا بين مقام التحديد و غيره، ف «الماء» موضوع لهذا المائع المعروف، و تسامح العرف في إطلاقه علىٰ شي ء لا يكون متبعاً.

فإطلاق العرف بلوغ التسع علىٰ من بلغت التسع إلّا عدّة أيّام، مسامحي مجازي. و لهذا لو سئلوا: «هل بلغت تمام التسع؟» لأجابوا بالنفي، و اعترفوا بالتسامح.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 74

فبلوغ التسع لا يكون إلّا بتمام الدورة التاسعة من السنة القمرية التي هي المنصرف إليها عند العرف العامّ، و الشمسية يحتاج معرفتها إلىٰ مبانٍ علمية و نجومية لا يعرفها عامّة الناس، خصوصاً الأعراب و في تلك الأزمنة، إلّا أن تكون قرينة موجبة للتعيّن، كما قد تدعى في باب سنة الخمس «1».

كما لا إشكال في التلفيق و حساب المنكسر؛ لقضاء العرف به.

إشكال التنافي بين كون الحيض بلوغاً و عدم حيضية الصبيّة

ثمّ إنّ هاهنا إشكالًا مشهوراً، بل إشكالين:

أحدهما: ما في «الروض» قال: «إنّ المصنّف و غيره ذكروا: أنّ الحيض للمرأة دليل علىٰ بلوغها و إن لم يجامعه السنّ، و حكموا هنا بأنّ الدم الذي قبل التسع ليس بحيض «2»، فما الدم المحكوم بكونه حيضاً؟!» «3» انتهىٰ.

و هذا كما ترى ليس إشكال الدور، بل إشكال التناقض في كلامهم: بأنّ لازم القول الأوّل أنّ الحيض قبل التسع دليل البلوغ، فيمكن تحقّقه قبله، و صريح القول الثاني عدم كون الحيض إلّا

بعد التسع، فلا يمكن أن يتحقّق قبله.

ثانيهما: أنّ القوم جعلوا الحيض و الحمل دليلين على البلوغ، و قالوا في المقام: «إن كلّ دم تراه المرأة قبل التسع ليس بحيض» فإحراز الحيضية يتوقّف علىٰ إحراز التسع، و لو كان إحراز التسع متوقّفاً علىٰ إحراز الحيضية، لدار الأمر علىٰ نفسه.

______________________________

(1) شرح تبصرة المتعلّمين، المحقّق العراقي 3: 76.

(2) إرشاد الأذهان 1: 226 و 395، المبسوط 1: 42، و 2: 282.

(3) روض الجنان: 60/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 75

و لقد أجاب الشهيد في «الروض» عن الإشكال الأوّل بما يناسب الإشكال الثاني «1».

و يمكن أن يجاب عن الأوّل: بأنّه لا تنافي بين كونِ الحيض دليلًا على البلوغ مستقلا، و عدمِ كون الدم قبل التسع حيضاً؛ إذا أُريد بالثاني عدم ترتّب آثار الحيضية على الدم قبل التسع، لا عدم تحقّق الحيض تكويناً، فالحيض الذي لا يترتّب عليه أحكام الحيض كترك الصلاة و حرمة مسّ الكتاب مثلًا دليل على البلوغ، فيجب على الحائض قبل التسع الصلاة لبلوغها.

لكنّ الالتزام بذلك بعيد، بل ممنوع و إن شهد به بعض الأخبار «2». و لعلّ رجوع الشهيد إلى الجواب المذكور لأجل ما ذكر.

فالأولىٰ أن يقال: إنّ المصنّف و غيره، لم يلتزموا بكون الحيض بلوغاً مستقلا و لو قبل التسع، بل ادعي الإجماع أو عدم الخلاف علىٰ أنّ الحيض لا يكون بلوغاً «3».

فبقي الإشكال الثاني، فأُجيب عنه: «بأنّه مع العلم بالسنّ، لا اعتبار بالدم قبله و إن جمع الصفات، و مع اشتباهه و وجود الدم في وقت إمكان البلوغ، يحكم بالبلوغ، و لا إشكال حينئذٍ» «4».

لكن هذا الجواب مبنيّ علىٰ أنّ الدم المعهود المقذوف من النساء أعني دم الحيض لا

يتحقّق قبل التسع، و يكون السنّ دخيلًا في تحقّقه تكويناً؛ حتّى

______________________________

(1) روض الجنان: 60/ السطر 26.

(2) انظر وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 4 و 13، و الباب 29، الحديث 3.

(3) جواهر الكلام 26: 42.

(4) الحدائق الناضرة 3: 170، جواهر الكلام 3: 143 144.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 76

تكون الأمارة على الحيضية أمارة على السنّ، أو كان القذف قبل التسع مع إمكانه بحدّ من الندرة يعدّ معه قذف الدم المتصف بالصفات المعهودة من الأمارات العقلائية على السنّ، و كلاهما محلّ تأمّل و إشكال؛ و إن كان الثاني لا يخلو من قرب.

عدم صحّة التمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية و السنّ

ثمّ إنّه لا مجال للتمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية و السنّ؛ لأنّ الصفات أمارات في مقام الدوران بين الحيض و الاستحاضة، و الدم الخارج قبل التسع لا يكون أمره دائراً بينهما، و مع الشكّ في السنّ يشكّ في الموضوع.

مضافاً إلىٰ أنّ مقتضى النصّ و الفتوىٰ أنّ الدم الخارج ممّن لم تبلغ التسع، ليس بحيض و لو كان علىٰ صفاته، و مع استصحاب عدم كونها بالغة يحرز موضوع المخصّص، فلا مجال معه للتمسّك بأدلّة الصفات.

نعم، مع العلم أو الاطمئنان بكون الدم المقذوف حيضاً، لا يبعد الحكم ببلوغ التسع و ترتيب آثار البلوغ و الحيضيّة، علىٰ إشكال.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 77

الأمر الثاني في بيان حدّ اليأس

اشارة

ما تراه المرأة بعد يأسها ليس بحيض و لو كان بصفاته؛ بلا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2». إنّما الإشكال في حدّ اليأس هل هو ستّون مطلقاً «3» أو خمسون كذلك «4» أو تفصيل بين القرشية و بين غيرها «5» أو بين القرشية و النبطية و بين غيرهما «6»؟

وجوه و أقوال منشؤها اختلاف الأخبار،

ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة «7».

و ليس في طريقها من يتأمّل فيه إلّا محمّد بن إسماعيل النيسابوري الذي لم يرد فيه توثيق، و إنّما هو راوية الفضل بن شاذان، لكن من تفحّص رواياته

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 336 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 6 و 8.

(2) شرائع الإسلام 1: 21، الحدائق الناضرة 3: 171، مستند الشيعة 2: 374، جواهر الكلام 3: 160 161.

(3) شرائع الإسلام 1: 21، منتهى المطلب 1: 96/ السطر 14.

(4) النهاية: 516، السرائر 1: 145،

مدارك الأحكام 1: 323.

(5) المبسوط 1: 42، المعتبر 1: 199.

(6) المقنعة: 532، ذكرى الشيعة 1: 228، روض الجنان: 62/ السطر 13.

(7) الكافي 3: 107/ 4، وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 78

اطمأنّ بوثاقته و إتقانه؛ فإنّ كثيراً من رواياته لو لم نقل أغلبها منقولة بطريق آخر صحيح أو موثّق أو معتبر طابق النعل بالنعل، و الوثوق و الاطمئنان الحاصل من ذلك، أكثر من الوثوق الذي يحصل بتوثيق الشيخ أو النجاشي أو غيرهما.

و

في صحيحته الأُخرىٰ قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) ثلاث يتزوّجن علىٰ كلّ حال .. إلىٰ أن قال و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض.

قال قلت: و ما حدّها؟ قال إذا كان لها خمسون سنة «1».

و في طريقها سهل بن زياد الآدمي و أمره سهل بعد اشتراكه في إتقان الرواية و كثرته مع النيسابوري. بل هو أكثر رواية منه، و له قدم راسخ في جميع أبواب الفقه، كما يتضح للمتتبّع، مع قرائن كثيرة توجب الاطمئنان بوثاقته.

و

في مرسلة البَزَنْطي عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة «2».

نعم،

روى الشيخ بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجّاج الروايةَ المتقدّمة مع اختلاف يسير من التقديم و التأخير في العبارة، و فيها إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض، و مثلها لا تحيض «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 85/ 4، وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 2، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 107/ 2، تهذيب الأحكام 1: 397/ 1235، وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب

الحيض، الباب 31، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 7: 469/ 1881، وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 79

لكن في سندها تأمّل؛ فإنّ في طريق الشيخ إلىٰ عليّ بن الحسن، عليَّ بن محمّد بن الزبير القرشي «1»، و لم يرد فيه توثيق.

و إنّما قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبد الواحد: «و كان قد لقي أبا الحسن علي بن محمّد القرشي المعروف بابن الزبير، و كان عُلوّاً في الوقت» «2» و قد جعل بعض المتأخّرين كالمحقّق الداماد الجملة الأخيرة وصفاً له، ففهم منه التوثيق أو قريباً منه «3»، مع أنّ قول النجاشي لا يبعد أن يكون مربوطاً بأحمد بن عبدون؛ لأنّه في مقام ترجمته، لا ترجمة ابن الزبير.

مع أنّ قوله: «كان علوّاً في الوقت» يحتمل قريباً جريه على الاصطلاح؛ من كونه علوّاً في السند من حيث كثرة عمرة أو عمر واسطته؛ فإنّ ابن الزبير عمّر مائة سنة علىٰ ما ذكروا «4» و معنى «عُلُوّ السند» قلّة الوسائط، فقول النجاشي مربوط ظاهراً بابن عبدون، و أنّه لأجل لقائه القرشي كان عالي السند في رواياته في ذلك الزمان.

و كيف كان: فمع الإشكال في السند و إن كان الأرجح عندي قبول رواياته يحتمل قريباً وقوع اشتباه في الرواية؛ إمّا من الرواة، أو من النسّاخ؛

______________________________

(1) قال الشيخ الطوسي في مشيخة التهذيب:

«و ما ذكرته في هذا الكتاب عن عليّ بن الحسن بن فضال، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه و إجازة عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضال».

تهذيب الأحكام، المشيخة 10: 55 56.

(2) رجال النجاشي: 87/ 211.

(3)

انظر منتهى المقال 5: 56.

(4) رجال الطوسي: 430/ 22، منتهى المقال 5: 56.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 80

لبُعد كونها رواية أُخرى مستقلّة غير الصحيحة، و بُعد الاشتباه في الصحيحة لتأيّدها بالصحيحة الأُولىٰ و مرسلة البَزَنْطي بل و مرسلات ابن أبي عمير و الصدوق و المفيد و الشيخ «1».

بل لا يبعد أن يكون الاشتباه من النسّاخ في النسخ الأوّلية من كتاب الشيخ؛ لأنّ الفتوىٰ بهذه الرواية حدثت بعد زمان الشيخ في عصر المحقّق «2» و العلّامة «3».

و نُقل عن «مبسوطه»: «و تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة، إلّا أن تكون امرأة من قريش، فإنّه روي: أنّها ترى دم الحيض إلىٰ ستّين سنة» «4» و لم يُشر إلىٰ رواية الستّين مع إشارته إلى المرسلة.

و كيف كان: فلا يبقى مع ما ذكرنا وثوق بالرواية، و ليست حجّية الخبر الواحد تعبّدية محضة بل لأجل عدم ردع بناء العقلاء أو تنفيذه «5».

و لا إشكال في أنّ العقلاء لا يعملون بمثل هذه الرواية، و لا أقلّ من عدم إحراز بنائهم على العمل بمثلها، فلا إشكال في ضعف القول بالستّين مطلقاً.

و الأقوى هو التفصيل بين القرشية و غيرها. و البحث عن النبطية لا يجدي بعد عدم معروفية هذه الطائفة.

______________________________

(1) تأتي في الصفحة 81.

(2) شرائع الإسلام 1: 21، المعتبر 1: 199 200.

(3) منتهى المطلب 1: 96/ السطر 13.

(4) المبسوط 1: 42.

(5) أنوار الهداية 1: 313 316، تهذيب الأُصول 2: 133 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 81

أدلّة التفصيل بين القرشية و غيرها

و أمّا القرشية، فقد دلّت على التفصيل بينها و بين غيرها، مرسلةُ ابن أبي عمير «1» التي هي في حكم الصحيحة عندهم «2» حتّى أنّ المجلسي (رحمه

اللّٰه) وصف هذه المرسلة بالصحيحة في «مرآته» «3».

و لا تقصر عنها

مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام) المرأة إذا بلغت خمسين لم ترَ حمرة، إلّا أن تكون امرأة من قريش، و هو حدّ المرأة التي تيأس من الحيض «4».

فإنّ هذا النحو من الإرسال و النسبة إلى الصادق (عليه السّلام) علىٰ نحو الجزم من مثل الصدوق، لا يصحّ إلّا مع علمه بصدور الرواية، و معلوم من طريقته أنّ النسبة ليست من الاجتهاد، فهو إمّا اتكل علىٰ مرسلة ابن أبي عمير، فحكمه علىٰ نحو الجزم يوجب الوثوق بها، و إمّا جزم بصدورها مستقلا، و هو لا يقصر عن توثيق الوسائط بالنظر إلىٰ طريقته.

و مثلها

ما عن «المقنعة» قال روي: أنّ القرشية من النساء و النبطية، تريان الدم إلىٰ ستّين سنة «5»

و عن الشيخ في «المبسوط»: تيأس المرأة إذا

______________________________

(1) الكافي 3: 107/ 3، وسائل الشيعة 2: 335، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 2.

(2) انظر جواهر الكلام 3: 163.

(3) مرآة العقول 13: 253.

(4) الفقيه 1: 51/ 198، وسائل الشيعة 2: 336، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 7.

(5) المقنعة: 532، وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 82

بلغت خمسين سنة، إلّا أن تكون امرأة من قريش،

فإنّه روي أنّها ترى دم الحيض إلىٰ ستّين سنة «1»

و هما مرسلتان مستقلّتان غير السابقتين؛ لافتراقهما عنهما مضموناً كافتراق أنفسهما.

هذا مع اشتهار الحكم بين الأصحاب قديماً و حديثاً، و قد نقل الشهرة عن «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» في التفصيل بين القرشية و النبطية و غيرهما «2»، و ادعاها في «الروضة» «3» و ادعى الشهرة

في التفصيل بين القرشية و غيرها صاحب «المسالك» و «الجواهر» «4» و عن «التبيان» و «المجمع» نسبة ذلك إلى الأصحاب «5». بل هو مقتضى الجمع بين الروايات علىٰ فرض استقلال رواية ابن الحجّاج «6» و مرسلة الكليني «7» علىٰ تأمّل.

فلا ينبغي الإشكال بعدم صراحة «الحمرة» في الحيض، كما في مرسلتي ابن أبي عمير و الصدوق و لا «الدم» فيه، كما في مرسلة المفيد و عدم ذكر الستّين للقرشية فيهما.

و لعلّ فتوى المشهور كان لأجل الجمع بين روايتي ابن الحجّاج و مرسلة ابن أبي عمير، و بعد ترجيح تصحيف الستّين، لا يبقى دليل على التفصيل إلّا مرسلة

______________________________

(1) المبسوط 1: 42.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 339/ السطر 26، جامع المقاصد 1: 285 286.

(3) الروضة البهيّة 1: 371.

(4) مسالك الأفهام 1: 58، جواهر الكلام 3: 161 و 163.

(5) التبيان في تفسير القرآن 10: 30، مجمع البيان 10: 458.

(6) تهذيب الأحكام 7: 469/ 1881، وسائل الشيعة 2: 337، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 8.

(7) الكافي 3: 107/ 2، وسائل الشيعة 2: 336، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 31، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 83

الشيخ و المفيد و هما غير كافيتين للاحتجاج بعد احتمال أنّ إرسالهما لأجل الجمع و تخلّل الاجتهاد؛ ضرورة أنّ مثل هذه الاحتمالات العقلية، تأتي في جميع الفقه، و هي ليست معتدّاً بها و معياراً لفهم الأحكام.

و لا يجوز نسبة هذا الجمع الغير المقبول لدى العقلاء إلى الفقهاء، و أنّ مبنى اشتهار الفتوىٰ هذا الجمع البعيد الغير الوجيه. بل عدم ذكر الستّين في المرسلتين، يؤكّد كون الحكم كذلك كان مشهوراً لدى الإمامية و معروفاً من لدن زمن الأئمّة

(عليهم السّلام) من غير احتياج إلى الاستناد إلىٰ رواية، و الشهرة في مثل هذا الحكم التعبّدي المخالف للقواعد، حجّة مستقلّة؛ لو لم نقل بكفاية مرسلتي المفيد و الشيخ، مع انجبارهما بفتوى الطبقة المتقدّمة و المتأخّرة.

مقتضى الأصل عند الشكّ في القرشية و النبطية

ثمّ مع الشكّ في كون امرأة قرشيةً، لا تجري أصالة عدم القرشية أو عدم الانتساب إلىٰ قريش لو كان المراد بها الاستصحاب «1»؛ لما حقّق في محلّه «2». و إن كان المراد بها الأصل العقلائي المستند إلى الغلبة و ندرة الطائفة بين سائر الطوائف «3»، فلها وجه، و إن لم يخلُ من إشكال منشؤه عدم ثبوت هذا الأصل، و عدم ندرة هذه الطائفة بحدّ يتكل العقلاء على الأصل لدى الشبهة.

نعم، لا بأس بها مع الشكّ في النبطية؛ لاحتمال الانقراض رأساً، فاحتمال النبطية ضعيف إلىٰ حدّ لا يعتني به العقلاء.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 156.

(2) مناهج الوصول 2: 266 268، الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 102 104.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 270/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 84

الأمر الثالث في اشتراط الحيض بأن لا يقلّ عن ثلاثة أيّام

اشارة

لا إشكال نصّاً «1» و فتوى «2» في عدم كون ما رأت المرأة أقلّ من ثلاثة أيّام حيضاً، و نقل الإجماع عليه مستفيض «3»، و عن «الأمالي»: «أنّه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به» «4» و عن «المعتبر»: «هو مذهب فقهاء أهل البيت (عليهم السّلام)» «5».

نعم، يقع الكلام هاهنا في جهتين:

حول الروايات الواردة في حدود الحيض

الجهة الأُولىٰ: و هي التي لا تختصّ بالمقام، و قد مرّ فيها بعض الكلام «6»: أنّ الروايات الواردة في حدود الحيض- كعدم كونه قبل التسع و بعد اليأس و عدم كونه أقلّ من ثلاثة أيّام و أكثر من عشرة أيّام «7» هل هي في مقام تحديد واقع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(2) النهاية: 26، شرائع الإسلام 1: 21، نهاية الإحكام 1: 117، مدارك الأحكام 1: 319.

(3) جواهر الكلام 3: 147.

(4) أمالي الصدوق: 516.

(5) المعتبر 1: 201.

(6) تقدّم في الصفحة 11 12.

(7) راجع وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 2، الحديث 4، و: 183، الباب 3، الحديث 5، و 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 85

الحيض؛ و أنّ ما خرج علىٰ خلاف تلك الحدود ليس من الحيض تكويناً، بل من مبدأ آخر؛ إمّا من عرق العاذل أو من القرحة في الجوف، أو غير ذلك؟

أو في مقام التحديد الشرعي؛ بمعنى جعل الشارع موضوع الأحكام صنفاً خاصّاً من دم الحيض لا مطلقَه، كما جعل موضوع القصر صنفاً خاصّاً من السفر، فقبل ثمانية فراسخ و إن كان سفراً واقعاً، لكن لا يترتّب عليه الأحكام، و كذا سفر المعصية و الصيد، فكذا لو فرض تحقّق دم الحيض أي

الدم الطبيعي المعهود قبل التسع أو بعد الخمسين أو أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة، لم يكن موضوعاً للحكم الشرعي؟

أو في مقام بيان جعل الشارع أمارات للحيض عند الاشتباه، و كانت الأحكام مترتّبة علىٰ واقع الحيض و نفس طبيعة الدم المعهود، لكن لمّا كان الموضوع غالباً مورد الاشتباه، جعل أمارات له أو لعدمه، فكون الدم أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة أو قبل البلوغ و بعد اليأس، محكوم بعدم الحيضية ظاهراً، فلو علمت بحيضية ما خرج قبل البلوغ أو بعد اليأس، يجب عليها التحيّض و العمل بالوظائف؛ لكونها حائضاً، و هي موضوع للأحكام؟

قد يقال بالأخير «1»؛ جمعاً بين أدلّة أحكام الحيض الظاهرة في كون الحكم لنفس ماهيّة الدم، و بين

موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة الحُبلىٰ ترى الدم اليوم و اليومين، قال إن كان الدم عبيطاً فلا تصلِّ ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين «2».

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 158، أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 3 و 23.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 86

و كذا

موثّقة سماعة الظاهرة في وجوب الجلوس إذا رأت الدم يومين، قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، فتقعد في الشهر يومين، و في الشهر ثلاثة أيّام، يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم؛ ما لم يَجُز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها «1».

بدعوىٰ: أنّ الروايتين محمولتان علىٰ

صورة عدم الشبهة و العلم بكون الدم حيضاً، و سائر الروايات محمولة علىٰ صورة الشبهة.

و أنت خبير: بأنّ ذلك مضافاً إلىٰ مخالفته للإجماع ليس من الجمع المقبول؛ فإنّ الظاهر من الروايتين صورة الاشتباه و عدم العلم، و لهذا أرجعها إلى الأمارة و كونه عبيطاً أو صفرة.

و دعوىٰ: كون الرواية بصدد رفع الاشتباه و التنبيه علىٰ عدم كون المورد من موارد الاشتباه، لا لجعل الأمارة لدى الشبهة، كما ترى.

كما أنّ رواية سماعة لا تدلّ علىٰ ما ذكر إلّا من حيث تقرير الإمام قعودها في الشهر يومين، و هو لا يقاوم الأدلّة الناصّة علىٰ أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام «2». مع ما في ذيلها من أنّه

إذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها

من ظهوره في أكثر من يومين. و أمّا

قوله فلها أن تجلس و تدع الصلاة

فحكم ظاهري لمن رأت الدم، كما في رؤية الدم في أيّام العادة.

______________________________

(1) الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 87

و إن أبيت عن جميع ذلك، فلا بدّ من ردّ علمهما إلىٰ قائلهما مع إعراض الأصحاب عنهما، فالاحتمال الأخير أضعف الاحتمالات.

و لا يبعد أن يكون أقربُها ثانيَها؛ لما مرّ من بُعد كونها تحديداً للواقع، فإنّ الحيض أي الدم المعهود قد يكون أكثر من عشرة أو أقلّ من ثلاثة، و لا يمكن الالتزام بأنّ الدم إلى الساعة الأخيرة من اليوم العاشر حيض تكويناً و له مجرى، و إذا بلغ آخر العشرة انسدّ الطريق المخصوص بالحيض، و انفتح طريق آخر؛

و إن كان ظاهر بعض الروايات تحديد الواقع كمرسلة يونس القصيرة «1» و غيرها «2»، لكن ورود التحديد في لسان الشارع محمول على التحديد التعبّدي لا التكويني؛ لعدم اهتمام الشارع في مقام بيان الأحكام و موضوعاتها ببيان حال التكوين، بل همّه بيان موضوع أحكامه.

في اعتبار التتابع في أقلّ الحيض

الجهة الثانية: هل يشترط التوالي في رؤية الدم ثلاثة أيّام، فلا يحكم بحيضية ما تراه ثلاثة متفرّقة و لو بين العشرة، أو يكفي كونها في جملة العشرة أو يكفي كونها متفرّقة؛ بحيث لا يتخلّل بين أبعاضها عشرة أيّام، أو يفصّل بين الحامل و غيرها؟

و المشهور هو الأوّل، كما في «المسالك» و «الحدائق» و «الجواهر» و «طهارة الشيخ الأعظم» و عن «الذكرى» و «شرح المفاتيح» «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 39.

(2) وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 5 و 6.

(3) مسالك الأفهام 1: 57، الحدائق الناضرة 3: 159، جواهر الكلام 3: 149 150، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 189/ السطر 22، ذكرى الشيعة 1: 230، مصابيح الظلام 1: 23/ السطر 3 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 88

الروايات الدالّة علىٰ أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام

و تدلّ عليه- قبل الأُصول التي يأتي البحث عنها «1» الأخبار الكثيرة الدالّة علىٰ أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام،

ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، و أكثر ما يكون عشرة أيّام «2»

و مثلها أو قريب منها غيرها «3».

تقريب الاستدلال بها: أنّ الحيض إمّا الدم المعهود، أو سيلانه أو أمر معنوي محصّل به، و علىٰ أيّ حال لا يصدق كون أقلّه ثلاثة أيّام إلّا مع الاستمرار؛ فإنّ الدم إذا جرىٰ يوماً، و انقطع يوماً، ثمّ جرىٰ يوماً، و انقطع يوماً، ثمّ جرىٰ يوماً، و قلنا بأنّ هذه الدماء حيض، يكون أقلّ الحيض يوماً واحداً؛ ضرورة أنّ الدم في اليوم الأوّل- بعد تعقّبه بالثاني و الثالث يكون دماً مستقلا منقطعاً عن الدمين المتأخّرين، و هو حيض حسب الفرض، فيكون أقلّ الحيض يوماً واحداً،

لا ثلاثة أيّام، إلّا بتأويل و توجيه يأتي الكلام فيه «4».

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الدم و كذا كلّ أمر تدريجي الوجود ما دام كونه سائلًا، يعدّ مصداقاً واحداً للطبيعة، و إذا انقطع و تخلّل بينه و بين قطعة اخرىٰ نقاء

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 98.

(2) الكافي 3: 75/ 2، وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(4) يأتي في الصفحة 104.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 89

أو طهر، تكون القطعتان مصداقين للطبيعة، لا مصداقاً واحداً، فالدماء المتفرّقة في عشرة أيّام إذا كان عدد مجموعها ثلاثة أيّام، تكون مصاديق متعدّدة مستقلّة للدم و لسيلانه أيضاً وجداناً، و مع كونها حيضاً تكون ثلاثة مصاديق لدم الحيض، فيكون أقلّ دم الحيض يوماً واحداً، و كذا أقلّ سيلانه، إلّا بالتأويل و ارتكاب التجوّز.

و هكذا لو قلنا: بأنّ الحيض عبارة عن أمر معنوي حاصل بالدم إذا بلغ ثلاثة أيّام في العشرة، فإنّ هذا الأمر المعنوي يحصل بالدم المتعقّب بثلاثة أيّام، فإذا قيل بكفاية التفرّق لا يمكن أن يكون الأقلّ ثلاثة؛ لأنّه إذا قلنا بأنّ الفترات طهر، يكون الحيض في زمان جريان الدم مصداقاً مستقلا، و مع تخلّل الطهر بينه و بين مصداق آخر، لا يمكن أن يكون المصداقان واحداً إلّا بالتأوّل و التجوّز و الاعتبار، فيكون أقلّ الحيض يوماً، لا ثلاثة أيّام.

و لو قلنا: بأنّ الفترات أيضاً حيض، يكون أقلّ الحيض في الفرض أكثر من ثلاثة أيّام؛ لأنّه إذا فرض جريان الدم يومين، ثمّ انقطع يوماً و جرىٰ يوماً، يكون الحيض أي الأمر المعنويّ أربعة أيّام، فكون أقلّ الحيض ثلاثة أيّام

حقيقة، لا يمكن إلّا بتوالي الأيّام الثلاثة علىٰ جميع الاحتمالات.

و بما ذكرنا يظهر: أنّه لا وقع للاعتراض عليه «1» تارة: بمقايسة المقام بنذر الصوم و هو واضح، و أُخرى: بالنقض بالعشرة المقابلة للثلاثة لقيام الإجماع علىٰ عدم لزوم التوالي، فإنّ كون أكثر الحيض بمعنى الدم أو سيلانه أو الأمر المعنوي عشرة أيّام، لا ينافي الإجماع المذكور؛ ضرورة أنّه مع هذا الإجماع، تكون العشرة مع تفرّق أيّام الدم بعد توالي ثلاثة أيّام حيضاً، لا دم

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 166.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 90

الحيض و سيلانه، فإذا كان المراد من «الحيض» في الروايات دم الحيض أو سيلانه، يكون أكثر الحيض عشرة أيّام متوالية، و تكون العشرة المذكورة حيضاً حكماً لا حقيقة.

بل لنا أن نقول: إنّ الدم الذي بعد النقاء الحاصل بعد الثلاثة المتوالية، حيض حكماً؛ لدلالة الأدلّة علىٰ أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، و لو كان الدم المرئي يوماً حيضاً، لكان منافياً للروايات المتقدّمة، تأمّل.

و لو قلنا: بأنّ الحيض أمر معنوي يكون أكثر الحيض عشرة أيّام سواء استمرّ الدم في العشرة، أو رأت الدم بعد الثلاثة متفرّقاً إلى العاشرة فلا يرد النقض أصلًا. بل لو قلنا ذلك لم يرد علينا النقض؛ بأنّ رؤية الدم يوماً واحداً بعد الثلاثة المتوالية قبل تمام العشرة، مصداق من الدم، و هو حيض، فيكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام، ضرورة أنّ الحيض على هذا الفرض أكثر من ثلاثة أيّام؛ لأنّ أيّام النقاء أيضاً حيض، كما يأتي الكلام فيه «1».

نعم، بناءً علىٰ كون النقاء طهراً كما يراه صاحب «الحدائق» «2» يرد هذا النقض، لكنّ المبنىٰ غير تامّ.

التمسّك بمرسلة يونس القصيرة لإثبات عدم اعتبار التتابع

ثمّ إنّ في مقابل هذه الروايات

روايات، عمدتها

مرسلة يونس القصيرة التي رواها في «الكافي» عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار عن يونس، عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أدنى الطهر عشرة أيّام؛ و ذلك

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 116 117.

(2) الحدائق الناضرة 3: 160.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 91

أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربّما كانت كثيرة الدم، فيكون حيضها عشرة أيّام، فلا تزال كلّما كبرت نقصت حتّى ترجع إلىٰ ثلاثة أيّام، فإذا رجعت إلىٰ ثلاثة أيّام ارتفع حيضها، و لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام.

فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض. و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين، اغتسلت و صلّت، و انتظرت من يوم رأت الدم إلىٰ عشرة أيّام. فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوماً أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام، فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في عشرة، فهو من الحيض.

و إن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام و لم تَرَ الدم، فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض، إنّما كان من علّة: إمّا قرحة في جوفها، و إمّا من الجوف، فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها؛ لأنّها لم تكن حائضاً، فيجب أن تقضي ما تركت من الصلاة في اليوم و اليومين.

و إن تمّ لها ثلاثة أيّام فهو من الحيض، و هو أدنى الحيض، و لم يجب عليها القضاء. و لا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام.

و إذا حاضت المرأة، و كان حيضها خمسة

أيّام، ثمّ انقطع الدم، اغتسلت و صلّت. فإن رأت بعد ذلك الدم، و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرةُ أيّام، فذلك من الحيض؛ تدع الصلاة.

و إن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام و دام عليها، عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل و الثاني عشرة أيّام، ثمّ هي مستحاضة؛ تعمل ما تعمله المستحاضة.

و قال كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 92

الحيض، و كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض «1».

و هذه المرسلة كما ترى تدلّ علىٰ أنّ الثلاثة لا يلزم أن تكون متصلة متوالية، فتفسّر ما في الروايات: من أنّ الدم لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، فلولا الإشكالات الآتية، لكان الجمع بينها و بين تلك الروايات عقلائياً؛ لحكومتها عليها، و تكون نتيجته هو القول المخالف للمشهور.

و لكنّ العمل بمثل تلك المرسلة في غاية الإشكال، لا لكون الحكم علىٰ خلاف المشهور و إن كان له وجه وجيه، و احتمال تخلّل الاجتهاد في البين، أو إعمال المعارضة و ترجيح الروايات المقابلة لا الإعراض عنها بعيد، بل فاسد مع ما ترى من الجمع الوجيه العقلائي بين الطائفتين؛ بحيث لا يبقى معه شبهة المعارضة، فكيف يمكن نسبة عدم فهم هذا النحو من الجمع المقبول العرفي إلىٰ مشهور العلماء و أرباب اللسان؟! بل لأنّ في المرسلة اضطرابات و مناقضات و مخالفات للمشهور، ربّما تبلغ المناقشات فيها إلىٰ عشر أو أكثر، مع الغضّ عن التأمّل في سندها بإسماعيل بن مرار الذي لم يرد فيه توثيق و أكثر ما ورد فيه عدم استثناء ابن الوليد إيّاه

من رجال يونس «2»، و في كفايته تأمّل و إن كانت غير بعيدة، خصوصاً مع قول الصدوق في شأن ابن الوليد «3»، و عن إرسالها و إن كان المرسل يونس لعدم ثبوت كون مرسلاته حجّة. بل عدم ثبوت ذلك في سائر أصحاب الإجماع أيضاً؛ لأنّ استفادة ذلك من إجماع الكشّي و عباراته الواردة في شأن الطوائف الثلاث محلّ

______________________________

(1) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 294، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 4، و: 299، الباب 12، الحديث 2.

(2) انظر الفهرست: 181/ 789.

(3) الفقيه 2: 55/ 241.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 93

إشكال، و الشهرة المتأخّرة عنه غير معتمدة، مع قرب احتمال كون الاشتهار- علىٰ فرض ثبوته من فهم تلك العبارة الواردة من الكشّي، فراجع عباراته «1».

فمن الاضطرابات فيها: هو التعليل الواقع فيها لكون أدنى الطهر عشرة أيّام، لعدم التناسب بينهما؛ فإنّ كون المرأة في أوّل حيضها كثيرة الدم في بعض الأحيان، ليس علّة لكون أقلّ الطهر عشرة، و لا مناسباً له أصلًا [1] و التوجيه بأنّ المناسبة المصحّحة للعلّية، هي معلومية عدم تحيّض النساء عادة في كلّ شهر إلّا مرّة؛ و إن كان ربّما يعجّل بها الوقت بيوم أو يومين، لكن ليس التحيّض في شهر مرّتين تامّتين عادة لهنّ، فإذا كان المتعارف بينهنّ ذلك فيحسن التعليل؛ لأنّه إذا كان حيض كثيرة الدم عشرة أيّام و لم يتعدّ عنها، فكيف يكون الطهر أقلّ من عشرة مع أنّها لا تحيض إلّا مرّة واحدة في كلّ شهر «2»؟! غير وجيه؛ لأنّه إذا كان المتكلّم بصدد بيان عادة نوع النساء، فمع هذا التوجيه لا بدّ و أن يقول: «لا يكون أقلّ من

عشرين» لا عشرة، و ذكر العشرة إنّما يحسن إذا علّلها: «بأنّ المرأة لا تحيض زائداً عن مرّتين في الشهر كلّ مرّة عشرة أيّام» و معه يكون أقلّ الطهر عشرة أيّام، فتعليل كون أقلّ الطهر عشرة أيّام و عدم كونه أقلّ من ذلك بزيادة دم النساء في أوّل الحيض، لا يكون له وجه صحّة، فضلًا عن حُسن.

و منها: قوله اغتسلت مع أنّ الغسل مع الشكّ في الحيض بل في الاستحاضة، و احتمال دم ثالث، كما أبداه في نفس الرواية؛ حيث قال مع عدم

______________________________

[1] سيأتي في باب النفاس ما يمكن أن يكون وجه التناسب. «3». [منه (قدّس سرّه)]

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 238/ 431 و: 375/ 705 و: 556/ 1050.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 265/ السطر 11.

(3) يأتي في الصفحة 510.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 94

رؤية اليوم الثالث: إنّه ليس بحيض، بل من قرحة في الجوف أو من الجوف ليس له وجه مع جريان الاستصحاب؛ و أنّه لا ينبغي لها أن تنقض اليقين بالشكّ، و إيجاب الاحتياط عليها كما هو ظاهر الرواية لا يناسب الاحتياط الغير اللازم. بل لا يبعد دعوى عدم ملاءمة أدلّة الاستصحاب لحسن الاحتياط بالعمل علىٰ خلافها.

و منها: الأمر بالانتظار إلىٰ عشرة أيّام من يوم رأت الدم، مع أنّ الانتظار إلى العشرة إنّما يجب في بعض الأحيان لا مطلقاً؛ فإنّها إذا رأت يوماً و انقطع، و لم تَرَ إلى اليوم التاسع، انقطع انتظارها، فإنّ رؤيته في أثناء اليوم التاسع توجب أن لا تكون الثلاثة في أثناء العشرة، و معه لا يكون الدم حيضاً بحكم المرسلة، و إنّما دم الحيض ما إذا تمّت الثلاثة في العشرة، و كذا سائر الفروض المشابهة

لما ذكرنا.

و منها: أنّ صريحها في موضعين منها أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام، و ظاهر بعض فقرأتها أنّ الطهر أقلّ من عشرة، كما اتكل عليه صاحب «الحدائق» و حمل الأوّل علىٰ ما بين الحيضتين المستقلّتين، و الآخر علىٰ ما بين الحيض الواحد «1»، و هو كما ترى خروج عن طريق المحاورة. مع أنّ المناسب علىٰ زعم صاحب «الحدائق» أن يذكر في الرواية الطهر بين الحيضة الواحدة و يقول: «إنّ الطهر قد يكون أقلّ من عشرة» لا أن يقول: «إنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام» ثمّ يردفه بما يثبت الأقلّية، ثمّ يعقّب ذلك بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام، فإنّ كلّ ذلك اضطراب و اغتشاش.

و منها: جعل حساب العشرة تارة: من أوّل ما رأت الدم الأوّل، و أُخرى: من أوّل يوم طهرت، فالدم فيما بعد العشرة من أوّل رؤية الدم، ليس بحيض على

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 160 161.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 95

الحساب الأوّل، و حيض على الحساب الثاني. و لو كان بدل

طهرت

طمثت- كما نقل عن نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ العاملي «1» فهو اغتشاش و اضطراب آخر.

و منها: جعل ميزان الحساب ثالثاً نفس الدم الأوّل و الثاني، و جعل الاستحاضة بعد العشرة من الدمين، فلو فرض أنّها رأت الدم خمسة أيّام، و رأت الطهر ثلاثة أيّام، ثمّ الدمَ عشرة أيّام، فالدم في اليوم الحادي عشر من مبدأ اليوم الأوّل ليس بحيض؛ بناءً علىٰ مفاد أوّل الرواية، و حيض بناءً على الثاني و الثالث، و أمّا الدم في الخامس عشر فليس بحيض بناءً على الأوّل و الثاني، دون الثالث.

و منها: الحكم بحيضية

الدم المتجاوز عن العشرة في ذات العادة، كما هو ظاهرها .. إلىٰ غير ذلك.

و الإنصاف: أنّ مثل تلك المرسلة مع هذا التشويش و مخالفات الشهرة بل الإجماع في بعضها و الوهنِ في بعض تعابيرها، غير صالحة للاتكال عليها و الاحتجاج بها. مع ما مرّ: من أنّ العمل بالروايات ليس لتعبّد صِرف، بل العمدة هو بناء العقلاء و عدم الردع أو الإمضاء «2» و هم لا يعملون بمثل تلك الروايات مع ما عرفت.

التمسّك بصحيحة ابن مسلم و روايته علىٰ عدم اعتبار التتابع

و قد يستدلّ لعدم اشتراط التوالي بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

و إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأُولىٰ، و إن

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 193/ السطر 15.

(2) تقدّم في الصفحة 80.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 96

كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة «1».

و

روايته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ، و إذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى مستقبلة «2».

بدعوىٰ إطلاقهما لرؤية الدم أوّلًا يوماً أو يومين، قال في «الحدائق»: «التقريب فيهما: أنّهما ظاهرتان في أنّه إذا رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلًا- سواء كان يوماً أو أزيد فإن كان بعد توسّط عشرة أيّام خالية من الدم، كان الدم الثاني حيضة مستقلّة، و إن كان قبل ذلك كان من الحيضة الأُولىٰ» «3».

و أنت خبير بما فيها؛ فإنّ الرواية الاولىٰ مع إجمال صدرها أعني قوله إذا رأت الدم قبل عشرة لا يفهم منها شي ء، فلا محالة إمّا أنّها كانت مسبوقة بكلام آخر أسقطه الرواة لبعض الدواعي، أو كان المعهود أمراً

رافعاً للإجمال، و إلّا فلا يفهم من عشرة مبهمة شي ء، و لا يعلم ما كان معهوداً ذهناً أو ذِكْراً، فكيف يستدلّ بها، و بأيّ إطلاق يكون الاستدلال؟! مع إمكان أن يستكشف المعهود من نفس الرواية؛ أي قوله من الحيضة الأُولىٰ فكأنّ الكلام بتلك القرينة، كان مسبوقاً بأنّه إذا حاضت المرأة، و انقطع حيضها، و رأت الدم قبل عشرة، فهو كذلك، فكأنّه قال: «إذا رأت المرأة الدم بعد حيضها قبل عشرة أيّام ..» إلىٰ آخره.

______________________________

(1) الكافي 3: 77/ 1، وسائل الشيعة 2: 298، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 156/ 448، وسائل الشيعة 2: 296، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 11.

(3) الحدائق الناضرة 3: 162.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 97

و الدليل عليه: أنّ الحيضة كانت مفروضة الوجود، بل الدم الثاني أيضاً كان مفروض الحيضية، و وقع الكلام في إلحاق الحيض المفروض بالحيض المفروض المتقدّم أوّلًا، أو كونه بنفسه حيضاً مستقلا، و هذا هو المتفاهم منها، و معه لا دلالة لها علىٰ دعوى صاحب «الحدائق» بل لها إشعار أو دلالة علىٰ خلافها.

و منه يظهر الكلام في الرواية الثانية، بل هي أظهر فيما ذكرنا؛ لكونها مسبوقةً بقوله أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ممّا يفهم منه الاستمرار بالتبادر أو بما قرّرناه سابقاً «1»، و متعقّبةً بقوله و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام .. إلىٰ آخره، و ظاهرها أنّ المرأة بعد أن تحيّضت بثلاثة أيّام، إذا طهرت و رأت الدم قبل عشرة أيّام، فهو من الحيض المفروض التحقّق بتحقّق ثلاثة أيّام متوالية، فتدلّ علىٰ خلاف مقصود صاحب «الحدائق».

و إن تنزّلنا عن ذلك نقول: إنّ الروايتين ليستا

في مقام بيان كون الدم حيضاً حتّى يتمسّك بإطلاقها، بل في مقام بيان أمر آخر؛ و هو استقلال الحيض و عدمه.

التمسّك برواية عبد الرحمن علىٰ عدم اعتبار التتابع

و منه يظهر الكلام

في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المنقولة في أبواب العدد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة إذا طلّقها زوجها، متى تكون أملك بنفسها؟ قال إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها.

قلت: فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قرئها؟ فقال إذا كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها، و هو من الحيضة التي طهرت منها، و إن كان الدم بعد

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 88 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 98

العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة، و هي أملك بنفسها «1».

ضرورة أنّ المفروض رؤيتها الحيضتين، و وقع الكلام في الدم الذي عجّل عليها، و كانت الشبهة لأجل التعجيل بعد فرض حيضية الثاني، بل حيضية الدم الذي رأته بعد الثانية، و إنّما شبهته كانت في أنّ الدم إذا عجّل عليها، هل يوجب الخروج عن العدّة أم لا؟ فأجاب بما أجاب، ففرض الحيضة الثانية ممّا لا إشكال فيه، فلا وجه للتمسّك «2» بإطلاقها لمدعاه، كما مرّ الوجه فيه.

بطلان التمسّك بقاعدة الإمكان

هذا، و أمّا التمسّك بقاعدة الإمكان و أدلّة الأوصاف «3» فضعيف؛ لما مرّ من عدم الدليل على القاعدة. و علىٰ فرض تماميتها لا ترفع بها الشبهة الحكمية، بل مصبّها الشبهة الموضوعية، كما أنّ مصبّ الإرجاع للأوصاف عند الدوران بين الحيض و الاستحاضة هو الشبهة الموضوعية لا الحكمية.

حول الأُصول الموضوعية و الحكمية في المقام

ثمّ إنّ هاهنا أُصولًا موضوعية و حكمية مع الغضّ عن الأدلّة، كأصالة عدم كون المرأة حائضاً، و أصالة عدم تحقّق حيضها، و أصالة عدم كون الدم حيضاً، و أصالة عدم حيضية الدم.

______________________________

(1) الكافي 6: 88/ 10، وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 17، الحديث 1.

(2) الحدائق الناضرة 3: 163.

(3) انظر مستند الشيعة 2: 392، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 190/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 99

و الفرق بينها لا يكاد يخفىٰ على المتأمّل؛ فإنّ القضية المتيقّنة في الأُولىٰ «أنّ المرأة ليست بحائض» بنحو اللّيس الرابط، فيتحقّق بها موضوع الأدلّة الاجتهادية التي رتّب الحكم بها علىٰ من لم تكن حائضاً، فمن لم تكن حائضاً يجب عليها الصلاة، و يجوز لها اللبث في المسجد .. إلىٰ غير ذلك، و الاستصحاب محقّق موضوعها.

و في الثانية تكون القضية المتيقّنة «عدم تحقّق حيضها، و عدم كون حيضها موجوداً» بنحو العدم المحمولي، و لا يترتّب علىٰ هذا الاستصحاب ما تقدّم من الآثار إلّا على الأصل المثبت؛ فإنّ عدم كونها حائضاً من لوازم عدم تحقّق حيضها. نعم لو كان لعدم تحقّق الحيض أثر، لترتّب عليه بالأصل المذكور.

و في الثالثة تكون القضيّة المتيقّنة «أنّ الدم ليس بحيض» بنحو اللّيس الناقص، و بالاستصحاب يترتّب عليه حكم عدم كون الدم حيضاً إذا كان له حكم شرعيّ. و أمّا الأحكام السابقة فلا

تترتّب عليه إلّا على الأصل المثبت؛ فإنّ عدم كون المرأة حائضاً لازم عدم كون الدم حيضاً. كما لا يترتّب عليه حكم عدم حيضتها.

و في الرابعة تكون القضيّة «عدم تحقّق حيضية الدم» بنحو اللّيس التامّ، و لا يترتّب عليه شي ء من الأحكام المتقدّمة المترتّبة علىٰ موضوعات سائر القضايا؛ لعين ما ذكرنا من المثبتية.

و لا يتوهّم أنّ ما ذكرنا مخالف

لصحيحتي زرارة حيث قال في الأُولىٰ فإنّه علىٰ يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبداً بالشكّ «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 8/ 11، وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 100

و

في الثانية لأنّك كنت علىٰ يقين من طهارتك، ثمّ شككت «1».

و ظاهرهما جريان الأصل في الوجود المحمولي، و ترتّب أثر الرابط.

فإنّه مدفوع بمنع الظهور، بل الظاهر منهما الكون الرابط؛ فإنّ المتفاهم العرفي من قوله إنّك كنت علىٰ يقين من طهارتك بإضافتها إلى الضمير أنّك كنت علىٰ يقين من كونك طاهراً، أو كونك علىٰ وضوء؛ علىٰ نحو ربط الصفة بموصوفها.

ثمّ إنّ جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً، موقوف علىٰ أحد الأمرين:

إمّا كون الدم في الباطن غير حيض، و تكون الحيضية من صفات الدم الخارج.

و إمّا جريان الأصل في الأعدام الأزلية.

و كلاهما ممنوعان؛ ضرورة أنّ دم الحيض: هو الدم المعهود المختزن في الرحم المقذوف في أوقات معيّنة، كما يظهر من روايات باب اجتماع الحمل و الحيض «2». نعم لا يترتّب عليه حكم إلّا بعد القذف و تحقّق سائر شرائطه. و لو كان الحيض عبارة عن سيلان الدم، لم يجرِ الأصل أيضاً. و قد فرغنا عن عدم جريان الأصل في الأعدام الأزلية كأصالة عدم

القرشية في الأُصول «3» فلا نطيل بالبحث حولها.

و بما ذكرنا ظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم خصوصاً في إجراء أصالة عدم كون الدم حيضاً لإثبات كون المرأة مستحاضة، حيث قال: «إن قلنا بعدم

______________________________

(1) علل الشرائع: 361/ 1، تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30.

(3) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 102 104، مناهج الوصول 2: 266 268.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 101

الواسطة بينهما أي بين دم الحيض و دم الاستحاضة في دم لم يعلم أنّه نفاس أو قُرحة أو عُذرة، فأصالة عدم الحيض حاكمة علىٰ أصالة عدم الاستحاضة أيضاً؛ لأنّ المستفاد من الفتاوى بل النصوص: أنّ كلّ دم لم يحكم عليه بالحيضية شرعاً، و لم يعلم أنّه لقرحة أو عذرة أو نفاس، فهو محكوم عليه بأحكام الاستحاضة، و حينئذٍ فإذا انتفىٰ كونه حيضاً بحكم الأصل، تعيّن كونه استحاضة، فتأمّل» «1» انتهىٰ.

و سيأتي الكلام إن شاء اللّٰه في النصّ و الفتوىٰ المدعيين «2». و مع تسليم ما ذكر لا يجري استصحاب عدم كون الدم حيضاً، كما مرّ. و مع الجريان لا يترتّب على المرأة أحكام المستحاضة بمجرّد جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً، كما يظهر منه ذلك، إلّا أن يدعىٰ كشف التلازم الشرعي ببركة النصّ و الفتوىٰ بين عدم كون الدم حيضاً و كون المرأة مستحاضة، و على المدعي إثبات ذلك.

ثمّ علىٰ فرض عدم جريان الأُصول الموضوعية تجري الحكمية، و هي مختلفة، و لا داعي إلى البحث عنها بعد قلّة الجدوى.

بيان المراد من التوالي في الأيّام الثلاثة

و هل المراد من التوالي هو توالي الأيّام و

إن لم يستمرّ الدم فيها؛ بأن ترى في كلّ يوم في الجملة، لكن تكون أيّام الرؤية متواليات «3» فيحمل عليه قوله

في «الفقه الرضوي» فإن رأت الدم يوماً أو يومين، فليس ذلك من الحيض ما

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 189/ السطر 29.

(2) يأتي في الصفحة 315 و ما بعدها.

(3) انظر مدارك الأحكام 1: 322، ذخيرة المعاد: 63/ السطر 41، جواهر الكلام 3: 157.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 102

لم تَرَ الدم ثلاثة أيّام متواليات «1»

لصدق رؤية الدم في كلّ يوم من الثلاثة المتواليات علىٰ ما لو رأت في كلّ يوم منها في الجملة، خصوصاً إذا كان مقداراً معتدّاً به؟

و عليه تحمل

الروايات الكثيرة الدالّة علىٰ أنّ أدنى الحيض ثلاثة أو أدنىٰ ما يكون من الحيض ثلاثة أو أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام «2»

على اختلاف التعابير، فإنّ «الثلاثة» لا يمكن أن تكون محمولة حقيقة على الحيض و أدناه و أقلّه، بل تكون ظرفاً له؛ ذُكر حرف الجرّ أو لم يُذكر، فيكون المراد أنّ أدنىٰ تحقّق الدم في ثلاثة أيّام، و هو يصدق مع رؤيتها فيها في الجملة.

و تشهد له

موثّقة سَماعة قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، فتقعد في الشهر يومين، و في الشهر ثلاثة أيّام؛ يختلف عليها، لا يكون طَمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم؛ ما لم يُجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها «3».

حملًا للقعود يومين علىٰ يومين تامّين مع رؤية الدم في ثلاثة أيّام غير مستمرّ إلىٰ تمام الثلاثة. بل لو سلّم دلالة الروايات المتقدّمة على الثلاثة المستمرّة، تكون هذه الرواية شاهدة علىٰ

عدم لزوم استمراره إلىٰ آخر اليوم، فيكون لها نحو حكومة و تفسير ل «ثلاثة أيّام» في تلك الروايات. بل لا يبعد ظهور مرسلة يونس المتقدّمة «4» في رؤية الدم في الثلاثة في الجملة.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 192.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(3) الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 14، الحديث 1.

(4) تقدّمت في الصفحة 90.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 103

أو المراد استمرار الدم في الثلاثة؛ بحيث متى وضعت الكُرْسُفة تلوّثت به، كما نسب إلى المشهور «1»؟

و عن «جامع المقاصد»: «أنّ المتبادر إلى الأفهام من كون الدم ثلاثة أيّام، حصوله فيها على الاتصال؛ بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث به. و قد يوجد في بعض الحواشي الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة، و هو رجوع إلىٰ ما ليس له مرجع» «2».

و استجوده «الجواهر» جدّاً، و يظهر منه ندرة القائل بخلافه «3».

و عن «الجامع»: «لو رأت يومين و نصفاً و انقطع لم يكن حيضاً؛ لأنّه لم يستمرّ؛ بلا خلاف من أصحابنا» «4» و يظهر منه أنّ اعتبار الاستمرار غير مختلف فيه لدى الأصحاب.

و عن «التذكرة»: «أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام بلياليها؛ بلا خلاف بين فقهاء أهل البيت» «5» و ظاهره الاستمرار بقرينة ذكر الليالي. بل دعوى الإجماع علىٰ عدم إخلال الفترات المعهودة في استمرار الدم كما عن «التذكرة» «6» دليل على اعتبارهم الاستمرار؛ و إن لم يخلّ به بعض الفترات.

و كيف كان: فهذا هو الأقوىٰ؛ لما ذكرنا سابقاً من أنّ الظاهر من روايات أقلّ الدم، أنّ ثلاثة أيّام أقلّ مصداق يتحقّق لدم الحيض،

و هو لا يمكن إلّا باستمراره،

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 157، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 192/ السطر 15.

(2) جامع المقاصد 1: 287.

(3) جواهر الكلام 3: 158.

(4) الجامع للشرائع: 43.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 255.

(6) نفس المصدر 1: 322.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 104

و إلّا فلو رأت في يوم ساعة و انقطع بحصول النقاء، و رأت في اليوم الثاني ساعة أُخرى و انقطع، و رأت في الثالثة، فهذه الدماء في الساعات المزبورة كما مرّ «1» لا تكون مصداقاً واحداً لدم الحيض عرفاً و عقلًا، بل ثلاثة مصاديق؛ ضرورة أنّ استقلال كلّ مصداق حتّى في نظر العرف عن مصداق آخر إنّما هو بتخلّل الطهر، و إذا كانت هذه الدماء حيضاً لا يكون أقلّ دم الحيض ثلاثة أيّام، بل أقلّه ساعة، فإنّ كلّ ساعة دم حيض مستقلّ في التحقّق و الوجود.

و لو فرض كون الحيض أمراً معنوياً محصّلًا من الدم، لم يكن الأقلّ ثلاثة أيّام أيضاً؛ سواء جعل النقاء في البين طهراً و هو ظاهر أو لا، فإنّها لو رأت الدم في اليوم الثالث في أوّل النهار و طهرت، و لم تر الدم إلىٰ عشرة أيّام، كان هذا النقاء من أوّله طهراً، فيكون أقلّ الحيض يومين و ساعة. إلّا أن يحمل

قوله أقلّ الحيض ثلاثة أيّام

على التسامح حتّى يصدق على الثلاثة الناقصة، و هو كما ترى.

كما أنّ حمل الروايات علىٰ كونه أمراً معنوياً، أيضاً بعيد مع ظهورها في كونه نفس الدم أو سيلانه.

و كيف كان: فحملها علىٰ عدم الاستمرار و الرؤية في الجملة، يحتاج إلىٰ تكلّف و اعتبار و ارتكاب تجوُّز محتاج إلى القرينة.

و لا يرد علىٰ ما ذكرنا من التقريب ما يرد علىٰ دعوى التبادر

العرفي «2»، و هو أن يقال: إنّ

قوله أقلُّ الحيض ثلاثة أيّام

غير ممكن الحمل علىٰ ظاهره، فلا بدّ و أن تكون «الثلاثة» ظرفاً، فهي إن كانت ظرفاً لأصل تحقّق الدم، فلا يدلّ على الاستمرار، و إن كانت ظرفاً لاستمراره أو سيلانه، فلا يبعد ظهوره في الاستمرار في تمام اليوم، و لم يعلم أنّه أُريد به في الروايات نفسه أو سيلانه و استمراره.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9088.

(2) راجع جواهر الكلام 3: 157.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 105

و حذف حرف الجرّ لا يفيد شيئاً؛ ضرورة أنّ الظرفية باقية معه علىٰ حالها.

و لو قيل: إنّه مع حذفه يكون الحمل لتأوّل، و مع الاستمرار يكون التأويل أقرب، بخلافه مع عدمه.

فيه: أنّه مع تسليمه لا يوجب ظهوراً حجّة يتمسّك به لدى الشكّ مع إمكان التأويل بغير ذلك، خصوصاً إذا كان الدم في كلّ يوم مقداراً معتدّاً به، أو أكثر من النقاء.

فالعمدة ما ذكرناه، و معه لا مجال للتمسّك بموثّقة سماعة. مع أنّ الظاهر منها أنّ القعود في الشهر يومين و في الشهر ثلاثة، كناية عن رؤية الدم يومين و ثلاثة، كما يشهد به قوله: «يختلف عليها؛ لا يكون طَمْثها في الشهر عدّة أيّام سواء» فلا دلالة فيها علىٰ ما ادعي حتّى نحتاج إلى جواب الشيخ الأعظم «1» بما لا يخلو من تكلّف، فلا بدّ من حمل الرواية علىٰ لزوم ترك الصلاة إذا رأت الدم؛ استظهاراً حتّى يتضح حالها، أو ردّ علمها إلىٰ أهله مع مخالفتها للأخبار و الإجماع. و مرسلة يونس مع ما عرفت من حالها «2» لا تدلّ علىٰ ما ادعي؛ لو لم تدلّ علىٰ خلافه.

و ممّا ذكرنا يظهر حال الاحتمال الثالث- ممّا نفى

البُعدَ عنه شيخنا البهائي «3» علىٰ ما نقل عنه و نسب إلىٰ بعض معاصري شيخنا الشهيد الثاني «4» من اشتراط رؤيته أوّل الأوّل، و آخرَ الثالث، و أيَّ وقت من الثاني. نعم، لو بنينا علىٰ أنّ الحيض أمر معنوي، يكون هذا القول أسلم من الإشكال من القول الأوّل.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 192/ السطر 5.

(2) تقدّم في الصفحة 92.

(3) الحبل المتين: 47/ السطر 22.

(4) انظر الحدائق الناضرة 3: 169.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 106

عدم إضرار الفترات اليسيرة المعهودة بين النساء

ثمّ لا يبعد عدم مضرّية الفترات اليسيرة المعهودة للنساء؛ إذا كانت بحيث لا تضرّ بالاستمرار العرفي و رؤية الدم ثلاثة أيّام، كما نقل عن العلّامة دعوى الإجماع عليه «1». و لعلّ مراد القائلين بالاستمرار ليس إلّا هذا النحو، فقول «جامع المقاصد»: «متى وضعت الكُرْسُف تلوّث به» «2» لعلّه لا ينافي ذلك، فتأمّل. و هذا لا يخلو من قوّة إذا ثبتت المعهودية، و إلّا فمحلّ إشكال و تأمّل.

في دخول الليالي في الأيّام الثلاثة

و هل المراد من «ثلاثة أيّام» هي مع لياليها أو هي مع الليلتين المتوسّطتين أو نفس الأيّام بلا لياليها، أو تختلف بحسب الموارد؛ فإن رأت في أوّل الليل لا بدّ من دخول الليالي الثلاث، و كذا لو رأت وسط النهار، بخلاف ما لو رأت أوّل النهار، فلا يدخل فيها الليلة الأخيرة، أو يختلف الأمر بحسب المبنى المشهور فيدخل فيها الليلتان المتوسّطتان في بعض الفروض، و الليالي الثلاث في آخر، و بحسب مبنىٰ «صاحب الحدائق» «3» فلا تدخل فيها الليالي مطلقاً؟

يمكن أن يبتني الحكم علىٰ أنّ المراد من

قوله لا يكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام

أو أدنى الحيض ثلاثة

هل هو نفس الثلاثة؛ بحيث يكون النهار دخيلًا في الموضوع و مقوّماً له، كتقوّم الصوم بالنهار، و الصلاة بالأوقات

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 322.

(2) جامع المقاصد 1: 287.

(3) الحدائق الناضرة 3: 159.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 107

المخصوصة، أو أنّ ذكر «ثلاثة أيّام» لمجرّد التقدير، فتكون آلة محضاً لتقدير مقدار الدم؛ و أنّه إذا سال بهذا المقدار يكون حيضاً؟

و يأتي هذا الكلام في كثير من المواضع، كالنزح يوماً إلى الليل متراوحاً لموت الكلب مع غلبة الماء.

لا إشكال في أنّه قد يفهم العرف و العقلاء- بمناسبات مغروسة في

أذهانهم أنّ ذكر الأيّام و أمثالها لمجرّد التقدير؛ من غير دخالة لذات اليوم في الموضوع و الحكم، مثل أن يؤمر بوضع شي ء في الماء يوماً، أو وضع المشمّع على الجرح يوماً، فإنّ العرف لا يفهم منه إلّا وضعهما مقدار يوم، و لا يرىٰ ذكر «اليوم» إلّا لمحض التقدير، فإذا وضعهما بمقدار يوم في الليل أو ملفّقاً، يرىٰ نفسه عاملًا بالخطاب.

و قد يرىٰ لليوم دخلًا تقويمياً للحكم و موضوعه.

و لا يبعد أن يكون النزح متراوحاً من قبيل الأوّل؛ فإنّ العرف يرىٰ أنّ تمام الموضوع لتطهير البئر أو تنظيفه، هو إخراج الماء بهذا المقدار من الزمان متراوحاً، و لا يرى لليوم دخلًا في الحكم، بل يكون ذكره لمجرّد التقدير، فالنزح في الليل بمقدار يوم إلى الليل، عمل بالنصّ عرفاً.

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ المقام من قبيل ذلك؛ و إنّما جي ء ب «ثلاثة أيّام» لمجرّد تقدير مقدار خروج الدم من غير مدخل لليوم فيه؛ بحيث لو رأت مقدار ثلاثة أيّام أيّ ستّ و ثلاثين ساعة من أوّل الليل مثلًا إلىٰ مضيّ هذا المقدار مستمرّاً، كان ذلك كافياً في جعله حيضاً.

و كذا لو كانت المرأة في أقطار تكون لياليها شهرين، و أيّامها كذلك أو أكثر، فرأت بمقدار ذلك، كان حيضاً، و وجب عليها التحيّض.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 108

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 108

و بعبارة اخرىٰ: أنّ العرف لا يرى لطلوع الشمس و غروبها، دخلًا في حيضية الدم، كما لا يرى لهما تأثيراً في تطهير

البئر بالنزح، و وضع المشمّع على الجرح و أمثالهما.

أو يكون المقام من قبيل الأوّل «1»؛ بأن يكون للأيّام الثلاثة دخل في الموضوع، فليس الموضوع إلّا رؤية الدم و استمراره ثلاثة أيّام، و مع رؤية يوم و ليلتين أو بالعكس، لا يصدق أنّها رأت ثلاثة أيّام. و ليس للمقدار اسم و لفظ حتّى يستفاد منه ذلك. و إلغاء خصوصية الثلاثة غير ممكن؛ لأنّه لا بدّ فيه من حكم العرف بذلك، و هو غير معلوم.

لكن الإنصاف: أنّه لولا مخالفة ما ذكرنا للقوم حيث لم أرَ احتماله في كلام أحد لكان للذهاب إليه وجه، فتأمّل.

لكنّ الأوجه هو اعتبار الليالي؛ لأنّ الظاهر من الأدلّة هو اعتبار الاستمرار، و أنّ المراد من

قوله لا يكون دم الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام

من حين رؤيته، فيفهم منه الاستمرار، و من الاستمرار دخول الليالي، فكأنّه قال: «إذا رأت الدم من حين ما رأت ثلاثة أيّام، يكون حيضاً» ففهم دخول الليالي لذلك، لا لدخل بياض النهار فيه. و في مثل التراوح أيضاً يفهم ذلك إذا قال: «يتراوح ثلاثة أيّام» لا لفهم تأثير اليوم فيه، و لذا نقول بالتلفيق، بل لفهم الاستمرار من التراوح من حين الاشتغال، و يفهم دخول الليالي لفهم الاستمرار.

فالأقوىٰ هو الجمود علىٰ مقتضى النصوص، مؤيّداً بما قلنا سابقاً «2»: من أنّ التحديدات الشرعية الواردة لدم الحيض، ليست تحديدات للحيض الواقعي؛ أي

______________________________

(1) و الصحيح هو «الثاني».

(2) تقدّم في الصفحة 9 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 109

للدم المعهود المقذوف من الرحم في أوقات خاصّة، بل هي لمعرّفية الموضوع الشرعي الذي هو صنف من الدم المعهود، فلهذا لو علمنا بأنّ الدم الأقلّ من ثلاثة أيّام هو الدم المعهود،

لم نحكم عليها بالتحيّض، و لا تكون حائضاً محكوماً عليها بالأحكام الخاصّة، و معه لا مجال للعرف لإلغاء الخصوصية. و ليس حال ثلاثة أيّام الحيض حال التراوح؛ ممّا يمكن فيه إلغاء الخصوصية عرفاً. مع أنّك قد عرفت في التراوح ما عرفت.

نعم، لو كان التحديد لواقع دم الحيض، لكان لما ذكر وجه، لكنّه ضعيف مخالف للاعتبار و الوجدان، فلا يمكن رفع اليد عن ظواهر الأدلّة المتظافرة الدالّة علىٰ كون أقلّ الحيض ثلاثة. و علىٰ ما ذكرنا يرفع الاستبعاد عن اختلاف أقلّ الحيض قلّةً و كثرةً بحسب وقت الرؤية من أوّل الليل أو أوّل النهار.

دخول الليلتين المتوسّطتين و الأولى

ثمّ إنّه علىٰ ما ذكرنا، لا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين إذا رأت في أوّل النهار، و الليلة الأُولىٰ أيضاً إذا رأت أوّل الليل و التلفيق إذا رأت بين النهار؛ بحكم العرف و فهمه من

قوله لا يكون الدم أقلّ من ثلاثة أيّام

، فإنّها إذا رأت أوّل الزوال إلىٰ أوّل زوال اليوم الرابع، يصدق عرفاً أنّها رأت ثلاثة أيّام، كما أنّ الأمر كذلك في أشباهه و نظائره.

نعم، بناءً علىٰ مذهب صاحب «الحدائق» «1» فالظاهر عدم دخول الليل مطلقاً؛ لأنّ عمدة مستنده المرسلة «2» و ظاهرها أنّها لو رأت يوماً، ثمّ رأت بعد

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 159.

(2) تقدّمت في الصفحة 90 92.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 110

الانقطاع ما يتمّ به ثلاثة أيّام، يكون الدمان حيضاً، و لا شبهة في صدق ثلاثة أيّام متفرّقة بين العشرة على الأيّام بغير لياليها.

و دعوىٰ إطلاق «اليوم» على اليوم و الليلة «1»، ضعيفة مخالفة للعرف و اللغة «2» و إنّما فهمنا دخول الليالي من ظهور الأدلّة في الاستمرار، أو من الوجه الذي

سبق.

كما أنّه علىٰ فرض كون المراد من «ثلاثة أيّام» مقدارها، يكون المقدار المفروض هو مقدار بياض الأيّام؛ لأنّه اليوم عرفاً و لغة.

نعم، قد يطلق علىٰ مطلق الوقت، لكنّ إطلاقه على اليوم و الليلة ليس علىٰ نحو الحقيقة. و مع التسليم لا ريب في انصرافه إلىٰ بياض النهار فقط، و هذا أيضاً أحد وجوه المناقشة في مرسلة يونس القصيرة.

ثمّ إنّ التلفيق من الساعات، خلاف ظواهر الأدلّة و لو علىٰ مبنىٰ صاحب «الحدائق» كما يظهر بالنظر في المرسلة.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 287، روض الجنان: 61/ السطر ما قبل الأخير.

(2) لسان العرب 15: 466.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 111

الأمر الرابع في اشتراط الحيض بأن لا يزيد علىٰ عشرة أيّام

اشارة

لا إشكال في كون أكثر الحيض عشرة أيّام، و عن «الأمالي»: «هذا من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به» «1» و عن «المعتبر»: «هو مذهب فقهاء أهل البيت» «2» و نقلُ الإجماع عليه متكرّر «3» كنقل عدم الخلاف «4» و النصوص به مستفيضة «5».

نعم،

في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إنّ أكثر ما يكون من الحيض ثمانٍ، و أدنى ما يكون منه ثلاثة «6».

و هي مع ما فيها من احتمال وقوع السهو؛ لأجل تذكير لفظة ثمان كما في النسخ التي عندنا، أو التقدير الموجب للإجمال شاذّة، و عن الشيخ: «أنّ الطائفة أجمعت علىٰ خلاف ما تضمّنه هذا الحديث» أو محمولة علىٰ بعض المحامل «7».

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 516.

(2) المعتبر 1: 201.

(3) الخلاف 1: 237 238، نهاية الإحكام 1: 117، جامع المقاصد 1: 287.

(4) السرائر 1: 145، تذكرة الفقهاء 1: 256، مفتاح الكرامة 1: 344/ السطر 16.

(5) وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(6) تهذيب الأحكام 1:

157/ 450، وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 14.

(7) تهذيب الأحكام 1: 157/ ذيل الحديث 450، الاستبصار 1: 131/ ذيل الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 112

اعتبار التوالي في العشرة
اشارة

و إنّما الإشكال و الكلام في اعتبار التوالي فيها، كما عن ظاهر المشهور بل عن ظاهر «النهاية» عدم القائل بالخلاف «1»، و عدمه كما قال به صاحب «الحدائق» «2» و هو خالف المشهور في توالي الثلاثة، و توالي العشرة، و أقلّ الطهر.

و قد مرّ التقريب في دلالة ما دلّ علىٰ أنّ أدنى الحيض ثلاثة أيّام على التوالي «3»، و يمكن تقريبها في العشرة أيضاً.

لكن لا يمكن إلزام صاحب «الحدائق» بذلك إلّا بعد إثبات عدم كون الطهر مطلقاً أقلّ من عشرة أيّام، و إلّا فله أن يقول: إنّ كون أكثر الحيض عشرة أيّام متوالية، لا ينافي تفرّق الأيّام علىٰ تسعين يوماً، و مع ذلك لا تكون الأيّام المتفرّقة أكثر أيّام الحيض؛ لأنّ الأكثرية بأكثرية الدم المستمرّ. لكنّه لا يلتزم بذلك، بل يدعي أنّ الأكثر يمكن أن يكون متفرّقاً، و عليه يكون التقريب المتقدّم حجّة عليه و ملزماً له.

و الإنصاف: أنّ ظهور الروايات المحدّدة لأقل الحيض و أكثره «4» في التوالي مطلقاً، ممّا لا ينكر، و كذا لزوم التوالي في كلّ مصداق واحد من الحيض كان الأقلّ أو الأكثر أو الأوسط بالتقريب المتقدّم، فلا بدّ لرفع اليد عن هذا الظهور المستقرّ و الدليل المتّبع من دليل، و إلّا كان هو المتّبع.

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 192/ السطر 32، نهاية الإحكام 1: 166.

(2) الحدائق الناضرة 3: 159.

(3) تقدّم في الصفحة 88 89.

(4) وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب

10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 113

حول مذهب صاحب الحدائق في عدم اعتبار التوالي

و استند صاحب «الحدائق» «1» لمقالته إلىٰ روايات:

منها: ذيل

مرسلة يونس القصيرة، و هو قوله فإذا حاضت المرأة، و كان حيضها خمسة أيّام، ثمّ انقطع الدم، اغتسلت و صلّت، فإن رأت بعد ذلك الدم، و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام، فذلك من الحيض تدع الصلاة، و إن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام و دام عليها، عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل و الثاني عشرةَ أيّام، ثمّ هي مستحاضة «2».

و التقريب فيها من وجهين:

أحدهما قوله فإن رأت بعد ذلك الدم، و لم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام، فذلك من الحيض حيث جعل مبدأ الحساب من الطهر، فإذا رأت خمسة و طهرت خمسة ثمّ رأت خمسة، فالخمستان الحاشيتان من الحيض؛ لرؤيتها قبل مضيّ عشرة أيّام من الطهر، و لا يتمّ ذلك إلّا بعدم اعتبار التوالي.

و ثانيهما قوله و إن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني .. إلىٰ آخره؛ حيث جعل عدّ الدمين ميزاناً للعشرة، لا من مبدأ الدم الأوّل إلىٰ عشرة أيّام؛ حتّى يكون النقاء داخلًا في الحساب، و هو لا يتمّ إلّا بعدم اعتبار التوالي.

و في الوجهين نظر، حاصله: أنّ صدر المرسلة ظاهر بل صريح في أنّ مبدأ حساب عشرة أيّام، من أوّل رؤية الدم يوماً أو يومين، و أنّ كلّ دم رأت في العشرة التي مبدؤها ذلك، هو من الحيض، و مع عدم الرؤية فيها ليس اليوم

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 159 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 91.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 114

و اليومان

من الحيض، بل إمّا من قرحة أو غيرها، و يجب عليها قضاء الصلاة، فيكون مبدأ الحساب بحسب الصدر هو أوّل رؤية الدم، فحينئذٍ يكون قوله إذا رأت خمسة أيّام إمّا من أمثلة ما ذكر في الصدر، و إنّما أعاد مثالًا آخر للتوضيح.

أو فرضاً آخر حكمه غير الفرض الأوّل، فيستفاد منها التفصيل بين رؤية الدم يوماً أو يومين و بين خمسة أيّام مثلًا.

أو كان الفرض الأوّل لغير ذات العادة، بخلاف الثاني.

و هذان التفصيلان ممّا لا قائل بهما ظاهراً؛ و إن لم يبعد التزام صاحب «الحدائق» بهما. و لا يبعد دعوى كون المثال للتوضيح، لا لبيان مطلب مستقلّ و لو لما ذكرنا من عدم القائل بهما، فيتعيّن الاحتمال الأوّل، و معه يكون الصدر رافعاً لإجمال الذيل؛ فإنّ قوله من يوم طهرت في الجملة الأُولى التي استند إليها يمكن أن يكون متعلّقاً ب «لم يتمّ و أن يكون متعلّقاً ب «عشرة أيّام و لا ترجيح لأحدهما ابتداءً، لكن مع ملاحظة الصدر الصريح في كون مبدأ الحساب هو أوّل رؤية الدم، يرتفع هذا الإجمال و يتعيّن تعلّقه بقوله لم يتمّ و يكون المعنىٰ: «إذا رأت الدم مع عدم تمام العشرة المتقدّمة التي مبدؤها من رؤية الدم ..» فتكون أيّام الطهر متمّمة للعشرة لا مبدأها.

و بعبارة أُخرى: إذا لم يأتِ عليها من الطهر متمّم للعشرة، و رأت الدم، يكون حيضاً، فصارت هذه الجملة مطابقة للجملة السابقة، و للشهرة، بل الإجماع.

هذا مع الغضّ عمّا قال الشيخ الأعظم: من أنّ في نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ الحرّ بدل طهرت طمثت «1».

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 193/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 115

و ممّا ذكرنا يظهر حال الجملة

الثانية، مع إجمالها و اضطرابها، فإنّ المراد منها بعد ضمّ الصدر إليها أنّه إن رأت من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته متمّماً للعشرة المتقدّمة التي مبدؤها من رؤية الدم الأوّل .. فتكون رؤية الدم في العشرة التي مبدؤها مصرّح به في الصدر، فتكون هذه الجملة أيضاً مطابقة للصدر و القول المشهور.

و إلّا فلو أُريد من قوله تمام العشرة العشرة التامّة من رؤية الدم الثاني، تكون هذه الجملة لغواً محضاً؛ فإنّ رؤية العشرة التامّة من مبدأ الدم الثاني، لا دخل لها في الحكم المترتّب عليه أصلًا، و لا في مدّعى صاحب «الحدائق» رأساً؛ فإنّ الحكم إنّما يكون على الدم المتجاوز عن عشرة أيّام بعد حساب الدمين مجتمعين، فمع رؤية خمسة أيّام كما هي مفروضة الرواية إن طهرت يوماً مثلًا، و رأت ستّة أيّام، يكون اليوم السادس منها استحاضة علىٰ قول صاحب «الحدائق» و لا دخل لرؤية العشرة الكاملة في ترتّب هذا الحكم عليه. هذا كلّه مع الغضّ عمّا تقدّم في المسألة السابقة «1».

و الإنصاف: أنّ هذه المرسلة مع هذه التكلّفات في توجيهها و تأويلها و الإجمالات الكثيرة فيها، لا يمكن الاتكال عليها لإثبات حكم شرعي.

و ممّا استدلّ به لمذهب صاحب «الحدائق»:

رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة «2»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون من الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ، و إذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى مستقبلة «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 92 95.

(2) تقدّم في الصفحة 59.

(3) الكافي 3: 77/ 1، تهذيب الأحكام 1: 159/ 454، وسائل الشيعة 2: 298، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 1، ص: 116

و قريب منها روايته الصحيحة الأُخرىٰ و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المتقدّمتان «1».

و التقريب فيها: أنّ الظاهر منها أنّ العشرة المذكورة فيها، عشرة واحدة جعل لرؤية الدم قبلها و بعدها حكم، و لا إشكال في أنّ مبدأ العشرة في الفقرة الثانية هو أوّل الطهر، و إلّا لزم كون الدم حيضة مستقبلة قبل عشرة الطهر، و هو خلاف الإجماع و النصّ، فلا محالة يكون مبدأ العشرة في الأُولىٰ أيضاً هو الطهر، فحينئذٍ إن جعل النقاء المتخلّل حيضاً، يصير أكثر الحيض أكثر من عشرة أيّام، و هو أيضاً خلاف الإجماع و النصّ، فلا بدّ من جعله طهراً، و به يتمّ المطلوب؛ و هو عدم توالي عشرة أيّام الحيض.

بل و تتمّ دعوى اخرىٰ: و هي كون الطهر أقلّ من العشرة؛ إذا كان في خلال الحيضة الواحدة.

و فيه: أنّه لا إشكال في لزوم ارتكاب خلاف ظاهر في المقام، فلا بدّ من عرض الأخبار الواردة على العرف حتّى نرىٰ أنّ ارتكاب أيّ خلاف ظاهر أهون.

و توضيحه: أنّ هاهنا طوائف من الروايات:

الطائفة الأُولىٰ: الروايات الكثيرة القائلة: بأنّ أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و أكثره عشرة، الظاهرة في التوالي، و هذه الروايات بإطلاقها تدلّ علىٰ أنّ العشرة حدّ للأكثر؛ سواء استمرّ الدم، أو تخلّل نقاء في البين، و لازمه كون النقاء حيضاً.

و الطائفة الثانية: ما دلّت علىٰ أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام، كمرسلة يونس

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 59.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 117

و غيرها، و هي بإطلاقها تدلّ علىٰ أنّه لا يكون أقلّ؛ كان في خلال الحيضة الواحدة، أو بين الحيضتين.

و الطائفة الثالثة: تلك الروايات المتقدّمة الظاهرة

في كون العشرة واحدة، و استفاد صاحب «الحدائق» منها أنّ النقاء المتخلّل طهر، و لا يشترط التوالي في العشرة؛ جمعاً بينها «1».

و لنا أن نقول مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب، و عدم الاعتناء بالشهرة و الإجماع، كما هو دأب صاحب «الحدائق»: إنّ الجمع بينها لا ينحصر فيما ذكر، بل يمكن الجمع بوجه آخر؛ و هو رفع اليد عن إطلاق ما دلّ علىٰ أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام، فإنّ مقتضىٰ إطلاقها أنّ الأكثر عشرة؛ سواء كان الدم سائلًا، أو تخلّل النقاء في البين، فمع رفع اليد عن إطلاقها و تخصيصها بما إذا رأت الدم في جميع العشرة، يجمع بين الروايات أيضاً، فيكون مبدأ العشرتين من حين رؤية الدم، كما هو الظاهر منها، و مع حفظ ظهور الروايات الدالّة علىٰ أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام، نحكم بحيضية النقاء المتخلّل، و تكون النتيجة: أنّ الحيض الحكمي يكون أكثره أكثر من عشرة أيّام.

و هذا الجمع أقرب ممّا ذكره صاحب «الحدائق» لأنّ «الحيض» عبارة عن الدم أو سيلانه لغة «2»، فما دلّت علىٰ أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام، يمكن دعوى ظهورها في أنّ أكثر جريان الدم الذي هو حيض، عشرة أيّام، و لا تكون متعرّضة للحيض الحكمي، فيجمع حينئذٍ بين الروايات من غير ارتكاب خلاف ظاهر أصلًا.

و لو قيل بالإطلاق كان هذا الجمع أيضاً أقرب؛ لما ذكر، أو لاحتماله و ضعف الإطلاق. و لا أقلّ من كون الجمعين متساويين من غير ترجيح.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 163 164.

(2) لسان العرب 3: 419، مجمع البحرين 4: 201، القاموس المحيط 2: 341.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 118

بل بناءً علىٰ هذا الجمع، يكون التصرّف في الأدلّة أقلّ ممّا

ارتكبه صاحب «الحدائق».

بيانه: أنّ الجمع بينها علىٰ مسلكه، يوجب التصرّف في جميع الطوائف الثلاث: أمّا فيما دلّت علىٰ أنّ أقلّ الطهر عشرة، فبتقييد إطلاقها بما بين الحيضتين المستقلّتين.

و أمّا فيما دلّت علىٰ أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام، فبرفع اليد عن ظهورها في العشرة المتوالية.

و أمّا في الطائفة الثالثة، فبرفع اليد عن ظهورها في أنّ مبدأ العشرة هو الدم؛ ضرورة أنّ قوله

في رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاولىٰ ..

إلىٰ آخره، ظاهر في أنّ مبدأ العشرة هو مبدأ الثلاثة المذكورة، و ليس للطهر ذكر حتّى تحمل العشرة على العشرة من الطهر.

و أمّا بناءً علىٰ ما ذكرنا من حمل الروايات الدالّة علىٰ أكثر الحيض علىٰ عشرة الدم، فلا يكون التصرّف إلّا فيها علىٰ فرض تسليم إطلاقها و عدم انصرافها إلىٰ وجدان الدم و في الطائفة الثانية برفع اليد عن ظهورها في كون العشرة واحدة، و مبدأ الثانية هو مبدأ الأُولىٰ، فيكون هذا التصرّف أقلّ ممّا سلكه صاحب «الحدائق» و أهون.

لكن مع ذلك و مع الغضّ عن كونه خلاف الإجماع، يكون الجمع بينها بما يوافق قول المشهور، أهونَ و أقلّ محذوراً منه، فضلًا عن الجمع علىٰ مسلك «الحدائق» فإنّه لو سُلّم كون الطائفة الثالثة مطلقة و في مقام البيان، كان التصرّف مختصّاً بها علىٰ مذهب المشهور، و تكون ما دلّت علىٰ أكثر الحيض و أقلّ الطهر، محفوظةً عن التصرّف.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 119

و أمّا التصرّف في هذه الطائفة، فإمّا بجعل العشرة الأُولىٰ غير الثانية، كما قد يؤيّده تنكير الثانية علىٰ بعض

النسخ «1».

أو حفظ هذا الظهور؛ و تقييد الفقرة الثانية بمضي أقلّ الطهر؛ و هو عشرة أيّام طاهرة، و هذا تصرّف واحد أهون من تصرّفين أو تصرّفات في جميع الأدلّة.

هذا مع التسليم، و إلّا فالحقّ أنّ هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة بلا إشكال، كما تقدّم، و يظهر بالمراجعة إليها؛ فإنّ

قوله في رواية ابن مسلم أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة ..

إلىٰ آخره، ظاهر في أنّ الحيض في مبدأ العشرة كان مفروض الوجود، و كذا الدم المتأخّر كان مفروض الحيضية، و إنّما الكلام في استقلاله و عدمه؛ و أنّه من الحيضة الاولىٰ أو حيضة مستقبلة، و ليست بصدد بيان أنّ الدم كذا حتّى يتمسّك بإطلاقها.

و لهذا لا ينقدح في الذهن تعارض بين صدرها حيث حكم بأنّ أقلّ الحيض ثلاثة و بين ذيلها، و لو كان للذيل إطلاق لكان متعارضاً مع الصدر. و كذا لا ينقدح التعارض بينها و بين ما دلّ على اعتبار شرائط في الحيض، و ذلك آية عدم الإطلاق، كما ينادي به نفس الرواية.

و مثلها رواية عبد الرحمن المتقدّمة «2»، فإنّ الظاهر منها أنّ حيضية الدم المتقدّم و المتأخّر مفروضة، و تكون الرواية في مقام بيان أنّه ملحق بالثانية أو حيضة مستقلّة، فحينئذٍ لا يكون الجمع بين تلك الطوائف بما يوافق المشهور موجباً لتصرّف فيها.

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 267/ السطر 30.

(2) تقدّمت في الصفحة 97.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 120

حول مذهب صاحب الحدائق في النقاء المتخلّل بين العشرة

نعم، هنا روايات أُخر يتمسّك بها لعدم اعتبار التوالي، و لكون أقلّ الطهر بين الحيضة الواحدة أقلّ من عشرة أيّام، و أنّ ما دلّت علىٰ أنّ أدنى الطهر عشرة،

مختصّة بما بين الحيضتين «1»:

منها: موضعان من مرسلة يونس «2»: أحدهما

قوله و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين، اغتسلت و صلّت

حيث إنّ الأمر بالاغتسال إنّما يكون للحيض المحتمل، و الأمر بالصلاة لكونها طاهرة.

و فيه: أنّه كما يحتمل أن يكون ذلك لأجل احتمال الحيض، يمكن أن يكون لأجل احتمال الاستحاضة. و يمكن أن يقال: إنّ الثاني موافق للأصل؛ بناءً علىٰ أنّ هذه المرأة إذا لم تكن حائضاً فهي مستحاضة شرعاً، و إحراز عدم كونها حائضاً بالأصل.

و لو أُغمض عن ذلك أو استشكل فيه، فلا ظهور للرواية في تعيين شي ء من الاحتمالين، كما أنّ الأمر بالصلاة يمكن أن يكون للتكليف الظاهري و استصحاب عدم كونها حائضاً، فلا ظهور لها فيما ادعىٰ صاحب «الحدائق» «3».

و

ثانيهما قوله فذلك الذي رأته في أوّل الأمر، مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة، هو من الحيض

حيث حكم بحيضية الدمين، و لو كان النقاء

______________________________

(1) انظر الحدائق الناضرة 3: 159 164، جواهر الكلام 3: 156، مصباح الفقيه، الطهارة: 264 267.

(2) تقدّمت في الصفحة 90.

(3) الحدائق الناضرة 3: 160.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 121

حيضاً كان عليه بيان حيضية المجموع.

و فيه: أنّ الظاهر من قوله فذلك الذي رأته في أوّل الأمر .. إلىٰ قوله من الحيض حيث أتى بلفظة من الظاهرة في التبعيض أنّ مجموع الدم الأوّل و الثاني بعض الحيض، و هو لا يتمّ إلّا بكون النقاء حيضاً، و إلّا كان تخلّل من التبعيضية غير مناسب، بل كان عليه أن يقول: «هو الحيض» لا «هو من الحيض».

نعم، لو كان الضمير راجعاً إلىٰ بعض الدم، كان تخلّلها صحيحاً، لكن لا إشكال في رجوعه إلى

كلّه، و هو لا يستقيم إلّا بما ذكرنا.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ كون الوسط طهراً، موجب لاستقلال الدمين في الوجود، فجعلهما واحداً و من حيضة واحدة، لا يستقيم إلّا بتأوّل و تجوّز و اعتبار وحدة.

مع أنّ تصريحه في موضعين منها بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة، لا يناسب بيان أقلّيته منها، فمن يريد أن يبيّن أنّ الطهر يمكن أن يكون أقلّ من عشرة أيّام، لا يقول بقول مطلق: «إنّ أدنى الطهر عشرة أيّام» و لا يذيّل كلامه: «بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة».

و الإنصاف: أنّ المرسلة علىٰ خلاف قوله أدلّ.

و أضعف ممّا ذكر الاستدلال بآخر المرسلة؛

حيث قال عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل و الثاني، عشرةَ أيّام

، و قد مرّ الكلام في الجمل الأخيرة منها «1».

و منها: روايتا محمّد بن مسلم المتقدّمتان «2»، حيث جُعل فيهما الدم بعد الانقطاع من الحيضة الأُولىٰ إذا رأت قبل عشرة أيّام، فتدلّان علىٰ أنّ النقاء ليس

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 113.

(2) تقدّمتا في الصفحة 95 96.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 122

بحيض. و مثلهما رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «1».

و الجواب عنهما بما تقدّم: من أنّ الظاهر من قوله من الحيضة الاولىٰ أنّ الحيضة مستمرّة من مبدأ الدم الأوّل إلى الدم الثاني، و إلّا كان حيضاً مستقلا، فلا يصدق كونه من الاولىٰ بلا تجوّز و اعتبار وحدة تأوّلًا إلّا ببقاء الاولىٰ و استمرارها، فيكون النقاء وجوداً بقائياً لها، فيكون حيضاً.

مضافاً إلىٰ أنّ تلك الروايات كما تقدّم «2» إنّما تكون بصدد بيان أمر آخر، و لا تكون بصدد بيان حال الطهر، فلا دلالة لها علىٰ مذهب صاحب «الحدائق». هذا مع الغضّ عن

سند رواية عبد الرحمن و إحدى روايتي ابن مسلم و إجمال الأُخرىٰ.

و منها:

رواية داود مولى أبي المغراء عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام، حيضها دائم مستقيم، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام، ثمّ ينقطع عنها الدم، و ترى البياض؛ لا صُفرة و لا دماً، قال تغتسل و تصلّي.

قلت: تغتسل و تصلّي و تصوم، ثمّ يعود الدم، قال إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة و الصيام.

قلت: فإنّها ترى الدم يوماً، و تطهر يوماً، قال فقال إذا رأت الدم أمسكت، و إذا رأت الطهر صلّت، فإذا مضت أيّام حيضها و استمرّ بها الطهر صلّت، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة. قد انتظمتُ لك أمرَها كلّه «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 97.

(2) تقدّم في الصفحة 97 و 119.

(3) الكافي 3: 90/ 7، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 123

حيث أمرها بالغسل و الصلاة و الصيام في أيّام النقاء، فتكون طهراً حقيقة. و أيضاً لم يأمرها بقضاء الصوم، مع أنّ قضاءه لازم على الحائض، فتدلّ علىٰ أنّ النقاء طهر.

و فيه: أنّ عدم الأمر بقضاء الصوم؛ إنّما هو لعدم كونه في مقام بيانه، و لا يجب بيان جميع الأحكام المرتبطة بالحيض في رواية واحدة، و أمّا الأمر بالصلاة و الصيام فيمكن أن يكون احتياطاً و استظهاراً، كما هو متكرّر في أبواب الدماء من الأمر بالترك أو الفعل للاستظهار حتّى مع وجود الأصل المنقّح «1»، فلا تدلّ علىٰ تحقّق الطهر الحقيقي، و لا كون الدم حيضاً.

كما لا محيص عن حمل صحيحتي يونس بن يعقوب «2»

و أبي بصير «3» علىٰ ذلك،

ففي الأُولىٰ قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام، قال تدع الصلاة.

قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة؟ قال تصلّي.

قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة.

قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة؟ قال تصلّي.

قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة؛ تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم، و إلّا فهي بمنزلة المستحاضة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 299 و 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 12 و 13، و: 381، أبواب النفاس، الباب 1، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 79/ 2، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 380/ 1180، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 124

ضرورة أنّ الحمل على الحيض و الطهر في جميع الأيّام إلىٰ شهر، ممّا لا يمكن؛ للزوم كون الطهر بين الحيضتين المستقلّتين أقلّ من عشرة إذا كان كلّ دم حيضاً مستقلا، و كون الحيض الواحد أكثر من عشرة إذا كانت الدماء حيضة واحدة، فلا محالة تحمل على الأمر بالاحتياط، و ترجيح جانب الحيض في أيّام الدم، و جانب الطهر في أيّام النقاء، كما صنع العَلَمان الشيخ و المحقّق «1» و عليه يحمل فتوى من أفتىٰ بمضمونهما «2».

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا يكون القُرْء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد، و أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترى الدم «3».

فقد يتمسّك بها للفريقين «4»

بدعوىٰ: أنّ «القُرْء» هو الطهر بين الحيضتين المستقلّتين، كما تدلّ عليه

صحيحتا زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) القُرء ما بين الحيضتين «5»

، فاختصاص «القُرْء» بالذكر لكون الطهر أعمّ، و هو لا يكون عشرة أيّام. مع ظهور

قوله أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترى الدم

في طهرها من الحيض إلىٰ رؤية الدم من الحيضة المستقبلة.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ «القُرْء» علىٰ ما صرّح به أئمّة اللغة هو الطهر

______________________________

(1) الاستبصار 1: 132/ ذيل الحديث 3، المعتبر 1: 206 207.

(2) النهاية: 24، المبسوط 1: 43، ذكرى الشيعة 1: 235.

(3) الكافي 3: 76/ 4، تهذيب الأحكام 1: 157/ 451، وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 1.

(4) الحدائق الناضرة 3: 161، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 193/ السطر 29.

(5) الكافي 6: 89/ 2 و 3، وسائل الشيعة 22: 201، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 14، الحديث 1 و 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 125

ضدّ الحيض «1»، و لم أرَ فيما عندي من كتب اللغة و كلام شرّاح الحديث و المفسّرين، التفسير بما بين الحيضتين، إلّا عبارة من الصدوق في «الفقيه» «2» و ما في «الصحاح» عن الأخفش عن بعضهم «3»، و إلّا فكلماتهم متطابقة علىٰ أنّ «القُرْء» هو الطهر و الحيض، و هو من الأضداد، و عن الأخفش: «أنّه انقضاء الحيض» «4» و الظاهر أنّ كلام الصدوق تبع للرواية، لا نقل للّغة.

و أمّا الروايات الواردة في باب العدد «5» فهي في مقام بيان الحكم الشرعي، لا ذكر المعنى اللغوي؛ لوقوع الخلاف بين الخاصّة و بعض العامّة- كأبي حنيفة في المراد من «القُرْء»

في آية التربّص «6» هل هو الطهر، كما عليه أصحابنا «7» أو الحيض، كما عليه أبو حنيفة و بعض آخر منهم «8»؟ فتلك الروايات واردة في بيان المراد من «القُرْء» في آية التربّص؛ و أنّ «القرء» ليس بمعنى الحيض فيها، بل هو الطهر بين الحيضتين، فلا يستفاد منها شي ء من المذهبين في المقام.

مع أنّه علىٰ فرض تفسير «القرء» بما بين الحيضتين، يمكن الاستدلال بها للمشهور بضميمة ما دلّ علىٰ أنّ الأقراء هي الأطهار، كصحيحة زرارة في باب

______________________________

(1) معجم مقاييس اللّغة 5: 79، لسان العرب 11: 80، تاج العروس 1: 101 102.

(2) الفقيه 1: 51/ 198.

(3) الصحاح 1: 64.

(4) الصحاح 1: 64، انظر لسان العرب 11: 81.

(5) وسائل الشيعة 22: 201، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 14، أكثر أحاديث الباب.

(6) و هو قوله تعالىٰ وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلٰاثَةَ قُرُوءٍ، البقرة (2): 228.

(7) التبيان في تفسير القرآن 2: 237، مجمع البيان 2: 573، فقه القرآن 2: 156، كنز العرفان 2: 256.

(8) المبسوط، السرخسي 6: 13، الكشّاف 1: 271، المغني، ابن قدامة 9: 82، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 3: 116 117.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 126

العدد «1»، و الظاهر من تخلّل ضمير الفصل هو كون «القرء» و «الطهر» واحداً، فما لم يكن قرءً لا يكون طهراً، فإذا كان النقاء أقلّ من عشرة لا يكون قرءً و لا طهراً، فيكون حيضاً.

و الإنصاف: أنّ رواية باب العدد أجنبية عمّا نحن بصدده.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم فحاكمة بأنّ القرء لا يكون أقلّ من عشرة أيّام، و هو لغةً الطهر فلا يكون الطهر أقلّ منها، و الجملة التالية أعني

قوله و أقلّ ما يكون

عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترى الدم

تفسير للسابقة، و معناها: أنّ الطهر إذا عقّبه الدم، ليس بقرء و لا طهر إلّا إذا كان بينهما عشرة أيّام، فدلالتها على القول المشهور ظاهرة.

مع إمكان أن يقال: إنّ عمل المشهور علىٰ رواية يونس في تلك الفقرة التي لا إجمال فيها يكفي في جبران ضعفها سنداً «2»، و التشويش المتني ليس في هذه الفقرة، فالحقّ ما عليه المشهور في المسائل الثلاث، و طريق الاحتياط معلوم، و هو سبيل النجاة.

______________________________

(1) الكافي 6: 89/ 4، وسائل الشيعة 22: 201، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 14، الحديث 3.

(2) تقدّم وجه ضعفها في الصفحة 92.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 127

المطلب الثالث في أقسام الحائض و أحكامها

[في أقسام الحائض]

الحائض إمّا ذات عادة أو لا:

فالأُولىٰ: إمّا وقتية و عددية، أو وقتية فقط، أو عددية كذلك.

و الثانية: إمّا مبتدئة، و هي التي لم تَرَ الدم سابقاً، و كان ما رأت أوّل دمها.

و إمّا مضطربة، و هي التي لم تستقرّ لها عادة و إن رأت الدم مراراً، كمن رأت ثلاثة في أوّل شهر، و خمسة في وسط شهر آخر، و سبعة في آخر شهر ثالث، و أربعة في شهر آخر في غير الأيّام المتقدّمة .. و هكذا.

و إمّا ناسية، و هي التي كانت لها عادة فنسيتها، و يقال لها: «المتحيّرة».

و قد تطلق «المبتدئة» على الأعمّ ممّن تقدّمت و من لم تستقرّ لها عادة، كما تطلق «المضطربة» على الناسية، و الأمر سهل.

و الأولى صرف الكلام إلىٰ أحكام الأقسام في ضمن مسائل:

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 128

المسألة الأُولىٰ في استفادة حصول العادة بمرّتين من الأخبار
اشارة

لا إشكال في حصول العادة برؤية الدم مرّتين في الجملة دون مرّة واحدة نصّاً «1» و فتوى «2». و خلاف بعض العامّة «3» كنقل موافقة بعض أصحابنا معه «4» مع عدم ثبوته لا يعتنى به.

و إنّما الإشكال مع قطع النظر عن الإجماع أو الشهرة «5» في استفادة حصول العادة بمرّتين في أُصول أقسام ذات العادة التي تقدّمت من الأدلّة، كمرسلة يونس الطويلة «6» و غيرها «7» و كذا في استفادة حصولها بهما في سائر الأقسام المتكثّرة المذكورة في كتب المحقّق و العلّامة و الشهيد علىٰ ما حكيت «8» و أشار إلىٰ بعضها الشيخ الأعظم و غيره «9».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 7.

(2) النهاية: 25، المهذّب 1: 35، منتهى المطلب 1: 102/ السطر 22.

(3) المغني، ابن قدامة 1: 329/ السطر 3، المجموع 2: 417/ السطر 16.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 346/ السطر 22، جواهر الكلام 3: 171.

(5) جامع المقاصد 1: 289، مستند الشيعة 2: 431 432، جواهر الكلام 3: 171.

(6) تقدّم في الصفحة 16.

(7) كمضمرة سماعة، راجع الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 14، الحديث 1.

(8) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 196/ السطر 13، المعتبر 1: 213 و 217 218، نهاية الإحكام 1: 134 162، منتهى المطلب 1: 99/ السطر 36، الدروس الشرعيّة 1: 97 98، ذكرى الشيعة 1: 232 234.

(9) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 196/ السطر 13، جواهر الكلام 3: 171 194.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 129

فنقول: لا إشكال في استفادة حصولها بمرّتين في

ذات العادة الوقتية و العددية من مرسلة يونس. و ادّعى بعضهم استفادة العددية فقط أيضاً منها؛ أي شمول ظهورها اللفظي لهما، دون الوقتية فقط «1».

لكن الظاهر منها بعد التأمّل التامّ في جميع فقرأتها هو تعرّضها لذات العادة العددية و الوقتية دون غيرها، بل شمولها لذات العادة الوقتية أقرب من العددية، فالأولىٰ ذكر بعض فقرأتها حتّى يتضح الحال:

قال بعد كلام أمّا إحدى السنن: فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثمّ استحاضت و استمرّ بها الدم، و هي في ذلك تعرف أيّامها و مبلغ عددها .. إلىٰ آخره.

لا إشكال في أنّ ما ذكر، لا ينطبق إلّا علىٰ ذات العادة العددية و الوقتية مع كونها ذاكرة لعددها و وقتها، و أمّا لو كان لها عدد معلوم، لكن كان مختلطاً في ثلاثين يوماً، فلا تكون لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، و أيّ اختلاط أكثر من اختلاط ثلاثة في ثلاثين مثلًا؟! و أوضح من ذلك قوله تعرف أيّامها و مبلغ عددها فعرفان الأيّام غير عرفان مبلغ العدد، فلا إشكال في أنّ موضوع السنّة الاولىٰ هو ما ذكر.

و أمّا قوله بعد ذلك حاكياً

عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في تكليف هذه المرأة تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها

و إن كان في نفسه مع قطع النظر عن الصدر و الذيل للعددية فقط، لكن مع لحاظ أنّ ذلك بيان حكم الموضوع المتقدّم، لا يبقى ريب في أنّ المراد قدر أقرائها التي تعرفها ذاتاً و مبلغاً، و لهذا قال بلا فصل هذه سنّة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في التي تعرف أيّام أقرائها؛ لم تختلط عليها

______________________________

(1) الطهارة،

الشيخ الأنصاري: 196/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 130

و معرفة أيّام الأقراء غير معرفة العدد و المبلغ؛ ضرورة أنّ معرفة نفس اليوم هو العلم بشخصه؛ و أنّه في أيّ موضع من الشهر، و مع الجهل بذلك تكون ممّن تختلط عليها أيّامها و لم تعرفها، فقوله بلا فصل أ لا ترى أنّه لم يسألها: كم يوم هي؟ لا يدلّ علىٰ شموله لذات العادة العددية؛ ضرورة أنّه بصدد بيان حال من تقدّم ذكرها، و لذا قال بلا فصل و إنّما سنّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها و معلومية نفس الأيّام و معروفيتها، لا تصدقان إلّا بما تقدّم.

و يزيده وضوحاً قوله بعد ذلك في بيان تكليفها فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ضرورة أنّ مثل ذلك لا يقال لمن لا تعلم أيّامها و لا تعرفها بشخصها؛ للفرق الواضح بين أن يقول: «فلتدع الصلاة مقدار أيّام أقرائها» و بين ما ذكر، فقوله بعد ذلك فهذه سنّة التي تعرف أيّامها و لا وقت لها إلّا أيّامها؛ قلّت أو كثرت ممّا يؤكّد المطلوب.

كما يؤكّده و يوضّحه قوله و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم، فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر، فإنّ سنّتها غير ذلك .. إلى غير ذلك ممّا يؤكّد المطلوب.

فلا ريب في أنّ المرسلة متعرّضة لذات العادة العددية و الوقتية، فحينئذٍ يكون ذيلها أيضاً بيان تقسيم الصدر، لا شيئاً آخر، فقوله فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر و تصلّي، فلا تزال كذلك حتّى تنظر ما يكون في

الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواءً حتّى توالىٰ عليها حيضتان .. إلىٰ آخره متعرّض لما تقدّم.

فقوله لوقته من الشهر الأوّل أي يكون الانقطاع وقت الشهر الأوّل.

و قوله سواء أي عدداً؛ بقرينة الصدر و الذيل، فلا إشكال في تعرّضها لذات العادة العددية و الوقتية.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 131

فحينئذٍ يقع الإشكال في المرسلة: بأنّ صريحها أنّ سنّ السنن الثلاث لرفع كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها؛ حتّى لا يدع لأحد مقالًا فيه بالرأي، و أنّ جميع حالات المستحاضة، تدور علىٰ هذه السنن الثلاث؛ لا تكاد أبداً تخلو عن واحدة منهنّ، مع أنّ كثيراً من حالات المستحاضة و أقسامها، غير مذكورة فيها، كالعددية المحضة، و الوقتية كذلك، و الصور الكثيرة التي تعرّض لها المحقّقون.

و يمكن دفع الإشكال عنها بوجهين:

أحدهما أن يقال: إنّ السنّة الأُولىٰ أي الرجوع إلىٰ خلقها و وقتها إنّما هي لمن لها خلق معروف معلوم، و يكون وجه الإرجاع إلىٰ خلقها هو معروفية الخلق و معلومية الأيّام، و ذلك تمام الموضوع للإرجاع، و يكون المثال المذكور أوضح المصاديق؛ من غير أن يكون الحكم منحصراً به بدعوىٰ: أنّ العرف- بمناسبات الحكم و الموضوع و إلغاء الخصوصية يفهم منها أنّ الخلق المعروف و العدد المعلوم، يكون مرجعاً لأجل أقوائية أماريته من حالات الدم، و الرجوع إلىٰ صفات الدم إنّما هو مع فقد الأمارة الأقوىٰ، فإذا كانت المرأة حسبما رأت متكرّراً في الزمان الطويل ذات خلق معروف عدداً و وقتاً، أو عدداً فقط، أو وقتاً فقط، يكون هو المرجع لأجل معروفية الخلق و معلومية العادة.

و بالجملة: العادة الحاصلة من تكرُّر الدم أقوى الأمارات، فذاك الخلق مرجعها لأجل كونه عادة

و خلقاً، فالمرأة التي ترى الدم في أوّل الشهر لا تتخلّف عادتها عنه في الأزمنة المتطاولة؛ و إن اختلف عددها يكون لها خلق معروف معلوم بحسب الوقت، و هو أقوى الأمارات.

و كذا في العددية المحضة، كما يشهد به قوله في مقابل السنّة الأُولىٰ

و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 132

فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر ..

مع أنّ مقابل ما ذكره في السنّة الاولىٰ هو إغفال أحدهما، لا إغفالهما معاً، فذكر إغفالهما دليل علىٰ أنّ الصدر بصدد بيان أمر أوسع ممّا مثّل به، فيشمل الذاكرة و لو عدداً فقط، أو وقتاً كذلك. فحينئذٍ يدخل جميع الصور التي تتصوّر للخلق المعروف و العادة المعروفة- و لو بنحو التركيب و غيره في السنّة الأُولى، و مع فقد الخلق و العادة يكون المرجع هو الأمارة الأُخرىٰ؛ أي اختلاف ألوان الدم و تغيّر حالاته، و مع فقدها يكون المرجع السبع و الثلاث و العشرين، فهذه جميع حالات المستحاضة تقريباً أو تحقيقاً.

و ثانيهما أن يقال: إنّ السنّة الأُولىٰ لذات العادة الوقتية و العددية معاً، و السنّة الثانية لغيرها؛ سواء لم تكن لها عادة أصلًا، أو كانت و أغفلتها مطلقاً، أو أغفلت إحداهما، فيدخل فيها جميع الأقسام ما عدا الأوّل، و إنّما اختصّ بالذكر قسم منها هو أحد مصاديق المفهوم، فقوله: «إن كانت لها أيّام معلومة فكذا» أو قوله فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها .. كذا، يكون بالمفهوم شاملًا لجميع أقسام المستحاضة غير ما في المنطوق.

فكأنّه قال: «المستحاضة إمّا ذات عادة وقتية و عددية أو

لا، فالأُولىٰ حكمها الرجوع إلىٰ خلقها، و الثانية إمّا أن يكون لدمها اختلاف لون و تغيّر حال أو لا، فالأُولىٰ حكمها الرجوع إلى الصفات، و الثانية الرجوع إلى السبع و الثلاث و العشرين» و ذكر من كلّ مفهوم مصداقاً؛ فذكر من مفهوم الجملة الأُولى التي أغفلت مطلقاً، و من مفهوم الجملة الثانية المبتدئة فقط من باب المثال، لا من باب كونهما تمام الموضوع للحكم، فحينئذٍ تحيط السنن الثلاث بجميع حالات المستحاضة إلّا بعض النوادر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 133

و هذان الوجهان و إن كان يُدفع بكلٍّ منهما الإشكال عن المرسلة لكنّ الرجحان للوجه الأوّل؛ لمساعدة الارتكازات العرفية عليه، و معها لا يبقى للوجه الثاني محلّ.

و لموافقته لفتوى الأصحاب و دعاوى الشهرة و الإجماع على إلحاق العددية المحضة و الوقتية المحضة بالسنّة الأُولىٰ.

مضافاً إلىٰ خصوصيات في المرسلة تؤيّد ذلك أو تدلّ عليه، كقوله في ذيل السنّة الثانية فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها .. إلىٰ أن قال فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف إقبال الدم .. إلىٰ آخره، فجعل وجه الاحتياج إلى الرجوع إلى الصفات، عدمَ معرفة العدد و لا الوقت معاً، فيفهم منه أنّها لو عرفت وقتها لا تحتاج إلىٰ معرفة لون الدم، و كذا لو عرفت العدد، فمورد الاحتياج فقدان الأمارة التي هي أقوى؛ و هي الخلق المعروف و العادة المعلومة.

و يؤكّده قوله فإذا جهلت الأيّام و عددها، احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلىٰ إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه .. إلىٰ غير ذلك من الخصوصيات.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ من لها خلق معروف سواء كان خلقها العدد و الوقت، أو أحدهما،

أو كان مركّباً في الوقت، أو في العدد، أو في كليهما، و كذا سائر أقسام الخلق فسنّتها الرجوع إلىٰ خلقها المعروف و عادتها المعلومة؛ لا سنّة لها غيرها.

و لا إشكال في تلك الكبرى الكلّية و استفادتها من الرواية؛ بعد النظر التامّ في فقرأتها و التأمّل في خصوصياتها، كما قال الإمام (عليه السّلام) في صدرها

بيَّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 134

دلالة ذيل مرسلة يونس علىٰ تحقّق العادة بحيضتين مطلقاً

فحينئذٍ يقع الكلام: في أنّه هل يستفاد من ذيل المرسلة، أنّ الحيضتين مطلقاً و في جميع الفروع و صغريات الكبرى الكلّية، موجبتان لتحقّق العادة أو يختصّ ذلك بموضع و محلّ خاصّ و لا يتجاوز عنه؟

و وجه الاختصاص هو أخذ خصوصيات في المرسلة في الموضوع:

منها: كون الحيضتين من المرأة المبتدئة لا غيرها، فإنّ

قوله فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع

راجع إلى من استمرّ بها الدم أوّل ما رأت، و هي قسم من المبتدئة، فالعادة تحصل بالحيضتين بالنسبة إليها خاصّة.

و منها: تحقّقهما في شهرين هلاليين لا غيرهما، كما هو ظاهر الشهر في لسان الشرع.

و منها: استواؤهما أخذاً و انقطاعاً؛ لقوله

فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواء

ف «الوقت» إشارة إلى المحلّ من الشهر، و «السواء» إلى العدد، فلا بدّ من اختصاص الحيضتين لتحصيل العادة الشرعية التعبّدية بالموضوع الذي دلّت عليه المرسلة، و فيما سواه ترجع إلى العادة العرفية، و مع عدمها إلى الصفات.

لكن الإنصاف: أنّ المرسلة آبية عن دخل تلك الخصوصيات في موضوع حصول العادة؛ لأنّ الإمام (عليه السّلام) بيّن لنا طريق استفادة كفاية الحيضتين في حصول العادة و الوقت و الخلق المعروف؛ حيث قال بعد قوله

فقد علم الآن: أنّ ذلك قد

صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً؛ تعمل عليه، و تدع ما سواه

بهذه العبارة

و إنّما جعل الوقت إن توالىٰ عليها حيضتان أو ثلاث؛ لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) للتي تعرف أيّامها: دعي الصلاة أيّام أقرائك، فعلمنا أنّه لم يجعل القُرء الواحد سُنّة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 135

لها، فيقول لها: دعي الصلاة أيّام قرئك، و لكن سنّ لها الأقراء، و أدناه حيضتان فصاعداً ..

إلىٰ آخره.

فيظهر منه: أنّ الحيضتين بما هما أقلّ الأقراء الواردة في قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) موضوع السنّة الأُولىٰ، و لا دخل لشي ء آخر فيه، فكلّ من كان لها أيّام معلومة و أقراء معروفة، لا بدّ لها من الرجوع إلىٰ أيّامها و أقرائها كائنة من كانت، و تحصل الأقراء بأدنى مراتبها؛ و هو حيضتان، فكونهما موضوع السنّة الأُولىٰ؛ لدخولهما في قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ليس إلّا، فلو كان لما ذكر من الخصوصيات دخل لما تمّ ما ذكره، و لما أفادنا طريق الاستفادة و الاجتهاد كذلك.

فذيل المرسلة حاكم علىٰ صدرها بتحصيل موضوع ذات العادة تعبّداً، و بيان له، فكأنّه قال: «كلّ ذات عادة و خلق سنّتها الرجوع إليهما، و يحصل الخلق و العادة بحيضتين».

و أمّا ما يقال: «من أنّ العادة العرفية تحصل بمرّتين لخصوصية في عادات النساء؛ من حيث إنّ الرحم بالطبع تقذف الدم بنظام معيّن نوعاً، فإذا قذفت مرّتين علىٰ نسق واحد حصلت العادة. و أنّ الرواية بصدد بيان حدّ المعنى العرفي، كتعيين ثلاث في باب كثير السهو» «1» .. إلىٰ غير ذلك ممّا أفاد المشايخ «2» فلا يخلو من الإشكال، خصوصاً

بالنسبة إلىٰ بعض الموارد، بل ظاهر الرواية يأبىٰ عن ذلك.

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 196/ السطر 22، مصباح الفقيه، الطهارة: 273/ السطر 34 و 274/ السطر 16.

(2) مختلف الشيعة 2: 532، مجمع الفائدة و البرهان 3: 143 145 و 393 394.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 136

المسألة الثانية في ثبوت العددية الناقصة المحضة برؤية الدم مرّتين

هل تثبت العددية الناقصة برؤية مرّتين مختلفتين عدداً؛ بحيث يلزم الأخذ بالقدر المتيقّن؛ سواء كانت ذات عادة وقتية أو لا، فإذا رأت أربعة أيّام في أوّل شهر، و ستّةً في أوّل شهر آخر، أو أربعةً في أوّل شهر، و ستّةً في وسط شهر آخر، تصير الأربعة عادة ناقصة لها، و كذا في جانب الأكثر، فيكون الخارج عنهما غير أيّام حيضها أو لا، أو يفصّل بين ذات العادة الوقتية، فتأخذ بالقدر المتيقّن من العدد، فتثبت لها العددية الناقصة، و بين غيرها فلا تثبت؟

وجوه، فعن العلّامة و الشهيد ثبوتها «1»، و اختاره بعض المحقّقين «2» و عن «جامع المقاصد» و «الروض» عدمه «3»، و اختاره صاحب «الجواهر» و الشيخ الأعظم و المحقّق الخراساني «4».

و استدلّ علىٰ عدمه «5» بظهور مضمرة سَماعة «6» و المرسلة «7» في اعتبار

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 103/ 26، ذكرى الشيعة 1: 232.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 4 15.

(3) جامع المقاصد 1: 292، روض الجنان: 64/ السطر 12.

(4) جواهر الكلام 3: 177، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 198/ السطر 26 28، أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 32/ السطر 19.

(5) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 32/ السطر 21.

(6) يأتي متنها في الصفحة 148.

(7) تقدّم في الصفحة 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 137

التساوي في العدد. و بأنّ أقلّ ما يحصل به العادة

حيضتان، و من رأت في شهر أربعة و في شهر ستّة، فكما أنّ الأخذ بالستّة أخذ بقُرء واحد، كذلك الأخذ بالأربعة؛ لأنّ الأربعة في ضمن الستّة لا تكون قرءً مستقلا، و القرء الواحد لا يكون عادة بنصّ المرسلة.

و يمكن أن يقال: إنّ المضمرة لا تدفع العددية الناقصة؛ فإنّ

قوله فإذا اتفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها

إمّا أن يدّعىٰ دلالته على النفي بمفهوم الشرط، فلا مفهوم له في المقام ظاهراً لو سلّم مفهوم الشرط في غيره فإنّ المفهوم فيه: «إذا لم يتفق شهران كذلك فليس تلك أيّامها» أي ليس الأيّام المتقدّمة المتساوية في صورة الاختلاف أيّامها، و هذا نفي بنفي الموضوع، لا لأجل المفهوم.

و إمّا بمفهوم القيد بأن يقال: «إذا اتّفق شهران عدّة أيّام غير سواء، فليس تلك أيّامها» و معناه حينئذٍ أنّ الأيّام التي هي غير سواء ليس أيّامها، و هو- مع الغضّ عن عدم المفهوم لا ينفي إلّا عدم جميع الأيّام التي هي غير سواء، و هو مسلّم، و أمّا الأقلّ فلا ينفيه، تأمّل.

و بمثله يجاب عن المرسلة أيضاً.

و أمّا كون الناقص قرءً واحداً فمسلّم، لكن يمكن دعوى استفادة ذلك من المرسلة بإلغاء الخصوصية عرفاً؛ بأن يقال: إنّ العرف يفهم منها أنّ تكرّر الدم علىٰ نحو واحد، يوجب الخلق.

و إن شئت قلت: لا ريب في شمول

قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك

لمن كانت لها عادة ناقصة عدداً مع كونها ذات العادة المستقرّة وقتاً، فمن رأت سنين متمادية أوّل الشهر حيضاً مع اختلاف العدد زيادة و نقيصة، تكون لها أيّام معلومة هي القدر المتيقّن، كأوّل الشهر إلى اليوم الرابع مثلًا، فيشملها قول

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 1، ص: 138

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و زيادة العدد و نقصه، لا توجبان عدم الشمول بالنسبة إلى القدر المتيقّن، و المرسلة دلّت علىٰ أنّ الرؤية مرّتين موجبة للخلق المعلوم؛ حيث قال لمن توالىٰ عليها حيضتان

فقد علم الآن: أنّ ذلك قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً؛ تعمل عليه، و تدع ما سواه.

نعم، ظاهرها حيضتان تامّتان. كما أنّ الظاهر حصولهما في شهرين، فكما أنّ العرف يفهم منها أنّ خصوصية الشهر غير دخيلة، يفهم أنّ العدد الزائد على الأربعة في المثال لا دخل له.

و أمّا قولهم: «إنّ ذلك هو الأخذ بقرء واحد، و قد صرّحت المرسلة بعدم صيرورتها ذات عادة بقرء واحد».

ففيه: أنّه فرق بين الأخذ بالأربعة بحدّها و جعل الأربعة وقتها، و بين الأخذ بالجامع بين الناقص و الزائد و القدر المتيقّن منهما، ففي الصورة الثانية لا تكون آخذة بالناقص، بل به و بما يشاركه؛ و هو القرء الثاني، فهي آخذة بهما و إن لم تأخذ بجميعهما.

و قد يقال: إنّ ما ذكر منافٍ لقوله

في المرسلة و إن اختلط عليها أيّامها، و زادت و نقصت حتّى لا تقف منها علىٰ حدّ، و لا من الدم علىٰ لون، عملت بإقبال الدم و إدباره؛ ليس لها سنّة غير هذا «1».

و فيه: أنّ ذلك مسلّم في العددية الناقصة غير الوقتية ممّا ذكرنا في صدر المبحث لا في ذات العادة الوقتية مع العددية الناقصة، و نحن نلتزم به و نفصّل بينهما؛ و ذلك لأنّه في المرسلة كما يعلم بالنظر في صدرها و ذيلها جعل التمييز مرجعاً لمن لا تكون لها أيّام معلومة؛ لا من حيث العدد و لا الوقت، كما

______________________________

(1)

مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 139

صرّح به في موارد منها،

كقوله و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم؛ فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر ..

إلىٰ آخره.

و ما في ذيلها هو السنّة الثانية التي في صدرها، و موضوعها هي التي اختلط عليها أيّامها من حيث موضع الشهر، و زادت و نقصت عدداً، و لا إشكال بحسب مفاد المرسلة في أنّ مرجعها إلى التمييز. و أمّا من عرفت موضعها من الشهر و لم تحصِ عددها، فهي غير داخلة في السنّة الثانية، بل داخلة في السنّة الأُولىٰ كما مرّ «1». كما أنّ من أحصت عددها و لم تعرف موضعها، لا يكون مرجعها في العدد إلى التمييز.

فهذه الفقرة الأخيرة، غير شاملة لذات العادة الوقتية المحضة، و هو ظاهر لمن سمع المرسلة و فهمها.

و أمّا ما أفاده بعض المحقّقين في جواب هذا الإشكال «2»، فهو كما ترى.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ الأقوىٰ هو التفصيل بين ذات العادة الوقتية المحضة؛ فتأخذ بالقدر المتيقّن من العدد، و يصير ذلك عادة لها بمرّتين، و بين ذات العددية الناقصة مع عدم العادة الوقتية لها، فمرجعها التمييز، و ليس لها سنّة مع التمييز غيره.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 131.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 140

المسألة الثالثة في ثبوت المرّتين بالتعبّد

إنّ حصول المرّتين قد يكون بالأخذ و الانقطاع، مع كون الدم حيضاً وجداناً.

و قد يكون بقيام أمارة معتبرة على الحيضية، كمن كانت مبتدئة و استمرّ بها الدم، فرأت في أوّل شهرين متصلين، عدداً معيّناً بصفات الحيض.

و قد يكون الحكم

بحصول الحيض بقاعدة الإمكان، كمن رأت في أوّل شهرين متصلين، عدداً معيّناً محكوماً بالحيضية بقاعدة الإمكان.

و قد يكون ذلك بالاقتداء بعادة نسائها، كمن كانت عادة نسائها خمسة في أوّل كلّ شهر، فاقتدت بهنّ مرّتين.

و قد يكون بشهادة القوابل؛ بناءً علىٰ قبولها.

و قد يكون بالاستصحاب، كما لو فرض العلمُ بحيضية ثلاثة أيّام من أوّل شهرين، و الشكّ في بقائها إلى الخامس، و قلنا بجريان الاستصحاب فيه.

و قد يكون بالتحيّض سبعة أيّام من شهرين في وقت معيّن؛ عملًا بالرواية.

لا إشكال في حصول العادة في الفرض الأوّل، كما لا إشكال في عدم حصولها في الأخير:

أمّا الأوّل فواضح.

و أمّا الأخير؛ فلأنّ السبعة ليست بحيض وجداناً و لا تعبّداً، بل المرأة تعمل فيها عمل الحائض، كما قال في المرسلة تمسّكاً بقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تحيّضي و ليس يكون التحيّض إلّا للمرأة التي تريد تكلّف ما تعمل الحائض.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 141

و أمّا الأقسام الأُخرىٰ، فالظاهر تحقّقها بها:

أمّا فيما قامت الأمارة على الحيضيّة؛ فلأنّ الأمارة كاشفة عن الحيض الواقعي، فمع قيامها عليه و تكرّرها مرّتين، ينقّح بها موضوع

قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك مفسّراً بكلام أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أدناه حيضتان.

و ترجيح بعض المحقّقين العدم بدعوىٰ خروج الفرض عن مورد الروايتين، و عدم الوثوق بكون واجد الصفات حيضاً لا غير، و أنّ الأوصاف أمارات ظنّية اعتبرها الشارع في الجملة، كعادة نسائها التي ترجع إليها في بعض الصور، فلا تكون موجبة للوثوق بمعرفة أيّام أقرائها حتّى ترجع إليها «1».

لا يخلو من غرابة؛ ضرورة أنّه مع قيام الأمارة المعتبرة على

الحيضية، تصير الحيضية الواقعية ثابتة و لو تعبّداً، و مع تحقّقها و تكرّرها مرّتين وجداناً، يتحقّق موضوع ما دلّ علىٰ أنّ أدنىٰ ما يتحقّق به العادة حيضتان.

و لو فرض عدم الوثوق بالحيضية، لم يضرّ ذلك بلزوم ترتيب الأحكام عليها؛ لانسلاكها تحت الدليل الشرعي، فأيّ فرق بين المقام و سائر الموارد؛ ممّا يكون الحكم مترتّباً على العناوين الواقعية مع إحرازها بالأمارات الشرعيّة؟! كما أنّ ما في «الجواهر»: «من عدم تناول الخبرين أي المرسلة «2» و المضمرة «3» له. مع ظهور غيرهما في عدمه، كالأخبار الآمرة بالرجوع إلى

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 29.

(2) تقدّم في الصفحة 16.

(3) يأتي في الصفحة 148.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 142

الصفات «1»؛ إذ هي متناولة بإطلاقها ما تكرّر الجامع مثلًا مرّتين، ثمّ اختلف محلّه أو عدده في الدور الثالث، فإنّه يجب اتباع الأوصاف أينما كانت؛ تكرّرت أو لا» «2».

أيضاً لا يخلو من غرابة؛ ضرورة أنّ الرجوع إلى التمييز، إنّما يكون بعد فقد العادة، و إلّا فهي المرجع لا غير، و بعد ثبوت الحيضتين الواقعيتين بالصفات، يندرج الموضوع تحت

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك، مفسّراً بقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أدناه حيضتان

، فالحيضتان الواقعيتان محقّقتان للعادة، و مع تحقّقها تكون هي المرجع دون التمييز.

بل لو فرض أنّ الموضوع لحصول العادة هو الحيض المعلوم و الأيّام المعروفة، لقلنا بثبوتها في المقام بالحيضتين؛ لقوله (عليه السّلام) في المرسلة بعد فرض تكرّر الحيضتين- فقد علم الآن: أنّ ذلك قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً متمسّكاً

بقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك و

أنّ أدناه حيضتان

فالحيضتان محقّقتان للخلق المعروف و العادة المعلومة التي هي موضوع الحكم، فتدبّر.

و أمّا ما يمكن أن يقال: إنّ التمسّك بدليل التمييز لمنع الرجوع إلى التمييز يلزم منه كون الدليل رافعاً لنفسه أو لعلّته. و أيضاً يلزم منه حكومته علىٰ نفسه.

فممّا لا يصغى إليه بعد التأمّل فيما تقدّم، و لا مانع من أن تحصل العادة بمصداقين من التمييز، و لأجله يرتفع موضوع الرجوع إلى التمييز فيما بعد، كما في الأصل السببي و المسبّبي. بل ما نحن فيه أولىٰ منه، كما يظهر بالتأمّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3.

(2) جواهر الكلام 3: 178.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 143

ثمّ إنّه لو فرض أنّ ثبوت الحيض بقاعدة الإمكان، أو بالاقتداء بأقراء نسائها من قبيل الثبوت بالأمارة، فالكلام فيهما هو الكلام.

و أمّا لو فرض كون القاعدة أصلًا، و كذا الاقتداء بعادة النساء، فكذلك إن كانا أصلين محرزين؛ بدعوى أنّ معقد الإجماع القائم على القاعدة علىٰ فرضه لو لم يكن مفاده التحقّق الواقعي، فلا أقلّ من ظهوره في التعبّد بتحقّقه؛ فإنّ معقده «أنّ كلّ دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» فهو إمّا بصدد بيان أنّ أسباب الحيضية و عللها متحقّقة لولا الامتناع، و الإمكان مساوق للتحقّق الواقعي، فتكون أمارة للواقع، أو بصدد بيان التعبّد بوجودها عند إمكانها، فلا محالة يكون أصلًا محرزاً، و مع التعبّد بوجودها مرّتين، تنسلك في موضوع ما دلّ علىٰ أنّ العادة تحصل بأدنى الأقراء؛ و هو حيضتان، كما ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية بالأُصول المحرزة في غير المقام.

و من هذا يظهر حال الاقتداء بالأقراء لو أخذنا برواية سَماعة فإنّ

قوله أقراؤها مثل أقراء نسائها «1»

إمّا أمارة؛

بقرينة أنّ مماثلة حالات النساء في طائفة، أمارة علىٰ كشف حال مورد الشكّ. و لو أُغمض النظر عنه، فلا أقلّ من أنّ لسانها لسان التعبّد بأنّ أقراءها مثل أقرائهنّ، فإذا كانت أقراؤهنّ خمسة في أوّل الشهور، يكون قرؤها كذلك، فمع الاقتداء بهنّ مرّتين ينقّح الموضوع، كما مرّ.

و يأتي هذا الكلام في الاستصحاب أيضاً؛ علىٰ ما حقّقنا في محلّه: من أنّ الاستصحاب في الموضوعات منقّح لنفس موضوع الأدلّة الاجتهادية «2»، فتبصّر.

و ممّا ذكرنا يظهر حال غيرها من الفروع، كما لو ثبتت الحيضتان بأمارتين

______________________________

(1) الكافي 3: 79/ 3، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1181، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 2.

(2) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 244 246.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 144

مختلفتين؛ كأن يكون أحد الدمين واجداً لبعض صفات الحيض، و الآخر لبعض آخر؛ بعد فرض كون كلّ صفة أمارة مستقلّة.

و أمّا التفصيل بين جامع الصفات و غيره؛ لحصول الظنّ القوي في الأوّل دون الثاني «1»، ففي غير محلّه بعد فرض أمارية كلّ صفة، فقوّة الظنّ كأصل حصوله كالحجر جنب الإنسان.

فلا إشكال في تحقّق العادة بالمرّتين مطلقاً؛ حتّى لو ثبتت إحدى الحيضتين بالتمييز، و الأُخرى بالقاعدة، أو إحداهما بالقاعدة، و الأُخرى بالرجوع إلى الأقران .. و هكذا. و عليك بالتأمّل فيما مرّ و استخراج كلّ فرع يرد عليك.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 178.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 145

المسألة الرابعة في حصول العادة بالمرّتين

هل تحصل العادة بالمرّتين مع حصول النقاء في البين أو لا؟

و على الأوّل: هل العبرة بالدمين مطلقاً؛ سواء كانت الرؤية في وقت واحد أو عدد معيّن، فتصير ذات عادة وقتية في الأوّل، و

عددية في الثاني؛ و سواء كان النقاءان متساويين في المرّتين أو لا، و سواء كان النقاء في كلتا المرّتين، أو في مرّة دون أُخرى؟

أو يفصّل في المقامات؟

أو العبرة بالدم المستمرّ أوّلًا؟

أو بالدمين و إلغاء النقاء؟

وجوه أوجهها الأوّل؛ أي حصول العادة بالمرّتين و احتساب النقاء و الدمين مطلقاً؛ و ذلك لأنّ الظاهر من المرسلة الطويلة «1» أنّ الميزان في حصول العادة المعلومة و الخلق المعروف، هو حصول القُرءين عدّة أيّام سواء؛

لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك مفسّراً بقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ أدناه حيضتان

فيكون الذيل قاعدة كلّية يندرج فيها جميع أفراد القرء؛ سواء كانت المرأة في أيّام القرء مستمرّة الدم أو لا، بشرط صدق أيّام القُرْء عليها، و إنّما ذكر فيها الدم و استمراره مثالًا للمقام.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 146

فقوله

فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع ..

إلىٰ آخره، و إن كان ظاهراً في استمرار الدم عدّة أيّام سواء، مع حصول الانقطاع في وقت معيّن من الشهر، لكن استدلال أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) بكلام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و تحديده الجمع بحيضتين فصاعداً، حاكم علىٰ هذا الظهور، و مبيِّن للمراد؛ و أنّ تمام الملاك هو تكرّر أيّام القُرء مرّتين فصاعداً، فإذا ضمّ إلىٰ هذه الكلّية كون أيّام النقاء قرءً و حيضاً تمّ المطلوب، و تمّت الحكومة.

و يدلّ علىٰ ذلك مضافاً إلىٰ دعوى عدم وجدان الخلاف، كما في «الجواهر» «1» و عن «شرح المفاتيح»: «أنّه لم يُنقل في ذلك خلاف» «2» بل ادعى الشيخ في «الخلاف» إجماع الفرقة علىٰ كون الكلّ

حيضاً «3» ما دلّ علىٰ أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام «4»، و عدم الواسطة بين الطهر و الحيض، فالنقاء في البين إن لم يكن طهراً فهو حيض.

و تدلّ عليه أيضاً

رواية يونس القصيرة حيث قال فيها فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في عشرة، فهو من الحيض «5»

بالتقريب الذي مرّ في بعض المسائل السابقة «6».

و كذا

روايتا محمّد بن مسلم حيث قال فيهما إذا رأت المرأة الدم قبل

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 187.

(2) مصابيح الظلام 1: 28/ السطر 10 (مخطوط).

(3) الخلاف 1: 243.

(4) وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11.

(5) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 3.

(6) تقدّم في الصفحة 120 121.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 147

عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولىٰ «1»

بالتقريب المتقدّم «2».

و يؤيّده أنّ كون النقاء طهراً في الواقع مع وجوب ترك الصلاة عليها فيه، بعيد جدّاً.

و هذا أبعد

ممّا استبعده أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مرسلة يونس الطويلة حيث قال في السنّة الثالثة أ لا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع، و كانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها تحيّضي سبعاً! فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً، و هي مستحاضة غير حائض .. «3»

إلىٰ آخره، فإذا لم يأمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) المستحاضة غير الحائض بترك الصلاة، لم يأمر قطعاً الطاهرة غير الحائض بتركها، فلا بدّ إمّا من التزام مقالة صاحب «الحدائق» «4» و هو خلاف الإجماع و الأدلّة، أو البناء علىٰ كون النقاء حيضاً و جميع الأيّام قرءً،

و هو المتعيّن، فحينئذٍ يثبت المطلوب؛ و هو أنّ القرءين سواء كانا مع استمرار الدم، أو مع تخلّل النقاء مطلقاً موجب لحصول الخلق المعروف.

و بما ذكرنا يظهر النظر في سائر الوجوه و الأقوال.

و قد يقال «5»: إنّ مقتضى المرسلة و مضمرة سماعة اعتبار تساوي عدد أيّام الدم في الحيضتين في حصول العادة العددية، و مقتضى صدق أيّامها علىٰ أيّام الدم و النقاء في الوقتية، هو التفصيل بينهما؛ بأن يقال: إنّ الاعتبار بالدمين في العددية و بالدمين و النقاء في الوقتية.

______________________________

(1) تقدّما في الصفحة 95 96.

(2) تقدّم في الصفحة 121 122.

(3) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

(4) الحدائق الناضرة 3: 160.

(5) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 34/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 148

و فيه ما لا يخفى؛ لما عرفت من حال المرسلة. و أمّا المضمرة فلا بدّ من نقلها و بيان الوجوه فيها حتّى يظهر الأمر:

قال سماعة: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، فتقعد في شهر يومين و في شهر ثلاثةَ أيّام؛ يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة، فإذا اتفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها «1».

لا ريب في أنّ السائل بصدد رفع شبهته في اختلاف أيّام الطمث؛ و أنّه إذا لم يكن طمثها عدّة أيّام سواء فما تكليفها؟ من غير نظر إلىٰ أنّ الطمث ما هو؛ و هل هو نفس الدم، أو هو مع النقاء المتخلّل؟ و كذا الجواب إنّما هو عن ذلك؛ و أنّه مع عدم تجاوز الدم عشرة أيّام، تجلس و تدع الصلاة.

و قوله

فإذا اتفق شهران عدّة

أيّام سواء ..

يحتمل فيه:

اتفاق أيّام القعود.

و اتفاق أيّام الطمث.

و اتفاق أيّام الدم المستمرّ المعهود في الكلام.

و اتفاق مطلق الدم.

و لازم الاحتمال الأوّل أن يكون أيّام النقاء، محسوبة من العادة و لو لم تكن حيضاً، إلّا أن تكون «أيّام القعود» كناية عن الطمث.

و لازم الثاني أن يكون أيّام النقاء علىٰ فرض كونها من أيّام الطمث محسوبة منها.

______________________________

(1) الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 7، الحديث 1، و: 304، الباب 14، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 149

و لازم الثالث أن يكون الدم الأوّل المستمرّ محسوباً لا غير.

و لازم الرابع أن يكون الدمان محسوبين دون النقاء.

و لا ترجيح لأحدهما لو لم نقل: إنّه لمّا كان السؤال عن الطمث، يكون المراد من الجواب اتفاق أيّامه. و لو فرض الظنّ بترجيح اتفاق أيّام الدم المذكور في الكلام أخيراً، فاعتبار مثل هذا الظنّ الغير المستند إلى الظهور مشكل، بل ممنوع. مع أنّ لازمه كون العبرة بالدم الأوّل المستمرّ لا الدمين.

و الإنصاف: أنّ الرواية لا تقاوم ما استظهرناه من المرسلة و سائر الأدلّة؛ لو لم نقل بظهورها في تأسيس الكبرى الكلّية التي في المرسلة. بل لا يبعد تحكيم المرسلة عليها؛ علىٰ نحو ما مرّ من تحكيم بعض فقرأت المرسلة علىٰ بعض «1» فلا ريب في أنّ الأظهر هو احتساب النقاء و الدمين.

و يظهر حال الفروع الكثيرة في المقام من التأمّل فيما ذكرنا و استفدنا من الأدلّة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 135.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 150

المسألة الخامسة في حصول العادة الوقتيّة بتكرّر الحيض

كما تحصل العادة العددية بتكرّر العدد في شهرين أو أقلّ أو أزيد، هل تحصل

الوقتية بتكرّر الحيض مطلقاً؟

أو يعتبر في حصولها تخلّل طهرين متساويين مطلقاً؟

أو لا يعتبر ذلك في شهرين هلاليين مع حفظ الوقت، كما لو رأت أوّل شهرين أو وسطهما مثلًا، و أمّا لو رأت في شهر مرّتين، أو رأت مرّتين في أزيد من شهر- كما لو رأت خمسة، و طهرت خمسة و خمسين، فرأت خمسة فلا تحصل العادة إلّا برؤية طهر آخر خمسة و خمسين، و كذا في الناقص عن الشهر؟

الأقوىٰ هو التفصيل؛ لأنّ الملاك في حصولها بعد الرجوع إلى الارتكاز العرفي و إلغاء الخصوصيات بالتقريب المتقدّم «1» هو تكرّر العدد في حصول العددية، و تكرّر الوقت في الوقتية، فمع رؤية الطمث في أوّل شهرين هلاليين مثلًا، يحصل التكرّر المحصّل للعادة بالنسبة إلى الوقت؛ لتكرّر الحيض في أوّل الشهر، و هو أدنى القرء، كما هو المصرّح به في مرسلة يونس «2».

و أمّا إذا رأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطهر أو أزيد، فمع تساوي العدد لا إشكال في حصول العادة العددية؛ لتكرّر العدد، و أمّا الوقت فلم يتكرّر؛ لأنّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 131 135.

(2) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 151

وسط الشهر ليس عوداً لأوّله، كما هو واضح، فالحيضتان مكرّرتان من حيث الذات و العدد دون الوقت، فلا تحصل العادة الوقتية لها إلّا بتخلّل طهر مساوٍ للأوّل، فحينئذٍ يصدق أنّ وقتها بعد كلّ عشرة مثلًا. و كذا فيما إذا رأت في أكثر من شهرين.

و علىٰ ما ذكرنا لا يرد الإشكال: بأنّ ظاهر النصّ حصول العادة بالحيضتين، و مع اعتبار الطهرين لا يحصل إلّا بثلاث حيضات «1»، فإنّ اعتبار الثلاث ليس لأجل حصول العادة بها، بل لأجل

تكرّر الوقت، و هو موقوف علىٰ ذلك.

و بالجملة: الوقت لا ينضبط إلّا بتخلّل طهرين، إلّا إذا انضبط بالشهر كما مرّ.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 197/ السطر 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 152

المسألة السادسة في زوال العادة بعادة شرعية مطلقاً
اشارة

لا إشكال في عدم زوال العادة عرفية كانت أو تعبّدية بمرّة واحدة بخلافها، خلافاً لأبي يوسف علىٰ ما حكي عنه «1». و كذا لا إشكال في زوالها بطروّ عادة اخرىٰ عرفية. فهل تزول بعادة شرعية مطلقاً، أو لا تزول كذلك، أو تزول الشرعية دون العرفية؟

الأقرب هو الأوّل؛ لما مرّ من الصغرىٰ و الكبرى المستفادتين من مرسلة يونس؛ و أنّ

قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك

إذا انطبق علىٰ كلّ موضوع عرفي، تقوم المرّتان مقامه، و لا إشكال في أنّ العادة الثانية إذا كانت عرفية مستقرّة، تصير ناسخة للأُولىٰ؛ لكونها العادة الفعلية، فقوله

دعي الصلاة أيّام أقرائك

و قوله

ليس لها سنّة إلّا أيّامها

لا ينطبقان إلّا على الثانية، فإذا كان حال العرفية كذلك فالمرّتان تقومان مقامها؛

لتفسير الصادق (عليه السّلام) قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك بحيضتين فصاعداً.

و بهذا التقريب يدفع ما يمكن أن يقال: من أنّ المرسلة و كذا المضمرة واردتان في المبتدئة، و لها خصوصية عرفاً لا يمكن إلغاؤها و إسراء الحكم منها إلىٰ من لها عادة مستمرّة سنين عديدة، و كذا إلىٰ من لم تستقرّ لها عادة مع رؤيتها الدم في سنين عديدة؛ لأنّ طبيعة المبتدئة الخالية من عادة مستمرّة أو

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 105/ السطر 35، المبسوط، السرخسي 3: 183/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 153

اعوجاج مستمرّ، إذا

قذفت مرّتين بمنوال واحد، يمكن أن يكشف ذلك عن خلقها و عادتها؛ لأنّ انتظام الدم نوعي للنساء، فمع حصول المرّتين لا يبعد تحقّق النظم حتّى بنظر العرف.

و لهذا يمكن أن يقال: ليس قول الصادق (عليه السّلام) بأن أدناه حيضتان لأجل كون أقلّ الجمع كذلك، بل لكون الموضوع ذا خصوصية بها صار التكرّر كاشفاً عن الخلق المعهود.

و قوله

فقد علم الآن: أنّ ذلك قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً

ممّا يؤيّد ما ذكرنا؛ لأنّ التكرّر المطلق لا يوجب العلم بالخلق المعروف إلّا بقرائن و خصوصيات مقرونة به، و هي موجودة بالنسبة إلى المبتدئة، و أمّا من كانت لها عادة مستمرّة أو انحراف مستمرّ، فالخروج عن عادتها و انحرافها لا يحصل بدفعتين أو ثلاث.

فإذن فرق بين المبتدئة الواردة فيها الروايتان و ذات العادة العرفية أو الانحراف العادي المستمرّ، فلا يمكن إلغاء الخصوصية من الروايتين، فلا بدّ في زوال العادة من الرجوع إلى العرف بحصول كرّات و مرّات.

قلت: هذا غاية ما يمكن أن يقال لمنع إلغاء الخصوصية، و لو كانت الدعوىٰ إسراء الحكم لمحض ارتكاز العرف و إلغاء الخصوصية، كان لما ذكر وجه وجيه.

بل لو كان المستند هو الفهم العرفي كما استندوا إليه «1» كان رفع اليد عن الشهرين الهلاليين و إسراء الحكم إلى الشهر الحيضي أو أكثر من الشهرين، في غاية الإشكال؛ لأنّ للشهرين المتصلين أيضاً خصوصية ليست لغيرهما من الأقلّ

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 173، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 195 196.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 154

و الأكثر؛ ضرورة أنّ نوعية عادات النساء، إنّما هي الرؤية في كلّ شهر مرّة، لا مرّتين، و لا التأخير عن الشهر، فإذن للرؤية مرّتين في شهرين

على النظم خصوصية؛ و هي الغلبة و العادة، و الخروج عنها نوع انحراف عن الطبيعة، و لذا تكون المرّتان من الطبيعة السليمة الغير المنحرفة، كاشفتين عن الخلق و العادة، دون المرّتين من غيرها.

لكن العمدة هو

تمسّك أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) بقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك و قوله (عليه السّلام) أدناه حيضتان

و الظاهر منه أن لا خصوصية للموضوع إلّا ذلك؛ و أنّ الحيضتين تمام الموضوع، و لو كانت الخصوصيات الأُخر دخيلة في الحكم كان عليه بيانها، خصوصاً في المورد ممّا يغفل العامّة عن الخصوصيات الخفية المربوطة بما في الأرحام.

فقوله (عليه السّلام) و إنّما جعل الوقت إن توالىٰ عليها حيضتان أو ثلاث؛ لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ..

إلىٰ آخره، يدلّ علىٰ أنّ الوجه هو قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من غير مدخل لشي ء آخر، خصوصاً بناءً علىٰ دلالة كلمة إنّما على الحصر، و مع إنكارها يكفي الإطلاق في مقام البيان، و لا مجال للتشكيكات العلمية الخارجة عن أفهام العامّة، و إلّا لانسدّ باب التمسّك بالإطلاق في كثير من الموارد.

فتحصّل منه: أنّ الأقرب زوال العادة العرفية بالرؤية علىٰ خلافها مرّتين منتظمتين، و أمّا مع رؤيتها مرّتين غير منتظمتين، فلا ينبغي الإشكال في عدم نسخ العادة العرفية بها؛ لعدم مساعدة العرف عليه، و عدم دليل شرعيّ، فلا بدّ لزوالها من تكرّرها مراراً حتّى يحكم العرف بنسخ عادتها.

و ممّا ذكرنا يظهر الكلام في العادة الحاصلة بمرّتين متماثلتين بعين ما مرّ، بل هي أولىٰ بذلك من العادة العرفية.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 155

هل تزول العادة برؤية مرّتين غير متماثلتين؟

و هل تزول بمرّتين غير

متماثلتين؟ فيه تردّد؛ لعدم جريان ما تقدّم فيه، و لاحتمال انصراف دليل العادة عمّا تكرّر علىٰ خلافها كذلك.

و ظاهر المحكي عن العلّامة عدم الزوال، حيث قال في ردّ أبي يوسف القائل بزوال العادة بمرّة: «إنّ العادة المتقدّمة دليل علىٰ أيّامها التي عادت، فلا يبطل حكم هذا الدليل إلّا بدليل مثله؛ و هي العادة بخلافه» «1» و قد نفى الريب عن الزوال المحقّق الخراساني و أوّل كلامَ العلّامة بما هو بعيد عن ظاهره «2».

و المسألة محلّ إشكال في غير ما تكرّر؛ بحيث يحكم العرف بزواله. نعم هنا بعض أُصول حكمية، بل موضوعية علىٰ تأمّل في هذه.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 105/ السطر 36.

(2) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 34/ السطر 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 156

المسألة السابعة في أقسام ذات العادة و أحكامها
اشارة

ذات العادة الوقتية سواء كانت عددية أو لا إمّا أن ترى الدم في أيّام عادتها أو لا.

و على الثاني: إمّا أن ترى قبلها، أو بعدها.

و على الفرضين: إمّا أن تكون القبلية و البعدية قريبة من أيّامها كاليوم و اليومين أو لا.

و على الفروض: إمّا أن يكون ما رأت واجداً لصفات الحيض، كالحمرة و الحرارة، أو لصفات الاستحاضة، كالصفرة و البرودة، أو لبعضٍ من كلٍّ منهما؛ كأن رأت حمرة باردة.

و ذات العادة العددية المحضة تارة: ترى ما هو جامع لصفات الحيض، و أُخرى: لصفات الاستحاضة، و ثالثة: لصفتهما. فهذه عمد الوجوه التي لا بدّ من البحث عنها،

و يتمّ الكلام فيها في ضمن جهات:
أُولاها: في تحيّض ذات العادة الوقتية مطلقاً برؤية الدم في أيّامها

لا إشكال في أنّ ذات العادة الوقتية مطلقاً، تتحيّض برؤية الدم في أيّامها مطلقاً؛ كان واجداً لصفات الحيض، أو صفات الاستحاضة، أو صفتهما. و حكي الإجماع عليه من «المعتبر» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» و غيرها «1».

______________________________

(1) المعتبر 1: 213/ السطر 31، تذكرة الفقهاء 1: 275، منتهى المطلب 1: 109/ السطر 15، مستند الشيعة 2: 433.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 157

و تدلّ عليه بعده روايات كثيرة يدّعىٰ تواترها «1» دلّت علىٰ أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض. و تنظّر في دلالة هذه الروايات بعض المحقّقين: «بأنّ مفادها ليس إلّا أنّ ما تراه من صفرة أو كدرة في أيّامها فهو من الحيض، و قد ثبت بالنصّ و الإجماع تقييدها بما إذا لم يكن أقلّ من ثلاثة أيّام، فالحكم بتحيّضها برؤية الدم مع عدم العلم بأنّه يستمرّ ثلاثة أيّام، يحتاج إلىٰ دليل آخر» «2».

و هو لا يخلو من غرابة؛ لأنّ ما دلّ علىٰ أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، إنّما هو في مقام تحديد حدود

الحيض، و هو لا ينافي لزوم التحيّض مع قيام الأمارة على الحيضية بمجرّد الرؤية. نعم لو كانت الأمارة متقيّدة بذلك كان لما ذكره وجه، لكنّه ضعيف مخالف للأدلّة. هذا مع إمكان التشبّث بالأصل لبقاء الدم ثلاثة أيّام.

فالتحقيق: أنّ الصفرة و الكدرة في أيّام العادة بما أنّها طريق شرعي إلىٰ حيضيّة ما وقع فيها محكومة بالحيضية ما لم يعلم الخلاف، و لا يتوقّف الحكم بحيضيّة ما وقع فيها علىٰ إحراز سائر شرائط الحيض و عدم موانعه، و لا إحراز القيود المعتبرة فيه، كما هو الشأن في كلّ أمارة قائمة علىٰ موضوع. نعم بعد انقطاع الدم قبل تمام الثلاثة، يعلم بعدم الحيضية، فتسقط الأمارة، و هو واضح.

و يدلّ على المقصود مضافاً إليها

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «3».

______________________________

(1) مستند الشيعة 2: 433، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 199/ السطر 35.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 274/ السطر 34.

(3) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 158

و

رواية إسماعيل الجُعْفي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ، و إن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت «1».

و

مرسلة يونس القصيرة قال فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض «2».

ثمّ إنّه لا فرق في التحيّض بمجرّد الرؤية في الوقت؛ بين ذات العادة

الوقتية مع العددية التامّة، أو الناقصة في المورد المتيقّن من العدد؛ لإطلاق الأدلّة و كون الأيّام أيّامها.

ثانيتها: في الحكم بحيضية الدم المتقدّم أو المتأخّر بقليل
اشارة

إذا رأت الدم أو الصفرة قبل أيّام الحيض قليلًا، كيوم أو يومين، أو رأت بعد تمام أيّام الحيض كذلك، فهل يحكم بحيضيتهما مطلقاً، أو يفصّل بين ما رأت قبلها أو بعدها؛ فيحكم بالتحيّض في الأوّل دون الثاني، أو العكس؟

وجوه لا يبعد دعوى أقربية الأوّل؛ أمّا فيما رأت قبل وقتها قليلًا، فلإمكان دعوى دلالة العمومات عليه، مثل

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك «3»

، و

قوله (عليه السّلام) الصفرة في أيّام العادة حيض «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 3، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 4.

(2) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 299، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 12، الحديث 2.

(3) يأتي في ضمن مرسلة يونس في الصفحة 349.

(4) المبسوط 1: 43، وسائل الشيعة 2: 281، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 159

بتقريب: أنّ عادات النساء غالباً، ليست منضبطة دقيقاً علىٰ وجه لا تتخلّف بمثل يوم أو يومين، فغالب النسوة تختلف عليها بمثل ذلك، و لا أظنّ الانضباط الدقيق و لو عرفياً في مرأة، و لو فرض فهي نادرة، فحينئذٍ لو قيل لامرأة: «دعي الصلاة أيّام أقرائك» أو «إنّ الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض» لم ينقدح في ذهنها إلّا الأيّام التي قد تتقدّم بمثل نصف يوم أو يوم أو يومين، فإذا رأت الصفرة قُبيل الوقت، تكون حيضاً بمقتضىٰ فهم العرف من الروايات.

و بعبارة اخرىٰ: فرق بين جعل الموضوع لحكم أمراً منضبطاً محدوداً بحدّين دقيقين كاليوم

من طلوع الشمس إلى الغروب و بين الموضوع الغير المنضبط كذلك، كأيّام العادة ممّا تتقدّم عادةً و نوعاً بيوم أو يومين. و هذا غير بعيد بالنظر إلىٰ عادات النساء و أحكام العرف و مرتكزاته.

نعم، هو غير تامّ بالنسبة إلىٰ تأخّر الدم عن تمام العادة؛ فإنّ التأخّر بمثله غير عادي و لا غالبي، بل الأمر بالعكس.

الروايات الخاصّة الدالّة على التحيّض مطلقاً

و يدلّ على المطلوب روايات خاصّة:

منها:

موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة ترى الصفرة، فقال إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض «1».

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 2، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1231، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 160

و

مضمرة معاوية بن حكيم قال: قال الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و بعد أيّام الحيض فليس من الحيض، و هي في أيّام الحيض حيض «1».

و لا يضرّ الإضمار بعد كون المضمر مثل معاوية الذي لا يضمر إلّا عن المعصوم.

و صحيحة الصحّاف و موثّقة سَماعة إلّا أنّ المذكور فيهما الدم بدل الصفرة

ففي الأُولىٰ و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر، فإنّه من الحيضة .. «2» إلىٰ آخره.

و

في الثانية إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة؛ فإنّه ربّما تعجل بها الوقت «3».

و الظاهر منها و لو بقرينة بعضها أنّ المراد من جميعها حدوث الرؤية قبل أيّام الحيض؛ أي قبل أيّام عادتها، و في مقابله حدوثه بعد أيّام العادة.

و احتمال كون المراد قبل نفس الحيض و بعده في

موثّقة أبي بصير، بعيد محتاج إلى التأويل و التوجيه، بأن يقال: إنّ الصفرة التي هي من صفات الاستحاضة إذا وقعت قبل الدم الذي قامت الأمارة أي الوقت علىٰ حيضيته حيض.

و هذا التوجيه و إن أخرج الكلام عن الاختلال، لكن لا يوجب الإجمال أو

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 5، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 77/ 2، تهذيب الأحكام 1: 158/ 453، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 161

الظهور في ذاك الاحتمال، فإنّ الظاهر العرفي منها هو قبل وقت الحيض و بعده، كما صرّح به في سائر الروايات، و الاطمئنان حاصل بأنّ مفادها من هذه الجهة ليس مغايراً لسائر الروايات و حينئذٍ يستدلّ بها لحدوث الصفرة بعد أيّام الحيض أقلّ من يومين؛ للتحديد الواقع فيها بيومين. و حمل ما بعدها علىٰ غير ما قبلها خلاف الظاهر جدّاً، و خلاف المتبادر من مقابلته بما قبلها.

نعم، على الاحتمال المتقدّم يكون مقابلُ الرؤية قبل وجود الحيض، الرؤية بعد وجوده، فتكون في أيّام العادة، فتخرج عمّا نحن بصدده، لكن قد عرفت بعده و بطلانه.

و يشهد لما قلنا من ترجيح الاحتمال الأوّل مضافاً إلىٰ ما ذكر أنّ قوله

إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 161

ليس إخباراً عن

واقع لغرض كشف واقعيته، بل لغرض تحيّضها في وقت رؤية الصفرة، فلا بدّ من حمل الحيض علىٰ أيّامه؛ لكون الوقت مضبوطاً و الأيّام معلومةً و لو تقريباً بحسب النوع، فتعلم المرأة تكليفها عند رؤية الصفرة قبل وقته، و أمّا إذا كان المراد نفس الدم المحكوم بالحيضية بواسطة التمييز أو الوقت، فلا تعلم وقت حدوثه حتّى تعلم أنّ الصفرة قبله بيومين.

و فرض العلم علىٰ تسليم واقعيته نادر جدّاً، فلا محيض عن حمل الرواية علىٰ ما ذكرنا.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ كون الصفرة قبل أيّام الحيض من الحيض، إنّما هو لأجل خصوصية في أيّام العادة دون نفس الدم؛ فإنّ العادة كما أنّها كاشفة عن كون الصفرة الواقعة في نفسها حيضاً، لا يبعد كاشفيتها بالنسبة إلىٰ ما حصل قبل وقتها قليلًا، كيوم أو يومين، خصوصاً مع ما عرفت من عدم انضباطها نوعاً على الوجه الدقيق، فحينئذٍ تكون للعادة خصوصية لأجلها حكم بحيضية الصفرة فيها و فيما

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 162

قبلها بقليل، كما يشهد به أو يدلّ عليه قوله في موثّقة سماعة

ربّما تعجّل بها الوقت.

و بالجملة: يحصل من جميع ما ذكرنا الاطمئنان بأنّ المراد من الموثّقة، هو رؤية الصفرة قبل أيّام الحيض، و حينئذٍ لا ريب في أنّ المراد من الجملة المقابلة للأُولىٰ هو أيّام الحيض، و التفكيك بينهما في غاية الفساد، فتمّت الدلالة علىٰ أنّه إذا حدثت الصفرة بعد أيّام الحيض بأقلّ من يومين، فهي من الحيض، فلا بدّ من التحيّض بمجرّد رؤيتها.

نعم، إذا لم تستمرّ إلىٰ ثلاثة أيّام تعلم بعدم حيضيتها، كما في سائر الموارد.

هذا مضافاً إلىٰ دعوى عدم القول بالفصل بين المتقدّم و المتأخّر. و أمّا التمسّك بقاعدة الإمكان

و بزيادة الانبعاث «1»، ففيه ما لا يخفى.

ثالثتها: في حكم الدم المرئي قبل أيّام العادة أو بعدها بكثير
اشارة

إذا رأت قبل أيّام العادة أو بعدها بما لا تشمله الأدلّة المتقدّمة، فهل تتحيّض بمجرّد الرؤية مطلقاً، أو تستظهر إلىٰ ثلاثة أيّام مطلقاً، أو يفصّل بين المتصف بصفات الحيض و غيره، أو يفصّل بين ما قبل الأيّام و ما بعدها؛ فتتحيّض في الثاني مطلقاً، و في الأوّل بشرط الاتصاف؟

وجوه و أقوال.

و الأظهر هو التفصيل بين الجامع للصفة و غيره مطلقاً؛ سواء كان قبل الأيّام أو بعدها.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 302، جواهر الكلام 3: 180 181، مصباح الفقيه، الطهارة: 275/ السطر 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 163

الحكم بحيضية الدم الجامع لصفات الحيض مطلقاً في المقام

أمّا في الجامع فلأخبار الصفات «1» و قد مرّ في أوائل هذا المختصر «2» ما يمكن أن يقرّر به وجه استفادة أمارية الصفات للحيض؛ فيما دار الأمر بينه و بين الاستحاضة مطلقاً، و عدم اختصاص ذلك بمستمرّة الدم، فهي أمارة على الحيضية في ذات العادة و المبتدئة و المضطربة فيما دار الأمر بين الدمين، فراجع.

و تدلّ عليه أيضاً

صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام): في امرأة نفِست، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً، ثمّ طهرت، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، قال تدع الصلاة؛ لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس «3».

فتدلّ بإطلاقها علىٰ لزوم تحيّض ذات العادة و غيرها؛ كان الرؤية بعد أيّام العادة أو قبلها بقليل أو كثير. و إطلاقها و إن اقتضىٰ شمول الصفرة أيضاً علىٰ إشكال ناشئ من احتمال كون الدم مقابل الصفرة، كما في بعض الروايات، كصحيحة ابن الحجّاج الآتية لكنّه متقيّد بما يأتي.

و توهّم «4» كون تلك الصحيحة واردة مورد التقيّة؛ لتقرير الإمام ترك الصلاة ثلاثين يوماً، و هو موافق لمذهب العامّة القائلين بأنّ

أكثر النفاس أربعون أو ستّون يوماً «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3.

(2) تقدّم في الصفحة 13.

(3) الكافي 3: 100/ 1، تهذيب الأحكام 1: 402/ 1260، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 1.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 26، مصباح الفقيه، الطهارة: 331/ السطر 27.

(5) المجموع 2: 522 و 524 525.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 164

مدفوع بأنّ قوله

لأنّ أيّامها

أيّام الطهر

قد جازت مع أيّام النفاس

ردع لتركها الصلاة؛ ضرورة أنّ أيّام النفاس ليست عين أيّام الطهر، فمعنىٰ مضيّ أيّام الطهر مع أيّام النفاس: هو أنّ الثلاثين ليس جميعها أيّام النفاس، بل بعضها أيّام النفاس، و بعضها أيّام الطهر و إن استمرّ بها الدم، فبيّن الحكم الواقعي بنحو لا يتنبّه له الغالب.

و تدلّ على المطلوب أيضاً

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن امرأة نفِست، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر، ثمّ طهرت و صلّت، ثمّ رأت دماً أو صفرة، قال إن كانت صفرة فلتغتسل و لتصلّ، و لا تمسك عن الصلاة «1».

و

في رواية الشيخ و إن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها، ثمّ لتغتسل و لتصلّ «2».

و إنّما تدلّ على المطلوب مفهوماً علىٰ رواية الكليني، و منطوقاً علىٰ رواية الشيخ.

و قوله

فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها

محمول علىٰ مقدار أيّام قرئها، أو أيّام إمكان قرئها.

و لا يمكن إبقاؤه علىٰ ظاهره؛ للزوم كون الصفرة في أيّام القرء، محكومة بعدم الحيضية بقرينة المقابلة، و هو مقطوع البطلان. و التفكيك بين الفقرتين بعيد جدّاً.

______________________________

(1) الكافي 3: 100/ 2، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب

5، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 176/ 503، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 165

الروايات التي قد تتوهّم دلالتها علىٰ عدم التحيّض

نعم، هنا روايات ربّما يتوهّم دلالتها علىٰ عدم التحيّض،

كمرسلة يونس القصيرة قال و كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، و كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض «1».

و مفهوم

موثّقة سماعة قال: سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، فقال إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت «2».

و صحيحة الصحّاف في الحامل «3».

لكنّ المرسلة مضافاً إلىٰ ما تقدّم من ضعفها سنداً، و اضطرابها متناً «4» لا يبعد بملاحظة ما قبل هذه الفقرة، أن يكون موردها ما إذا تجاوز الدم عشرة أيّام، فراجع.

و لا مفهوم لموثّقة سماعة؛ لأنّ الشرط فيها سيق لتحقّق الموضوع، و لا مفهوم للقيد، فإنّه من مفهوم اللقب.

و أمّا صحيحة الصحّاف فراجعة إلى الحامل، و بإزائها روايات لا بدّ من إفراز البحث عنها، و سيأتي في محلّه «5».

فالحكم في واجد الصفات خالٍ من الإشكال.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 90.

(2) تقدّم في الصفحة 160.

(3) تقدّم في الصفحة 160.

(4) تقدّم في الصفحة 92 95.

(5) يأتي في الصفحة 329 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 166

عدم الحكم بحيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة في المقام

و أمّا مع اتصاف الدم بصفات الاستحاضة كالصفرة و البرودة فهل تتحيّض بمجرّد رؤيتها مطلقاً، أو لا تتحيّض مطلقاً، أو يفصّل بين ما قبل العادة و ما بعدها؛ فيقال بالتحيّض في الثاني دون الأوّل؟

وجوه:

أقربها العدم مطلقاً، و تدلّ عليه أدلّة التمييز «1» حيث إنّ الظاهر منها أنّ الأوصاف كالحرارة و الحمرة و الدفع و غيرها، كما تكون أمارة الحيض كذلك مقابلاتها أي الصفرة و البرودة و الفساد و الفتور أمارات الاستحاضة. و لا وجه للتفكيك بينهما مع كون

لسان الدليل واحداً.

و فائدة جعل الأمارتين ظاهرة؛ ضرورة أنّه مع أمارية صفات الحيض فقط، لا يحكم على الدم الخالي منها بكونه استحاضة، فمع تمامية قاعدة الإمكان يحكم بالحيضية، و مع عدم تماميتها لا بدّ من الاحتياط و العمل بالعلم الإجمالي، بخلاف ما لو كانت الصفات المقابلة أمارات الاستحاضة، فلا تجري القاعدة؛ لحكومة أدلّة الأمارات عليها و إخراج موضوعها عن القاعدة.

بل يمكن أن يقال: إنّ جعل أوصاف الاستحاضة أمارةً عليها، أقرب من جعل أوصاف الحيض أمارة عليه؛ لأنّ صفات الحيض نوعاً صفات مشتركة بينه و بين سائر الدماء، بخلاف صفات الاستحاضة، فإنّها صفات مختصّة بها نوعاً، و كون الصفات المختصّة أمارة علىٰ ما تختصّ به، أقرب من أمارية الصفات

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 167

المشتركة و لو في فرض الدوران بينهما.

و الإنصاف: ظهور الروايات في أمارية كلٍّ من القبيلين، فحينئذٍ يحكم بكون الصفرة استحاضة مطلقاً إلّا ما خرج بالدليل، ككونها في أيّام العادة أو قبلها أو بعدها بقليل، كما مرّ «1».

و تدلّ على المطلوب أيضاً روايات،

كصحيحة محمّد بن مسلم قال: 2136 سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «2».

ظاهرها حدوث الرؤية في العادة أو بعدها، و لو أُنكر الظهور فيه فلا أقلّ من الإطلاق. و العجب أنّ الشيخ الأعظم تمسّك بها لعدم التحيّض بما رأت قبل أيّام العادة، و لم يتمسّك بها لما بعدها، و أفتى بالتحيّض برؤية الصفرة لوجوه ضعيفة «3».

و كموثّقة أبي بصير المتقدّمة «4» بالتقريب المتقدّم

«5» دلّت علىٰ أنّ الصفرة قبل أيّام الحيض بأكثر من يومين و بعدها بيومين و صاعداً، ليست بحيض.

و كذا الروايات الدالّة علىٰ أنّه إذا رأت الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ، و إن رأت بعدها صلّت «6» فإنّ إطلاقها يقتضي أن لا تكون الصفرة و إن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 158 159.

(2) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 200/ السطر 10.

(4) تقدّم في الصفحة 159.

(5) تقدّم في الصفحة 160 161

(6) الكافي 3: 78/ 3، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 168

حدثت بعد العادة حيضاً؛ سواء رأت الدم في العادة فطهرت ثمّ رأت صفرة، أو لم تَرَ في العادة و رأت بعدها. و تخصيصها بما إذا استمرّ دمها إلىٰ ما بعد العادة، لا وجه له.

و كصريح صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة «1» .. إلىٰ غير ذلك من الروايات.

حول التمسّك بقاعدة الإمكان لإثبات حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة

و ليس في مقابلها إلّا قاعدة الإمكان، و قد مرّ عدم الدليل عليها «2». و مع تسليم تماميتها تكون الأدلّة المتقدّمة حاكمة أو واردة عليها؛ ضرورة أنّ موضوعها ما يمكن أن يكون حيضاً، و قد مرّ أنّ معناه: ما لم يدلّ دليل علىٰ عدم حيضيته «3»، فبقيام الأمارة على الاستحاضة و ما تقدّم من الأدلّة علىٰ عدم الحيضية، ينتفي موضوعها.

و قد أورد الشيخ الأعظم على القاعدة: «بأنّ موضوعها الإمكان المستقرّ، و لا يمكن إحرازه بالأصل؛ لمنع جريان أصالة البقاء في مثل المقام، بل الأصل عدم حدوث الزائد علىٰ ما حدث. و لو سُلّم جريانها، لكنّه

لا يجدي في إثبات الإمكان المستقرّ ليدخل تحت معاقد إجماعات القاعدة؛ لأنّ مراد المجمعين من «الاستقرار» هو الواقعي المتيقّن، و بعبارة اخرىٰ: الدم الموجود في ثلاثة أيّام، و ليس لفظ «الإمكان المستقرّ» وارداً في نصّ شرعي حتّى يترتّب على الثابت منه بالاستصحاب ما يترتّب على المستقرّ الواقعي، فافهم» «4» انتهىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 164.

(2) تقدّم في الصفحة 68 69.

(3) تقدّم في الصفحة 51 52.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 201/ السطر الأخير، و 202/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 169

و فيه: أنّ عدم جريان الأصل لو كان لأجل عدم جريانه في المتصرّمات؛ لعدم البقاء لها؛ لأنّ كلّ قطعة منها غير الأُخرىٰ، فالدم في اليوم الثاني غير ما في اليوم الأوّل، فلا يجري فيها أ لأصل إلّا على القول بالجريان في القسم الثالث من الكلّي، فلا محيص من إجراء أصل عدم الحدوث بالنسبة إلىٰ غير الموجود.

ففيه: أنّه قد حقّق في محلّه «1» جريان الأصل فيها؛ و أنّ هذه المتصرّمات ليست مركّبة من قطعات متكثّرة؛ لا عقلًا، و إلّا لزم مفاسد الجزء الذي لا يتجزّأ «2»، و لا عرفاً؛ لأنّ العرف يرى الماء الجاري و الحركة شيئاً واحداً له البقاء؛ و إن كانت وحدته و بقاؤه بنحو التصرّم و التغيّر، فالدم الجاري المتصل من أوّل وجوده إلىٰ زمان انقطاعه شي ء واحد متصل متصرّم باقٍ دائم، لا أُمور متكثّرة و مصاديق متعدّدة متلاصقة، فمع العلم بوجوده و الشكّ في انقطاعه، تكون القضيّة المتيقّنة و المشكوك فيها واحدة، و يصدق عدم نقض اليقين بالشكّ بلا ريب، فحينئذٍ يكون المستصحب شخصياً لا كلّياً.

مضافاً إلىٰ أنّ التحقيق جريان الأصل في القسم الثالث من الكلّي في مثل الدم

السائل «3» و أصالة عدم حدوث الزائد لا تنفي الكلّي إلّا بالأصل المثبت.

و أمّا ما ذكره ثانياً: من عدم إجداء الأصل في إثبات الإمكان المستقرّ، الظاهر منه الفرق بين كون الدليل عليه الإجماع و الدليل اللفظي، ففيه: أنّه إن كان المدعىٰ أنّ الإجماع قائم على الدم المتيقّن في ثلاثة أيّام؛ بحيث كان اليقين جزءً للموضوع، فلا يخفى ما فيه؛ ضرورة أنّ ما ادعي الإجماع عليه علىٰ فرض صحّته هو «أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض».

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 113.

(2) راجع الإشارات و التنبيهات 2: 20 21، الحكمة المتعالية 5: 41 44.

(3) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 93 94.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 170

و إن كان المراد أنّ الحكم و إن ثبت للدم الواقعي المستمرّ إلىٰ ثلاثة، لكنّ القدر المتيقّن من الإجماع هو الدم الثابت باليقين، ففيه: أنّ الثبوت باليقين إن كان قيداً للموضوع، فيرجع إلى الوجه الأوّل، و إن كان الحكم ثابتاً للموضوع الواقعي فالأصل محرز له.

نعم، لو كان موضوع القاعدة هو عنوان «الإمكان» لم يمكن إحرازه بأصالة بقاء الدم إلىٰ ثلاثة أيّام إلّا بالأصل المثبت. لكنّ الظاهر كما مرّ سابقاً «1» أنّ موضوع القاعدة ليس هذا العنوان؛ إذ ليس المراد ب «الإمكان» ما هو المصطلح عند المنطقيّين، بل المراد ما لم يقم دليل شرعي علىٰ عدم حيضيته، فكلّ دم لم يقم دليل من عقل أو شرع علىٰ عدم حيضيته فهو حيض، فالدم الموجود ممّا لم يقم دليل علىٰ عدم حيضيته؛ من غير ناحية عدم الاستمرار إلىٰ ثلاثة أيّام بالوجدان، و من ناحيته بالأصل، فيحرز الموضوع بهما؛ لأنّ الموضوع مركّب لا مقيّد.

رابعتها: في حكم ذات العادة العددية المحضة

ذات العادة العددية

المحضة، إن رأت بصفة الحيض تتحيّض بمجرّد الرؤية؛ لما مرّ من أخبار الصفات «2» و قد مرّ عدم اختصاصها بمستمرّة الدم «3»، و سيأتي إن شاء اللّٰه في الاستحاضة تتمّة البحث فيها «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 51 52.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3. و قد تقدّمت الروايات في الصفحة 15 و ما بعدها.

(3) تقدّم في الصفحة 22.

(4) يأتي في الصفحة 306 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 171

و إن رأت بصفات الاستحاضة يحكم بها؛ بناءً علىٰ أمارية الأوصاف لها.

و قد يقال بتحيّضها مطلقاً، و استأنس له صاحب «الجواهر» بعد الإجماع المدعىٰ علىٰ ذات العادة، و صدق اسم «ذات العادة» عليها بما دلّ على التحيّض بمجرّد الرؤية في معتادة الوقت لو رأت قبل وقتها،

كخبر علي بن أبي حمزة قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة، فقال ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، و ما كان بعد الحيض فليس منه «1».

و

مضمر معاوية بن حكيم قال قال الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و بعد أيّام الحيض فليس من الحيض «2».

و

خبر سماعة إنّه ربّما تعجّل بها الوقت «3».

بتقريب أن يقال: إنّه لو كان مدار التحيّض بالرؤية على الوقت، لما حكم في هذه الأخبار بذلك و إن لم تَرَه فيه «4».

و فيه ما لا يخفى:

أمّا الإجماع فلعدم ثبوته، بل الظاهر اختصاص معقد الإجماع بذات العادة الوقتية، فعن «المعتبر» «5»: تترك ذات العادة الصلاة و الصوم برؤية

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 4، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1232، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4،

الحديث 5.

(2) الكافي 3: 78/ 5، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 77/ 2، تهذيب الأحكام 1: 158/ 453، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

(4) جواهر الكلام 3: 179 180.

(5) المعتبر 1: 213.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 172

الدم، و هو مذهب أهل العلم؛ لأنّ المعتاد كالمتيقّن، و

لما رواه يونس عن بعض رجاله، عن الصادق (عليه السّلام) قال إذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة «1».

و هو كما ترى مختصّ بذات العادة الوقتية؛ ضرورة أنّ ذات العادة العددية ليست بالنسبة إلى الوقت معتادة، و ليس لها أيّام معلومة حتّى ترجع إليها.

و أصرح منه عبارة «المنتهىٰ» «2» قال: و تترك ذات العادة الصلاة و الصوم برؤية الدم في وقت عادتها، و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم؛ لأنّ العادة كالمتيقّن، و

روى الجمهور عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك «3».

و هي كما ترى صريحة في ذات العادة الوقتية، و حينئذٍ لا يبقى وثوق بإطلاق «الشرائع» «4» و لا يحضرني «التذكرة» «5».

و أمّا الروايات فالاستئناس بها بعيد، بل غير ممكن؛ لأنّ لتقدّم الوقت و تأخّره خصوصيةً كما تقدّم «6»، فلا يمكن إلغاؤها و رفع اليد عن أدلّة التمييز بهذا الوجه المخالف للاعتبار و دلالة الأخبار، فعدم التحيّض بمجرّد الرؤية مع فقد صفات الحيض، أشبه بالقواعد و الأُصول.

______________________________

(1) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 294، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 4، و: 299، الباب 12، الحديث 2.

(2) منتهى المطلب 1: 109/ السطر 15.

(3) سنن الدارقطني 1:

212/ 36، شرح السنّة 9: 207.

(4) شرائع الإسلام 1: 21.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 275.

(6) تقدّم في الصفحة 158 162.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 173

حكم المبتدئة و المضطربة و الناسية

ثمّ إنّه بما مرّ من الأدلّة، ظهر حال المبتدئة و المضطربة، بل الناسية أيضاً؛ فإنّ الدليل فيها هو تلك الأدلّة، و يأتي فيها التفصيل المتقدّم.

نعم، قد يتوهّم في المبتدئة دلالة بعض الأخبار علىٰ تحيّضها بمجرّد الرؤية مطلقاً «1»،

كرواية ابن بكير: قال في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم، فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة، فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض .. «2» الحديث.

و

كموثّقته عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها، فاستمرّ بها الدم بعد ذلك، تركت الصلاة عشرة أيّام .. «3» إلىٰ آخره.

و

مضمرة سماعة قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض، فتقعد في الشهر يومين، و في الشهر ثلاثة أيّام، يختلف عليها؛ لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم؛ ما لم يجُز العشرة «4».

و فيه: مضافاً إلى احتمال انصراف الدم إلى المتصف بصفات الحيض؛ أي الحمرة، كما جعلت مقابل الصفرة أنّ تلك الروايات في مقام بيان حكم آخر،

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 188 189.

(2) تهذيب الأحكام 1: 400/ 1251، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 381/ 1182، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 6.

(4) تقدّم في الصفحة 148.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 174

فلا يمكن التمسّك بإطلاقها لما نحن بصدده، و هو واضح. و

سيأتي الكلام في حال موثّقتي ابن بكير في باب الاستحاضة «1».

حكم تعارض الأمارتين

بقي من الفروع المتقدّمة ما إذا تعارضت الأمارتان، كما إذا رأت حمرة باردة أو صفرة بدفع و حرارة، فمقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين الوظيفتين. و هذا واضح لو قلنا بعدم حرمة العبادة عليها حرمة ذاتية.

و يمكن أن يقال: إنّه كذلك و لو قلنا بها أيضاً؛ لأنّ العلم الإجمالي بالنسبة إلى العبادات و إن كان غير مؤثّر؛ للدوران بين المحذورين، لكن هنا علم إجمالي آخر؛ و هو العلم بوجوب العبادة عليها، أو حرمة مسّ الكتاب و اللبث في المسجد و غيرهما من المحرّمات على الحائض، فمقتضى القاعدة هو التخيير بين الترك و الفعل في العبادة، و لزوم الترك في غيرها من تروك الحائض.

لكن تنجيز العلم الإجمالي الذي لا يؤثّر في بعض أطرافه محلّ إشكال، بل منع، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه تعالىٰ «2».

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 361 362.

(2) يأتي في الصفحة 197 198.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 175

المسألة الثامنة في حكم ما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام فانقطع ثمّ رأته بعدها
اشارة

لو رأت الدم ثلاثة أيّام و انقطع، فلا يخلو إمّا أن تكون ذات عادة أو لا.

و على التقديرين: إمّا أن ترى الدم بصفات الحيض أو لا.

و على التقادير: إمّا أن ترى الدم بعد الانقطاع قبل عشرة أيّام من أوّل الرؤية، و ينقطع على العشرة، أو على الأقلّ، أو ترى بعد عشرة أيّام و بعد مضيّ أقلّ الطهر، أو قبله، أو ترى قبل العشرة و يتجاوز عنها.

و الدم الثاني في التقادير: إمّا بصفة الحيض أو لا.

هذه عمد صور المسألة. و أمّا حكمها:

حكم الدم الأوّل

فلا إشكال في أنّ الدم الأوّل إذا كان بصفة الحيض أو في أيّام العادة حيض؛ لأدلّة الصفات، و

لما دلّ علىٰ أنّ كلّ ما رأت في أيّام العادة من صفرة أو حمرة حيض.

و أمّا إذا لم يكن بصفته و لا في أيّام العادة، فلا دليل على الحيضية إلّا قاعدة الإمكان و الإجماع المدعى «1» في خصوص الفرع المعتضد بدعوى الشهرة و عدم الخلاف «2» و الظاهر أنّ المسألة من المسلّمات، و القاعدة في المورد

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 187.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 275/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 176

مسلّمة عندهم و مع المناقشة في إجماعية القاعدة، فالمسألة الفرعية مسلّمة مجمع عليها ظاهراً، فلا إشكال فيها.

و أمّا التمسّك «1»

بصحيحة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة، قال تدع الصلاة.

قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة، قال تصلّي.

قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة، قال تدع الصلاة؛ تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع عنها الدم، و إلّا فهي بمنزلة المستحاضة «2».

و بصحيحة أبي بصير «3» القريبة

منها، ففي غير محلّه؛ لأنّه لا يمكن الالتزام بهما لما مرّ «4»، فلا بدّ من حملهما علىٰ ما لا يخالف الإجماع، مثل ما حملهما الشيخ و المحقّق عليه من اختلاط حيضها، أو غير ذلك «5».

حكم الدم الثاني

و أمّا الدم الثاني، فإن كان بصفة الحيض أو في وقت العادة، فحيض بلا إشكال، و كذا النقاء بينهما؛ لما مرّ من أنّ النقاء المتخلّل حيض «6».

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 187.

(2) الكافي 3: 79/ 2، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1179، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 380/ 1180، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 3.

(4) تقدّم في الصفحة 62 63.

(5) الاستبصار 1: 132/ ذيل الحديث 454، المعتبر 1: 207.

(6) تقدّم في الصفحة 116 117.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 177

و أمّا مع عدم الأمرين، فالحكم بالحيضية إمّا لقاعدة الإمكان علىٰ فرض ثبوتها، أو للإجماع في خصوص هذا الفرع «1».

و أمّا التمسّك «2» بالأخبار الدالّة علىٰ أنّ ما رأت المرأة من الدم قبل عشرة أيّام، فهو من الحيضة الأُولىٰ «3»، فمشكل؛ لما مرّ من أنّ تلك الروايات لا إطلاق لها «4»، فإنّها بصدد بيان حكم آخر بعد فرض حيضية الدمين، لا بصدد بيان حال الدم حتّى يتمسّك بإطلاقها. مع احتمال كون الدم هو الأحمر انصرافاً في مقابل الأصفر، علىٰ إشكال فيه.

مع معارضتها بالنسبة إلىٰ ذات العادة إذا رأت بعد عادتها بيومين أو أزيد بالمستفيضة الدالّة علىٰ أنّ الصفرة بعد العادة ليست بحيض «5»، و الجمع بينهما بأحد الوجوه:

إمّا بحمل أخبار الصفرة علىٰ مورد استمرار الدم إلىٰ بعد العادة.

أو حملها علىٰ مورد رؤية الدم

بعد الأيام من غير رؤيته في الأيّام.

أو حمل الروايات المقابلة لها علىٰ غير الصفرة. و هذا الوجه علىٰ فرض إطلاقها أقرب الوجوه، لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام به؛ للشهرات و الإجماعات المنقولة، و عدم وجدان التفصيل بين الدم و الصفرة في خصوص المسألة، فتتقيّد بها أخبار الصفرة بمثل الفرض.

هذا إن رأت قبل تمام العشرة و انقطع عليها.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 226/ السطر 7.

(2) جواهر الكلام 3: 188.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 297 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11 و 12.

(4) تقدّم في الصفحة 97.

(5) وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 178

و إن رأت بعد العشرة و بعد تخلّل أقلّ الطهر، فإن كان الدمان علىٰ صفة الحيض، أو في العادة، أو كان أحدهما في العادة و الآخر مع الصفة، فلا إشكال.

و أمّا مع فقد الأمرين، فالدليل عليه هو قاعدة الإمكان لو تمّت، أو الإجماع علىٰ أنّ الدم المستمرّ إلىٰ ثلاثة أيّام حيض. و أمّا الحكم بالحيضية بمجرّد الرؤية، فموقوف على الاتصاف أو الوقوع في العادة، و مع عدمهما فلا يحكم بها، بل يحكم بالاستحاضة مع صفاتها؛ لأدلّتها.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعد قيام الإجماع علىٰ أنّ الدم المستمرّ ثلاثة أيّام حيض، ينقّح الموضوع بالاستصحاب. لكنّ الشأن في ثبوت الإجماع في الفرع.

و لو رأت بعد العشرة و قبل مضيّ أقلّ الطهر، فإن كان الحكم بحيضية الدم الأوّل بقاعدة الإمكان أو الإجماع؛ لفقد الصفات، و كان الدم الثاني أيضاً فاقداً لها، فانطباق القاعدة على الدم الأوّل يُخرج الدم الثاني عن موضوع القاعدة؛ لأنّ الدم الأوّل في زمان تحقّقه كان ممكن الحيضية، فهو حيض، و

مع حيضيّته لا يمكن أن يكون الدم الثاني حيضاً؛ للزوم كون أقلّ الطهر أقلّ من عشرة، أو كون الحيض أكثر منها.

و القول بعدم الترجيح بين انطباق القاعدة في الموردين «1»، غير تامّ؛ لأنّ الدم الأوّل ممكن بلا معارض، فتنطبق عليه القاعدة، و معه يخرج الثاني عن الإمكان، و لا وجه لعدم جريانها مع تحقّق موضوعها بلا معارض. تأمّل؛ فإنّ فيه إشكالًا ربّما يأتي التعرّض له.

و أمّا لو كان الدم الثاني بصفة الحيض، ففيه وجهان:

أحدهما: ما تقدّم و مع خروج الثاني عن الإمكان لا اعتبار بالصفات.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 249.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 179

و ثانيهما: تحكيم أدلّة الصفات على القاعدة؛ لكون الصفات أمارة، و هي قاعدة معتبرة حيث لا أمارة، و هو الأظهر. هذا بحسب القاعدة.

لكن نسب إلى الأصحاب كون الثاني استحاضة و لو كان بصفة الحيض و ما رأته أوّلًا بصفة الاستحاضة «1». و استدلّ عليه «2» مضافاً إلىٰ إطلاق الأصحاب في فتاويهم و معاقد إجماعاتهم المنقولة

بصحيحة صفوان بن يحيىٰ على الأصحّ من كون محمّد بن إسماعيل النيسابوري ثقة «3»، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت له: إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم، ثمّ طهرت، فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، أ تمسك عن الصلاة؟ قال لا؛ هذه مستحاضة «4».

علىٰ تأمّل في دلالتها على الصفرة، و إن كانت أقوى؛ لأنّها دم، و مقابلتها في بعض الروايات بالدم «5» لا توجب الانصراف. و أمّا إذا تجاوز الدم عن العشرة فسيأتي الكلام فيه «6».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 188 189، المبسوط 1: 42 43، المعتبر 1: 205، روض الجنان: 73/ السطر 11.

(2) جواهر الكلام

3: 189.

(3) تقدّم وجهه في الصفحة 77 78.

(4) الكافي 3: 90/ 6، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3.

(5) راجع وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 8، و: 391، أبواب النفاس، الباب 4، الحديث 1 و 3.

(6) يأتي في الصفحة 370 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 180

المسألة التاسعة في وجوب الاستبراء عند الانقطاع
مقتضى الأصل في المقام

إذا انقطع الدم في الظاهر، و احتمل بقاؤه في الباطن، مع احتمال الحيضية- بأن كان الانقطاع قبل عشرة أيّام فمقتضى الأصل عدم وجوب الاختبار و الفحص على المرأة؛ لإطلاق أدلّة الاستصحاب.

و احتمالُ وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية إذا كان رفع الشبهة سهلًا، كالنظر و الاختبار، أو كان الموضوع ممّا يترتّب عليه أمر مهمّ، مثل ترك الصلاة، أو لزم من الرجوع إلى الأصل الوقوع في مخالفة الواقع كثيراً «1»، مدفوعٌ بإطلاق الأدلّة.

بل

في صحيحة زرارة الواردة في باب الاستصحاب: قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصاب شي ء أن أنظر فيه؟ قال لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك «2»

مع أنّ الشكّ كان يرفع بمجرّد النظر بسهولة.

ثمّ إنّه مع جريان الاستصحاب في المقام علىٰ ما هو التحقيق في جريانه

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 276/ السطر 12 و 35، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 301 302.

(2) علل الشرائع: 361/ 1، تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 181

في مثل الأُمور التدريجية «1» و القول بحرمة الغسل عليها ذاتاً، لا إشكال في عدم إمكان التقرّب به مع

التفاتها حكماً و موضوعاً. و أمّا لو اغتسلت عن غفلة بقصد التقرّب فصادف الطهر صحّ. كما أنّه يصحّ إن قلنا بعدم حرمته ذاتاً، فأتت به رجاءً و صادف الطهر، فالحكم بوجوب الفحص و عدم صحّة الغسل قبله مطلقاً، يحتاج إلى الدليل.

ما استدلّ به علىٰ وجوب الاستبراء و بيان أنّه طريقي

و استدلّ علىٰ وجوب الاستبراء «2» بروايات:

منها:

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل، و إن لم ترَ شيئاً فلتغتسل، و إن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ «3».

و فيها احتمالات:

كاحتمال الوجوب التعبّدي الشرعي.

و احتمال الوجوب الشرطي؛ بمعنى كون الاختبار شرطاً لصحّة الغسل.

و احتمال عدم الوجوب، بل الأمر به لمجرّد الإرشاد إلىٰ حسن الاحتياط؛ لئلّا يقع غسلها لغواً و عملها باطلًا.

و احتمال الوجوب الطريقي؛ بمعنى وجوب الاختبار لأجل الاطلاع على الواقع؛

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 113 120.

(2) الحدائق الناضرة 3: 191، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 226/ السطر 21، مصباح الفقيه، الطهارة: 276/ السطر 16.

(3) الكافي 3: 80/ 2، وسائل الشيعة 2: 308، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 182

بحيث لو تركته فكان مخالفاً للواقع، عوقبت علىٰ مخالفته، لا علىٰ ترك الاختبار، و لو اغتسلت و صلّت و صادف غسلها الطهر، صحّ غسلها و صلاتها و إن كانت متجرّية في ترك التكليف الطريقي.

أقربها الأخير، و أبعدها الأوّل. و أمّا الاحتمال الثاني فبعيد أيضاً.

و القول «1» بظهور أمثال ذلك في الوضع، كقوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. «2» إلىٰ آخره، و

قولِه (عليه السّلام) لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه «3»

ممّا هي ظاهرة في

الشرطية و المانعية، فوِزان

قوله إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة

وِزان قوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا .. إلىٰ آخره، فيستفاد منه الوجوب الشرطي.

غير وجيه، و القياس مع الفارق؛ ضرورة أنّ الاختبار في المقام ليس له نفسية، بل طريق إلى العلم بالواقع، و معه لا يستفاد منه شرطية نفس الاختبار؛ لعدم كونه ملحوظاً بذاته، بل هو ملحوظ لمحض إراءة الواقع، و المنظور إليه نفس الواقع، و معه لا يبقى له ظهور في الشرطية، و يتضح الفارق بينه و بين المثالين.

و أمّا الاحتمال الثالث و إن لم يكن بذلك البعد، لكن رفع اليد عن الأمر بلا حجّة غير جائز.

فالأظهر هو الوجوب الطريقي عند إرادة الغسل، لكن هذا لا يثبت وجوب الاختبار عند الانقطاع، بل يجب عند إرادة الغسل، فيمكن الاتكال على

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 276/ السطر 18.

(2) المائدة (5): 6.

(3) انظر علل الشرائع: 342/ 1، وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 183

استصحاب عدم وجوب التكاليف عليها؛ لو قلنا بسقوط الاستصحاب الموضوعي، فيحكم بعدم وجوب الغسل عليها، لكن عند إرادة الغسل يجب عليها الاختبار.

نعم، لو قلنا بسقوط الاستصحاب في المقام مطلقاً، و لزوم العمل علىٰ طبق العلم الإجمالي بالجمع بين ما على الطاهرة و ما على الحائض فلا محيص عن الغسل، و معه يجب الاختبار.

لكن يمكن أن يقال: إنّ الصحيحة دلّت على الوجوب عند الانقطاع و حضور وقت الصلاة؛ بدعوىٰ أنّ

قوله إذا أرادت الحائض أن تغتسل ..

ليس بصدد إيكال الأمر إلىٰ إرادتها، بل بصدد بيان أنّها إذا احتاجت إلى الغسل بحضور وقت العبادة المشروطة به، و

أرادته بحسب طبع التكليف.

و بعبارة أُخرى: إذا احتاجت إليه، و كان في الخروج عن التكليف لا بدّ منه، فعليها الاختبار، فوجوب الغسل و لزوم إرادته مفروض الوجود، و إنّما أوجب عليها الاختبار عنده.

و هذا و إن كان بعيداً عن ظاهر اللفظ، لكنّه غير بعيد بالنظر إلىٰ أنّ إيكال الأمر إلىٰ إرادته، أبعد منه جدّاً.

و منها: مرسلة يونس «1» و رواية شُرَحْبيل الكندي «2»، و هما مع ضعفهما

______________________________

(1) الكافي 3: 80/ 1، وسائل الشيعة 2: 309، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 2.

(2)

رواها الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عليّ بن الحسن الطاطري، عن محمّد بن أبي حمزة، عن ابن مسكان، عن شرحبيل الكندي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: كيف تعرف الطامث طهرها؟

قال: تعمد برجلها اليسرى على الحائط، و تستدخل الكرسف بيدها اليمنى، فإن كان ثمّ مثل رأس الذباب خرج على الكرسف.

الكافي 3: 80/ 3، وسائل الشيعة 2: 309، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 184

سنداً «1» لا تدلّان علىٰ وجوب الاختبار، بل ظاهرتان في كيفية معرفة المرأة بطمثها و طهرها عند الشكّ فيهما.

و مثلهما

موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت: المرأة ترى الطهر، و ترى الصفرة أو الشي ء، فلا تدري أ طهرت أم لا؟

قال فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلىٰ حائط، و ترفع رجلها علىٰ حائط، كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول، ثمّ تستدخل الكرسف، فإذا كان ثَمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج، فإن خرج دم فلم تطهر، و إن لم تخرج فقد طهرت «2».

و سؤاله و

إن احتمل فيه أمران؛ أحدهما: السؤال عن الوظيفة الشرعية، و ثانيهما: عن كيفية معرفتها بالطمث، كما في رواية الكندي، بل الاحتمال الأوّل أقربهما، لكن يظهر من الجواب أنّ مقصوده كان معرفة الطمث؛ فإنّ

قوله فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج

هو الجواب عن سؤاله، و هو مناسب للاحتمال الثاني.

و بالجملة: إنّ جوابه إنّما يكون عن أمر تكويني. إلّا أن يقال: إنّه مقدّمة

______________________________

(1) قد تقدّم وجه ضعف مرسلة يونس في الصفحة 92، و أمّا رواية الكندي فإنّها ضعيفة بسلمة بن الخطاب الضعيف و شرحبيل الكندي المجهول.

رجال النجاشي: 187/ 498، الفهرست: 79/ 324.

(2) تهذيب الأحكام 1: 161/ 462، وسائل الشيعة 2: 309، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 185

للأمر الشرعيّ و الوظيفة، و هو كما ترى، فلا تدلّ الموثّقة على المطلوب بوجه.

و منه يظهر الحال في دلالة ما عن «الفقه الرضوي» «1» مع الغضّ عن سنده «2».

فالعمدة هي صحيحة ابن مسلم مع تأيّدها بدعوى الشهرة و عدم الخلاف «3».

ثمّ لا إشكال في أنّ الوجوب الطريقي، مقدّمة لوضوح حالها لأجل العبادات؛ لأنّ الغسل ليس بواجب نفسي، فالوجوب هاهنا لأجل تحصيل الواجب الشرطي للعبادات التي هي واجبات نفسية.

هل يجب الاستبراء ثانياً و ثالثاً؟

و هل يجب الاختبار ثانياً و ثالثاً إذا اختبرت و رأت الدم، أو لا يجب إلّا دفعة واحدة؟ وجهان:

من أنّ القطع عَن الظاهر يوجب الظنّ نوعاً بالقطع عن الداخل، فيمكن أن يكون ذلك منشأ إلغاء الاستصحاب و إيجاب الفحص، و أمّا لو اختبرت و رأت الدم في الداخل فيجري الاستصحاب، فتترك العبادة اتكالًا عليه إلى العلم بالنقاء أو تجاوز العشرة.

و من أنّ الظاهر من صحيحة ابن مسلم

بالتقريب المتقدّم أنّها كلّما احتاجت إلى الغسل حسب احتياج سائر المكلّفين يجب عليها الاختبار.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 193.

(2) لأنّ كون هذا الكتاب روايةً غير ثابت فضلًا عن اعتباره كما قاله المصنّف (قدّس سرّه) في الجزء الثالث: 481480.

(3) الحدائق الناضرة 3: 191، جواهر الكلام 3: 189، مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 257.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 186

و الفرق المذكور بين موردي الاستصحاب بعيد.

مضافاً إلى العلم الإجمالي بوجوب العبادات أو حرمةٍ ما على الحائض، كالدخول في المسجدين، و اللبث في سائر المساجد.

فمع عدم الحرمة الذاتية في العبادات، يجب عليها الإتيان بها بمقتضى العلم الإجمالي، فيجب الغسل بحكم العقل، فإذا أرادت الغسل يجب عليها الاختبار بحكم صحيحة ابن مسلم.

و إن قلنا بالحرمة الذاتية كان من قبيل الدوران بين المحذورين، فمع عدم جريان الاستصحاب، يجب الاختبار بحكم العقل لاتضاح الحال. و لا يبعد ترجيح الوجه الثاني.

حكم نسيان الاستبراء

ثمّ على القول بشرطية الاختبار للغسل، لا يصحّ بدونه و لو صادف الطهر. و هل يصحّ مع فرض وقوعه علىٰ وجه تُعْذر فيه، كنسيان الاستبراء و نحوه؟

قطع بذلك صاحب «الجواهر» «1» و فيه تأمّل و إشكال؛ لأنّه علىٰ فرض الشرطية، يكون الشرط هو واقع الاختبار من غير دخل لعذر المكلّف فيه.

نعم، لو قلنا: بأنّ الوضع ينتزع من التكليف، و لا يجوز تكليف المعذور، فلا منشأ لانتزاع الوضع، كان له وجه.

لكنّ المبنىٰ صغرى و كبرى محلّ إشكال؛ ضرورة أنّ الظاهر من مثل

قوله لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه «2»

بحسب فهم العرف في أمثال المقام أنّ

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 191.

(2) تقدّم في الصفحة 182.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 187

النهي

إرشاد إلىٰ عدم تحقّق الصلاة مع الوبر، فالنهي لأجل عدم إمكان الوجود، فيستفاد منه مانعية ما لا يؤكل للصلاة مطلقاً، و كذا سائر المقامات التي تكون مثل ذلك، و منها ما نحن بصدده.

مع أنّ في عدم تعلّق التكليف بالمعذور، كلاماً و إشكالًا قد تعرّضنا له في محلّه «1». نعم في خصوص النسيان لا يبعد التمسّك بحديث الرفع؛ علىٰ ما قوّينا شموله لمثل المقام «2».

حول سقوط شرطية الاستبراء مع تعذّره

و هل يسقط الشرط علىٰ فرض الشرطية مع التعذّر، كالعمىٰ و الظلمة و ضيق المجرىٰ؟ وجهان:

من دعوى قصور الأدلّة عن قطع الاستصحاب في مثله؛ لكونها واردة في غير المعذورة، و المعذورة لها الاتكال على الاستصحاب و ترك العبادات إلى القطع بالنقاء أو تجاوز العشرة «3».

و من احتمال قطع الاستصحاب في المقام و كذا الشرطية؛ لتعذّره، فلا بدّ من الاحتياط «4».

و يمكن أن يقال: إنّ الشرطية لا تنافي التعذّر، و ورود الروايات كذلك لا ينافي انفهام الشرطية منها مطلقاً، و معها لا يصحّ غسلها إلّا بعد العلم بالنقاء أو تجاوز العشرة.

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 214 216، تهذيب الأُصول 2: 280 284.

(2) أنوار الهداية 2: 54 55، تهذيب الأُصول 2: 160 161.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 273.

(4) العروة الوثقى 1: 331، فصل في أحكام الحيض، المسألة 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 188

كيفية الاستبراء

ثمّ إنّه لا إشكال في عدم تعيّن كيفية خاصّة في الاستبراء؛ لإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم «1» و عدم استفادة التعيين من سائر الروايات؛ بعد اختلافِها و معلوميةِ ورودها للإرشاد إلىٰ ما هو الأسهل، و معلوميةِ عدم دخل بعض الخصوصيات، كالإدخال بيدها اليمنىٰ، فالمقصود هو حصول الاستبراء بأيّ وجه كان، إلّا أنّ الأحوط العمل عليها.

و أمّا ترجيح رفع اليسرى كما صنع الشيخ الأعظم بدعوىٰ تعدّد ما دلّ عليه و قوّة سنده «2» فغير معلوم؛ لأنّ سند ما دلّ علىٰ رفع اليمنىٰ أرجح، فإنّ مرسلة يونس أرجح من رواية الكندي و «الفقه الرضوي».

و لمّا كان الاستبراء و الفحص لا يحصل غالباً إلّا بالمكث و لو قليلًا لا يبعد لزومه، كما ورد مثله في رواية خلف بن حمّاد الواردة في اشتباه دم

العذرة بالحيض «3»، فالأحوط اعتباره لو لم يكن الأقوىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 181.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 227/ السطر 10.

(3) الكافي 3: 92/ 1، وسائل الشيعة 2: 272، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 1، و تقدّم أيضاً في الصفحة 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 189

المسألة العاشرة في صور ما بعد الاستبراء و بيان أحكامها
اشارة

المرأة إمّا مبتدئة، أو مضطربة لم تستقرّ لها عادة، أو ذات عادة. و علىٰ أيّ تقدير: إمّا أن تخرج القطنة بعد الاستبراء نقيّة، أو ملوّثة بالدم، أو بالصفرة.

و ذات العادة إمّا ذات عادة عرفية؛ بحصول العادة في أزمنة كثيرة، أو ذات عادة بحكم الشرع بالمرّتين أو ثلاث مرّات.

فهاهنا صور لا بدّ من البحث عنها:

الصورة الأُولىٰ: فيما إذا خرجت القطنة نقيّة بعد الاستبراء

إذا كانت مبتدئة أو مضطربة و خرجت القطنة نقيّة، فلا إشكال في أنّها طاهرة يجب عليها الغسل شرطاً عند وجوب مشروطه. و لا يجب عليها الاستظهار بل لا يجوز؛ لأصالة عدم حدوث الدم، و أصالة بقاء الطهر، و لأخبار الاستبراء المتقدّمة «1» و لو ظنّت العود لعدم اعتباره، و لا يرفع اليد عن الدليل به.

و قد يقال بالاستظهار مستظهراً بدليل الحرج «2» و هو كما ترى؛ لمنع الحرج.

و أمّا ذات العادة، فإن كانت لها عادة عرفية توجب الاطمئنان بنظامها و كانت عادتها انقطاع الدم و عوده، فلا إشكال في عدم الاستبراء لها و لزوم ترك العبادة؛

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 181 185.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 227/ السطر 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 190

لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دعي الصلاة أيّام أقرائك

، و النقاء المتخلّل من أيّام الأقراء.

و كذا لو كانت العادة غير موجبة للاطمئنان كالعادة الشرعية فالظاهر عدم لزوم الاستبراء و لزوم ترك العبادة، لا لما قيل من لزوم الحرج «1»؛ لما مرّ من عدم الحرج مع أنّ الحرج لا يوجب التفصيل بين الظنّ الحاصل من العادة و غيره، كما نسب إلىٰ جمع «2»، بل لحكومة مرسلة يونس الطويلة «3» علىٰ أدلّة الاستبراء، فإنّ تلك الأدلّة موضوعها «من لم تدرِ أ طهرت أم لا؟»

و المرسلة بالتقريب الذي تقدّم «4» تدلّ علىٰ أنّ العادة الحاصلة بالمرّتين، توجب الخلق المعروف و الأيّام المعلومة، و قد مرّ «5» عدم اختصاصها بمستمرّة الدم، فإذا رأت خمسة أيّام دماً و يومين نقاءً و يومين دماً في شهرين بهذا النظام، تصير تلك الأيّام عادتها و خلقها المعروف، و لا تكون ممّن لم تدرِ أ طهرت أم لا؟ بل تكون عالمة بعدم طهرها؛ لقيام الأمارة عليها، فتكون مشمولة

لقوله دعي الصلاة أيّام أقرائك

فتخرج بالمرسلة عن موضوع تلك الأدلّة.

ثمّ اعلم: أنّ ترك العبادة في هذا المورد ليس لأجل الاستظهار، بل لأجل الدليل على الحيضية، و لهذا لو قلنا باستحباب الاستظهار و جواز العبادة، لم نقل به في المقام.

و بالجملة: إنّ الاستظهار للمردّدة، و هذه ليست كذلك.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 332.

(2) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 227/ السطر 17، مدارك الأحكام 1: 332، ذخيرة المعاد: 69/ السطر 28.

(3) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

(4) تقدّم في الصفحة 128 136.

(5) تقدّم في الصفحة 145 147.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 191

الصورة الثانية فيما إذا خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة أو الصفرة

إذا رأت المبتدئة أو المضطربة حمرة بالاستبراء أي خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة فلا إشكال في لزوم التحيّض و ترك العبادة؛ للأصل و دلالة جملة من الأخبار:

منها: أخبار الاستبراء،

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل .. «1»

الحديث.

و

في موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج، فإن خرج دم فلم تطهر «2».

و منها: رواية خلف بن حمّاد «3» الواردة في اشتباه الحيض بدم العذرة، الدالّة علىٰ لزوم

ترك العبادة لمن استمرّ بها الدم إلىٰ عشرة أيّام؛ إذا خرجت القطنة مستنقعة.

و منها: روايتا محمّد بن مسلم الدالّتان علىٰ أنّه إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام، فهو من الحيضة الأُولىٰ «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 181.

(2) تقدّم في الصفحة 184.

(3) الكافي 3: 92/ 1، وسائل الشيعة 2: 272، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 2، الحديث 1، و تقدّم أيضاً في الصفحة 32.

(4) تقدّمتا في الصفحة 95 96.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 192

و مثلهما ما ورد في باب العدد «1» علىٰ تأمّل فيها.

و منها:

ما ورد في خصوص المبتدئة أو خصوص المضطربة، كموثّقة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك، تركت الصلاة عشرة أيّام، ثمّ تصلّي عشرين يوماً «2»

و قريب منها روايته الأُخرىٰ «3».

و

في موثّقة سماعة قال: سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض؛ تقعد في الشهر يومين، و في الشهر ثلاثة أيّام؛ يختلف عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء، قال فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها «4».

فلا إشكال في المسألة. إنّما الإشكال فيما إذا خرجت ملوّثة بالصفرة، هل هو كالتلوّث بالحمرة؛ فتمكث إلىٰ حصول النقاء أو مضي عشرة أيّام، أو يجب عليها العبادات و عمل المستحاضة؟

مقتضى الاستصحاب هو الأوّل، كإطلاق الأدلّة المتقدّمة الواردة في الجارية البكر و غيرها و إن لم يخلُ من تأمّل؛ لاحتمال كون المراد من الدم هو غير الصفرة؛ و إن كان الأقرب شمولها لها. و مجرّد جعله في بعض الروايات في

______________________________

(1)

الكافي 6: 88/ 10، وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 17، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 381/ 1182، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 400/ 1251، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5.

(4) الكافي 3: 79/ 1، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1178، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 14، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 193

مقابلها «1»، لا يوجب صرف المطلقات عنها مع دخولها في عنوان الدم.

نعم، إذا قوبلت به يكون المراد منه صنفاً خاصّاً، و هو الأحمر.

و أمّا

صحيحة سعيد بن يسار بناءً علىٰ وثاقة الرواسي كما لا يبعد «2» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة تحيض ثمّ تطهر، و ربّما رأت بعد ذلك الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها، فقال تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة، ثمّ تصلّي «3».

فهي في غير ما نحن فيه؛ لأنّ كلامنا فيمن انقطع الدم عن ظاهرها دون الباطن، و ظاهر الصحيحة هو تطهّرها و اغتسالها منه، ثمّ رؤية الدم الرقيق، و هو موضوع آخر. مع ظهورها في ذات العادة بمقتضىٰ كون مصبّ أخبار الاستظهار هو هي، و ظهور قوله بعد أيّامها فيمن لها أيّام و عادة.

و أبعد منه التمسّك «4»

بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) حيث قال و إن لم تَرَ شيئاً فلتغتسل، و إن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ و لتصلّ «5».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 8، و: 391، أبواب النفاس، الباب 4، الحديث 1 و

3.

(2) الرواسي هو أبو عمرو عثمان بن عيسى الكلابي، كان شيخ الواقفة و وجهها، ثمّ تاب و رجع و هو من أصحاب الإجماع على قول.

رجال النجاشي: 300/ 817، اختيار معرفة الرجال: 597/ 1117، تنقيح المقال 2: 247 249 (أبواب العين).

(3) تهذيب الأحكام 1: 172/ 490، وسائل الشيعة 2: 302، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 8.

(4) جواهر الكلام 3: 192.

(5) الكافي 3: 80/ 2، وسائل الشيعة 2: 308، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 194

لتعليق الاغتسال علىٰ عدم رؤية شي ء.

ففيه: أنّ هذه الجملة ملحوقة

بقوله فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل

و معه لا إطلاق فيها، كما لا يخفى.

و أمّا ذيلها فلا يخالف مسألتنا، لا لما في «الجواهر» من حمله على العلم بعدم الحيضية «1»؛ لأنّه غير وجيه، و لا شاهد عليه، بل لما أشرنا إليه آنفاً: من أنّ كلامنا فيمن استمرّ دمها في الباطن، لا من انقطع دمها عن الظاهر و الباطن و صارت طاهرة، ثمّ رأت بعد اغتسالها.

نعم، هي تنافي صحيحة سعيد بن يسار، فلا بدّ من الجمع بينهما إمّا بحمل «الدم الرقيق» على الأحمر الرقيق أو حمل صحيحة ابن مسلم علىٰ ما بعد أيّام الاستظهار أو بعد عشرة أيّام و الأوّل أقرب لولا مخافة مخالفته للإجماع أو الشهرة.

كما أنّ الرجوع إلى الأوصاف و أمارية الصفرة للاستحاضة، أقرب بحسب الأدلّة فيما نحن فيه، و به يقطع الاستصحاب، و ترفع اليد عن إطلاق الروايات علىٰ فرض ثبوته لولا تلك المخافة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 192.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 195

الصورة الثالثة في حكم ما إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة

إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة،

فهل يجب عليها أو يستحبّ الاستظهار؛ بمقتضىٰ ما دلّ عليه «1»، أو تعمل عمل المستحاضة؛ بمقتضىٰ ما دلّ علىٰ أنّ الصفرة بعد الحيض أو بعد أيّام الحيض، ليست بحيض «2»؟

فعن «الرياض»: «أنّ تلك الأخبار مخالفة للإجماع؛ بسيطاً أو مركّباً، و لأخبار الاستظهار» «3» و لهذا حملها في «الجواهر» علىٰ ما بعد الحيض و الاستظهار «4». و هو المتجه لو كانت مخالفة للإجماع، و إلّا فالجمع العقلائي بينها و بين أدلّة الاستظهار يقتضي تحكيمها عليها؛ لأنّ موضوع أدلّة الاستظهار هو من لم تعلم أنّ الدم حيض أو لا، و لهذا عبّر

في بعضها: بأنّها تحتاط «5»

بل نفس «الاستظهار» يدلّ علىٰ ذلك.

بل المورد مورد الشبهة و التحيّر؛ لأنّ الدم إذا انقطع على العشرة، يكون جميعه حيضاً بمقتضى الأدلّة، و إذا تجاوز عنها تكون أيّام العادة كذلك، فتكون شاكّة في حيضية ما تجاوز عن العادة؛ لأجل الشكّ في تجاوزه عن العشرة،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(2) وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4.

(3) رياض المسائل 1: 368.

(4) جواهر الكلام 3: 193.

(5) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 302، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 196

و الأخبار الدالّة علىٰ أنّ الصفرة بعد أيّام العادة ليست بحيض، حاكمة علىٰ أدلّة الاستظهار و نافية لموضوعها؛ سواء كان بينها و بين أدلّة الاستظهار عموم مطلق و ذلك إذا حملت تلك الأخبار علىٰ من استمرّ بها الدم، كما احتمله أو قرّبه الشيخ الأعظم «1» أو عموم من وجه؛ بناءً علىٰ إطلاقها كما هو الأقرب.

هذا إذا حملنا

موثّقة أبي بصير، عن أبي

عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة ترى الصفرة، فقال إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض «2»

علىٰ ما حدث بعد الأيّام، كما لا يبعد بلحاظ قوله: «ترى الصفرة».

و إلّا فالوجه حمل مطلقات تلك الأخبار عليها فيمن استمرّ بها الدم؛ أي تجاوز عن عادتها، فحينئذٍ يمكن القول: بأنّ المراد من

قوله و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض

هو أيّام الاستظهار، فتكون مطابقة

لما دلّ علىٰ أنّه إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام، استظهرت بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة «3»

فيحمل عدم الحيضية على التكليف الظاهري بكونها مستحاضة، لا علىٰ عدم الحيضية الواقعية.

و هذا الوجه أقرب إلىٰ جمع الأخبار و كلمات الأصحاب؛ و إن لم يخلُ من إشكال.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 200/ السطر الأخير.

(2) الكافي 3: 78/ 2، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1231، وسائل الشيعة 2: 279، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 197

الصورة الرابعة في حكم ذات العادة مع تلوّث القطنة بعد أيّامها
اشارة

إذا خرجت القطنة بعد أيّام عادتها ملوّثة بالدم، بل بالصفرة بناءً علىٰ ما تقدّم آنفاً ففيه جهات من البحث.

مقتضى القاعدة في المقام

و قبل الورود فيها لا بأس بذكر ما تقتضي القاعدة:

فنقول: لو قلنا بجريان الاستصحاب في المقام، فالظاهر جريان استصحاب استمرار الدم إلىٰ ما بعد العشرة، فيترتّب عليه كون العادة أيّامها، و لا سنّة لها غيرها.

و لو قلنا بعدم جريانه إمّا لعدم الجريان في التدريجيات، أو لقطع الاستصحاب في المقام فمقتضى القاعدة الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة؛ للعلم الإجمالي بكونها حائضاً أو مستحاضة. هذا إذا قلنا بالحرمة التشريعية في العبادات.

و ما قيل: «من أنّه لا يجب عليها للأصل؛ لأنّ الشكّ بالنسبة إليها مرجعه إلى الشكّ في أصل التكليف، و المرجع فيه البراءة» «1» في غير محلّه بعد العلم الإجمالي.

و أمّا إن قلنا بالحرمة الذاتية ففي العبادات يدور الأمر بين المحذورين،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 277/ السطر 16.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 198

فتتخيّر مع عدم الترجيح محتملًا و احتمالًا، و إلّا فتأخذ بأرجحهما.

و أمّا بالنسبة إلىٰ محرّمات الحائض كمسّ الكتابة و غيره فقد يقال بلزوم تركها؛ لكونها طرفاً للعلم الإجمالي؛ و إن كان أحد الطرفين من قبيل الدوران بين المحذورين.

لكنّ الظاهر عدم لزومه؛ لأنّ العلم ليس منجّزاً بالنسبة إلىٰ أحد الطرفين؛ أي العبادات التي دار أمرها بين المحذورين، و معه يكون الآخر في حكم الشبهة البدوية؛ لأنّ من شروط تنجيز العلم تعلّقه بتكليف منجّز به علىٰ كلّ تقدير.

ثمّ إنّ التخيير العقلي في المقام استمراري لا بدوي، فهي مخيّرة في كلّ واقعة في الأخذ بأيّ طرف شاءت، إلّا أن يلزم منه محذور، كحصول العلم التفصيلي ببطلان عملها في بعض الصور، كما لو تركت

الظهر و أتت بالعصر، فتعلم تفصيلًا ببطلانها؛ لفقد الترتيب أو الطهور.

الجهة الاولىٰ: في مصبّ أخبار الاستظهار و موردها

لا إشكال في أنّ مصبّ أخبار الاستظهار «1» هو الامرأة المتحيّرة؛ أي التي تتحيّر في أنّها حائض أو مستحاضة، و منشأ هذا الشكّ هو الشكّ في تجاوز دمها عن العشرة حتّى لا تكون لها سنّة إلّا أيّامها، كما سيأتي «2» و عدمه حتّى يكون المجموع حيضاً كما مرّ «3» و ذلك لظهور عنوان «الاستظهار» و «الاحتياط» في ذلك، و أخبار الباب تدور علىٰ هذين العنوانين، فمن علمت أو اطمأنّت بعدم تجاوز

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(2) يأتي في الصفحة 212.

(3) تقدّم في الصفحة 195.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 199

دمها عن العشرة أو تجاوزه، فهي خارجة عن مصبّها، فمثل المرأة التي يستمرّ بها الدم شهوراً أو أقلّ خارجة عن مصبّها، كما يظهر بالتأمّل فيها؛ فإنّه مضافاً إلى اقتضاء العنوانين ذلك قد وردت الروايات في موردين:

أحدهما: و هو ما ورد فيه غالب الروايات حتّى أنّ غيره بالنسبة إليه قليل و هو من رأت الدم وقت حيضها أو قبله و جاز أيّامها، و ممّا ورد في ذلك موثّقتا سَماعة «1» و رواية إسحاق بن جرير «2» و مرسلة داود مولى أبي المغراء، و صحيحتا سعيد بن يسار و ابن أبي نصر و رواية محمّد بن عمرو و عبد اللّٰه بن المغيرة و يونس بن يعقوب و زرارة و محمّد بن مسلم «3» و ما وردت في النفساء، كصحيحة زرارة و رواية يونس و مالك بن أعين و زرارة و يونس بن يعقوب و أبي بصير و غيرها «4».

و هذه الطائفة لا إشكال فيها من حيث كون

مصبّها ما ذكرنا.

و ثانيهما: ما وردت في المستحاضة،

كرواية إسماعيل الجُعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال المستحاضة تقعد أيّام قرئها، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهراً اغتسلت «5».

و

رواية زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال يجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1 و 6.

(2) وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 2: 301، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 4 و 8 13 و 15.

(4) وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 5، و: 381، الباب 1، الحديث 1، و: 386، الباب 3، الحديث 20 و 11.

(5) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 200

للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها، فتقتدي بأقرائها، ثمّ تستظهر علىٰ ذلك بيوم «1».

و

رواية أُخرى لزرارة، عنه (عليه السّلام) قال المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين «2».

و

رواية فضيل و زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها، و تحتاط بيوم أو اثنين، ثمّ تغتسل .. «3»

إلىٰ آخره.

و

رواية عبد الرحمن، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المستحاضة، أ يطؤها زوجها، و هل تطوف بالبيت؟ قال تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به، و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل .. «4» إلىٰ آخره.

و المستحاضة و إن كانت أعمّ ممّن يستمرّ بها الدم شهراً أو أزيد، و ممّن تجاوز دمها عن

أيّام عادتها، لكن لا بدّ من حملها في تلك الروايات على الثانية؛ بقرينة قوله تستظهر و تحتاط فإنّ العنوانين لا ينطبقان إلّا عليها، و أمّا من استمرّ بها الدم فلا يكون لها احتياط؛ لكون عادتها هي الحيض، و الزائدِ عليها استحاضةً، كما صرّح به في المرسلة الطويلة «5» من غير ريب و شائبة إشكال.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1252، وسائل الشيعة 2: 302، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1256، وسائل الشيعة 2: 304، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1253، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 12.

(4) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

(5) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 201

و دعوى الشيخ الأعظم ظهور بعض فقرأتها في غير مستمرّة الدم «1»، غير وجيهة، كما يظهر للمتأمّل.

و ما ذكرنا هو الظاهر من روايات أُخر، كصحيحة معاوية بن عمّار و الحلبي و عبد اللّٰه بن سنان و غيرها «2».

فلا إشكال في هذا الحمل في الروايات سوىٰ موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه حيث فصّل فيها بين استقامة القروء و غيرها.

و الظاهر كون المراد فيها مستمرّة الدم، و هي لا تنافي الروايات؛ لأنّ صدرها موافق لمرسلة يونس و ما هو بمضمونها، و ذيلها فرض آخر غير المفروض في سائر الروايات.

و لا بأس بالحكم بالاحتياط في مستمرّة الدم مع الخلاف في عادتها، كما تدلّ عليه الرواية.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ مستمرّة الدم لا سنّة لها إلّا أيّامها إذا كانت لها أيّام

معلومة غير مختلفة، و مع الاختلاف تحتاط بيوم أو يومين، كما في موثّقة البصري و أنّ الحائض و النفساء إذا جاوز دمهما عن عادتهما شرع في حقّهما الاستظهار.

و يشهد للجمع موثّقة إسحاق بن جرير؛ حيث فصّل فيها بين من تحيض و جازت أيّام حيضها، فأمرها بالاستظهار، و بين من استمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة، فأمرها بالجلوس أيّام حيضها، ثمّ الاغتسال للصلاة.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 229/ السطر 11.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 2 و 4 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 202

الجهة الثانية: في اختلاف أخبار الاستظهار
اشارة

قد اختلفت الروايات في هذه المسألة غاية الاختلاف، و هي على اختلافها علىٰ طوائف:

منها: ما هي ظاهرة في مستمرّة الدم، كالمرسلة و أشباهها ممّا قد مرّ الكلام فيها.

و منها: ما هي ظاهرة أو صريحة في غير المستمرّة، و قد حكم فيها بالاستظهار إمّا مطلقاً أو بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام .. إلىٰ غير ذلك «1».

و منها: ما هي محمولة على الثانية؛ لبعض القرائن الداخلية و الخارجية، و هي

الروايات الواردة في أنّ المستحاضة تستظهر «2»

كما مرّ الكلام فيها.

و منها: ما وردت في غير مستمرّة الدم، و أُمر فيها بالاغتسال و الصلاة بعد عادتها،

كصحيحة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها، ثمّ تغتسل، و تعمل كما تعمل المستحاضة «3».

و

كحسنة «4» عبد الرحمن بن أعين قال: قلت له: إنّ امرأة عبد الملك

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 302، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 5 و 14.

(3) الكافي

3: 97/ 1، تهذيب الأحكام 1: 173/ 495، وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 1.

(4) رواها الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّٰه بن بكير، عن عبد الرحمن بن أعين.

عبد الرحمن بن أعين إمامي ممدوح، و عبد اللّٰه بن بكير فطحي ثقة، و بقيّة رجال السند لا كلام فيهم، فحينئذٍ يتصف السند بالحسن، كما عبّر به هنا بناءً على كون الموثّق أقوى من الحسن، و يتصف بالموثّق كما عبّر به في الصفحة 206 بناءً على كون الحسن أقوى من الموثّق.

راجع تنقيح المقال 2: 140/ السطر 22 (أبواب العين) و 171/ السطر 3 (أبواب العين).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 203

ولدت، فعدّ لها أيّام حيضها، ثمّ أمرها فاغتسلت و احتشت، و أمرها أن تلبس ثوبين نظيفين، و أمرها بالصلاة، فقالت له: لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد، فدعني أقوم خارجاً عنه و أسجد فيه، فقال قد أمر بذا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال فانقطع الدم عن المرأة و رأت الطهر، و أمر عليّ (عليه السّلام) بهذا قبلكم، فانقطع الدم عن المرأة و رأت الطهر، فما فعلت صاحبتكم؟ قلت: ما أدري «1».

حيث تدلّ علىٰ أنّه أمرها بعد عادتها و عدول الدم عنها بالاغتسال و الصلاة، فقال له: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمرا بذلك.

و

كمرسلة داود مولى أبي المغراء، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام؛ حيضها دائم مستقيم، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام، ثمّ

ينقطع عنها الدم، و ترى البياض؛ لا صفرةً و لا دماً، قال تغتسل و تصلّي.

قلت: تغتسل و تصلّي و تصوم، ثمّ يعود الدم، قال إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة و الصيام.

قلت: فإنّها ترى الدم يوماً و تطهر يوماً، قال فقال إذا رأت الدم أمسكت،

______________________________

(1) الكافي 3: 98/ 2، وسائل الشيعة 2: 385، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 204

و إذا رأت الطهر صلّت، فإذا مضت أيّام حيضها و استمرّ بها الطهر صلّت، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة، قد انتظمت لك أمرها كلّه «1».

و كصحيحة الصحّاف «2» علىٰ بعض الوجوه و الاحتمالات.

و اختلاف هذه الأخبار صار سبباً لاختلاف الأنظار في الجمع بينها في موضوع الاستظهار و الاقتصار، و في حكم الاستظهار و مقداره، و قد مرّ في الجهة الاولىٰ: أنّ مصبّ أخبار الاستظهار هو ذات العادة التي تجاوز دمها عن عادتها، و صارت متحيّرة لأجله، و أنّ مصبّ طائفة من روايات الاقتصار هو مستمرّة الدم، فموضوع كلٍّ غيرُ الآخر، و لا اختلاف في الأخبار من هذه الجهة.

و أمّا الروايات الواردة في استظهار المستحاضة، فهي ظاهرة في الطائفة الأُولى- أي من تجاوز دمها عن عادتها بمقتضىٰ عنوان «الاستظهار» و مقتضى

رواية الجُعفي، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال المستحاضة تقعد أيّام قرئها، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين، فإذا هي رأت طهراً اغتسلت، و إن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت و احتشت «3».

أو محمولة عليها بمقتضىٰ مرسلة يونس التي نصّت علىٰ أنّ مستمرّة الدم إذا كانت لها عادة، لا وقت لها و لا سنّة إلّا أيّامها، و هي علىٰ أيّامها.

______________________________

(1) الكافي 3: 90/ 7، وسائل الشيعة

2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 284، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 5، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 205

تعارض روايات الاستظهار مع أدلّة الاقتصار و بيان وجه الجمع بينها

و أمّا الروايات الواردة في الاقتصار، فما هي ظاهرة في مستمرّة الدم- كمرسلة يونس و صحيحة معاوية و الحلبي و عبد اللّٰه بن سنان «1» فلا إشكال فيها، و ما هي مطلقة يحفظ ظهورها في الوجوب بالنسبة إلىٰ مستمرّة الدم، و يرفع اليد عن وجوب الاقتصار بالنسبة إلىٰ ذات العادة التي جازت أيّامها، فتصير كالطائفة التي دلّت على الاقتصار في ذات العادة التي جازت أيّامها، فحينئذٍ يقع التعارض ظاهراً بين روايات الاستظهار و هذه الطائفة من أدلّة الاقتصار ممّا تكون ظاهرة في ذات العادة التي جازت أيّامها بالإطلاق أو بالورود في هذا المورد، كصحيحة زرارة فلا بدّ من الجمع بينهما.

و الأقرب في النظر حمل جميع الروايات على الإرشاد إلىٰ حكم العقل، و قد مرّ «2» أنّ العقل في المقام يحكم بالتخيير ما دام لم يتضح حالها، و دار الأمر بين المحذورين؛ بناءً علىٰ حرمة العبادات ذاتاً كما هو الأقوىٰ، و سيأتي الكلام فيه «3» فإذا حكم العقل بعد مضيّ أيّام العادة و تحيّر المرأة بين انقطاع الدم على العشرة و عدمه بتخييرها بين الفعل و الترك، لم يبقَ ظهور في الروايات في إعمال التعبّد، فلا يفهم منها إلّا ما هو حكم العقل.

و توهّم دلالة هذه الأخبار الكثيرة علىٰ وجوب الاستظهار بيوم واحد؛ فإنّ الاستظهار بالأقلّ هو القدر المتيقّن الثابت بجميع الروايات، فلا

بدّ من الأخذ به

______________________________

(1) تقدّم تخريجها في الصفحة 200 201.

(2) تقدّم في الصفحة 198.

(3) يأتي في الصفحة 207.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 206

و حمل سائر المراتب على التخيير أو الاستحباب.

مدفوع بما دلّ على الاقتصار على اليوم الأوّل في الموضوع الذي دلّت الروايات فيه على الاستظهار، كصحيحة زرارة و موثّقة عبد الرحمن بن أعين و غيرهما و معها لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الروايات في الوجوب لو سلّم ظهورها.

مع أنّه غير مسلّم أوّلًا: لما مرّ من ورودها في مورد حكم العقل، و في مثله لا يسلّم الظهور في التعبّد.

و ثانياً: مع هذا الاختلاف الفاحش فيها، لا يبقى ظهور لها في الوجوب، فضلًا عن التعييني، فضلًا عنه في اليوم الواحد.

لا يقال: لا يمكن رفع اليد عن الأوامر الكثيرة الواردة في الاستظهار و الاحتياط. و لو سلّم عدم بقاء ظهورها في الوجوب، فلا محيص عن الحكم بالرجحان، لا رجحان نفس الاستظهار و الاحتياط، بل يفهم منها ترجيح الشارع جانب الحرمة علىٰ جانب الوجوب، فالرجحان بهذا المعنىٰ ممّا لا مناص عنه.

فإنّه يقال: هذا صحيح لو كانت أخبار الاستظهار خالية عن المعارض، لكنّ الأمر ليس كذلك؛ فإنّه في كلّ مورد من اليوم الأوّل إلى العاشر ممّا وردت رواية أو روايات في الأمر بالاستظهار وردت رواية أو روايات أُخر في الأمر بالاغتسال و الصلاة و عمل الاستحاضة:

ففي اليوم الأوّل أي بعد مضيّ أيّام العادة كما وردت روايات بالاستظهار، وردت روايات بالاغتسال و الصلاة و عمل المستحاضة، كما مرّ.

و في اليوم الثاني أيضاً وردت روايات بالاستظهار، مثل ما دلّ عليه بيوم أو يومين، و وردت روايات علىٰ أنّها مستحاضة، و هي روايات الاقتصار، و

الروايات التي دلّت علىٰ لزوم الاستظهار بيوم واحد، ثمّ الحكم بأنّها مستحاضة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 207

و في اليوم الثالث دلّت الطوائف الثلاث علىٰ كونها مستحاضة، و طائفة اخرىٰ علىٰ لزوم الاستظهار .. و هكذا.

ففي كلّ مورد تعارضت الروايات، فلا يبقى مجال للحمل على الرجحان في جانب منها.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 207

رجحان الحمل على الإرشاد العقلي علىٰ ما ذكره المحقّقون

و لا يخفىٰ على المتأمّل في جميع الروايات مع التوجّه إلىٰ حكم العقل، و تخالف الروايات هذا التخالف الفاحش أنّ ما ذكرنا أولىٰ ممّا ذكره المحقِّقون:

كالحمل على الوجوب التخييري «1» فإنّه مع الإشكال في أصل التخيير كذلك، يرد عليه: أنّ الروايات كما عرفت متعارضة في كلّ يوم يوم، فكما ورد الأمر بالاستظهار يوماً أو يومين أو ثلاثة إلىٰ عشرة كذلك وردت الروايات الآمرة بعمل الاستحاضة في كلّ يوم إلى العاشر فلا بدّ من حمل هذه الطائفة أيضاً على الوجوب التخييري، فتتخيّر بعد العادة بين الاستظهار بيوم أو يومين إلى العاشر؛ بمقتضىٰ أدلّة الاستظهار علىٰ ما تقدّم و تتخيّر في عمل الاستحاضة بين يوم أو يومين إلى العاشر، و هل هذا إلّا حكم العقل بالتخيير؟! نعم، لو قلنا: بأنّ حكم العقل بالتخيير إنّما هو تساوي الاحتمالين، و أمّا مع كون أحد احتمالي الحيض و الاستحاضة أقوى، يتعيّن الأخذ بالأقوىٰ، و قلنا بإطلاق الروايات بالنسبة إلىٰ قوّة الاحتمال و عدمها، كان لحمل الروايات على التخيير إلى اليوم العاشر وجه، و عليه كان التخيير شرعياً لا عقلياً.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3:

199، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 230/ السطر 22، أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 41.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 208

و توهّم عدم جواز التخيير بين فعل الواجب و تركه لا إلىٰ بدل «1»، فاسد لأنّ العبادات في أيّام الحيض حرام ذاتي، فيكون التخيير بين الحرام و الواجب، و من قبيل الدوران بين المحذورين؛ و إن كان الموضوع في الأخبار أعمّ من الموضوع العقلي.

و كالحمل على الاستحباب «2» و هو أسوأ من الأوّل؛ لعدم رجحان في حمل أخبار الاستظهار على الاستحباب، دون الأخبار الآمرة بالاغتسال و عمل الاستحاضة.

و أبعد منهما ما صنعه صاحب «الجواهر» و الشيخ الأعظم من حمل الروايات على التنويع:

تارة: بحمل ما دلّ على استظهار يوم علىٰ من كانت عادتها تسعة أيّام، و ما دلّ علىٰ يومين علىٰ من كانت عادتها ثمانية .. و هكذا.

و أُخرى: بحمل ما دلّ علىٰ يوم علىٰ من تظهر حالها بيوم، و ما دلّ علىٰ يومين علىٰ من تظهر حالها بعد يومين .. و هكذا «3».

و لعمري، إنّ الطرح أولىٰ من مثل هذا الحمل الغريب البعيد عن الأذهان، المستحيل ورود مثله من متكلّم يريد إفهام الحكم! و أغرب منه ما أيّد به صاحب «الجواهر»: «من أنّ كلام المعصومين ككلام واحد من متكلّم واحد» «4» و هو كما ترى لا يمكن الالتزام به، و لا معنىٰ له. مع أنّه مستلزم لمفاسد يختلّ بها الفقه. علىٰ أنّه لا يصلح الحمل المذكور أيضاً.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 200.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 278، جامع المقاصد 1: 332، رياض المسائل 1: 372.

(3) جواهر الكلام 3: 199 200، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 230/ السطر 16.

(4) جواهر الكلام 3: 199.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)،

ج 1، ص: 209

كما أنّ الاستدلال بالاستصحاب و قاعدة الإمكان و ما دلّ علىٰ أنّ ما رأت المرأة قبل عشرة أيّام من الحيضة الأُولىٰ «1»، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ الاستصحاب قد انقطع بالروايات، و كذا قاعدة الإمكان، و الروايات الأخيرة لا بدّ و أن يكون موضوعها غير موضوع هذه الروايات، و إلّا فمع فرض الاستصحاب و القاعدة و الروايات المذكورة، لا يبقى مجال للاحتياط و الاستظهار، كما هو واضح.

ثمّ إنّ موضوع الاستظهار كما قلنا هو المرأة المتحيّرة لأجل الشكّ في قطع الدم على العشرة و عدمه «2»، فمع فرض العلم أو الاطمئنان بأحد الطرفين، تخرج عن موضوع الاستظهار.

و هذا لا ينافي ما تقدّم منّا آنفاً من الإشكال علىٰ ما صنعه المحقّقان صاحب «الجواهر» و الشيخ الأعظم.

و بما ذكرنا ظهر ما هو الحقّ في الجهة الثالثة؛ و هي مقدار الاستظهار، و هو تابع لبقاء موضوعه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 198، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 230/ السطر 30.

(2) تقدّم في الصفحة 198.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 210

تتميم في حكم انقطاع الدم على العشرة و تجاوزه
اشارة

لو انقطع الدم على العشرة، فهل المجموع حيض، أو أيّام العادة، أو هي مع أيّام الاستظهار دون ما بعدها؟

و هذه المسألة غير ما سبقت من الرؤية ثلاثة أيّام مثلًا و انقطاع الدم، ثمّ الرؤية ثانياً و الانقطاع قبل عشرة أيّام؛ و إن اشتركتا في بعض الأدلّة.

حيضية جميع الأيّام فيما لو انقطع على العشرة

و كيف كان: فالأقوىٰ كون الجميع حيضاً، كما هو المشهور علىٰ ما في طهارة شيخنا الأعظم «1»، بل نسب إلى الأصحاب «2»، بل ادعي الإجماع عليه، كما عن «الخلاف» «3» و «المعتبر» «4» و «التذكرة» و «المنتهىٰ» و «النهاية» «5».

و يدلّ عليه بعد ذلك ما دلّ علىٰ حيضية الجميع في المسألة المتقدّمة المشار إليها آنفاً،

كروايتي محمّد بن مسلم: أنّ مارأت المرأة .. قبل عشرة أيّام

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 231/ السطر 2.

(2) الحدائق الناضرة 3: 223، مفتاح الكرامة 1: 382/ السطر 17.

(3) الخلاف 1: 243.

(4) المعتبر 1: 203.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 294، منتهى المطلب 1: 106/ السطر 15 و 18، نهاية الإحكام 1: 134.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 211

فهو من الحيضة الأُولى «1»

علىٰ تأمّل فيه، و قاعدة الإمكان، في خصوص مثل المسألة. مضافاً إلى الاستصحاب تأمّل و أخبار الاستبراء الدالّة علىٰ أنّ القطنة إذا خرجت ملوّثة، لم تطهر «2».

و ليس في مقابلها إلّا توهّم دلالة أدلّة الاستظهار علىٰ أنّ ما بعد أيّامه استحاضة «3».

و هو كما ترى؛ ضرورة أنّ هذه الروايات «4» بنفسها، تدلّ علىٰ أنّ الحكم بالاستحاضة ظاهري لا واقعي؛ فإنّ جملة منها تدلّ علىٰ أنّها في اليوم الثاني بعد الاستظهار مستحاضة و جملة منها تدلّ علىٰ أنّها في اليوم الثاني مستظهِرة و كذا في اليوم الثالث تدلّ جملة علىٰ أنّها مستحاضة و جملة

على الترخيص في الاستظهار و معه كيف يمكن القول بالاستحاضة الواقعية؟! إلّا أن يقال بالتنويع و قد مرّ تضعيفه «5».

هذا مضافاً إلىٰ ما ورد من أنّها تعمل كما تعمل المستحاضة، كموثّقة سماعة «6» و رواية يعقوب الأحمر عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في النفساء «7».

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 95 96.

(2) وسائل الشيعة 2: 308، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17.

(3) الحدائق الناضرة 3: 223 224.

(4) وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(5) تقدّم في الصفحة 208.

(6) الكافي 3: 77/ 2، تهذيب الأحكام 1: 158 159/ 453، وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 1.

(7) تهذيب الأحكام 1: 403/ 1262، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 212

و أوضح منهما

رواية حُمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) ففيها: قلت: فما حدّ النفساء؟

قال تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها، فإن هي طهرت، و إلّا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيّام، ثمّ اغتسلت و احتشت، فإن كان انقطع الدم فقد طهرت، و إن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة «1».

فيحمل ما دلّت علىٰ أنّها مستحاضة، علىٰ أنّها بمنزلة المستحاضة و تصنع كما تصنع المستحاضة، و كذا يحمل علىٰ ذلك ما دلّت علىٰ أنّ الصفرة بعد أيّام الحيض بيومين، ليس من الحيض، كما سبقت الإشارة إليه «2».

حيضية خصوص أيّام العادة مع تجاوز الدم عن العشرة

و كيف كان: فلا إشكال في هذه المسألة، و لأجل ذلك يرفع الشكّ عن مسألة أُخرى: و هي كون أيّام العادة حيضاً دون غيرها إذا تجاوز الدم عن العشرة؛ ضرورة أنّه لو كان جميع

العشرة حيضاً سواء انقطع الدم عليها، أو تجاوز عنها لم يبقَ للمرأة شكّ في حيضية ما بعد العادة، و وقع جميع أخبار الاستظهار و الاحتياط بلا مورد، و لزم منه الحكم بالعبادة و عمل الاستحاضة في زمان الحيض المعلوم، و هو واضح الفساد، و سيأتي في الاستحاضة تحقيق المقام «3».

______________________________

(1) منتقى الجمان 1: 235، وسائل الشيعة 2: 386، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 11.

(2) تقدّم في الصفحة 195 196.

(3) يأتي في الصفحة 403، 406، 407.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 213

لزوم قضاء الصوم مع انقطاع الدم على العشرة

ثمّ إنّه إذا انقطع على العشرة، هل يجب قضاء ما صامت بعد أيّام العادة؛ لتبيّن فساده، أو الأمر بالصيام موجب للإجزاء لو قلنا: بأنّ التخييرَ شرعي، و الحكمَ بالاستحاضة و عملَ ما تعمله المستحاضة تعبّدي ظاهري؛ فإنّ الأمر الظاهري بالصيام، موجب للإجزاء و إلغاء اعتبار الطهارة من الحيض في الصيام؟

و لو لا كون العبادة في أيّام الحيض محرّمة ذاتية عليها، لم يكن الحكم بالإجزاء بعيداً، كما رجّحنا في أمثال المقام «1» لكن مع كونها محرّمة ذاتية، و كون الأمر بالاستحاضة لأجل الدوران بين ترك الواجب و فعل الحرام كالدوران بين المحذورين عقلًا، لا مجال للإجزاء، ففي مثله لا يستفاد من الأمر بالصيام إلغاء اعتبار الطهور أو إلغاء مانعية الحيض.

هذا مضافاً إلى الإشكال في أصل المبنىٰ؛ أي كون التخيير شرعياً، فعليها قضاء ما فعلته، كما ادعي عدم الخلاف «2» بل الإجماع عليه «3».

صحّة صيام ما بعد العادة مع تجاوز العشرة

و أمّا مع تجاوز الدم و كشف كون جميع ما بعد العادة استحاضة، فلا إشكال في صحّة ما فعلت بعد أيّام الاستظهار، و كذا قضاء ما تركت في أيّامه.

و دعوىٰ عدم وجوب القضاء؛ لعدم وجوب الأداء، و كون القضاء تابعاً له،

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 317 322، الاجتهاد و التقليد، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 138 143.

(2) مفتاح الكرامة 1: 382/ السطر 17، جواهر الكلام 3: 202.

(3) انظر تذكرة الفقهاء 1: 305، رياض المسائل 1: 375، جواهر الكلام 3: 202.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 214

بل كون الأداء حراماً علىٰ فرض وجوب الاستظهار، كما ترى؛ ضرورة أنّ المستفاد من الأخبار أنّ الاستظهار و الاحتياط بترك العبادة كعمل المستحاضة حكم ظاهري، كحكم العقل بالتخيير في الدوران بين المحذورين، فيكون الحكم الواقعي محفوظاً،

فيجب قضاء ما تركت لدى انكشاف الخلاف.

كما أنّ دعوى استفادة عدم القضاء من الأخبار الكثيرة الساكتة عنه، في غير محلّها؛ ضرورة أنّ الأخبار تكون في مقام بيان حكم آخر، كدعوىٰ فهم إلحاق أيّام الاستظهار بالحيض حكماً في جميع الآثار.

و كيف كان: فلا إشكال في الحكم، كما هو المشهور نقلًا و تحصيلًا، بل لعلّه لا خلاف فيه سوىٰ ما عسىٰ أن يظهر من المنقول عن العلّامة «1» كما في «الجواهر» «2».

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 123.

(2) جواهر الكلام 3: 204.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 215

المطلب الرابع في بعض مهمّات أحكام الحيض و الحائض

اشارة

و لمّا كان كثير من أحكامهما واضح المأخذ، اقتصرنا على المهمّ منها. و هو أُمور:

الأمر الأوّل: حرمة الوطء

اشارة

لا إشكال في حرمة وطئها في القبل حتّى تطهر كتاباً «1» و سنّة «2» و إجماعاً «3» بل في «المدارك»: «أجمع علماء الإسلام علىٰ تحريم وطء الحائض قبلًا. بل صرّح جمع من الأصحاب «4» بكفر مستحلّه ما لم يدّعِ شبهة محتملة لإنكاره ما

______________________________

(1) لقوله تعالىٰ وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ .. البقرة (2): 222.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 317 323، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 24 و 25.

(3) المعتبر 1: 224، تذكرة الفقهاء 1: 264، مجمع الفائدة و البرهان 1: 151، جواهر الكلام 3: 225.

(4) جامع المقاصد 1: 320، روض الجنان: 76/ السطر 29، مجمع الفائدة و البرهان 1: 151 152.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 216

علم من الدين ضرورة. و لا ريب في فسق الواطئ بذلك، و وجوب تعزيره بما يراه الحاكم مع علمه بالحيض و حكمه» «1» انتهى.

أقول: أمّا كون حرمة الوطء من ضروريات الإسلام، ففي محلّ المنع؛ فإنّ معنىٰ كون الشي ء ضرورياً في الإسلام: أن يكون واضحاً لدى قاطبة المسلمين، كما أنّ كون الشي ء ضرورياً عقلًا: أنّه واضح لا يحتاج إلى الدليل لدى العقول، ككون الواحد نصف الاثنين، و كون الكلّ أعظم من جزئه.

و أمّا كون شي ء ضرورياً واضحاً لقيام الأدلّة الواضحة عليه لدى طائفة خاصّة دون اخرىٰ فلا يوجب ضروريته؛ لا في الأُمور العقلية، و لا في الأُمور الشرعية؛ فإنّ كثيراً من الأحكام الشرعية ضرورية واضحة لدى الفقهاء، أو صارت ضرورية لدى المتعبّدين، أو في بلدة غلب فيها العلماء، مع

أنّها ليست ضرورية واضحة عند جميع المسلمين، كمطهّرية المطر و الشمس، و ما نحن فيه من هذا القبيل.

ثمّ إنّ إنكار الضروري لا يكون بنفسه موجباً للكفر، بل إنّما يوجبه إذا كان مستلزماً لإنكار الأُلوهية أو التوحيد أو النبوّة، كما حقّق في محلّه «2».

و أمّا فسق الواطئ، فمبتنٍ علىٰ أن يكون الفسق عبارة عن مطلق الخروج عن طاعة اللّٰه. و أمّا لو قلنا: بأنّه عبارة عن ارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة فلا؛ لعدم ثبوت كون الوطء حال الحيض كبيرة، و تحقيق المسألة موكول إلى محلّه.

ثمّ لا إشكال في الحرمة ظاهراً مع قيام أمارة على الحيضية، ككون الدم في أيّام العادة، أو متّصفاً بالصفات في مورد أماريتها.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 350.

(2) يأتي في الجزء الثالث: 442.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 217

كما أنّه لو تمّت قاعدة الإمكان وجب ترتيب أحكام الحيضية؛ للتعبّد بوجود الحيض مع إمكان كون الدم حيضاً إن قلنا: بأنّ التعبّد بحيضية الدم، مستلزم عرفاً للتعبّد بحائضية المرأة.

كما أنّ الظاهر أنّ ما اختارت المتحيّرة من أيّام الشهر للحيض، يترتّب عليه أحكام الحيض، لا لكون اختيارها طريقاً تعبّدياً شرعاً للحيضية؛ ضرورة أنّه ليست لاختيارها طريقية عقلائيّة أمضاها الشارع، و لا دلّ دليل علىٰ طريقيته التعبّدية.

بل لظهور قوله

في المرسلة تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه سبعة أيّام .. «1»

في أنّ اختيارها موجب للزوم ترتّب جميع أحكام الحيض على المختار، فتجب معاملة الحيضية مع ما اختارته، فمعنى «التحيّض»: جعل نفسها حائضاً في سبعة أيّام، و مع جعلها تصير حائضاً تعبّداً بحسب الأحكام.

اللهمّ إلّا أن يقال: معنىٰ تحيّضي تكلّفي أعمال الحائض، كما فسّره به أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و حينئذٍ لا

يدلّ على الحيضية التعبّدية. نعم، لا يبعد استفادتها من قوله

فوقتها سبع، و طهرها ثلاث و عشرون

، فإنّ الوقت المقابل للطهر هو الحيض. و في قوله

فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون

إشعار بها. هذا مضافاً إلىٰ أنّ مقتضى العلم الإجمالي بحيضها في الشهر أيّاماً مع عدم العلم بالتعيين، لزوم الاحتياط في جميع الشهر للزوج، لكن بعد اختيارها السبع للحيض و الثلاث و العشرين للطهر، رخّص الشارع في وطئها أيّام اختيارها الطهر؛ لقوله

طهرها ثلاث و عشرون

و

لقوله في بعض الروايات كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها «2».

______________________________

(1) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

(2) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 218

في لحوق أيّام الاستظهار بالحيض في جميع أحكامه
مقتضى الأصل العملي في المقام

و أمّا أيّام الاستظهار، فهل تلحق بالحيض و يترتّب عليها جميع أحكامه فلا يجوز للزوج وطؤها؟

فيه إشكال ينشأ من: أنّ مقتضى استصحاب بقاء الدم إلىٰ [ما] بعد عشرة أيّام، هو كون أيّام ما بعد العادة استحاضة؛ فإنّ كون أيّام العادة حيضاً و ما بعدها استحاضة، من الأحكام الشرعية المترتّبة علىٰ من استمرّ بها الدم، و باستصحاب بقاء الدم و استمراره بها يثبت الموضوع و يترتّب عليه الأحكام، فيكون حاكماً على استصحاب الحرمة الثابتة في أيّام الحيض.

كما أنّه حاكم على استصحاب بقاء الحيض أيضاً؛ لأنّ الشكّ في بقاء الحيضية و كون ما بعد الأيّام حيضاً، ناشئ عن الشكّ في استمرار الدم و بقائه إلىٰ [ما] بعد العشرة، و باستصحاب بقائه إلىٰ ما بعدها، يرفع هذا الشكّ بالدليل الاجتهادي المنقَّح موضوعه بالاستصحاب، علىٰ ما حقّقنا في محلّه من سرّ تقدّم الأصل السببي على المسبّبي «1».

هذا إذا

لم نقل بعدم كون الاستصحاب في المقام معوّلًا عليه، و إلّا فإن قلنا: بأنّ الإرجاع إلى الاستظهار و الاحتياط، دليل علىٰ عدم كون الأصل مرجعاً

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 246.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 219

في المقام، فمقتضىٰ أصل البراءة مع الشكّ في انقطاع الدم على العشرة و عدمه، هو جواز الوطء. هذا حال الأصل.

مقتضىٰ أدلّة الاستظهار
اشارة

و أمّا حال أدلّة الاستظهار «1»، فلا يفهم منها علىٰ كثرتها أنّ أيّام الاستظهار حيض، أو يترتّب عليها جميع أحكام الحيض حتّى بالنسبة إلى الزوج؛ ضرورة أنّ مفادها الاحتياط و الاستظهار.

و لو قلنا بوجوب الاستظهار، لم يفهم منها إلّا وجوب الاحتياط على المرأة، و أمّا على الزوج فلا يفهم من مجرّد الأمرِ بالاستظهار و وجوبِ الاحتياط على المرأة، وجوبُه عليه؛ لاختصاص الأدلّة بها، و للفرق بينهما؛ فإنّ المرأة تعلم إجمالًا إمّا بحرمة الصلاة عليها، أو وجوبها، فيكون المورد من دوران الأمر بين المحذورين- بعد القول بالحرمة الذاتية، كما هو الأظهر فرجّح الشارع جانب الحرمة، و أمّا الزوج فمقتضى الأُصول جواز الوطء له، فلا يقاس حاله بحالها.

الروايات التي يمكن استفادة الحرمة منها و جوابها

نعم، هنا روايات يمكن استفادة الحرمة منها، لكن بناءً علىٰ وجوب الاحتياط و الاستظهار دون استحبابه:

منها:

رواية الفضيل و زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) و لا يبعد كونها موثّقة؛

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 220

للكلام المتقدّم في الزبيري «1»، و لتوثيق جمعٍ محمّد بن عبد اللّٰه بن زرارة «2» قال المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها، و تحتاط بيوم أو اثنين، ثمّ تغتسل كلّ يوم و ليلة ثلاث مرّات، و تحتشي لصلاة الغداة، و تغتسل و تجمع بين الظهر و العصر بغسل، و تجمع بين المغرب و العشاء بغسل، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها «3».

فإنّها تدلّ علىٰ أنّ حلّية الغشيان، ملازمة لحلّية الصلاة أو مترتّبة عليها؛ فإن وجب عليها الاستظهار كانت الحلّية بعده، و أمّا مع الاستحباب فيكون الحلّ بعد أيّام الأقراء.

و مجرّد اختيار الاستظهار لا يوجب حرمة الصلاة عليها؛ لعدم الدليل

علىٰ صيرورتها حائضاً أو بحكم الحائض بالاختيار، ففي اليوم الأوّل لها الاحتياط بترك العبادات، و لها إتيانها، و بالاختيار لا تصير حراماً عليها.

و يمكن أن تكون الرواية ناظرة إلىٰ ترتّب جواز الوطء على الحلّية الفعلية التي هي أعمّ من الذاتية و التشريعية، و يكون المراد ترتّب الحلّية على الغسل، أو عليه مع سائر أعمال المستحاضة، فتكون خارجة عمّا نحن فيه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 72 و 79.

(2) نقل النجاشي: أنّه رجل فاضل ديّن و أنّه أصدق لهجة من أحمد بن الحسن بن فضّال مع كونه ثقة. و قال الوحيد البهبهاني في تعليقته: «و في الوجيزة أنّه ثقة، و قال جدي: وثّقه بعض أصحابنا المعاصرين».

انظر رجال النجاشي: 35 36/ 72، تعليقة الوحيد البهبهاني: 302، منتهى المقال 6: 97/ 2713، تنقيح المقال 3: 143/ السطر 24 (أبواب الميم).

(3) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1253، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 221

نعم، بناءً علىٰ حرمة الصلاة ظاهراً و وجوب الاحتياط عليها، تستفاد حرمة الوطء منها.

و فيها احتمال آخر: و هو كونها مربوطة بالمستحاضة المستمرّة الدم؛ أي في غير الدورة الأُولىٰ، فالحكم فيها وجوب الاستظهار بعد أيّام العادة يوماً أو يومين.

لكن بعد تقييدها بموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «1» حيث فصّلت بين كون قرئها

مستقيماً فلتأخذ به

و بين كونه غير مستقيم

فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين

و قد قلنا سابقاً: إنّه لا بأس بالعمل بتلك الموثّقة «2».

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم المروية عن كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب عن أبي جعفر (عليه السّلام): في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها التي كانت ترى الدم

فيها، فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين، ثمّ تمسك قطنة، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل، و يصيب منها زوجها إن أحبّ، و حلّت لها الصلاة «3».

هذه الرواية راجعة إلى الدورة الأُولىٰ، لكن دلالتها علىٰ حرمة الوطء في أيّام الاستظهار و علىٰ وجوب الاستظهار، أضعف من الاولىٰ.

و منها:

رواية مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

(2) تقدّم في الصفحة 201.

(3) المعتبر 1: 215، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 222

زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها؛ يأمرها فتغتسل، ثمّ يغشاها إن أحبّ «1».

و هي تدلّ على ثبوت البأس قبل الاستظهار بيوم، و هو أعمّ من الحرمة. مع أنّها ظاهرة في لزوم الاستظهار، و قد فرغنا عن عدم لزومه «2».

و الإنصاف: أنّه لا دليل علىٰ حرمة الوطء في أيّام الاستظهار لو قلنا بعدم وجوبه.

و أمّا توقّف الحلّية على الغسل، فمسألة أُخرى سيأتي إن شاء اللّٰه التعرّض لها «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 176/ 505، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 4.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 205 206.

(3) يأتي في الصفحة 245.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 223

الأمر الثاني فيما يجوز الاستمتاع به من الحائض

اشارة

لا إشكال في جواز استمتاع الزوج من زوجته الحائض بما فوق السرّة و دون الركبة، بل الظاهر أنّ

الحكم مسلّم بين الفريقين «1» فما في بعض الروايات من عدم جواز مطلق الاستمتاع «2»، شاذّ مطروح أو مأوّل.

و أمّا الاستمتاع بما بينهما، ففيه خلاف بين الفريقين:

فعن الحنفية و الشافعية حرمة الاستمتاع بما بين السرّة و الركبة بغير حائل، و جوازه بحائل. و أمّا الوطء فغير جائز مطلقاً و لو بحائل «3».

و عن المالكية عدم جواز التمتّع بما بينهما بوطء، و أمّا الاستمتاع بغيره ففيه قولان، و المشهور بينهم عدم الجواز و لو بحائل. و عن بعضهم الجواز بغير حائل «4».

و عن الحنابلة «5» حرمة الوطء فقط، و أمّا الاستمتاع بما بينهما بغير حائل فجائز عندهم.

______________________________

(1) الخلاف 1: 226، تذكرة الفقهاء 1: 264، المجموع 2: 364 365، الشرح الكبير، ذيل المغني 1: 316.

(2) تهذيب الأحكام 1: 155/ 444، وسائل الشيعة 2: 320، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 24، الحديث 12.

(3) الخلاف 1: 226، الام 1: 59، بداية المجتهد 1: 58، المجموع 2: 362 و 365، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 134.

(4) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 134.

(5) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 134، الشرح الكبير، ذيل المغني 1: 316.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 224

و المشهور بين أصحابنا «1» بل ادعى الشيخ في «الخلاف» الإجماع عليه جواز الاستمتاع بما بينهما مطلقاً؛ حتّى الوطء في الدبر «2»، و عن ظاهر «التبيان» و «المجمع» أيضاً الإجماع عليه «3». خلافاً لما نقل عن السيّد في «شرح الرسالة» من تحريم الوطء في الدبر، بل مطلق الاستمتاع بما بين السرّة و الركبة «4»، و عن الأردبيلي الميل إليه «5».

عدم دلالة آية المحيض إلّا على حرمة الوطء في الفرج

و الأولى بيان ما يستفاد من الآية الكريمة، ثمّ النظر في الأخبار.

قال تعالىٰ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ

هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ «6».

لا إشكال بين المسلمين في جواز معاشرة النساء بغير الاستمتاعات في أيّام الحيض، فلا يمكن الأخذ بالمعنى اللغوي «للاعتزال» و «القرب» فلا بدّ من أن تكون الجملتان كناية.

و لا يمكن جعلهما كناية عن مطلق الاستمتاعات و لو بمثل القبلة و لمس ما فوق السرّة و الأخذ بالساق؛ لإجماع الفريقين علىٰ جوازه، فلا بدّ من جعلهما كناية عن أحد أُمور

______________________________

(1) المعتبر 1: 224، تذكرة الفقهاء 1: 264، روض الجنان: 81 82.

(2) الخلاف 1: 226 227.

(3) التبيان في تفسير القرآن 2: 220، مجمع البيان 2: 563.

(4) انظر المعتبر 1: 224، مفتاح الكرامة 1: 376/ السطر 29.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 153 154.

(6) البقرة (2): 222.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 225

إمّا الإدخال في القبل.

و إمّا الأعمّ منه و من الدبر.

و إمّا هما مع الاستمتاع بما بين السرّة و الركبة.

و الأرجح هو الأوّل؛ لأنّ التكنية عنه مناسبة لقوله قُلْ هُوَ أَذىً و معلوم أنّ «الأذىٰ» علىٰ ما هو المتفاهم العرفي هو القذارة التي ابتلي بها الفرج خاصّة في زمان الحيض، و لقوله حَتّٰى يَطْهُرْنَ فإنّ «الطهر» علىٰ ما مرّ سابقاً «1» هو النقاء من الدم، فمناسبة الحكم و الموضوع قرينة على المعنى المكني عنه.

و أمّا التكنية عن حدّ خاصّ، مثل الاستمتاع بما بين السرّة و الركبة بلا حائل، كما قال المخالفون أو عن الوطء في الدبر و القبل أو عنهما و عن التفخيذ مثلًا من غير قيام شاهد و قرينة و تناسب تدلّ عليها فغير صحيح، و بعيد عن الكلام المتعارف، فضلًا عن القرآن

الكريم.

و بالجملة: بعد رفع اليد عن المعنى اللغوي و الحقيقي و عن الكناية عن مطلق الاستمتاع المتعارف بين الرجال و النساء، لا يمكن التكنية عن غير إتيان الفرج و القبل؛ لعدم التناسب و عدم القرينة، و أمّا هو فموافق للفهم العرفي، و مناسب لكون المحيض أذى و لسائر الجمل التي في الآية صدراً و ذيلًا؛ لو لم نقل: إنّ الاعتزال عن النساء و عدم القرب بنفسهما، كناية عرفاً عن الدخول المتعارف و لم نقل: إنّ «المحيض» عبارة عن مكان الحيض، كما قال الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه) «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 90، 122 124.

(2) الخلاف 1: 227.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 226

دلالة الأخبار علىٰ جواز الاستمتاع بغير الفرج

و تدلّ على المقصود روايات:

منها:

حسنة عبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال كلّ شي ء ما عدا القبل منها بعينه «1».

و منها:

مرسلة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم «2».

و منها:

موثّقة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج و هي حائض، قال لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع «3».

و لا إشكال في أنّ المراد ب «ذلك الموضع هو موضع الدم. و بها تفسّر ما في رواية عبد اللّٰه بن سِنان «4» و موثّقة معاوية بن عمّار «5» ممّا دلّت علىٰ حلّية ما دون الفرج لو سلّم أعمّيته عرفاً من الدبر. مع أنّه في موضع المنع أيضاً. و يرفع الإجمال المتوهّم في قوله

ما دون الفرج

باحتمال كون المراد منه ما دون،

______________________________

(1) الكافي 5: 538/ 1، تهذيب الأحكام 1: 154/

437، وسائل الشيعة 2: 321، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 154/ 436، وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 154/ 438، وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 6.

(4) الكافي 5: 539/ 3، وسائل الشيعة 2: 321، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 3.

(5) الكافي 5: 538/ 2، وسائل الشيعة 2: 321، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 227

مقابل ما فوق؛ و إن كان فيه ما فيه.

و منها:

رواية أُخرى لعبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما يحلّ للرجل من المرأة و هي حائض؟ قال كلّ شي ء غير الفرج قال: ثمّ قال إنّما المرأة لعبة الرجل «1».

و لا يبعد أن تكون إحدى الروايتين نقلًا بالمعنى عن الأُخرىٰ؛ لبعد سؤاله من أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) هذه المسألة مرّتين، فحينئذٍ تدلّ تلك الرواية علىٰ أنّ الفرج هو القبل و لو انصرافاً في تلك الأزمنة أيضاً. فدلالة تلك الروايات المتقدّمة على المقصود واضحة.

الروايات التي قد يتوهّم معارضتها لما سبق و بيان وجه الجمع بينهما

و لا يعارضها ما دلّ علىٰ أنّ الاستمتاع مقصور علىٰ ما بين الفخذين أو بين الألْيين، كرواية عمر بن حنظلة و صحيحة عمر بن يزيد

ففي الأُولىٰ: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما للرجل من الحائض؟ قال ما بين الفخذين «2».

و

في الثانية: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما للرجل من الحائض؟ قال ما بين ألْيتيها، و لا يوقب «3».

و كذا ما دلّ علىٰ لزوم الاتزار،

كصحيحة الحلبي: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) الكافي 5: 539/ 4،

وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 155/ 442، وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 155/ 443، وسائل الشيعة 2: 322، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 228

عن الحائض: ما يحلّ لزوجها منها؟ قال تتزر بإزار إلى الركبتين، و تُخرج سُرّتها، ثمّ له ما فوق الإزار «1».

و قريب منها غيرها «2».

من وجوه:

منها: الجمع العقلائي بينها؛ لصراحة الأخبار المتقدّمة بعدم البأس بما عدا القبل بعينه، و ظهور هذه في الحرمة، و الجمع بينهما بحملها على الكراهة.

و منها: موافقة مضمونها خصوصاً صحيحة الحلبي و نحوها لمذهب أبي حنيفة و الشافعي.

و منها: مخالفتها للمشهور بين الأصحاب و لإطلاق الكتاب و لهذا يُشكل القول بالكراهة بواسطة تلك الروايات. لكن لا يبعد القول بها؛ لغيرها ممّا يحكي فعل النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «3» مع أنّ كراهة الإتيان في الدبر كراهة شديدة ثابتة، فالمسألة بلا إشكال، و الاحتياط حسن علىٰ كلّ حال.

______________________________

(1) الفقيه 1: 54/ 204، تهذيب الأحكام 1: 154/ 439، وسائل الشيعة 2: 323، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 26، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 154/ 440، وسائل الشيعة 2: 323، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 26، الحديث 2.

(3) الفقيه 1: 54/ 205، وسائل الشيعة 2: 323، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 26، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 229

الأمر الثالث في كفّارة وطء الحائض

اشارة

إن وطأها الزوج قبلًا في أيّام الحيض، وجبت عليه الكفّارة دونها و إن كانت مطاوعة، كما هو خيرة قدماء أصحابنا «1» بل هو

المجمع عليه، كما في «الانتصار» و «الخلاف» و «الغنية» «2» و عن «السرائر»: «أنّه الأظهر في المذهب» «3» و عن «الدروس» و «كشف اللثام»: «أنّه المشهور» «4».

و عن «التذكرة» و «الذكرى» و «جامع المقاصد» و «شرح الجعفرية»: «أنّه مذهب الأكثر» «5».

و في «مفتاح الكرامة»: «أنّ اتفاق قدماء الأصحاب عليه» «6».

و قيل: «لا تجب» و هو مذهب أكثر المتأخّرين كما عن «شرح المفاتيح» «7» و هو خيرة «النهاية» و محكي «المبسوط» و «المعتبر» و «النافع» «8» و خيرة

______________________________

(1) المقنع: 51، المقنعة: 55، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 58.

(2) الانتصار: 33، الخلاف 1: 225، غنية النزوع 1: 39.

(3) السرائر 1: 144.

(4) الدروس الشرعيّة 1: 101، كشف اللثام 2: 107 108.

(5) انظر مفتاح الكرامة 1: 373/ السطر الأخير، تذكرة الفقهاء 1: 266، ذكرى الشيعة 1: 271، جامع المقاصد 1: 321.

(6) مفتاح الكرامة 1: 374/ السطر 4 و 5.

(7) مصابيح الظلام 1: 44/ السطر 4 (مخطوط).

(8) النهاية: 26، المبسوط 4: 242، المعتبر 1: 231، المختصر النافع: 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 230

«الشرائع» «1» بناءً علىٰ أنّ مراده من «الأحوط» هو الاستحباب، كما عن تلميذه «2» و فيه إشكال.

الروايات الدالّة على مختار القدماء من أصحابنا

و تدلّ على الأوّل

رواية داود بن فرقد التي فيها إرسال و ضعف «3»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في كفّارة الطمث أنّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار، و في وسطه نصف دينار، و في آخره ربع دينار.

قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال فليتصدّق علىٰ مسكين واحد، و إلّا استغفر اللّٰه و لا يعود؛ فإنّ الاستغفار توبة و كفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلىٰ شي ء من الكفّارة «4».

و عن «الفقه الرضوي»

و متىٰ ما جامعتها و هي حائض فعليك أن تتصدّق بدينار، و إن جامعت أمتك و هي حائض فعليك أن تتصدّق بثلاثة أمداد من الطعام. و إن جامعت امرأتك في أوّل الحيض تصدّقت بدينار، و إن كان في

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 23.

(2) كشف الرموز 1: 82.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن الطيالسي، عن أحمد بن محمّد، عن داود بن فرقد.

و الرواية مع إرسالها ضعيفة بمحمّد بن خالد الطيالسي؛ لأنّه مهمل في كتب الرجال و ضعّفه المحقّق في المعتبر.

رجال النجاشي: 340/ 910، رجال الطوسي: 343/ 26 و 438/ 11 و 441/ 54، الفهرست: 149/ 634، المعتبر 1: 230.

(4) تهذيب الأحكام 1: 164/ 471، وسائل الشيعة 2: 327، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 231

وسطه فنصف دينار، و إن كان في آخره فربع دينار «1».

و

في «المقنع»: و روى إن جامعها في أوّل الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار ..

إلىٰ آخر التفصيل «2».

و عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل أتى المرأة و هي حائض، قال يجب عليه في استقبال الحيض دينار، و في وسطه «3» نصف دينار «4».

و هذه الروايات تدلّ علىٰ ما هو المشهور بين القدماء.

نعم، ربّما يحتمل في رواية داود بن فرقد كونها بصدد بيان مقدار الكفّارة بعد فرض ثبوتها، فلا تدلّ على الوجوب. لكنّه ضعيف؛ لعدم مسبوقيتها بالسؤال، بل الظاهر منها أنّ البيان ابتدائي، و هو ظاهر في الوجوب، خصوصاً قوله في ذيلها

فليتصدّق علىٰ مسكين

ممّا هو ظاهر في الوجوب بلا إشكال، و يرفع الاحتمال المتقدّم علىٰ ضعفه؛ ضرورة

أنّ وجوب البدل دليل علىٰ وجوب المبدل منه.

الروايات المنافية للطائفة السابقة و بيان إعراض الأصحاب عنها

نعم، بإزاء هذه الروايات روايات أُخر إمّا دالّة علىٰ وجوب الكفّارة، لكن لا يمكن جمعها معها، أو معارضة معها في وجوبها:

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 236.

(2) المقنع: 51.

(3) في المصدر: في استدباره بدل «في وسطه» و المتن مطابق لبعض الكتب الفقهية، جواهر الكلام 3: 231، مصباح الفقيه، الطهارة: 288/ السطر 15.

(4) الكافي 7: 243/ 20، وسائل الشيعة 28: 377، كتاب الحدود، أبواب بقيّة الحدود، الباب 13، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 232

فمن الأُولىٰ:

رواية محمّد بن مسلم التي لا يبعد أن تكون صحيحة «1»، قال: سألته عمّن أتى امرأته و هي طامث، قال يتصدّق بدينار و يستغفر اللّٰه «2».

و

موثّقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال من أتى حائضاً فعليه نصف دينار، يتصدّق به «3».

و

في موثّقة الحلبي التصدّق على مسكين بقدر شبعه «4».

و

في مرسلة عليّ بن إبراهيم التصدّق بدينار في أوّل الحيض، و بنصف دينار في آخره «5».

و من الثانية:

صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل واقع امرأته و هي طامث، قال لا يلتمس فعل ذلك و قد نهى اللّٰه أن يقربها.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي، عن الشيخ- و هو المفيد عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن حفص، عن محمّد بن مسلم. و حفص مشترك بين حفص الأعور المجهول و حفص بن البختري الثقة، و لكن لا يبعد أن يكون المراد بحفص في هذا السند بقرينة الراوي و المروي عنه

هو حفص بن البختري، و علىٰ هذا تكون الرواية صحيحة.

رجال النجاشي: 134/ 344، رجال الطوسي: 196/ 329، تنقيح المقال 1: 352/ السطر 3 و 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 163/ 467، وسائل الشيعة 2: 327، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 163/ 468، الإستبصار 1: 133/ 456، وسائل الشيعة 2: 327، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1: 163/ 469، وسائل الشيعة 2: 328، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 5.

(5) تفسير القمّي 1: 73، وسائل الشيعة 2: 328، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 233

قلت: فإن فعل أ عليه كفّارة؟ قال لا أعلم فيه شيئاً «1».

و

في موثّقة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحائض يأتيها زوجها، قال ليس عليه شي ء، يستغفر اللّٰه، و لا يعود «2».

و

في رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن وقوع الرجل على امرأته و هي طامث خطأ، قال ليس عليه شي ء، و قد عصىٰ ربّه «3»

بناءً علىٰ كون المراد من «الخطأ» هو العصيان.

و هذه الروايات كما ترى لا يمكن الجمع بينها؛ لا بين الروايات الدالّة علىٰ مقدار الكفّارة؛ ضرورة أنّ حمل الدينار بقول مطلق في رواية محمّد بن مسلم و نصف دينار كذلك في رواية أبي بصير و التصدّق علىٰ مسكين كذلك في رواية الحلبي على التفصيل في رواية داود، ليس جمعاً عقلائياً مقبولًا، و لهذا قد يقال: إنّ هذه الاختلافات في نفس تلك الروايات، شاهدة علىٰ أنّ الحكم ليس بإلزاميّ، بل حكم استحبابي و لو مع الغضّ عن الروايات المعارضة لها.

و

لا بين الطائفة الأخيرة مع الروايات الدالّة علىٰ لزم الكفّارة؛ ضرورة معارضة قوله

لا أعلم فيه شيئاً

في جواب قوله: أ عليه كفّارة؟ مع قوله

عليه أن يتصدّق

و قوله

يجب عليه في استقبال الحيض دينار.

و لو حاول أحد الجمع بينهما بحمل

لا أعلم فيه شيئاً

علىٰ عدم العلم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 164/ 472، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 29، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 165/ 474، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 29، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 165/ 473، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 29، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 234

بثبوت شي ء علىٰ نحو الوجوب و قوله

عليه

كذا، أو

يجب عليه

علىٰ ثبوته استحباباً، لما بقي مورد للتعارض بين الأخبار. مع أنّ ميزان الجمع و عدم التعارض هو نظر العرف، و لا إشكال في معارضة هذه الأخبار بنظر العرف؛ إذ ليس بينها جمع مقبول عقلائي.

و لو لا الجهات الخارجية لكان المتعيّن إعمال باب التعارض و العلاج، لكنّ الظاهر عدم وصول النوبة إلىٰ ذلك؛ ضرورة أنّ إعراضَ قدماء أصحابنا عن مثل صحيحة عيص و موثّقة زرارة ممّا هي معتبرة الإسناد صريحة الدلالة، و العملَ بمثل رواية داود بن فرقد ممّا هي مرسلة ضعيفة «1» غير صريحة في المفاد، يوجب الوثوق بثبوت الحكم يداً بيد و جيلًا من جيل إلىٰ عصر المعصوم (عليه السّلام) خصوصاً بالنظر إلىٰ أنّ العامل بها أو بمضمونها و المدعي للإجماع «2» أو الأظهرية في المذهب «3»، من تكون طريقته العمل بالقطعيات «4».

و إن شئت قلت: إنّ الدليل على العمل بخبر الواحد ليس إلّا طريقة العقلاء، و

ما ورد من الشارع في هذا الباب ليس إلّا الإنفاذ لما عليه العقلاء، و لا تأسيس و لا تعبّد للشارع في العمل به، و ليس بناء العقلاء على العمل بمثل تلك الروايات، التي خرجت عن تحت نظر كبراء الأصحاب و فقهاء المذاهب مع تماميّة السند و الدلالة، و لم يعملوا بها مع كونها موافقة للأصل و القاعدة، و إنّما عملوا علىٰ رواية مرسلة ضعيفة.

و الإنصاف: أنّ الإعراض و الجبر لو كان لهما محلّ، فهذا هو محلّهما.

______________________________

(1) تقدّم وجه ضعفها في الصفحة 230، الهامش 3.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 229.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 229.

(4) الذريعة إلى أُصول الشريعة 2: 528 531، غنية النزوع 2: 356، السرائر 1: 50.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 235

و أضعف شي ء في المقام هو حمل الروايات الأخيرة علىٰ نفي الوجوب، و الأوّلة على الاستحباب مع أنّ التعارض و عدم الجمع العقلائي بينهما كالنار على المنار، فلا بدّ لهم من طرح تلك الروايات المعمول بها، و العمل بما هي معرض عنها بين الأصحاب، و إلّا فلا مجال للجمع.

و لكن مع ذلك إنّ المسألة مشكلة، فلا بدّ من أخذ طريق الاحتياط فيها.

تكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء

ثمّ إنّه لا إشكال في تكرّر الكفّارة مع تكرّر الوطء منه في أوّل الحيض و وسطه و آخره؛ بمعنى كون التكرار مع اختلاف الزمان. و أمّا إذا تكرّر في وقت واحد كالثلث الأوّل، فهل تتكرّر مطلقاً «1»، أو لا كذلك «2»، أو يفصّل بين ما إذا تخلّل التكفير فتتكرّر، و ما لم يتخلّل فلا «3»؟ وجوه.

مقتضى مقام الثبوت و التصوّر
1 بيان حال السبب للكفّارة

و قبل النظر في مقام الإثبات، لا بأس بذكر ما يتصوَّر ثبوتاً و لوازمه:

فنقول: يمكن أن يكون السبب للكفّارة صِرف وجود الوطء، و معناه: هو أخذ الطبيعة بقيود لا تنطبق إلّا علىٰ أوّل الوجود، و لازم ذلك عدم تكرّر السبب بتكرّر أفراد الطبيعة؛ لأنّ تكرّرها لا يوجب تكرّره، فوجود الثاني وجود للطبيعة

______________________________

(1) البيان: 63، جامع المقاصد 1: 324.

(2) السرائر 1: 144، شرائع الإسلام 1: 23.

(3) قواعد الأحكام 1: 15/ السطر 22، مدارك الأحكام 1: 356، جواهر الكلام 3: 236.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 236

و فرد لها، لا لما أُخذ سبباً؛ لعدم انطباق السبب إلّا علىٰ أوّل الوجودات، و مع عدم تكرّر السبب لا وجه لتكرّر الكفّارة.

و يمكن أن يكون السبب أفراد الطبيعة؛ سواء كانت الأفراد هي الأفراد الذاتية بنفسها، أو مع الخصوصيات الفردية المقارنة أو المتحدة معها خارجاً. و الفرق بينهما: أنّ المأخوذ سبباً في الأوّل هو نفس ما ينطبق عليه العنوان ذاتاً، و تكون الخصوصيات اللاحقة للأفراد في الخارج، غيرَ دخيلة في موضوع الحكم.

مثلًا إذا قال: «أكرم كلّ عالم» فتارة: يكون الموضوع للحكم بوجوب الإكرام، هو ما ينطبق عليه عنوان «العالم» بالذات، و هو الفرد بما أنّه عالم، فتكون حيثية العدالة و الرومية و الزنجية و أمثالها، خارجةً عن الموضوع، فيكون تمام

الموضوع هو العالم بما أنّه عالم.

و تارة: يكون الموضوع هو الهوية الخارجية مع جميع خصوصياتها و متحداتها، فيكون الفرد بجميع خصوصياته موضوعاً للحكم، و حيثيّةُ العالم جزءَ موضوعٍ له.

و لازم أخذ الموضوع أفرادَ الطبيعة بكلتا الصورتين، هو استقلال كلّ فرد بالسببية؛ وجد قبله مصداق آخر أو لا، لكن تكرّر المسبّب يحتاج إلىٰ جهات أُخر، كإمكان تكرّره، و عدم التداخل في الامتثال، و غير ذلك ممّا تأتي الإشارة إليه «1».

و يمكن أن يكون السبب هو نفس الطبيعة بلا نظر إلىٰ أفرادها، و لا أخذها مع قيد لا تنطبق معه إلّا علىٰ أوّل الوجودات، فهل لازم ذلك تكرّر السبب بتكرّر وجود الطبيعة أو لا؟

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 237 241.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 237

قولان مبنيان علىٰ أنّ الطبيعة في الخارج متكثّرة، أو واحدة، و إنّما التكثّر لأفرادها لا لنفسها، فعلى الأوّل يتكرّر السبب بتكرّر المصاديق، دون الثاني.

و التحقيق هو الأوّل:

أمّا عقلًا: فواضح لدى أهله.

و أمّا عرفاً: فلأنّ العرف أيضاً يرىٰ أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان إنسان، و كذا سائر الطبائع، و يرى تكرّر الإنسان و سائر الطبائع بتكرّر الأفراد، فزيد عند العرف إنسان، و عمرو إنسان آخر، و بكر كذلك.

فإذا كان الموضوع لحكم كالحلّية طبيعة البيع، فكلّ فرد وجد في الخارج يحكم العرف بحلّيته؛ لكونه بيعاً. و ليس معنىٰ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1»: أحلّ اللّٰه أفراد البيع؛ لما حقّق في محلّه من أنّ الطبائع لا يمكن أن تكون مرآة لخصوصيات الأفراد «2»، بل المتفاهم العرفي من قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ هو كون البيع بنفسه موضوعاً، فإذا وجد في الخارج مصداق وجد به طبيعة البيع التي هي الموضوع، و بمصداق آخر أيضاً

توجد الطبيعة، فتصير محكومة بالحلّية .. و هكذا.

فإذا كانت طبيعة المجامعة موضوعة لحكم التكفير و سبباً له، فكلّ مجامعة في الخارج عين الطبيعة، و تتكرّر الطبيعة بتكرّره، فيقال: «وُجدت مجامعات كثيرة».

و الشيخ الأعظم قد أصاب الحقّ في أوّل كلامه «3» و حقٌّ له أن يصيب،

______________________________

(1) البقرة (2): 275.

(2) مناهج الوصول 2: 229 230، تهذيب الأُصول 1: 459 460.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 236/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 238

لكنّه رجع في آخر كلامه «1» إلىٰ غير ما هو التحقيق، و تبعه المحقّق صاحب «المصباح» في ذلك:

فقال: «إنّ تعليق الجزاء علىٰ طبيعة الشرط، لا يقتضي إلّا سببية ماهية الشرط من حيث هي بلحاظ تحقّقها في الخارج مطلقاً في الجزاء من دون أن يكون لأفرادها من حيث خصوصياتها الشخصية، مدخلية في الحكم، و من المعلوم أنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار، و إنّما المتكرّر أفرادها التي لا مدخلية لخصوصياتها في ثبوت الجزاء، فيكون تحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الثاني من الأفراد المتعاقبة، بمنزلة تحقّقها في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى، فكما أنّه لا أثر لتحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى عند استدامته إلى الزمان الثاني، كذا لا أثر لتحقّقها في ضمن الفرد الثاني بعد كونه مسبوقاً بتحقّقها في ضمن الفرد الأوّل ..».

إلىٰ أن قال: «و الإنصاف: أنّ هذا الكلام قوي جدّاً» «2».

أقول: بل الإنصاف أنّ هذا الكلام بمكان من الضعف، و لا يساعد عليه العقل و لا العرف؛ فإنّ تكرّر الطبائع بتكرّر الأفراد من المرتكزات العرفية التي تساعد عليها العقول؛ أ لا ترى أنّ علامة التثنية و الجمع الداخلة على الطبائع، إنّما هي لتكثير مدخولها، و

ليس في نظر العرف العامّ و أهل اللغات في مثلها مسامحة و تجوّز! و ليس ذلك إلّا لما ارتكز في أذهانهم من قبول الطبائع الكثرة.

و ما قرع الأسماع: «من أنّ الماهية من حيث هي ليست إلّا هي» «3» أمر غير

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 236/ السطر 15.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 290/ السطر 14.

(3) الشفاء، قسم الإلهيات: 195 207، الحكمة المتعالية 2: 2 8، شرح المنظومة، قسم الحكمة: 93.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 239

مربوط بالمقام، و ليس المراد منه أنّها لا تقبل الكثرة، كما أشار إليه في صدر كلامه بقوله: «إنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار» و لهذا قال بعض أئمّة الفنّ: «إنّ الماهية لمّا لم تكن كثيرة و لا واحدة، كثيرة و واحدة» «1» و ما أفاد و فصّل هذا المحقّق الهمداني هو ما ذهب إليه الرجل الهمداني الذي صادف الشيخ أبا عليّ بمدينة همدان «2» و نحن لسنا بصدد إثبات المطلوب بالوجوه العقلية البعيدة عن هذا المضمار، لكنّ المدعىٰ أنّ العرف أيضاً مساعد علىٰ ما عليه العقل في هذا المقام.

فتحصّل ممّا ذكر: أنّ في إثبات استقلال كلّ مصداق للطبيعة بالسببية، لا نحتاج إلىٰ إثبات جعل السببية للأفراد، بل جعل السببية لنفس الطبيعة بلا قيد يثبت المطلوب، فما في تقريرات بعض أعاظم فنّ الأُصول من إتعاب النفس لإرجاع القضايا الشرطية إلى القضايا الحقيقية، و إثبات أنّ كلّ فرد سبب مستقلّ «3»، غير محتاج إليه. مع أنّ أصل الدعوىٰ غير تامّ، كما حقّق في محلّه «4». هذا كلّه حال السبب.

2 بيان حال المسبّب

و أمّا المسبّب في المقام فتارة: يكون حكماً تكليفياً، مثل قوله

يجب عليه في استقبال الحيض دينار

أو قوله

يتصدّق

بدينار

أو

عليه أن يتصدّق

ممّا هو بمنزلة إيجاب التصدّق.

______________________________

(1) الشفاء، قسم الإلهيات: 195 207.

(2) رسالة الشيخ الرئيس إلى علماء مدينة السلام، ضمن الرسائل: 466، الحكمة المتعالية 1: 273 274.

(3) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 494.

(4) مناهج الوصول 2: 211، تهذيب الأُصول 1: 449.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 240

و أُخرى: يكون حكماً وضعياً،

كقوله في رواية أبي بصير من أتى حائضاً فعليه نصف دينار، و يتصدّق به.

فإن كان الجزاء على النحو الثاني ممّا هو ظاهر في الوضع، و يستفاد منه العهدة و الضمان لنفس الدينار يقع التعارض بين إطلاق الجزاء و إطلاق الشرط، و لازم إطلاق الشرط هو سببية الطبيعة مطلقاً للضمان، و لازم إطلاق الجزاء هو كون الجزاء نفس الطبيعة، و ليس الضمان لنفس طبيعة الدينار متكثِّراً، إلّا بعلّة توجب العهدة للطبيعة بوجود آخر، فلا بدّ من تقييد «الدينار» ب «دينار آخر» و إلّا فالدينار لا يمكن أن يقع في العهدة مرّتين إلّا بتبع وجود آخر، و هو ينافي الإطلاق. و ما ذكرنا هاهنا لا ينافي ما تقدّم منّا آنفاً من كون الطبيعة قابلة للتكرار، تأمّل تعرف.

و أمّا إذا كان الجزاء من قبيل الحكم التكليفي أي إيجاب التصدّق فلأحد أن يقول: أن لا معارضة بين الجزاء و الشرط؛ لأنّ كلّ فرد من الطبيعة علّة لإيجاب نفس الدينار، و تصير النتيجة التأكيد في الحكم. و لا يكون التأكيد خلاف الظاهر؛ لأنّ الهيئة تستعمل في باب التأكيد في معناها المستعمل فيه أوّلًا؛ أي معناها الحقيقي، و هو البعث الصادر عن الإرادة الأكيدة، و ليس معنى التأكيد استعمال الهيئة في هذا المعنى الاسميّ، بل هو أمر انتزاعي من استعمال الهيئة مرّة ثانية فيما

استعملت أوّلًا فيه متعلّقةً بما تعلّقت به في الأوّل.

فلا يكون خلاف ظاهر إلّا لما قيل: «من أنّ التأسيس أولىٰ من التأكيد» و هذا علىٰ فرض كونه ظهوراً سياقياً، لا يقاوم ظهور الإطلاق.

هذا، لكنّ الإنصاف: أنّ العرف بمساعدة الأُمور المرتكزة في ذهنه إذا رأى دلالة الصدر علىٰ سببية الطبيعة لجميع مصاديقها، لا ينقدح في ذهنه أنّ في تكرّر المسبّب خلاف ظاهر؛ من غير فرق بين كون المسبّب أمراً وضعياً أو

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 241

تكليفياً، و لا يحمل الأمر على التأكيد، و يكون الصدر عند العرف قرينة على الذيل. و لعلّ سرّه: هو الارتكاز الذي حصل في ذهنه من العلل الطبيعية، كما احتملناه في الأُصول و حقّقنا المسألة بجميع شؤونها فيه «1».

هذا حال مقام الثبوت.

مقتضىٰ مقام الإثبات و الدلالة

و أمّا حال الدلالة و مقام الإثبات، فالظاهر أنّ مستند المشهور في أصل الحكم هو رواية داود بن فرقد «2» كما تمسّك بها شيخ الطائفة «3». و لا يبعد أن تكون مرسلة «المقنع» «4» أيضاً إشارة إليها و إن كان يحتمل كونها مرسلة أُخرى مستقلّة.

و كيف كان: فالظاهر المتفاهم عرفاً منها أنّ الإتيان في حال الطمث، موضوع لحكم الكفّارة، و تكون الرواية من هذه الجهة في مقام البيان. و لا يضرّ عدم ذكر اسم كان بالمقصود بعد القطع بأنّ اسمه «الجماع» أو «الإتيان» أو نحو ذلك.

كما أنّ لمرسلة «المقنع» إطلاقاً في مقام البيان، و مفاده أنّ المجامعة تمام الموضوع لوجوب الكفّارة، كإطلاق معاقد الإجماعات.

فدعوى صاحب «الجواهر»: «أنّها في مقام الإهمال» «5» في غير محلّها. مع أنّه علىٰ فرض الإهمال لا وجه للفرق بين تخلّل الكفّارة و عدمه، و تشبّثه

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 204 211،

تهذيب الأُصول 1: 435 449.

(2) تقدّم في الصفحة 230.

(3) الخلاف 1: 223 224.

(4) تقدّم في الصفحة 231.

(5) جواهر الكلام 3: 236.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 242

بوجود المقتضي و عدم المانع ممّا لا مجال له؛ لعدم ثبوت المقتضي بعد فرض إهمال الأدلّة و كون مفادها أنّ الوطء في الجملة سبب.

و الإنصاف: أنّه لا إهمال في الروايات.

نعم، لو قيل بعدم ثبوت كون مستند المشهور هو رواية داود أو مرسلة «المقنع» و القدر المتيقّن من الإجماع هو ثبوت السببية في الجملة، لكان للقول بعدم التكرّر مطلقاً حتّى مع التخلّل مجال. لكنّ الاحتمال ضعيف؛ لحصول الوثوق بكون مستندهم هو رواية داود، أو هي مع مرسلة «المقنع» و «فقه الرضا» «1» خصوصاً بعد تمسّك الشيخ بها.

و مع إطلاقها لا يبعد إلحاق الزنا و الشبهة في وجوب الكفّارة. و دعوى الانصراف «2» في غير محلّها بعد تعليق الحكم على الطمث. و لا ينافي أن يكون للوقاع في حال الطمث كفّارة، و للزنا حدّ من غير كفّارة، و مع اجتماع العنوانين في محلّ يرتّب الحكمان عليه، فلا تكون الكفّارة للزنا حتّى يقال: إنّ الزنا أعظم من ذلك. كما أنّ دعوى الأولوية «3» في غير محلّها.

و الإنصاف: أنّ الوسوسة في الإطلاق أو تخيّل الانصراف، غير وجيهين.

المراد ب «الدينار» في المقام

ثمّ إنّ «الدينار» هو الشرعي المسكوك المتداول في عصر صدور الروايات، لكن لمّا كان الرائج في تلك الأعصار هو الدرهم و الدينار، و كانا ثمنين متداولين

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 231230.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 237/ السطر 4.

(3) جامع المقاصد 1: 321 322، روض الجنان: 78/ السطر 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 243

بين الناس، لا يفهم من الأدلّة

خصوصية لعين الدينار، فيجوز قيمته بالأثمان لا بالعروض، و كذا في كلّ مورد حكم بالدينار.

نعم، لو كان عصر الصدور كعصرنا في كونِ الدينار أي الذهب المسكوك غير رائج في المعاملات، و كونِ حكمه حكم العروض، لكان لاحتمال الخصوصية وجه، لكن من المعلوم خلافه، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الثمن الرائج.

كما لا ينبغي الإشكال في اعتبار القيمة يوم الأداء؛ لأنّ التكليف متعلّق بالتصدّق بدينار، فيجب التصدّق بدينار وقت الأداء.

تحديد أوّل الحيض و وسطه و آخره

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ لكلّ حيض أوّلًا و وسطاً و آخراً، و لو لا تسلّم الحكم بين الأصحاب «1» و ادعاء السيّد في «الغنية» الإجماع علىٰ أنّ في الثلث الأوّل ديناراً و في الثلث الوسط نصفاً و في الثلث الآخر ربعاً «2»، لكان للإشكال في تعيينها مجال؛ فإنّ أوّل الحيض و وسطه و آخره كأوّل الشهر و وسطه و آخره، فكما أنّ المتفاهم من الثاني اليوم الأوّل و الوسط و الآخر، فكذا في الأوّل.

و لو قيل: إنّ الحيض أمر ممتدّ إلىٰ ستّة أيّام مثلًا، لكان الأوّل منه و الوسط و الآخر، غيرَ الثلث الأوّل و الوسط و الآخر عرفاً، خصوصاً علىٰ نسخة «الوسائل» حيث نقل فيها مرسلة «المقنع» مكان «الوسط» «النصف» «3» و لكنّ

______________________________

(1) المقنعة: 55 56، النهاية: 26، المعتبر 1: 231 232، تذكرة الفقهاء 1: 267.

(2) غنية النزوع 1: 39.

(3) وسائل الشيعة 2: 328، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 28، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 244

الظاهر خطأ النسخة؛ لأنّ ما في «المقنع» هو «الوسط» «1» كما في سائر الروايات «2».

لكن بعد تسلّم كون ما بين اليوم الأوّل و الوسط و كذا ما بين الوسط و الآخر غيرَ

خالٍ عن الكفّارة، لا يبعد دعوى فهم العرف التثليث.

و أمّا احتمال كون الوسط بين اليوم الأوّل و الآخر أيَّ مقدار كان، فضعيف؛ لأنّ «الوسط» نسب إلى «الحيض» لا إلى «الأوّل» و «الآخر».

نعم، لو كان اللفظ «الأوّل و الآخر و ما بينهما» لكان ظاهراً في ذلك، لكن أوّل الحيض و وسطه و آخره ظاهر في الاحتمال الأوّل، و بعد ثبوت الكفّارة في جميع أيّامه لا محيص من التثليث.

عدم إلحاق وطء النفساء بالحائض في ثبوت الكفّارة

ثمّ إنّ إلحاق النفاس بالحيض في ذلك ممّا لا دليل عليه، و دعوى الإجماع المتكرّرة علىٰ أنّ النفاس في جميع الأحكام كالحيض «3» بعد استثناء موارد كثيرة و اختلافهما في الأحكام العديدة «4» لا يمكن الاتكال عليها. مع إمكان أن يكون الاشتراك المدعىٰ في التكليفيات.

______________________________

(1) المقنع: 51.

(2) تقدّم بعض الروايات في الصفحة 230 231.

(3) غنية النزوع 1: 40، السرائر 1: 154، منتهى المطلب 1: 126/ السطر 31.

(4) راجع ما يأتي في الصفحة 521، 524 527، 559.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 245

الأمر الرابع في جواز وطء الزوجة قبلًا بعد نقائها و قبل الغسل

اشارة

إذا طهرت الحائض جاز لزوجها وطؤها قبلًا قبل الغسل، و لا يجب عليها الغسل للوطء، كما هو المشهور نقلًا عن «التذكرة» و «المختلف» و «المنتهىٰ» و «جامع المقاصد» «1».

و عن «الخلاف» و «الانتصار» و «الغنية» و ظاهر «التبيان» و «المجمع» و «السرائر» و «الروض» و «أحكام الراوندي» دعوى الإجماع عليه «2».

و عن الصدوق عدم الجواز قبل اغتسالها، لكنّه قال في آخر كلامه:

«إنّه إن كان زوجها شَبِقاً أو مستعجلًا، و أراد وطأها قبل الغسل، أمرها أن تغسل فرجها، ثمّ يجامعها» «3».

و هذا كما ترى، خصوصاً بملاحظة عطف «الاستعجال» على «الشبق» يدلّ علىٰ أنّ مراده الكراهة الشديدة، لا الحرمة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 265، مختلف الشيعة 1: 189، منتهى المطلب 1: 117/ السطر 12، جامع المقاصد 1: 333.

(2) الخلاف 1: 228 229، الانتصار: 34، غنية النزوع 1: 39، التبيان في تفسير القرآن 2: 221، مجمع البيان 2: 563، السرائر 1: 151، روض الجنان: 80/ السطر 11، فقه القرآن 1: 55.

(3) الفقيه 1: 53.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 246

دلالة آية المحيض على الجواز
اشارة

و كيف كان: فيدلّ على المشهور الآية الشريفة، و هي قوله عزّ و علا يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «1» سواء في ذلك قراءة التخفيف و التضعيف:

1 تقريب دلالة الآية بناءً علىٰ قراءة التخفيف

أمّا الأُولىٰ فظاهر؛ ضرورة أنّ صدر الآية يدلّ علىٰ أنّ وجوب الاعتزال، متفرّع على الأذىٰ، و أنّ المحيض بما أنّه أذى صار سبباً لإيجابه.

و قوله وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ ظاهر في كونه بياناً لقوله فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ لا لأمر آخر غير مربوط بالحيض و الأذىٰ، فكأنّه قال: «إنّ المحيض لمّا كان أذى فاعتزلوهنّ و لا تقربوهنّ حتّى يرتفع الأذىٰ و يطهرن من الطمث».

و قوله فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ تفريع علىٰ ذلك، و ليس مطلباً مستأنفاً مستقلا؛ بشهادة فاء التفريع و الفهم العرفي، فيكون معناه «إذا صرن طاهرات» علىٰ أحد معاني باب «التفعّل». و الحمل على الاغتسال أو الوضوء أو غسل الفرج يدفعه السياق و التفريع، و ينافي صدر الآية الذي هو ظاهر في علّية نفس المحيض الذي هو أذى في وجوب الاعتزال و حرمة القرب.

و ما قيل «2»: «من أنّ التطهّر فعل اختياري، و يشهد به ذيل الآية؛ لأنّ تعلّق

______________________________

(1) البقرة (2): 222.

(2) روض الجنان: 79/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 247

الحبّ إنّما هو بفعل اختياري» في غير محلّه إن أُريد ظهوره في ذلك؛ ضرورة أنّ لصيغة «التفعّل» معاني و موارد للاستعمال: بعضها مشهور، و بعضها غير مشهور، كالمجي ء للصيرورة، نحو «تأيّمت المرأة» أي صارت أيّماً أو للانتساب، نحو «تبدّىٰ» أي انتسب إلى البادية. و الظاهر في المقام بمناسبة التفريع علىٰ

ما سبق، و بما أنّ الظاهر من الآية أنّ المحيض هو تمام الموضوع للحكم بالاعتزال و عدم القرب هو كونه بمعنى الصيرورة.

و دعوىٰ عدم تعلّق الحبّ إلّا بالفعل الاختياري غير وجيهة،

كما ورد إنّ اللّٰه جميل يحبّ الجمال «1»

و لا إشكال في تعلّق الحبّ بأُمور غير اختيارية إلىٰ ما شاء اللّٰه.

و أغرب من ذلك دعوى كون «الطهر» حقيقة شرعية في الطهارات الثلاث «2»!! ضرورة أنّ استعمال «الطهر» في المقابل للطمث شائع لغة «3» و عرفاً، و في الأخبار المتظافرة «4»، فاختصاصه بها علىٰ فرض تسليم الحقيقة الشرعية ممنوع. كما أنّ حصول الحقيقة الشرعيّة عند نزول الآية ممنوع. و تقدّم الحقيقة الشرعية على العرفية و اللغوية «5»، لا يخلو من منع.

و بالجملة: من تأمّل الآية الكريمة و خصوصياتها صدراً و ذيلًا، لا يشكّ في أنّ المراد من «الطهر» و «التطهّر» هو زوال الأذى الذي هو المحيض.

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 2: 14/ 29، وسائل الشيعة 4: 455، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 54، الحديث 6.

(2) روض الجنان: 79/ السطر 16.

(3) المفردات في غريب القرآن: 307، القاموس المحيط 2: 82، مجمع البحرين 3: 379.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6.

(5) روض الجنان: 79/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 248

2 تقريب دلالة الآية بناءً علىٰ قراءة التضعيف

و ممّا ذكرنا يظهر تقريب الدلالة علىٰ قراءة التضعيف؛ فإنّ صدر الآية- كما عرفت ظاهر في أنّ المحيض الذي هو أذى موجب لوجوب الاعتزال، و معه تكون الغاية لرفعه هو ارتفاع الأذىٰ، فيصير ذلك قرينة علىٰ تعيين أحد المعاني لباب «التفعّل» و هو الصيرورة، و ليس في هذا ارتكاب خلاف ظاهر بوجه.

و لا يمكن العكس بحمل «التطهّر» على الاغتسال،

و رفع اليد عن ظهور الصدر؛ لأنّ حمله عليه بلا قرينة- بل مع القرينة علىٰ ضدّه غير جائز. و يلزم منه حمل صدر الآية علىٰ خلاف ظاهره؛ ضرورة أنّه مع كون غاية الحرمة هي الاغتسال، لا يكون المحيض الذي هو أذى سبباً لوجوب الاعتزال، بل لا بدّ و أن يكون حدث الحيض ممّا هو باقٍ بعد رفعه سبباً له. مع أنّه خلافُ ظاهرٍ بارد بلا قرينة و شاهد.

و بالجملة: دار الأمر بين حفظ ظهور الصدر و قرينيته لتعيين أحد المعاني للفظ المشترك، و بين حملِ اللفظ المشترك علىٰ بعض معانيه بلا قرينة، و رفعِ اليد عن ظاهر آخر بلا وجه.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ ما عليه أصحابنا هو الظاهر من الآية الشريفة؛ بعد ملاحظة الصدر و الذيل و قرينية بعض الكلام المبارك علىٰ بعض، و عليه فلا مجال للدعاوي التي في الباب، خصوصاً ما فصّل شيخنا الشهيد في «الروض» من الوجوه الكثيرة، و تبعه في بعضها الشيخ الأعظم «1» مع إضافات غير وجيهة.

______________________________

(1) روض الجنان: 78 80، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 237/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 249

ترجيح قراءة التخفيف و إبطال القراءات السبع أو العشر

هذا مع أنّ ترجيح قراءة التخفيف على التضعيف، كالنار على المنار عند أُولي الأبصار؛ ضرورة أنّ ما هو الآن بين أيدينا من الكتاب العزيز، متواتر فوق حدّ التواتر بالالوف و الآلاف؛ فإنّ كلّ طبقة من المسلمين و غيرهم ممّن يبلغ الملايين، أخذوا هذا القرآن بهذه المادّة و الهيئة عن طبقة سابقة مثلهم في العدد .. و هكذا إلىٰ صدر الإسلام، و قلّما يكون شي ء في العالم كذلك.

و هذه القراءات السبع أو العشر لم تمسّ كرامة القرآن رأساً، و لم يعتنِ المسلمون بها و

بقرّائها، فسورة الحمد هذه ممّا يقرأها الملايين من المسلمين في الصلوات آناء الليل و أطراف النهار، و قرأها كلّ جيل علىٰ جيل، و أخذ كلّ طائفة قراءةً و سماعاً من طائفة قبلها إلىٰ زمان الوحي، ترى أنّ القرّاء تلاعبوا بها بما شاؤوا، و مع ذلك بقيت علىٰ سيطرتها، و لم يمسّ كرامتها هذا التلاعب الفضيح، و هذا الدسّ القبيح؟! و هو أدلّ دليل علىٰ عدم الأساس لتواتر القراءات «1» إن كان المراد تواترها عن النبيّ الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مؤيّداً بحديث وضعه بعض أهل الضلال و الجهل «2»، و قد كذّبه أولياء العصمة و أهل بيت الوحي

بقولهم إنّ القرآن واحد من عند واحد «3».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 9: 291.

(2)

عن ابيّ بن كعب قال: «لقي رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) جبرئيل، فقال: يا جبرئيل إنّي بعثت إلى امّة أُمّيين منهم العجوز و الشيخ الكبير .. إلىٰ أن قال: يا محمّد إنّ القرآن انزل علىٰ سبعة أحرف».

سنن الترمذي 4: 263/ 4013.

(3) الكافي 2: 630/ 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 250

هذا مع أنّ كلّاً من القرّاء علىٰ ما حكي عنهم استبدّ برأيه بترجيحات أدبية «1»، و كُلَّمٰا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهٰا «2» و ظنّي أنّ سوق القراءة لمّا كان رائجاً في تلك الأعصار، فتح كلٌّ دكّةً لترويج متاعه، و اللّٰه تعالىٰ بري ء من المشركين و رسوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

نعم، ما هو المتواتر هو القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين و غيرهم، و أمّا غيره من القراءات و الدعاوي فخرافات فوق خرافات ظُلُمٰاتٌ بَعْضُهٰا فَوْقَ بَعْضٍ «3» و هو تعالىٰ نزّل الذكر و

حفظه أيَّ حفظ، فإنّك لو ترى القرآن في أقصى بلاد الكفر، لرأيته كما تراه في مركز الإسلام و أيدي المسلمين، و أيُّ حفظ أعظم من ذلك!

بيان وجه الجمع العقلائي بين قراءتي التخفيف و التضعيف

ثمّ إنّه لو فرضنا تواتر القراءات و الإجماع علىٰ وجوب العمل بكلّ قراءة، وقع التعارض ظاهراً بين القراءتين.

و لكنّ التأمّل فيما أسلفناه، يقضي بالجمع العقلائي بينهما بحمل «التطهّر» على الطهر بعد الحيض؛ فإنّ رفعَ اليد عن ظهور «التطهّر» في الفعل الاختياري- علىٰ فرض تسليمه و حفظَ ظهور الصدر الدالّ علىٰ أنّ المحيض بما هو أذى علّة أو موضوع لحرمة الوطء و وجوب الاعتزال، أهون من رفع اليد عن الظهور السياقي «للطهر» في كونه مقابل الحيض، و عن الظهور القوي للصدر المشعر

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 9: 296، الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 6: 356 و ما بعدها.

(2) الأعراف (7): 38.

(3) النور (24): 40.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 251

بالعلّية أو الظاهر فيها؛ فإنّ الغاية إذا كانت هي الاغتسال، فلا بدّ أن تكون العلّةُ أو الموضوعُ حدثَ الحيض، لا الحيض الذي أُخذ في الآية موضوعاً.

بل لا بدّ و أن يحمل «الأذىٰ» على التعبّدي، لا العرفي المعلوم للعقلاء، و كلّ ذلك خلاف الظاهر، و ارتكابه بعيد، و أمّا حمل «التطهّر» علىٰ صيرورتها طاهرة، فغير بعيد بعد قضاء مناسبة الحكم و الموضوع له، فترجيح الشيخ الأعظم «1» كأنّه وقع في غير محلّه.

دلالة عموم الكتاب و السنّة علىٰ جواز الوطء قبل الغسل

ثمّ مع الغضّ عن دلالة الآية الشريفة، فمقتضىٰ عموم الكتاب و السنّة أو إطلاقهما هو جواز إتيان النساء في كلّ زمان، خرج منه أيّام المحيض، و بقي الباقي تحت العموم أو الإطلاق. و لا مجال للتمسّك باستصحاب حكم المخصّص، كما حقّق في محلّه «2» خصوصاً إذا قلنا: إنّ قوله تعالىٰ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ «3» بمعنى: متى شئتم.

و أمّا الإشكال في أصل جريان الاستصحاب بدعوى: «أنّ الحرمة منوطة بأيّام الحيض أو بالحائض،

و قد ارتفع المناط علىٰ كلّ تقدير بعد الطهر من الحيض» «4» فغير وجيه:

أمّا أوّلًا: فلأنّ الموضوع لوجوب الاعتزال و حرمة القرب هو النساء بعلّية الحيض، و مع الشكّ في كون العلّة واسطة في الثبوت أو العروض، لا إشكال في

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 237/ السطر 28.

(2) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 188 197.

(3) البقرة (2): 223.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 237/ السطر 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 252

جريان الاستصحاب. و دعوىٰ دلالة الآية علىٰ قطع الحرمة عند رفع الحيض، خروج عن محلّ البحث الذي هو التمسّك بالأصل عند فقدان الدليل الاجتهادي.

و أمّا ثانياً: فلأنّه لو فرضنا أنّ الحكم تعلّق بعنوان «الحائض» لكن بعد انطباق العنوان على الخارج، تكون المرأة الحائض موضوعاً له، و بعد ارتفاع صفتها بقي موضوع الاستصحاب و إن لم يبقَ موضوع الدليل، فمناقشة الشيخ الأعظم في الاستصحاب و تمسّكه بأصل الإباحة، كأنّها علىٰ خلاف مبناه في الأُصول «1». هذا كلّه مع قطع النظر عن الأخبار.

دلالة الأخبار الخاصّة على الجواز من غير فرق بين الشبق و غيره

و أمّا بالنظر إليها فالحكم أوضح؛ لدلالة روايات ابن بكير و ابن يقطين و ابن المغيرة على الجواز صراحة:

ففي الأُولىٰ: التي لا يبعد كونها موثّقة «2»

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء «3».

و في الثانية: التي سندها كذلك «4»

عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 690.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن محمّد و أحمد ابني الحسن، عن أبيهما، عن عبد اللّٰه بن بكير.

و لا يخفى أنّ في طريق الشيخ إلىٰ عليّ بن الحسن، عليّ بن محمّد بن الزبير القرشي، و لم يرد

فيه توثيق و لكن الأرجح عند المصنّف (قدّس سرّه) قبول رواياته.

راجع ما تقدّم في الصفحة 72 و 79.

(3) تهذيب الأحكام 1: 166/ 476، وسائل الشيعة 2: 325، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 3.

(4) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن الحسن الفضال، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي حمزة، عن عليّ بن يقطين.

قد تقدّم وجه عدم بُعد كونها موثّقة في الصفحة 252، الهامش 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 253

الحائض ترى الطهر، أ يقع بها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال لا بأس، و بعد الغسل أحبّ إليّ «1».

و في الثالثة: التي فيها إرسال

عن العبد الصالح: في المرأة إذا طهرت من الحيض و لم تمسّ الماء، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل، و إن فعل فلا بأس به و قال تمسّ الماء أحبّ إليّ «2».

و لا تعارضها

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر، أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال لا، حتّى تغتسل.

قال: و سألته عن امرأة حاضت في السفر، ثمّ طهرت فلم تجد ماءً يوماً و اثنين، أ يحلّ لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل؟ قال لا يصلح حتّى تغتسل «3».

و

رواية سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: المرأة تحرم عليها الصلاة، ثمّ تطهر، فتوضّأ من غير أن تغتسل، أ فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال لا، حتّى تغتسل «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 167/ 481، وسائل الشيعة 2: 325، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 167/ 480، وسائل الشيعة 2: 325، كتاب

الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 166/ 478، وسائل الشيعة 2: 326، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 167/ 479، وسائل الشيعة 2: 326، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 254

و

صحيحة أبي عبيدة على الأصحّ «1» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) .. إلىٰ أن قال: «فيأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال نعم؛ إذا غسلت فرجها و تيمّمت فلا بأس «2».

و

موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة حاضت، ثمّ طهرت في سفر، فلم تجد الماء يومين أو ثلاثاً، هل لزوجها أن يقع عليها؟ قال لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتّى تغتسل «3».

من وجوه:

أقربها وجود الجمع العقلائي المقبول بينها. بل في روايات المنع إشعار أو دلالة على الكراهة. هذا مع موافقتها للعامّة «4» و مخالفتها للكتاب «5» و الشهرة «6»، فلا إشكال في الحكم من هذه الجهة.

و أمّا

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام): في المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في آخر أيّامها، قال إذا أصاب زوجها شَبق فليأمرها فلتغسل فرجها، ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل «7».

______________________________

(1) سيأتي وجهه في الصفحة 258 259.

(2) الكافي 3: 82/ 3، تهذيب الأحكام 1: 400/ 1250، وسائل الشيعة 2: 312، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 399/ 1244، وسائل الشيعة 2: 313، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 3.

(4) المجموع 2: 370، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 110 و 134.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب

الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 254

(5) راجع ما تقدّم في الصفحة 246.

(6) راجع ما تقدّم في الصفحة 245.

(7) الكافي 5: 539/ 1، تهذيب الأحكام 1: 166/ 475، وسائل الشيعة 2: 324، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 255

فغير صالحة للشهادة بالجمع بين الأخبار و التفصيل بين الشبِق و غيره، كما عن الصدوق «1» ضرورة أنّ نفس تلك الصحيحة بتعليق الحكم على الشبق دالّة علىٰ أنّ الحكم علىٰ سبيل الكراهة لا الحرمة، و إلّا فلم يكن يعلّقه علىٰ شدّة الميل و الشبق.

اعتبار وقوع الانقطاع في آخر أيّام الحيض لا بعد أيّامه

ثمّ إنّ ظاهر الصحيحة هو كون الانقطاع في آخر أيّام الحيض، لا بعد أيّامه، كما هو ظاهر «آخر أيّامها» بل يشعر به قوله: «ينقطع عنها الدم» فما في «الروض»: «من أنّ الدليل و الفتوىٰ شاملان للانقطاع قبل انقطاع العادة» «2» وجيه؛ لما ذكرنا، و لإطلاق بعض الأدلّة «3» فما ربّما يستشكل من جهة احتمال معاودة الدم؛ لأنّ عوده في العادة من الأُمور الجِبِلّية، بخلافه بعدها «4»، في غير محلّه.

نعم، لو كانت عادتها الرجوع بعد الانقطاع و لو بالعادة الشرعية، لكان الإشكال في محلّه. بل الظاهر خروج مثله عن موضوع أدلّة الجواز، و دخوله في أيّام العادة، كما مرّ الكلام فيه «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 53/ 199، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 50/ السطر 8.

(2) روض الجنان: 81/ السطر 12.

(3) كموثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء.

راجع ما تقدّم في

الصفحة 252.

(4) انظر روض الجنان: 81/ السطر 13.

(5) تقدّم في الصفحة 189 190.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 256

جواز الوطء قبل غسل الفرج

ثمّ إنّ ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم «1» وجوب غسل الفرج شرطاً لجواز إتيان الزوج، كما عن ظاهر الأكثر «2» و صريح «الغنية» «3».

و في «المجمع» «4» و عن ظاهر «التبيان» «5» و «أحكام الراوندي» «6» توقفه علىٰ أحد الأمرين: غسل الفرج، أو الوضوء، و لم يتضح دليل الثاني.

و عن الحلّي و المحقّق في «المعتبر» و الشهيد الندب «7»، و هو الأقوىٰ؛ لقوّة ظهور الآية الشريفة في عدم دخل شي ء غير ارتفاع الحيض و حصول الطهر من وجوه:

كالتعليل المستفاد من تفريع الاعتزال على الأذى الذي هو المحيض.

و من جعل الغاية لحرمة القرب الطهر منه.

و من تفريع التطهّر عليه، و قد مرّ ترجيح حمله علىٰ حصول الطهر «8».

و من ظهور الآية في علّية التطهّر الذي هو حصول الطهر لجواز الإتيان.

و لعموم آية حرثية النساء أو إطلاقها، و إطلاقات الروايات التي في مقام البيان.

______________________________

(1) الكافي 5: 539/ 1، تهذيب الأحكام 1: 166/ 475، وسائل الشيعة 2: 324، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 27، الحديث 1. و قد تقدّم في الصفحة 254.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 238/ السطر 9.

(3) غنية النزوع 1: 39.

(4) مجمع البيان 2: 563.

(5) التبيان في تفسير القرآن 2: 221.

(6) فقه القرآن 1: 57.

(7) السرائر 1: 151، المعتبر 1: 236، ذكرى الشيعة 1: 272.

(8) تقدّم في الصفحة 246 247.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 257

و من جعل غسل الفرج قريناً للتيمّم في صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة «1»، و لا إشكال في عدم شرطية التيمّم وجوباً؛ لأنّه بدل الغسل الذي

قد عرفت عدم شرطيته للجواز، فنفس هذا الاقتران يشعر بل يدلّ علىٰ كون الغسل من قبيل التيمّم. كما أنّ جعل الجزاء عدم البأس، مشعر أو دالّ على الكراهة مع فقدانهما أو فقدان أحدهما.

و من جميع ذلك يعلم تعيّن حمل صحيحة ابن مسلم على الرجحان، أو رفع الكراهة، فيستفاد من مجموع الروايات كون الكراهة ذات مراتب، يرفع جميعها بالغسل، و بعضها بالتيمّم و غسل الفرج، ثمّ بالتيمّم فقط، أو غسل الفرج فقط.

و أمّا الوضوء و إن لم نعثر علىٰ دليله، لكن لا بأس باستحبابه بعد ظهور فتوى الشيخ في «التبيان» و «أحكام الراوندي» علىٰ ما حكي و بعد نسبة الطبرسي ذلك إلىٰ مذهبنا، و الأولى الإتيان به رجاءً.

ارتفاع المنع أو المرجوحية مع تيمّم المرأة

ثمّ إنّ الظاهر من أدلّة بدلية التيمّم للغسل «2» و التراب للماء «3» و كونه أحد الطهورين «4» و ربّه و ربّ الماء واحد «5» هو قيامه مقامه في زوال المنع على

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 254.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 346، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 5.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 23، الحديث 1، و الباب 24، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 3: 381، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 13 و 15 و 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 258

القول به و في زوال الكراهة على المشهور لولا بعض الأخبار الدالّة علىٰ بقاء الكراهة بمرتبة.

و ما يقال: «من أنّ بدليته له إنّما هي فيما يشترط بالطهر، دون مطلق الأغسال» «1».

ففيه: أنّ ما نحن فيه أيضاً كذلك؛ لأنّ الظاهر من الأدلّة هو اشتراط الجواز- علىٰ

فرضه و زوال الكراهة بالطهور الذي هو شرط الصلاة.

و قد يقال: إنّ أثر التيمّم يزول بالجماع، و معه لا معنىٰ له «2».

و فيه علىٰ ما سيأتي في محلّه «3» منع زوال أثره؛ أي رفع حدث الحيض عن موضوع الفاقد كسائر الأحداث، و أنّ التيمّم رافع لا مبيح.

هذا مع أنّ صحيحة أبي عبيدة «4» و رواية الساباطي «5» تدلّان على المقصود.

و المناقشة في سند الاولىٰ «6» في غير محلّها؛ فإنّ سهل بن زياد و إن

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 238/ السطر 15.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 282/ السطر 19.

(3) يأتي في الجزء الثاني: 220.

(4) الكافي 3: 82/ 3، تهذيب الأحكام 1: 400/ 1250، وسائل الشيعة 2: 312، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 1. و قد تقدّم أيضاً في الصفحة 254.

(5)

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة إذا تيمّمت من الحيض، هل تحلّ لزوجها؟

قال: نعم.

تهذيب الأحكام 1: 405/ 1268، وسائل الشيعة 2: 313، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 21، الحديث 2.

(6) جواهر الكلام 3: 208.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 259

ضُعّف «1» لكنّ المتتبّع في رواياته يطمئنّ بوثاقته من كثرة رواياته و إتقانها و اعتناء المشايخ بها فوق ما يطمئنّ من توثيق أصحاب الرجال، كما رجّحنا بذلك وثاقة إبراهيم بن هاشم القمّي و محمّد بن إسماعيل النيسابوري راوية الفضل بن شاذان و غيرهما «2». و لا أستبعد كون الزبيري أيضاً من هذا القبيل.

______________________________

(1) قال النجاشي في شأنه: «كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد فيه، و كان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ و الكذب و أخرجه من قم إلى الري».

رجال النجاشي: 185/ 490، تنقيح المقال 2: 75/

السطر 19 (أبواب السين).

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 77 78.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 260

الأمر الخامس عدم إجزاء غسل الحيض عن الوضوء

في الوجوب الشرطي لغسل الحيض

إذا طهرت وجب عليها الغسل للغايات المشروطة بالطهارة وجوباً شرطياً. و هو غير الوجوب المقدّمي؛ لما قد ذكرنا في محلّه من عدم وجوب المقدّمة شرعاً، بل أثبتنا عدم تعقّل وجوبها الشرعي «1».

و أمّا الوجوب الشرطي للطهور سواء كان بمعنى نفس الأغسال و الوضوء، أو أمراً حاصلًا منها فلا مانع منه؛ لكونه إرشاداً إلى الحكم الوضعي. لا بمعنى استعمال الهيئات الموضوعة للبعث و الإغراء في المعنى الوضعي، بل بمعنى استعمالها في معانيها لغرض إفهام التوقّف و الحكم الوضعي، فقوله تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .. «2» إلىٰ آخره، بعث و إغراء إلى الغسل و المسح، لكن لغرض إفهام اشتراط الصلاة بهما، أو بما يحصل منهما، و بهذا المعنىٰ يقال للوضوء: «أنّه فريضة» و كذا للغسل.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد ب «الفريضة» المستعملة في الروايات على الوضوء «3» و الغسل «4» هو الفريضة في الصلاة؛ أي ما هو لازم للصلاة، كما يشهد

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 410 415، تهذيب الأُصول 1: 278 279.

(2) المائدة (5): 6.

(3) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 1 و 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 261

بذلك

صحيحة زرارة في باب الوضوء، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الفرض في الصلاة، فقال الوقت، و الطهور، و القبلة، و التوجّه، و الركوع، و السجود، و الدعاء «1».

فمقارنة الوقت بسائر المذكورات، دليل علىٰ أنّ الفرض فيها كالفرض فيه، و

معلوم أنّ المراد بكون الوقت فرضاً في الصلاة، ليس إلّا كون الوقت شرطاً فيها، أو كون الصلاة المقيّدة به واجبة، لا أنّ الوقت واجب نفسي أو غيري. و حال سائر المذكورات كحاله، فلا يكون الوضوء و الغسل فريضة نفسية أو غيرية، بل هما مستحبّان عباديان، و جُعلا شرطاً للصلاة بما هما كذلك، و لهذا لا يقعان بلا قصد التقرّب.

و لا يمكن أن يكون ذلك لأجل الأمر الغيري المقدّمي لو فرض إمكان هذا الأمر و تحقّقه ضرورة أنّ الأمر الغيري لا يتعلّق إلّا بما هو موقوف عليه، و به يتوصّل إلىٰ ذي المقدّمة، فلو توقّفت الصلاة على الغسل مطلقاً لم يدعُ الأمر إلّا إليه، و لازمه صحّته و لو بلا قصد التقرّب، كسائر الشرائط. و لو توقّفت على الغسل العبادي، فلا بدّ من تقدّم عباديته على الأمر الغيري، و لا يعقل أن يكون الأمر الغيري مصحّحاً لعباديته، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «2».

و كيف كان: فالتحقيق عدم وقوع الطهارات إلّا مستحبّة نفسية، و لا تخرج بواسطة وقوعها مقدّمة للواجب عمّا هي عليه، كما لا يوجب تعلّق النذر و العهد بها انقلابَها عمّا هي عليه؛ ضرورة أنّ متعلّق وجوب النذر هو عنوان «الوفاء» لا عنوان «الوضوء» و «الغسل» و إن اتحد العنوانان في الخارج، و الاتحاد في ظرف

______________________________

(1) الكافي 3: 272/ 5، تهذيب الأحكام 2: 241/ 955، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 3.

(2) مناهج الوصول 1: 383 386، تهذيب الأُصول 1: 251 256.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 262

العين لا يمكن أن يكون موجباً لسراية الوجوب من عنوان إلىٰ آخر.

فالواجب المقدّمي الغيري علىٰ فرض التسليم ليس

إلّا حيثية ما يتوصّل به إلىٰ ذي المقدّمة، لا ذات المقدّمة؛ علىٰ ما هو التحقيق من وجوب المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة علىٰ فرض وجوبها «1»، و هي متحدة في الخارج مع ذات المقدّمة، و لا يسري الوجوب من موضوعه إلىٰ موضوع آخر و لو اتحد العنوانان في الخارج، كما حقّق في محلّه «2»، فلا يكون الغسل واجباً غيرياً.

كما لا يكون واجباً نفسياً، و لا يمكن استفادة الوجوب النفسي من الأوامر المتعلّقة به؛ ضرورة ظهورها في الإرشاد بالمعنى المتقدّم في أمثال المقام، فما عن «المدارك» من تقوية الوجوب لذاته «3» في غير محلّه.

عدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء عدا غسل الجنابة
اشارة

ثمّ إنّ المشهور عدم إجزاء الغسل غير الجنابة عن الوضوء للصلاة و غيرها ممّا هي مشروطة بالطهور «4».

بل عن الصدوق: «أنّ لزوم الوضوء معه من دين الإمامية» «5» و لم ينقل الخلاف عن المتقدّمين إلّا عن السيّد و أبي عليّ «6».

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 387 401، تهذيب الأُصول 1: 256 270.

(2) مناهج الوصول 2: 77 و 132.

(3) مدارك الأحكام 1: 357.

(4) مدارك الأحكام 1: 358، مفتاح الكرامة 1: 377/ السطر 24، جواهر الكلام 3: 240.

(5) أمالي الصدوق: 515.

(6) جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضى 3: 24، انظر مختلف الشيعة 1: 178.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 263

و الأقوى ما هو المشهور حتّى مع قطع النظر عن الشهرة التي هي في مثل تلك المسألة حجّة برأسها؛ للعمومات الدالّة علىٰ لزوم الوضوء عند عروض أسبابه «1»، و لا يمكن تخلّفه فيما نحن فيه حتّى نحتاج إلىٰ عدم القول بالفصل، مع عدم تمامية أدلّة الخصم. فلا بدّ من بيان حال الروايات حتّى يتضح الحال:

حول الأخبار الواردة في المقام
اشارة

فنقول: إنّ الأخبار علىٰ طوائف:

منها: ما يدلّ علىٰ أنّ الغسل يجزي عن الوضوء من غير قيد،

كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الغسل يجزي عن الوضوء، و أيّ وضوء أطهر من الغسل؟! «2».

و

مرسلة الكليني قال: روي أيُّ وضوء أطهر من الغسل؟! «3».

و

صحيحة حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن غسل الجنابة .. إلىٰ أن قال قلت: إنّ الناس يقولون يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك و قال و أيُّ وضوء أنقىٰ من الغسل و أبلغ؟! «4»

بناءً علىٰ كون الذيل بصدد بيان الماهية، لا غسل الجنابة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 245،

كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1 و 2 و 3 و 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 139/ 390، وسائل الشيعة 2: 244، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 45/ 13، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 1: 139/ 392، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 264

و منها: ما دلّ علىٰ أنّ الوضوء معه بدعة،

كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الوضوء بعد الغسل بدعة «1».

و

رواية عبد اللّٰه بن سليمان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول الوضوء بعد الغسل بدعة «2».

و

مرسلة محمّد بن أحمد بن يحيىٰ أنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة «3».

و منها:

ما ورد في خصوص غسل الجنابة، كصحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) ذكر فيها كيفية غسل الجنابة فقال ليس قبله و لا بعده وضوء «4».

و

رواية محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّ أهل الكوفة يروون عن علي (عليه السّلام) أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة، قال كذبوا علىٰ عليٍّ (عليه السّلام) ما وجدوا ذلك في كتاب علي (عليه السّلام) قال اللّٰه تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «5» «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 140/ 396، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 9.

(2) الكافي 3: 45/ 12، تهذيب الأحكام 1: 140/ 395، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 6.

(3) تهذيب الأحكام 1: 140/ 394، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة،

الباب 33، الحديث 5.

(4) تهذيب الأحكام 1: 148/ 422، وسائل الشيعة 2: 230، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 26، الحديث 5.

(5) المائدة (5): 6.

(6) تهذيب الأحكام 1: 139/ 389، الإستبصار 1: 125/ 426، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 265

و

صحيحة البزنطي، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال بعد ذكر كيفية غسل الجنابة و آدابه و لا وضوء فيه «1».

و منها: ما فصّل بين غسل الجنابة و غيره،

كمرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة «2».

و

روايته الأُخرى الصحيحة إليه، عن حمّاد بن عثمان أو غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة «3».

وجه الجمع بين الطوائف السابقة

و هذه الروايات كما ترى قابلة للجمع العقلائي؛ بحمل الروايات المطلقة علىٰ غسل الجنابة بشهادة الطوائف الأُخر.

و لا يبعد هذا الجمع بعد كون غسل الجنابة هو الغسل المتداول الأكثري المحتاج إليه جميع طوائف المكلّفين، بخلاف سائر الأغسال كالحيض و النفاس ممّا يحتاج إليهما طائفة منهم في بعض أوقاتها، و كغسل الاستحاضة الذي يكون الاحتياج إليه نادراً لبعض المكلّفين، و كغسل الجمعة و غيره ممّا لا يكون إلّا في بعض الأحيان و لبعض المكلّفين، فلا يكون الحمل المذكور موجباً لحمل المطلق على الفرد النادر البشيع.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 131/ 363، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 45/ 13، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 143/ 403، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة،

الباب 35، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 266

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من

صحيحة حكم بن حكيم حيث قال فيها: «إنّ الناس يقولون: يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ..» إلىٰ آخره، و رواية محمّد بن مسلم حيث قال فيها: «إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ (عليه السّلام) ..» إلىٰ آخره

أنّ كون الوضوء قبل غسل الجنابة، كان مورداً للبحث بين الناس، حتّى كذبوا علىٰ عليّ (عليه السّلام) بأنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة، و هو يوجب قرب الحمل المذكور، و قرب احتمال أن يكون تلك الروايات القائلة ب

«أنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة

و أنّ

الغسل يجزي عن الوضوء

و أنّ

أيّ وضوء أطهر من الغسل؟!

ناظرةً إلى الكذب المذكور و الخلاف المعهود.

مع أنّ أحد قولي الشافعي أيضاً وجوب الوضوء قبل الغسل من الجنابة أو بعده «1». و كيف كان فلا أرىٰ بأساً بهذا الجمع بعد التنبّه إلىٰ ما ذكرنا.

الروايات المتعرّضة لإجزاء غسل الجمعة أو العيد عن الوضوء
اشارة

نعم، هنا طائفة أُخرى من الروايات متعرّضة للأغسال الأُخرىٰ إمّا ضعيفةٌ سنداً و إن كانت تامّة الدلالة، أو معتبرةٌ سنداً ضعيفةٌ دلالةً لا بدّ من التعرّض لها:

فمن الأُولىٰ:

رواية إبراهيم بن محمّد: أنّ محمّد بن عبد الرحمن الهمداني كتب إلىٰ أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة، فكتب لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة و غيره «2».

______________________________

(1) المغني، ابن قدامة 1: 217 218.

(2) تهذيب الأحكام 1: 141/ 397، وسائل الشيعة 2: 244، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 267

و هذه الرواية و إن كانت صريحة الدلالة، إلّا أنّ ضعف سندها «1» مانع عن

العمل بها،

كمرسلة حمّاد بن عثمان الضعيفة «2» زائداً على الإرسال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أ يجزيه من الوضوء؟ فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أيُّ وضوء أطهر من الغسل «3».

و من الثانية:

موثّقة عمّار الساباطي قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال لا، ليس عليه قبلُ و لا بعدُ، قد أجزأه الغسل، و المرأة مثل ذلك؛ إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبلُ و لا بعدُ، قد أجزأها الغسل «4».

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن الحسن بن عليّ بن إبراهيم، عن جدّه إبراهيم بن محمّد.

و الرواية ضعيفة بالحسن بن عليّ بن إبراهيم الهمداني فإنّه مهمل.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد، عن موسى بن جعفر و الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن حمّاد بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

و الرواية ضعيفة بموسى بن جعفر بن وهب البغدادي و الحسن بن الحسين اللؤلؤي، ف إنّ الأوّل مهمل لم يرد في شأنه شي ء من الجرح أو التعديل. و الثاني اختلف في وثاقته فوثّقه النجاشي في ترجمته و استثناه ابن الوليد من رجال محمّد بن أحمد بن يحيىٰ، و لهذا ضعّفه المصنّف (قدّس سرّه) في الجزء الثاني: 377.

رجال النجاشي: 40/ 83، و: 348/ 939، و: 406/ 1076، الفهرست: 162/ 707.

(3) تهذيب الأحكام 1: 141/ 399، وسائل الشيعة 2: 245، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1:

141/ 398، وسائل الشيعة 2: 244، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 33، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 268

و هذه الرواية و إن كانت معتبرة سنداً، لكن في دلالتها ضعف و مناقشة؛ لقرب احتمال كون المراد منها أنّ الأغسال جنابة كانت أو جمعة أو غيرها لا يشترط فيها الوضوء؛ لا قبلُ و لا بعدُ، فليست الرواية بصدد بيان حكم الصلاة، بل بصدد بيان حكم الغسل؛ و أنّ الغسل هل يتمّ بلا وضوء، و يجزي غسل الجنابة عن رفع الحدث، و كذا غسل الحيض، و يجزي غسل الجمعة عن الوظيفة المستحبّة، أو يحتاج إلىٰ ضمّ وضوء قبله أو بعده؟

و الشاهد علىٰ قرب هذا الاحتمال ذكر قبل و بعد ممّا يشعر بارتباط بين الوضوء و الغسل، و إلّا فوضوء الصلاة غير مرتبط بالغسل، فكان على السائل أن يسأل: «أنّ الغسل مجزٍ عن الوضوء للصلاة؟» كما في مكاتبة الهمداني.

عدم كون الروايات في مقام بيان إجزاء الغسل عن الوضوء

و عليه يمكن حمل الروايات الواردة في أنّ الوضوء قبل الغسل أو بعده بدعة علىٰ هذا المعنىٰ؛ أي علىٰ أنّ الوضوء لأجل تتميم الغسل قبله أو بعده بدعة، و هو كذلك في جميع الأغسال من غير فرق بين غسل الجنابة و غيره، و هو غير مربوط بإجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة.

و يشهد لما ذكرنا ملاحظة سائر الروايات الواردة في هذا المضمار،

كصحيحة يعقوب بن يقطين، عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن غسل الجنابة، فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل؟ قال الجنب يغتسل؛ يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء، ثمّ يغسل ما أصابه من أذى ثمّ يصبّ علىٰ رأسه و علىٰ وجهه و علىٰ جسده كلّه، ثمّ قد

قضى الغسل، و لا وضوء عليه «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 142/ 402، وسائل الشيعة 2: 246، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 269

حيث إنّ الظاهر من سؤاله أنّ غسل الجنابة فيه وضوء أم لا؟ و أنّ جبرئيل كيف بيّن ماهية غسل الجنابة و شرح كيفيته؟ أنّ ما نزل به جبرئيل هل هو مع الوضوء بحيث يكون الوضوء شرطاً له أم لا؟

و يشهد لذلك كيفية الجواب؛ حيث شرع في بيان كيفية الغسل، و قال بعد تمام الكيفية ثمّ قد قضى الغسل، و لا وضوء عليه أي تمّ الغسل من غير مدخل للوضوء في تحقّقه و تماميته، و هو أمر آخر غير إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة، و لو كان السؤال عنه لما كان بهذه العبارة، كما أنّ الجواب لا يناسب ذلك.

و مثلها

صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن غسل الجنابة، فقال تبدأ فتغسل كفّيك، ثمّ تفرغ بيمينك علىٰ شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثمّ تمضمض و استنشق، ثّم تغسل جسدك من لدن قرنك إلىٰ قدميك، ليس قبله و لا بعده وضوء، و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته، و لو أنّ رجلًا جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده «1».

فإنّ زرارة سأله عن كيفية غسل الجنابة، و هو (عليه السّلام) بصدد بيانها، و ذكر عدم الوضوء قبله و بعده، خصوصاً في خلال بيان الكيفية، و بالأخصّ مع تعقيبه بقوله

و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته

ممّا يوجب الظهور في أنّ المراد عدم دخل الوضوء في كيفية الغسل و تحقّقه و رفع الجنابة، و هو أمر

غير احتياج الصلاة إلى الوضوء و عدمه بعد رفع الجنابة.

و مثلهما بل أوضح منهما

صحيحة حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن غسل الجنابة، قال أفِضْ علىٰ كفّك اليمنىٰ من الماء

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 148/ 422، وسائل الشيعة 2: 230، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 26، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 270

فاغسلها ..

و ذكر كيفية الغسل إلىٰ أن

قال قلت: إنّ الناس يقولون يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل، فضحك و قال و أيُّ وضوءٍ أنقىٰ من الغسل و أبلغ؟! «1».

حيث إنّ السائل سأل عن الكيفية، و بعد ما رأى عدم ذكر الوضوء في كيفية الغسل قال: «إنّ الناس يقولون ..» إلىٰ آخره، و مراده ظاهراً أنّ الناس يزعمون في كيفية الغسل: أنّ للغسل وضوءً كوضوء الصلاة، فكما أنّ الصلاة لا تصحّ بلا وضوء كذلك الغسل، و هذا كالصريح فيما ذكرنا من عدم كون السائل و المجيب في مقام بيان إجزاء الغسل عن الوضوء، بل بصدد السؤال و الجواب عن دخله في تحقّق الغسل و صحّته.

و يؤيّده قوله

أيُّ وضوءٍ أنقىٰ من الغسل و أبلغ؟!

أي لا دخل له في النقاء، و الغسل أبلغ في حصول الطهارة و الرافعية من الوضوء.

و ممّا ذكرنا يظهر حال سائر الروايات؛ حتّى أنّ

رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السّلام) التي تخالف تلك الروايات تشهد بما ذكرنا، قال: سألته قلت: كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال اغسل كفّك و فرجك، و توضّأ وضوء الصلاة، ثمّ اغتسل «2».

لأنّ الظاهر منها أنّ هذا الأمر، كان معهوداً في تلك الأعصار؛ و أنّ اشتراط تحقّق الغسل بالوضوء كان مورد البحث و الكلام، فورود تلك

الروايات لرفع الشبهة المذكورة.

و حينئذٍ لا يبعد أن تكون

مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) كلّ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 139/ 392، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 140/ 393، وسائل الشيعة 2: 247، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 34، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 271

غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة «1»

و

مرسلته الأُخرىٰ أو صحيحته، عنه «2» قال في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة «3»

أيضاً من هذا الوادي، و لا تكون ناظرة إلىٰ إجزائه عنه للصلاة.

فتبقىٰ

صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الغسل يجزي عن الوضوء، و أيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل؟! «4»

بلا معارض.

إلّا أن يقال: إنّه بعد كون جميع الروايات إلّا رواية واحدة هي مكاتبة الهمداني مربوطة بتلك المسألة؛ أي بدخل الوضوء في تحقّق الغسل، و أنّ تلك المسألة كانت مطرحاً في ذلك العصر، لم يبقَ ظهور للصحيحة في إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة، بل من المحتمل قوياً كونها بصدد بيان ما تكون سائر الروايات بصدده؛ من إجزاء كلّ غسل و كفايته عن الوضوء في رفع الجنابة أو حدث الحيض أو حصول وظيفة الجمعة و العيد، خصوصاً مع ورود نظير قوله

أيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل؟!

في صحيحة حكم بن حكيم التي عرفت ظهورها في عدم شرطية الوضوء للغسل.

فحينئذٍ يبقىٰ إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء للصلاة بلا دليل إلّا قوله

______________________________

(1) الكافي 3: 45/ 13، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 1.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن

ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان أو غيره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): فإنّ الطريق إلى ابن أبي عمير صحيح كما تقدّم في الصفحة 265، و لكنّ الراوي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مردّد بين حمّاد بن عثمان و راوٍ آخر غير معلوم، فالرواية أمّا صحيحة أو مرسلة.

(3) تهذيب الأحكام 1: 143/ 403، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 2.

(4) تقدّم في الصفحة 263.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 272

تعالىٰ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «1» علىٰ تأمّل في دلالته. لكنّ الحكم واضح لا يحتاج إلىٰ إقامة دليل.

و أمّا سائر الأغسال:

فمقتضى القاعدة و العمومات عدم كفايتها للصلاة مع الابتلاء بالحدث الأصغر، و في غير مورده يتمّ بعدم القول بالفصل.

و يدلّ على المقصود في خصوص ما نحن فيه بل في أعمّ منه و من غسل الاستحاضة بعضُ الروايات،

كمرسلة يونس الطويلة، و فيها في السنّة الاولىٰ من السنن الثلاث و سئل عن المستحاضة فقال: إنّما هو عِرق غابر أو رَكْضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل، و تتوضّأ لكلّ صلاة.

قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل الشِّعْب «2».

فإنّ الظاهر أنّ الغسل هو غسل الحيض و قد أمرها بالوضوء لكلّ صلاة، تأمّل.

و قد يستدلّ لعدم الاحتياج إلى الوضوء بإطلاق الأوامر الواردة في الأغسال من غير ذكر وضوء «3». و هو محلّ المنع.

نعم، وردت روايات في باب الاستحاضة لا يبعد إطلاقها، و سيأتي الكلام فيها إن شاء اللّٰه «4».

هذا كلّه مع قطع النظر عن اشتهار الحكم بين الأصحاب؛ ممّا يُشرف المنصف بالنظر إليه على القطع بكون الحكم معروفاً من الصدر الأوّل،

______________________________

(1) المائدة (5):

6.

(2) يأتي متنها الكامل في الصفحة 349.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 129، مدارك الأحكام 1: 361.

(4) يأتي في الصفحة 458 460.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 273

و مأخوذاً من الطبقات المعاصرة لزمن المعصومين (عليهم السّلام). و خلاف ابن الجنيد «1» غير معتدّ به، و خلاف السيّد «2» لا يضرّ بعد عدم موافق له من المتقدّمين، كخلاف الأردبيلي و أتباعه «3» ممّن لا يعتنون بالشهرات و الإجماعات.

حول وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في خلاف آخر: و هو وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً في خصوص الأغسال الواجبة، أو فيها و في المستحبّة «4» أو وجوب التقديم شرعياً لا شرطياً، كما عن المولى البهبهاني «5».

و وجه اللزوم شرطياً: هو الاستظهار من مرسلتي ابن أبي عمير و حمل المطلق على المقيّد؛ أي إحدى المرسلتين على الأُخرىٰ، فمع دعوى اختصاصهما بالواجبات تكونان مبنى الأوّل.

و مع التعميم مؤيّداً برواية

علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) قال إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ و اغتسل «6»

تكونان مبنى الثاني.

و مع إنكار الظهور في الشرطية مبنى الثالث.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 262.

(2) تقدّم في الصفحة 262.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 126 132، مدارك الأحكام 1: 361، ذخيرة المعاد: 49/ السطر 7.

(4) انظر جواهر الكلام 3: 246.

(5) مصابيح الظلام 1: 239/ السطر 3 (مخطوط).

(6) تهذيب الأحكام 1: 142/ 401، وسائل الشيعة 2: 248، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 35، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 274

لكن قد عرفت كون جميع روايات الباب تقريباً من وادٍ واحد؛ هو إثبات الشرطية و نفيها، فحينئذٍ يقع التعارض بين ما تقدّم و بين موثّقة

عمّار الساباطي حيث صرّح فيها بعدم الوضوء قبل غسل الجنابة و الجمعة و العيد و الحيض و بعدها «1»، فلا بدّ من حمل المرسلتين و رواية ابن يقطين على الاستحباب جمعاً، و إن كان القول بالاستحباب أيضاً لا يخلو من مناقشة؛ لما دلّ علىٰ أنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة، و لعدم ذكر الوضوء في شي ء من الروايات الواردة في باب الأغسال الواجبة و المستحبّة، مع كثرتها جدّاً، و كون كثير منها في مقام بيان الآداب، و بعد عدم التنبيه علىٰ هذا الأدب الذي لو كان مستحبّاً لكان أهمّ من سائر الآداب، و إنّما ذكر ذلك في رواية واحدة هي رواية ابن يقطين و مرسلةٍ يمكن أن تكون عين تلك الرواية، مع ظهورها في الشرطية التي قد عرفت حالها.

و كيف كان: فممّا يوجب الجزم بعدم شرطية الوضوء للأغسال الواجبة و المستحبّة، هو تلك الروايات الكثيرة الواردة في مقام بيان كيفية الغسل، كروايات غسل الميّت «2» و غسل المسّ «3» و ما ورد في الأغسال المستحبّة علىٰ كثرتها «4» فإنّ عدم ذكره فيها دليل قطعي علىٰ عدم اشتراطها به، و عدم وجوبه قبلها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 267.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 479، كتاب الطهارة، أبواب غسل الميّت، الباب 2.

(3) راجع وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1.

(4) راجع وسائل الشيعة 3: 303 340، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، أحاديث الأبواب.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 275

في كيفية رفع غسل الحيض و الوضوء الحدثين

بقي الكلام في شي ء تعرّض له صاحب «الجواهر»: «و هو أنّ الغسل و الوضوء هل هما مشتركان في رفع الحدثين، أو هما رافعان على التوزيع؛ فالغسل للأكبر، و الوضوء للأصغر؟» «5».

و

تفصيل الكلام بحسب مقام التصوّر: أنّه قد يقع الكلام فيما إذا وجد سبب الأصغر و الأكبر، و تقدّم أحدهما على الآخر أو تأخّر أو تقارنا.

و قد يقع فيما إذا وجد سبب الأكبر فقط.

فعلى الأوّل: يمكن أن يكون الحدثان ماهيتين متباينتين؛ فيؤثّر الأصغر في ماهية، و الأكبر في ماهية مباينة لها.

و يمكن أن يؤثّر كلٌّ في ماهية متخالفة مع الأُخرىٰ؛ قابلة للانطباق علىٰ وجود خارجي في القدر المشترك، فيكون «الحدث الأصغر» عنواناً منطبقاً علىٰ مرتبة من الحدث الأكبر، و يكون الأكبر ذا مراتب: مرتبة غير منطبق عليها عنوان «الأصغر»، و مرتبة منطبق عليها عنوانه.

و يمكن أن يكون المقدار المشترك وجوداً شخصياً؛ إن قدّم سبب الأصغر في إيجاده، يكون سبب الأكبر مؤثّراً في مرتبة اخرىٰ، و إن قدّم سبب الأكبر لا يؤثّر الأصغر، فيكون السببان بالنسبة إلى المرتبة المشتركة كالأسباب المتعاقبة للحدث الأصغر.

ثمّ إنّ مقتضى الاحتمال الأوّل و الثاني؛ هو فعلية سببية كلّ موجِبٍ في

______________________________

(5) جواهر الكلام 3: 247.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 276

مسبَّبه الخاصّ، و رافعية الوضوء للحدث الأصغر و الغسل للأكبر، فمع الغسل ترفع الماهية الآتية من سبب الأكبر، و تبقى الماهية الآتية من سبب الأصغر. و أمّا احتمال اشتراكهما في رفع المجموع فضعيف جدّاً.

و لازم الثالث هو رفع الغسل ما يأتي من قِبل سبب الأكبر، و عدم الاحتياج إلى الوضوء إن كان الغسل رافعاً لتمام ما يجي ء من سبب الأكبر، و بمقدار الاختصاص لو قلنا: بأنّ ما يجي ء من سبب الأكبر لا يرتفع تمامه به، فيكون الرافع للبقية هو الوضوء.

و أمّا احتمال كونهما مشتركين في أصل الرفع بمعنى عدم تأثير الغسل مطلقاً إلّا بضمّ الوضوء فقد دفعناه في

المسألة السابقة. كما أنّ احتمال كون الغسل رافعاً لتمام ما يأتي من سبب الأكبر في الفرض الثالث ممّا يلزم منه عدم الاحتياج إلى الوضوء تدفعه الشهرة السابقة مع عمومات أسباب الوضوء كما مرّ «1». فاحتمال الاشتراك بهذا المعنىٰ ضعيف مدفوع بما سلف، و أمّا علىٰ سائر الاحتمالات، فلا يكون الاشتراك إلّا بوجه لا ينافي الاختصاص.

فحينئذٍ يكون الوضوء علىٰ جميع الاحتمالات المعتبرة رافعاً لما يأتي من سبب الأصغر، و الغسل لما يأتي من سبب الأكبر علىٰ بعض الاحتمالات المتقدّمة، و علىٰ بعض الاحتمالات يكون الوضوء رافعاً لبعض ما يأتي من سبب الأكبر، و الغسل لبعض آخر، فيكون كلٌّ منهما رافعاً، فما عن «السرائر»: من كون الوضوء غير رافع، بل مبيح تقدّم أو تأخّر، و الغسل رافع كذلك «2»، غير وجيه.

هذا كلّه مع تحقّق السببين.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 272 273.

(2) السرائر 1: 151.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 277

في الالتزام بالتوزيع مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر

و أمّا مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر، فمع القول بلزوم الوضوء للصلاة، لا بدّ و أن يكون سبب الأكبر موجباً لشي ء لا يرتفع بالغسل، فحينئذٍ إن قام الدليل علىٰ جواز دخول المرأة في المسجدين و اللبث في المساجد مثلًا مع الغسل فقط، يكون هو مع ما دلّ علىٰ لزوم الوضوء للصلاة، دالّين بالاقتضاء على التوزيع في التأثير، فيكون الوضوء رافعاً لمرتبة ممّا يأتي بسبب الحيض، و الغسل لمرتبة اخرىٰ. و أمّا احتمال كون الوضوء مبيحاً غير رافع فضعيف.

و كيف كان: فالقول بالتوزيع هو الأقوىٰ، مع كون الحكم موافقاً لارتكاز المتشرِّعة، و الظاهر استفادته من مجموع الأدلّة، فتدبّر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 278

الأمر السادس في حكم الحيض بعد دخول وقت الصلاة

اشارة

إذا دخل وقت الصلاة فحاضت فتارة: تدرك طاهرة من الوقت بمقدار أداء الصلاة، و فعل الطهارة، و تحصيل سائر الشرائط بحسب حالها و تكليفها الفعلي؛ من القصر و الإتمام و الوضوء و الغسل و التيمّم و غيرها من الشرائط؛ مطلقة كانت أو غيرها.

و أُخرى: لا تكون سعة الوقت بهذا المقدار؛ سواء كانت بمقدار أداء الصلاة فقط، أو أدائها مع الطهارة المائية أو الترابية فقط، دون سائر الشرائط.

و ثالثة: لا تكون السعة حتّى بمقدار صلاة المضطرّ.

و الأولى البحث أوّلًا عن مقتضى القواعد الأوّلية؛ أي أدلّة القضاء و أدلّة عدم القضاء على الحائض، ثمّ النظر في الأدلّة الخاصّة.

مقتضىٰ أدلّة القضاء و عدمه على الحائض
اشارة

فنقول: إنّ أدلّة القضاء علىٰ طائفتين:

إحداهما: ما يظهر منها أنّ القضاء تابع لعنوان الفوت

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك، فمتىٰ ذكرتها أدّيتها .. «1»

الحديث، و غيرها ممّا هي قريبة منها.

______________________________

(1) الكافي 3: 288/ 3، الفقيه 1: 278/ 1265، وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 279

و هذه الطائفة و إن كانت في الغالب بصدد بيان حكم آخر، لكن يستفاد منها مفروغية لزوم قضاء ما فات من الصلاة. و هذا ممّا لا إشكال فيه.

لكنّ الإشكال في أنّ «الفوت» عبارة عن نفس عدم الإتيان مطلقاً و لو مع عدم مجعولية الصلاة في حقّ المكلّف، بل مع حرمتها عليه، كصلاة الحائض، أو هو عنوان أخصّ منه؟

الظاهر هو الثاني؛ ضرورة أنّ المتفاهم عرفاً من هذا العنوان؛ هو ذهاب شي ء مرغوب فيه من يد المكلّف و لو من قبيل طاعة المولى أو الوالدين؛ ممّا هو مستحسن

عقلًا؛ سواء كان لازماً أو راجحاً، فإذا نام عن صلاة الليل يقال: «فاتته» إمّا لأجل فوت المثوبة المترتّبة عليها، أو لأجل ترك نفس أمر المولى الراجح عقلًا، و أمّا إذا كان الفعل ذا مفسدة أو غير راجح عقلًا و شرعاً فتركه العبد، فلا يقال «فاته ذلك».

فعنوان «الفوت» ليس نفس ترك الفعل و لو لم يكن فيه رجحان أو في تركه منقصة. و هذا واضح عند مراجعة موارد استعمال اللفظ عرفاً و في الأخبار الواردة فيها هذه اللفظة.

فدعوى كونه عبارة عن عدم إتيان الصلاة في وقتها و لو كانت غير مطلوبة و لا راجحة بل و لو كانت محرّمة «1» غير وجيهة.

و لا يرد النقض «2» علىٰ ذلك بمثل ترك النائم و الساهي، و لا بمثل من اكره علىٰ ترك الصلاة؛ بحيث صار اللازم على المكلّف تركها؛ ضرورة أنّ النائم

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 283/ السطر 16.

(2) نفس المصدر: 283/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 280

و الساهي، فاتتهما الصلاة [لا] لأجل ذهاب مثوبتها و مصلحتها من يدهما، بل لأجل ترك أمر المولى بلا اختيار؛ علىٰ ما حقّقنا في محلّه: من أنّ الأوامر فعلية بالنسبة إليهما و إن كانا معذورين في تركها «1».

و أمّا المكرَه فهو أيضاً كذلك، و لا تصير الصلاة بالإكراه على الترك حراماً بعنوانها، بل ما هو المحرّم إيقاع المكلّف نفسه في التهلكة و نحوها، و هو لا يوجب حرمة الصلاة بعنوانها و إن اتحد العنوانان في الخارج.

و دعوىٰ صدق «الفوت» بمجرّد الشأنية أو بملاحظة نوع المكلّفين «2»، غير وجيهة؛ فإنّ ميزان وجوب القضاء هو الفوت من كلّ مكلّف بحسب حال نفسه، و هو لا يصدق بالنسبة إلى

الشخص الذي لم تجعل الصلاة له، أو حرّمت عليه كالحائض، و الشأنية لا محصّل لها إلّا معنىً تعليقي لا يوجب صدق «الفوت» فعلًا.

و أعجب من ذلك ما قد يقال: «إنّ المستفاد من الأمر بالقضاء أنّ الأوامر المتعلّقة بالصلاة، من قبيل تعدّد المطلوب، فكونها في الوقت مطلوب، لكن بفوات الوقت لا تفوت المطلوبية مطلقاً» «3» فإنّ ذلك علىٰ فرض تسليمه كما لا يبعد أدلّ دليل علىٰ خلاف مطلوبه؛ لأنّ استفادة تعدّد المطلوب فرع وجود الطلب و المطلوب في الوقت، و مع حرمة الصلاة على الحائض في الوقت، أين الطلب و المطلوب حتّى يستفاد منه تعدّده؟! فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ القاعدة في باب القضاء علىٰ فرض أخذ عنوان

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 26 28، أنوار الهداية 2: 222 و 338.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 283/ السطر 20.

(3) نفس المصدر: 283/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 281

«الفوت» في موضوعه هو وجوب القضاء في كلّ مورد يكون الأداء مطلوباً أو راجحاً ذاتاً؛ و لو فرض سقوط الطلب لأجل بعض المحاذير، علىٰ فرض صحّة ذلك المبنىٰ، و أمّا مع عدم الرجحان و المطلوبية الذاتية فلا، فضلًا عن الحرمة الذاتية.

فالحائض إذا أدركت من الوقت بمقدار تعلّق الطلب، يجب عليها القضاء مع تركها، و مع عدم توجّه الطلب أو توجّه النهي إليها، لا يجب عليها القضاء بحسب القاعدة.

بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو تمكّنت من الصلاة الاضطرارية، فلو قلنا: بأنّها لو علمت مفاجاة الطمث لها بعد مقدار من الزمان تتمكّن فيه من إتيان صلاة مع الطهارة الترابية و فقدان بعض الشرائط الاختياريّة تجب عليها الصلاة كذلك، فالقاعدة تقتضي القضاء مع تركها لأجل الجهل بالواقعة؛ لتوجّه أمر الصلاة

إليها و فوتها منها.

بل الأمر كذلك لو تمسّكنا في وجوب القضاء بالطائفة الثانية من أخبار القضاء؛ و هي ما لم يؤخذ فيها عنوان «الفوت» لأنّ مساقها فيما إذا ترك المكلّف الصلاة التي كانت مكتوبة عليه في الوقت،

كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): أنّه سئل عن رجل صلّىٰ بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها، قال يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها «1» ..

إلىٰ غير ذلك من الروايات و ليس فيها ما يدلّ علىٰ وجوب القضاء علىٰ من ترك الصلاة التي هي غير مشروعة له، فضلًا عمّا كانت محرّمة عليه.

______________________________

(1) الكافي 3: 292/ 3، تهذيب الأحكام 2: 266/ 1059، وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 282

بل الظاهر أنّ نفس عنوان «القضاء» أيضاً يدلّ على المطلوب؛ لأنّه- بحسب المتفاهم العرفي عبارة عن جبران ما شرع في الوقت إيجاباً أو استحباباً خارج الوقت، و أمّا إذا لم يشرع في الوقت أو كان حراماً عليه، فلا يصدق علىٰ إتيانه خارج الوقت عنوان «القضاء» فتبعية القضاء للأداء علىٰ ما ذكرنا موافقة للقاعدة.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ كلّ مورد لو اطلع المكلّف على الواقعة؛ و كان واجباً عليه إتيان الصلاة و لو بنحو الاضطرار، يجب عليه القضاء لو تركها؛ لصدق «الفوت» فإذا وسع الوقت بحسب الواقع بمقدار صلاة اضطرارية بل بمقدار نفس الصلاة فقط فطمثت، وجب عليها بمقتضىٰ أدلّة القضاء إتيانها بعد الطهر قضاءً.

و ما يتوهّم من عدم الأمر بالمقدّمات قبل الوقت، قد فرغنا عن ضعفه «1»، و ذكرنا في محلّه: أنّ مناط عبادية الطهارات ليس هو الأوامر الغيرية،

بل الأمر النفسي المتعلّق بها «2»، و ذكرنا في محلّه حال التيمّم أيضاً «3».

تعارض أدلّة عدم القضاء مع الأدلّة السابقة

هذا، و لكن في مقابل أدلّة القضاء ما دلّ علىٰ أنّ الحائض لا تقضي الصلاة،

ففي صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن قضاء الحائض الصلاة، ثمّ تقضي الصيام، قال ليس عليها أن تقضي الصلاة، و عليها أن تقضي صوم شهر

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 356 358، تهذيب الأُصول 1: 228 230.

(2) مناهج الوصول 1: 383 387، تهذيب الأُصول 1: 251 256.

(3) يأتي في الجزء الثاني: 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 283

رمضان ثمّ أقبل عليّ فقال إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يأمر بذلك فاطمة، و كانت تأمر بذلك المؤمنات «1».

و

رواية الحسن بن راشد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الحائض تقضي الصلاة؟ قال لا.

قلت: تقضي الصوم؟ قال نعم.

قلت: من أين جاء هذا؟ قال أوّل من قاس إبليس .. «2» الحديث ..

إلىٰ غير ذلك.

و يقع الكلام فيها بعد القطع بلزوم استناد الترك في عدم وجوب القضاء إلى الحيض في الجملة في أنّه هل المتفاهم منها أنّ الصلاة إذا كان تركها مستنداً إلى الحيض في الجملة و لو في بعض الوقت لا تقضي؛ حتّى يكون لازمه عدم القضاء و لو حاضت قبل تمام الوقت بمقدار يسع الصلاة؛ لأنّ تركها و إن كان غير مستند إلى الحيض فقط، لكنّه مستند إليه في الجملة؟

أو أنّ المراد هو الاستناد إليه فقط، فإذا تركتها في بعض الوقت بتخيّل سعته فأدركها الطمث، وجب عليها القضاء؛ لعدم كون الترك مستنداً إلى الحيض فقط، بل كان الاستناد في بعض الوقت إلىٰ غيره؟

الظاهر هو الثاني؛ لظهور الأدلّة في

أنّ ترك الطبيعة إذا كان مستنداً إلى الحيض، لا يجب القضاء، و هو لا يصدق إلّا على الوجه الثاني بحسب نظر العرف

______________________________

(1) الكافي 3: 104/ 3، تهذيب الأحكام 1: 160/ 459، وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 104/ 2، تهذيب الأحكام 1: 160/ 458، وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 284

المتبع في مثل المقام. و هذا ظاهر.

لكنّ الإشكال في أنّ الظاهر من الأدلّة، هل هو ترك الصلاة المتعارفة لها مع قطع النظر عن عروض الحيض؛ أي إذا استند ترك صلاتها إليه بحسب حالها المتعارف- من القصر و الإتمام و الطول و القصر و الاشتمال على المستحبّات المتداولة لا يجب عليها القضاء؟

أو إذا كان مستنداً إليه مع أقلّ الواجب؟

أو إذا كان مستنداً إليه حتّى بمصداقها الاضطراري من الطهور و غيره؛ حتّى مثل ترك بعض الواجبات كالسورة مثلًا؟

و بعبارة اخرىٰ: ترك الصلاة التي لو علمت بالواقعة وجب عليها إتيانها إذا كان مستنداً إلى الحيض، لا يجب عليها قضاؤها، فيجب عليها القضاء إذا وسع الوقت لنفس الصلاة بمصداقها الاضطراري، مع فقد جميع المستحبّات و بعض الواجبات؛ إذا قلنا بسقوطه عند الاضطرار و الضيق؟

الأقوىٰ هو الأوّل؛ لا بمعنى ملاحظة حالها الشخصي و لو كان غير متعارف، كقراءة السور الطوال و الأذكار الكثيرة الغير المتداولة، بل بمعنى المصداق المتعارف عند نوع المكلّفين؛ أي المشتمل على الواجبات و المستحبّات المتداولة، و الواجد للشرائط بحسب تكليفها الفعلي؛ من القصر و الإتمام، و وجدان الماء و فقدانه، و واجديتها للمقدّمات و عدمها .. إلىٰ غير ذلك؛ ضرورة أنّ العرف

لا ينقدح في ذهنه عند سماع تلك الروايات و عرضها عليه إلّا ذلك، و غيره يحتاج إلىٰ تقدير الحائض علىٰ غير ما هي عليه، و هو خلاف الارتكاز العرفي و المتفاهم العقلائي من الروايات.

فهل ترى من نفسك أنّ المرأة إذا سمعت فقيهاً يقول: «إذا تركتِ صلاتك

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 285

لأجل عروض الحيض فليس عليك قضاء» فاشتغلت في أوّل الوقت بالطهور و الصلاة، فعرض لها الطمث في الركعة الثالثة، تشكّ في كونها مشمولة للفتوىٰ؛ باحتمال لزوم تقدير نفسها في مقام المضطرّ الفاقد للماء المضيّق عليها الوقت؟! أم لا ينقدح في ذهنها إلّا صلاتها المتعارفة بحسب حالها مع قطع النظر عن عروض الحيض! و لعمري، إنّ هذا التنزيل و التقدير ممّا لا ينقدح إلّا في ذهن الأوحدي من الناس؛ أي أهل العلم فقط، لا نوع العقلاء و العرف ممّن يكون فهمهم معياراً لتعيين مفاهيم الأخبار.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى الشرائط التي يتعارف تحصيلها في الوقت، كالوضوء و الغسل مثلًا، علىٰ تأمّل في الثاني.

و أمّا الشرائط الحاصلة لنوع المكلّفين قبل الوقت كالستر و العلم بالقبلة فلا يلاحظ مقدار تحصيلها لو اتفق عدم حصولها، فالفاقدة للساتر و الجاهلة بالقبلة إذا كانتا بصدد تحصيلهما، و طال الوقت حتّى عرض لهما الطمث، يجب عليهما قضاء صلاتهما؛ لإطلاق أدلّة الفوت و عدم وجود مقيّد لها؛ لخروج هذه الفروض النادرة عن مثل قوله الحائض لا تقضي الصلاة لأنّ ترك الصلاة بحسب المتعارف غير مستند إلى الحيض فقط.

و كذا من كان تكليفها التيمّم، لكن أخّرت الصلاة إلىٰ آخر الوقت فطمثت، يجب عليها القضاء؛ لعدم الاستناد بحسب المتعارف إلى الحيض.

و بالجملة: لا بدّ من لحاظ

حال المرأة و حال الشرائط و تعارفها، و تكليف المرأة بالفعل و حالاتها الاختيارية، إلّا أن يكون الاضطرار من غير جهة الحيض. هذا كلّه بحسب القواعد الأوّلية.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 286

مقتضى الأخبار الخاصّة في المقام

و أمّا الأخبار الخاصّة،

ففي موثّقة يونس بن يعقوب بناءً علىٰ وثاقة الزبيري «1» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قال في امرأة دخل عليها وقت الصلاة و هي طاهرة، فأخّرت الصلاة حتّى حاضت، قال تقضي إذا طهرت «2».

و ليست هذه مخالفة للقاعدة المتقدّمة؛ لظهورها في سعة الوقت و تأخيرها حتّى طمثت.

نعم، يخالفها إطلاق

رواية عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصلّ الظهر، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال نعم «3».

و إطلاقها يشمل ما إذا ضاق الوقت عن إدراك الصلاة. و ليس لها ظهور في سعة الوقت للصلاة؛ لو لم نقل: إنّ السؤال منحصر بما إذا زالت الشمس و طمثت، و لم يُمهلها أن تصلّي، فكأنّه قال: «لو طمثت بعد زوال الشمس بلا مهلة و قبل صلاتها، هل عليها القضاء، أو لا بدّ من مضيّ زمان تدرك الصلاة؟» و لو لم يسلّم ذلك فلا أقلّ من الإطلاق.

و دعوىٰ: أنّ الظاهر أنّ السلب بسلب المحمول لا الموضوع، كأنّها في غير موقعها.

______________________________

(1) تقدّم الكلام فيه في الصفحة 72 و 79.

(2) تهذيب الأحكام 1: 392/ 1211، وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 394/ 1221، وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 287

و لو لا ضعف سندها بشاذان بن الخليل، أو

عدم ثبوت اعتبارها لأجل عدم ثبوت وثاقته «1»، و مخالفتها لفتاوى الأصحاب، لكان العمل بها متعيّناً، و لا تنافيها الأخبار المتقدّمة، لكنّهما مانعان عن العمل بها.

و أمّا

موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين، ثمّ إنّها طمثت و هي جالسة، فقال تقوم عن مكانها، و لا تقضي الركعتين «2».

فلا بدّ من حملها على النهي عن إتيان بقيّة الصلاة؛ لو لم نقل بظهورها فيه بملاحظة قوله

تقوم عن مكانها

فكأنّه قال: «تقوم عن مكانها، و لا تأتي بالركعتين الأخيرتين» و حمل «القضاء» على المعنى اللغوي غير بعيد، كحمل الركعتين على الأخيرتين، و إلّا فلا بدّ من ردّ علمها إلىٰ أهله؛ فإنّ الحمل علىٰ أوّل الوقت حمل على النادر.

و الظاهر منها عدم قضاء الركعتين الأُوليين لو حمل «القضاء» على الاصطلاحي منه، و في مقام التحديد و البيان يفهم منها عدم لزوم قضاء الأُوليين و لزوم قضاء البقية، و هو كما ترى لا يمكن الالتزام به، فمصيرها حينئذٍ مصير

ضعيفة أبي الورد «3» قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلّت

______________________________

(1) راجع تنقيح المقال 2: 80/ السطر 3 (أبواب الشين).

(2) تهذيب الأحكام 1: 394/ 1220، وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 6.

(3) توصيف الرواية بالضعف لوقوع أبي الورد في السند؛ فإنّه مهمل لم يرد في شأنه شي ء من الجرح أو التعديل.

انظر رجال الطوسي: 150/ 1، رجال البرقي: 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 288

ركعتين، ثمّ ترى الدم، قال تقوم من مسجدها، و لا تقضي الركعتين، و إن كانت رأت الدم و هي في صلاة

المغرب و قد صلّت ركعتين، فلتقم من مسجدها، فإذا تطهّرت فلتقضِ الركعة التي فاتتها من المغرب «1».

فلا بدّ من توجيهها كما وجّهها العلّامة في «المختلف» «2» أو ردّ علمها إلىٰ أهله.

كما أنّ موثّقة الفضل بن يونس «3» ممّا هي دالّة علىٰ خروج وقت الظهر بعد أربعة أقدام في سلك الروايات الواردة في تحديد الوقت علىٰ خلاف الإجماع، بل الضرورة و الروايات الكثيرة المعمول بها، فهي أيضاً مطروحة أو مأوّلة.

______________________________

(1) الكافي 3: 103/ 5، تهذيب الأحكام 1: 392/ 1210، وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 3.

(2) مختلف الشيعة 1: 208.

(3) الكافي 3: 102/ 1، تهذيب الأحكام 1: 389/ 1199، وسائل الشيعة 2: 359، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 289

الأمر السابع في حكم صلاة الحائض إن طهرت آخر الوقت

اشارة

إن طهرت الحائض في آخر الوقت، فإن أدركت جميع الصلاة بشرائطها الاختيارية، فلا إشكال في وجوبها عليها و مع تركها في وجوب القضاء، بحسب القواعد و النصوص الخاصّة «1» و عليه الفتوىٰ «2».

حكم إدراك ركعة من العصر و العشاء و الصبح مع الشرائط الاختيارية

و كذا لو أدركت ركعة من وقت العصر و العشاء و الصبح مع جميع الشرائط الاختيارية؛ بلا وجدان خلاف كما في «الجواهر» «3» و عن «المنتهي» نفي الخلاف بين أهل العلم «4»، و في «الخلاف» و «المدارك» الإجماع عليه «5».

و يدلّ عليه

النبوي المشهور من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 361، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49.

(2) النهاية: 27، المعتبر 1: 237 240، تحرير الأحكام 1: 15/ السطر 19.

(3) جواهر الكلام 3: 212.

(4) منتهى المطلب 1: 209/ السطر 29.

(5) الخلاف 1: 271 272، مدارك الأحكام 1: 342.

(6) ذكرى الشيعة 2: 352، وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4، صحيح البخاري 1: 298/ 547، صحيح مسلم 2: 70/ 161.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 290

و

العلوي من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر «1».

و

رواية أصبغ بن نُباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة «2».

و ضعف إسنادها منجبر بالعمل بها قديماً و حديثاً، فقد تمسّك بها الشيخ في «الخلاف» و ادعىٰ إجماع الأُمّة علىٰ ذلك. و قال في الصبي و المجنون و الحائض و النفساء و الكافر:

«إنّه لا خلاف بين أهل العلم في أنّ واحداً من هؤلاء الذين ذكرناهم إذا أدرك قبل غروب الشمس بركعة، أنّه يلزمه العصر، و كذلك إذا

أدرك قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة، أنّه يلزمه العشاء، و قبل طلوع الشمس بركعة يلزمه الصبح؛ لما

روي عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، و من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر «3»

و كذلك روي عن أئمّتنا» «4».

و في «المدارك» بعد ذكر الروايات: «و هذه الروايات و إن ضعف سندها إلّا أنّ عمل الطائفة عليها، و لا معارض لها، فيتعيّن العمل بها» «5».

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 213، وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 2: 38/ 119، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.

(3) صحيح البخاري 1: 298/ 546، صحيح مسلم 2: 71/ 163، سنن ابن ماجة 1: 229/ 700.

(4) الخلاف 1: 271 272.

(5) مدارك الأحكام 3: 93.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 291

و الإنصاف: أنّ فتوى الأصحاب علىٰ طبقها و تمسّك أرباب الاستدلال بها في مثل تلك المسألة المخالفة للقواعد موجب لانجبار سندها، فلا إشكال من هذه الحيثية.

و إنّما الإشكال في دلالتها و حدود مفادها، فقد يستشكل في النبوي الذي هو أوسع دلالة: باحتمال أنّ إدراك ركعة مع الإمام بمنزلة إدراك جميع الصلاة «1».

و فيه: مع أنّه مخالف لظاهره؛ فإنّ الظاهر إدراك نفس الصلاة، لا إدراك الجماعة أو فضيلتها، و هو لا ينطبق إلّا علىٰ إدراك الوقت أنّ ورود سائر الروايات في الغداة و العصر بهذا المضمون، يوجب الاطمئنان بأنّ النبوي و سائر ما يشابهه مضموناً و عبارةً من وادٍ واحد، فيرفع الاحتمال أو

الإجمال منه علىٰ فرضه بغيره. مع أنّ فهم الأصحاب بل سائر العلماء قديماً و حديثاً يوجب الوثوق بمفاده، فلا إشكال من هذه الجهة أيضاً.

و قد يستشكل فيها: بأنّ مفادها هو مضيّ الركعة خارجاً، لا جواز الدخول في الصلاة من أوّل الأمر لمن علم إدراك ركعة من الوقت، فمعنىٰ

من أدرك ركعة ..

: من دخل في الصلاة غافلًا أو باعتقاد سعة الوقت، ثمّ أدرك ركعة منها، فقد أدرك الوقت. و هذا نظير إدراك أوّل الوقت إذا دخل في الصلاة قبل الوقت، فوقع بعضها فيه «2».

و فيه: أنّ المتفاهم من هذه العبارة هو توسعة الوقت للمدرك ركعة، فكأنّه قال: «إدراك ركعة من الوقت إدراك لجميع الوقت».

و بعبارة اخرىٰ: لا يفهم العرف خصوصية للدخول في الصلاة، بل ما يفهم منه أنّ لإدراك بعض الوقت خصوصيّةً. و قياس آخر الوقت بأوّله في غير محلّه

______________________________

(1) الصلاة، المحقّق الحائري: 17، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 101.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 292

بعد كون لسان الدليلين مختلفين. و الشاهد علىٰ هذا الفهم العرفي فهم علماء الفريقين، و ليس شي ء في الباب غير تلك الروايات.

مع عدم بُعد استفادة المعنى الاستقبالي منه، فقوله

من أدرك ركعة ..

معناه: من يدرك، فحينئذٍ لا قصور في دلالة اللفظ أيضاً.

عدم شمول النبوي و العلويين للإدراك مع المصداق الاضطراري

ثمّ إنّ المتفاهم منها أنّ المدرك لركعة من الصلاة التي هي تكليفها فعلًا- بشرائطها الاختيارية من الطهور و غيره بمنزلة مدرك الوقت، فلا تعمّ ما إذا أدركها بمصداقها الاضطراري، فإدراك ركعة مع الطهارة الترابية لمن كان تكليفها الطهارة المائية، غير مشمول لها، كإدراكها مع فقد سائر الشرائط.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الظاهر منها أنّ الصلاة المكتوبة على الشخص الذي تكون وظيفته الإتيان بها،

إذا أدرك ركعة منها في الوقت، فقد أدرك الوقت.

نعم، لا إشكال في خروج الآداب و المستحبّات، فمن أدركها بواجباتها و شرائطها فقد أدرك و إن كان الوقت مضيّقاً عن إتيان المستحبّات.

هذا كلّه في إدراك العشاء و العصر و الصبح ممّا لا مزاحم لها.

حكم إدراك ركعة من الظهر و المغرب مع الشرائط الاختيارية

و أمّا بالنسبة إلىٰ صلاة المغرب و الظهر فهو أيضاً كذلك، كما هو المشهور نقلًا و تحصيلًا، علىٰ ما في «الجواهر» «1» و ادّعىٰ في «الخلاف» عدم الخلاف فيه «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 212.

(2) الخلاف 1: 273.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 293

و عن طهارة «المبسوط» و عن بعض آخر الاستحباب «1».

و عن بعضٍ استحباب فعل الظهرين بإدراك خمس قبل الغروب، و العشاءين بإدراك أربع قبل الفجر «2».

و عن «الفقيه»: «إن بقي من النهار بمقدار ستّ ركعات بدأ بالظهر» «3».

و يدلّ علىٰ ما ذكرنا النبوي المتقدّم.

و قد يقال: إنّ

من أدرك ..

لا يقتضي مزاحمة الظهر مثلًا للوقت الاختياري من العصر، و إنّ مقتضىٰ أدلّة الاختصاص عدم وقوع الظهر في الوقت الاختصاصي. بل الظاهر قصور دليل

من أدرك ..

عن تجويز تأخير العصر اختياراً إلىٰ إدراك ركعة منه، كما لا يستفاد منه جواز تأخير الصلاة في سعة الوقت إلىٰ زمان إدراك الركعة «4».

و فيه: أنّه إن كان المانع من التمسّك به هو أدلّة الاختصاص، فلا تكون مزاحمة له؛ فإنّ مفادها هو لزوم العصر إذا بقي من الوقت أربع ركعات،

ففي صحيحة إسماعيل بن همام- على الأصحّ «5» عن أبي الحسن (عليه السّلام): أنّه قال في

______________________________

(1) المبسوط 1: 45، المهذّب 1: 36.

(2) إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة 2: 431.

(3) الفقيه 1: 232/ ذيل الحديث 46.

(4) الصلاة، المحقّق الحائري: 17 18، نهاية

التقرير 1: 43.

(5) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن العباس، عن إسماعيل بن همّام.

لا إشكال في السند إلّا في طريق الشيخ إلى محمّد بن عليّ بن محبوب، فإنّ فيه أحمد بن محمّد بن يحيى العطار- حيث قال في مشيخته: و ما ذكرته في هذا الكتاب عن محمّد بن عليّ بن محبوب فقد أخبرني به الحسين بن عبيد اللّٰه، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، عن أبيه محمّد بن يحيى، عن محمّد بن علي المحبوب و هو محلّ كلام إلّا أنّه وثّقه العلّامة و المجلسي و لا إشكال في وثاقته بلحاظ رواياته الكثيرة في أبواب الفقه، كما قال المصنّف (قدّس سرّه) في بعض تقريراته الأُصولية في تصحيح حديث الرفع.

تنقيح المقال 1: 95/ السطر 24، تنقيح الأُصول 3: 217.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 294

الرجل يؤخّر الظهر حتّى يدخل وقت العصر إنّه يبدأ بالعصر، ثمّ يصلّي الظهر «1».

و

في صحيحة الحلبي قال: سألته عن رجل نسي .. الأُولىٰ و العصر جميعاً، ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس، فقال إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر، ثمّ يصلّي العصر، و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر، و لا يؤخّرها فتفوته، فيكون قد فاتتاه جميعاً، و لكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها، ثمّ ليصلِّ الاولىٰ بعد ذلك علىٰ أثرها «2» ..

إلىٰ غير ذلك.

و ظاهر الاولى هو أنّه إذا دخل وقت العصر أي الوقت الاختصاصي يجب البدء به، و هو الظاهر من الثانية أيضاً، و حينئذٍ تكون تلك الروايات مُشعرة بأنّ الظهر لا يزاحم العصر في جميع وقتها، لا في بعضه، و إلّا كان

الحقّ أن يقول: «إذا بقي من الوقت سبع ركعات يصلّي العصر» فهذه إن لم تكن مؤيّدة لانطباق حديث

من أدرك ..

على الظهر، لم تكن مخالفة له أيضاً.

و إن كان المانع هو الأدلّة العامة لجعل الأوقات «3»، فلا إشكال في حكومته عليها.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 271/ 1080، وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 17.

(2) تهذيب الأحكام 2: 269/ 1074، وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 18.

(3) راجع وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 295

و إن كان المانع هو عدم انطباقه على العصر الذي يمكن إدراكه بجميع وقته، فلا يجوز تأخير العصر اختياراً إلىٰ ضيق الوقت بمقدار إدراك ركعة، ففيه: أنّ انطباقه على الظهر موجب لحصول الموضوع للعصر؛ ضرورة أنّ ترك العصر حينئذٍ ليس باختيار المكلّف، بل بحكم الشارع.

و بعبارة اخرىٰ: أنّه لا إشكال علىٰ فرض اختصاص الوقت بالعصر في أنّه إن بقي من الوقت خمس ركعات، يكون الظهر مشمولًا للنبوي و مع شموله له يجب بحكمه إتيان الظهر المدرك لوقته التنزيلي، و مع لزوم إتيانه يبقىٰ للعصر ركعة، فيشمله النبوي. و ليس هذا تأخير العصر اختياراً حتّى يقال: لا يجوز التأخير إلىٰ زمان إدراك الركعة، بل هو تأخير بحكم الشرع.

هذا كلّه حال إدراك ركعة جامعة للشرائط.

حكم إدراك أقلّ من ركعة مع الشرائط الاختيارية

و أمّا لو لم تدرك ركعة، بل أُدركت أقلّ منها، فمقتضى القواعد الأوّلية و الثانوية فوتها:

أمّا الأوّلية فواضح.

و أمّا الثانوية فكذلك أيضاً؛ لأنّ الظاهر منها أنّ إدراك الركعة غاية ما يمكن الإدراك معه، و لو كانت تدرك الصلاة بأقلّ منها لما جاز التحديد بالركعة. نعم هنا روايات

سيأتي التكلّم عليها.

حكم إدراك تمام الصلاة مع التيمّم مثلًا

ثمّ لو أمكن لها إدراك تمام الصلاة في الوقت، لكن لا الاختياري منها، بل الاضطراري، كالصلاة مع التيمّم، أو بلا ستر، أو مع نجاسة البدن، أو غير ذلك،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 296

فهل القواعد مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة تقتضي لزوم الإتيان، و علىٰ فرض الترك القضاء؟

مقتضى القواعد في المقام

قد يقال: «إنّ الأصل في كلّ شرط انتفاء المشروط بانتفائه، مع الشكّ في شمول ما دلّ علىٰ سقوطه عند الاضطرار لمثل المقام الذي هو ابتداء التكليف» «1».

لكن الإنصاف: أنّ ملاحظة الموارد الكثيرة التي رجّح الشارع فيها جانب الوقت علىٰ سائر الشرائط كترجيحه على الطهارة المائية «2» و على الستر «3» و طهارة البدن «4»، بل ترجيحه على الركوع و السجود الاختياريين .. إلىٰ غير ذلك من الموارد «5» توجب القطع بأنّ للوقت خصوصيّة ليست لسائر الشرائط، و أنّ المكلّف إذا أمكنه إتيان الصلاة بأيّ نحو في الوقت، يلزم عليه الإتيان.

و يدلّ عليه

قوله: «إنّ الصلاة لا تترك بحال» «6»

فمع النظر إلى هذا و إلى

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 215.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 341، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 1، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 52، الحديث 1.

(4) راجع وسائل الشيعة 1: 297، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 19.

(5) راجع وسائل الشيعة 3: 439، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف و المطاردة، الباب 3 و 4 و 5 و 6.

(6) لم نعثر على هذا الحديث بهذا اللفظ في الكتب الروائية، نعم

في صحيحة زرارة الواردة في أبواب الاستحاضة «لا تدع الصلاة على حال».

وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5، و

راجع ما يأتي في الجزء الثاني: 361.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 297

تلك الموارد الكثيرة، يشرف الفقيه على القطع بأنّ المكلّف إذا أمكنه إدراك الصلاة في الوقت و لو بفردها الاضطراري، يجب عليه الإتيان، و مع الترك يجب القضاء للفوت؛ من غير فرق بين التكليف الابتدائي و غيره.

هذا كلّه بحسب القواعد.

مقتضى الروايات الخاصّة

و أمّا الروايات الخاصّة، فهي علىٰ طوائف:

منها: ما دلّت علىٰ أنّها إن طهرت قبل غروب الشمس أو قبل الفجر صلّت،

كرواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر «1»

و مثلها موثّقة ابن سنان «2» و رواية الدجاجي «3» و رواية عمر بن حنظلة «4».

و الظاهر أنّها مستند المحقّق في إيجابه الصلاة عليها مع تمكّنها من الطهارة و الشروع في الصلاة، كما هو المحكي عن «المعتبر» «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 390/ 1203، وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 390/ 1204، وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 10.

(3) تهذيب الأحكام 1: 390/ 1205، وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 11.

(4) تهذيب الأحكام 1: 391/ 1206، وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 12.

(5) المعتبر 1: 240.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 298

لكنّ الظاهر منها مع قطع النظر عن سائر الروايات هو حصول الطهر قبل خروج الوقت بمقدار يمكنها إدراك الصلاة أداءً؛ فإنّها ظاهرة في كون الصلاة أداءً لا قضاءً، فهي متعرّضة لوجوب

الصلاة عليها إذا طهرت قبل غروب الشمس، و أدركت ما هو تكليفها الفعلي.

و علىٰ فرض الأخذ بإطلاقها و الجمود عليه، يكون مفادها بالإطلاق أوسع ممّا ذكره المحقّق، فلا يلزم في وجوبها عليها إدراك الطهور و بعض الصلاة في الوقت؛ ضرورة صدق «الطهر قبل أن يطلع الفجر» على الطهر قبله بهنيئة لا يمكنها فيها التطهّر و إدراك بعض الصلاة، مع أنّه لا يلتزم به، و بعده لا وجه لما ذكره، بل الوجه هو إدراك الصلاة أداءً علىٰ ما هو وظيفتها.

نعم، لا فرق ظاهراً بين إدراكها مع الطهارة المائية أو الترابية، أو مع إدراك سائر الشرائط الاختيارية و عدمه، فلا تنافي تلك الروايات القاعدة المؤسّسة المتقدّمة بل تعاضدها، فتجب عليها الصلاة إذا أدركت ثماني ركعات مع الطهارة الترابية و فقد الشرائط الاختيارية، كما يجب عليها مع إدراك ركعة بشرائطها الاختيارية، حسبما فصّلناه آنفاً.

و منها: ما فصّلت بين حصول الطهر قبل العصر و غيره،

كرواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر و العصر، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر «1».

و الظاهر أنّ المراد ب

«قبل العصر

قبل الوقت المختصّ، و ب

آخر الوقت

هو المختصّ، و هي شارحة لمفاد الروايات المتقدّمة، أو مقيّدة لها علىٰ فرض إطلاقها. لكنّ المستفاد منها أنّها إن طهرت في آخر وقت العصر أي الوقت

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 390/ 1202، وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 299

المختصّ به تجب عليها الصلاة، و معلوم أنّ نوع النساء لا يمكنهنّ إدراك الطهارة المائية إذا طهرن آخر وقت العصر، فإيجاب الصلاة

عليهنّ لا يكون إلّا مع الطهارة الترابية. و حملها علىٰ آخر الوقت الإضافي أي أواخر الوقت؛ بحيث يمكنهنّ الطهارة و إدراك الصلاة و لو ركعة في غاية البعد، خصوصاً مع السبق بالجملة المتقدّمة.

و أمّا

صحيحة إسماعيل بن همّام، عن أبي الحسن (عليه السّلام): في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر تصلّي العصر، ثمّ تصلّي الظهر «1»

فقد حملها الشيخ علىٰ أنّها طهرت وقت الظهر، و أخّرت الغسل حتّى ضاق الوقت «2». و لا بأس به جمعاً بينها و بين سائر الروايات. مع أنّ التعبير ب «اغتسلت في وقت العصر» دون «طهرت» لا يخلو من إشعار بذلك.

و منها: ما تعرّضت للقضاء، و استدلّوا بها للزوم سعة الوقت في الأداء و القضاء بمقدار الطهارة المائية و عدم كفاية الترابية،

كصحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قال أيّما امرأة رأت الطهر و هي قادرة علىٰ أن تغتسل في وقت الصلاة، ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة اخرىٰ، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها، و إن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك، فجاز وقت الصلاة، و دخل وقت صلاة أُخرى، فليس عليها قضاء، و تصلّي الصلاة التي دخل وقتها «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 398/ 1241، وسائل الشيعة 2: 365، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 14.

(2) تهذيب الأحكام 1: 398/ ذيل الحديث 1241، الاستبصار 1: 143/ ذيل الحديث 488.

(3) الكافي 3: 103/ 4، تهذيب الأحكام 1: 392/ 1209، وسائل الشيعة 2: 361، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 300

و

موثّقة الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة

تقوم في وقت الصلاة، فلا تقضي طهرها حتّى تفوتها الصلاة، و يخرج الوقت، أ تقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال إن كانت تَوانَتْ قضتها، و إن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي «1».

و

موثّقة محمّد بن مسلم، عن أحدهما قال قلت: المرأة ترى الطهر عند الظهر، فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر، قال تُصلّي العصر وحدها، فإن ضيّعت فعليها صلاتان «2».

و ادعى الأعلام استفادة اشتراط سعة الوقت للطهارة المائية منها. و في «الجواهر»: «أنّه مجمع عليه هنا بحسب الظاهر» «3» و كلمات الأصحاب و إن كانت مقصورة علىٰ ذكر الطهارة بلا قيد «المائية» «4» لكنّ الظاهر أنّ مرادهم المائية؛ لأنّ الترابية ليست عندهم طهارة، بل مبيحة على المشهور نقلًا و تحصيلًا، بل كاد أن يكون إجماعاً، كما في «الجواهر» «5».

و لو لا اشتهار الحكم بين الأصحاب على الظاهر، لكان للخدشة فيه مجال؛ فإنّ الروايات كلّها بصدد بيان حكم القضاء، و أنّ المرأة إذا طهرت ففرّطت يجب عليها القضاء، و إن طهرت فقامت في تهيئة الغسل و العمل بالوظيفة، فجاز الوقت، ليس عليها القضاء، و لا يبعد أن يكون المتفاهم منها و لو بحسب القرائن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 391/ 1207، وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 8.

(2) تهذيب الأحكام 1: 389/ 1200، الإستبصار 1: 142/ 486، وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 5.

(3) جواهر الكلام 3: 215.

(4) المعتبر 1: 237، تذكرة الفقهاء 1: 274، جامع المقاصد 1: 336.

(5) جواهر الكلام 5: 167.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 301

الخارجية أنّ المرأة إذا طهرت فقامت لإتيان الغسل و تهيئة أسبابه، فجاز الوقت فجأة،

مع غفلتها عن أنّ الاشتغال بشأنها يوجب فوت الوقت، ليس عليها قضاء، و هذا لا يدلّ علىٰ عدم وجوب الأداء عليها مع الطهارة الترابية لو علمت بضيق الوقت.

و بالجملة: إنّ الروايات متعرّضة لحكم آخر؛ و هو حكم القضاء علىٰ فرض عدم تقصيرها و تفريطها، و أمّا تكليفها في الوقت ماذا، و أنّه مع ضيق الوقت عن الطهارة المائية، ليس عليها الأداء، أو عليها ذلك؟ فليست ناظرة إليها، فرفع اليد عن إطلاق ما دلّت علىٰ وجوب الصلاة عليها لو طهرت قبل الغروب أو آخر وقت العصر مشكل.

هذا إذا كان المراد منها ما إذا اشتغلت المرأة بشأنها حتّى جاز الوقت فجأة، كما لا يبعد من سوق الروايات.

و أمّا إذا كان لها إطلاق من حيث العمد و عدمه؛ و أنّها مع الالتفات إلىٰ ضيق الوقت و عدم الفرصة لتحصيل الطهارة المائية، اشتغلت بتهيئة الغسل حتّى جاز الوقت، فالظاهر دلالتها علىٰ مقصودهم؛ بملاحظة استفادة ذلك من الدلالة علىٰ عدم تفريطها و العمل بوظيفتها، و بملاحظة أنّ القضاء تابع للأداء، و الحكم بعدم القضاء عليها يكشف عن عدم الأداء عليها.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 301

و الإنصاف: أنّ الإطلاق و إن كان مشكلًا أو ممنوعاً في بعض الروايات، لكنّ الظاهر إطلاق بعضٍ منها، فالوجه ما عليه الأصحاب و اشتهر بينهم، و ادعي الإجماع عليه، فلا بدّ من تقييد المطلقات.

و أمّا رواية منصور بن حازم المتقدّمة، ففيها ضعف بمحمّد بن الربيع المجهول. بل المطلقات المتقدّمة أيضاً ضعيفة:

أمّا رواية أبي الصباح فلاشتراك محمّد بن

الفضيل بين الثقة و غيره.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 302

و رواية عمر بن حنظلة بأبي جميلة مفضّل بن صالح الضعيف.

نعم، رواية عبد اللّٰه بن سنان لا يبعد أن تكون موثّقة و إن كان في سندها الزبيري «1». لكن يمكن إنكار الإطلاق فيها بدعوىٰ: أنّه بعد عدم إمكان الأخذ بهذا الظاهر أي مجرّد الطهر قبل الفجر و الغروب فلا محالة يكون المراد منها وقتاً تدرك فيه الصلاة، و لم يعلم مقدار هذا الوقت، و لعلّ المقدار المقدّر هو بمقدار الطهارة المائية، فليتأمّل.

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً اخرىٰ تنقيح بعضها مربوط بغير هذا المقام، و بعضها واضح مدركاً و قولًا تركناه مخافة التطويل، و نتعرّض لبعضها في المقصد الثاني إنشاء اللّٰه تعالىٰ.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن الحسن بن الفضّال، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّٰه بن سنان. و لا يخفى أنّ في طريق الشيخ إلىٰ عليّ بن الحسن، عليَّ بن محمّد بن الزبير القرشي.

راجع ما تقدّم من الكلام في الزبيري في الصفحة 72 و 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 303

المقصد الثاني في الاستحاضة

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 305

القول في حقيقة الاستحاضة

في ذكر معنى الاستحاضة لغة

و قد اختلفت كلمات اللغويين فيها؛ ففي «الصحاح»: «استُحيضت المرأة: أي استمرّ بها الدم بعد أيّامها، فهي مستحاضة» «1» و قريب منه عن «نهاية ابن الأثير» «2» و يشعر ذلك بعدم الاستعمال المعلوم فيها، مع استعمالها معلومة مراراً في مرسلة يونس الطويلة «3».

و في «القاموس»: «و المستحاضة من يسيل دمها لا من الحيض، بل من عرق العاذل» «4» و قال أيضاً: «العاذل: عِرق يخرج منه دم الاستحاضة» «5».

و به قال الجوهري أيضاً، و نقل عن ابن عبّاس أنّه قال حين سئل عن

______________________________

(1) الصحاح 3: 1073.

(2) النهاية، ابن الأثير 1: 469.

(3) يأتي في الصفحة 349.

(4) القاموس المحيط 2: 341.

(5) نفس المصدر 4: 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 306

دم الاستحاضة: «ذاك العاذل» «1».

و عن «المغرب»: «استُحيضت بضمّ التاء استمرّ بها الدم» «2».

و في «المجمع»: «إذا سال الدم من غير عِرق الحيض فهي مستحاضة» «3».

و لم يذكر في «المنجد» الاستحاضة، و لا عِرق العاذل.

و عن الزمخشري: «الاستحاضة تخرج من عِرق يقال له: العاذل». و عن «الفائق»: «كأنّ تسمية ذلك العِرق بالعاذل لأنّه سبب لعذل المرأة؛ أي ملامتها عند زوجها» «4».

و المظنون أنّ اللغة في المقام لا تخلو من شوب بما عن الشرع. و لعلّ قول ابن عبّاس أو بعض الروايات كبعض فقرأت مرسلة يونس علىٰ بعض النسخ صار منشأً لذلك.

و عدم ذكر «المنجد» ما ذكره غيره غير خالٍ عن التأييد لما ذكرنا، و إلّا فمن المستبعد جدّاً بل كاد أن يكون ممتنعاً، أن تكون الاستحاضة بتلك الحدود التي لها في الشرع، أو أفتىٰ بها الفقهاء منطبقة علىٰ ما ذكره الجماعة: من

خروجها من عرق العاذل، و كون مجراها غير مجرى الحيض، فيكون الدم إلىٰ آخر دقائق اليوم العاشر مثلًا، خارجاً من عرق الحيض، و بعد ذلك ينسدّ ذلك العرق، و ينفتح عرق العاذل لدفع الاستحاضة.

و الناظر في مثل المرسلة، لا ينبغي أن يشكّ في أنّ التعبيرات التي فيها، تعبّدية خارجة عن فهم العرف و أهل اللغة، كقوله إنّما هو عزف بالزاي

______________________________

(1) الصحاح 5: 1762.

(2) المغرب في ترتيب المعرب 1: 145.

(3) مجمع البحرين 4: 201.

(4) الفائق، الزمخشري 2: 408.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 307

المعجمة و الفاء علىٰ ما في أكثر النسخ، كما قال المجلسي «1» أو قوله عزف عامر أو ركضة من الشيطان.

قال في «الوافي» بعد نقله عن «نهاية ابن الأثير»: «أنّ العزف: بمعنى اللعب بالمعازف أي الدفوف و غيرها» «2»: «أقول: كأنّ المراد أنّه لعب الشيطان بها في عبادتها، كما يدلّ عليه قول الباقر (عليه السّلام) عزف عامر فإنّ «عامر» اسم الشيطان» «3» انتهىٰ.

نعم، في بعض النسخ بدل عزف إنّما هو عِرق و بدل قوله عزف عامر عرق غابر «4» و عن بعض روايات العامّة: «عرق عاند» «5».

و كيف كان: فلا يمكن لنا استفادة موضوع الاستحاضة من اللغة؛ بحيث يخرج عن الإبهام.

و ما ذكره الجوهري «6» مع إمكان أخذه من الروايات، و مخالفته لمقتضى الاشتقاق لا يمكن الركون إليه و الوثوق به.

و الأخبار الواردة في الاستحاضة و إن وردت غالباً فيمن استمرّ بها الدم بعد العادة «7»، إلّا أنّها ليست علىٰ وجه يستفاد منها انحصار الاستحاضة بالدم المستمرّ بعد العادة؛ و إن كان بعضها لا يخلو من إشعار بذلك. و سيأتي دلالة

______________________________

(1) مرآة العقول 13: 217.

(2) النهاية، ابن الأثير

3: 230.

(3) الوافي 6: 459 460.

(4) الكافي 3: 84/ 1، جامع أحاديث الشيعة 2: 589، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 5، الحديث 2947.

(5) انظر مرآة العقول 13: 218، الفائق، الزمخشري 2: 407، النهاية، ابن الأثير 3: 308.

(6) تقدّم في الصفحة 305.

(7) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 308

بعضها علىٰ كونها أعمّ من ذلك «1».

و ليس للاستحاضة معنى عرفي لدى العرف العامّ يمكن تطبيقه على الحدود التي وردت لها في الشرع بل لا يرى العرف الاستحاضة و الحيض دمين. بل قد يرىٰ دم الحيض قليلًا محدوداً، و قد يراه كثيراً مستمرّاً و يقال: «صارت فلانة دائمة الحيض» كما هو ظاهر الاشتقاق علىٰ وجه.

و

في مرسلة يونس أنّ حمنة بنت جحش قالت لرسول الهّٰض (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّي استحضت حيضة شديدة.

و فيها أيضاً أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي أُستحاض فلا أطهر، فقال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ليس ذلك بحيض، إنّما هو عزف.

فأرادت بقولها

إنّي أُستحاض فلا أطهر

صرت حائضاً حيضاً دائماً، و لذا نفىٰ حيضيّته و قال

إنّه عزف

أي لعب الشيطان، كما مرّ.

التحقيق في بيان موضوع الاستحاضة

نعم، هنا كلام قد مرّ في أوّل بحث الحيض «2»، و مجمله: أنّ الحيض هو الدم الطبيعي المقذوف من أرحام النساء، و لمّا كانت الأرحام السليمة من الآفات و الصحيحة من الأمراض، لا تقذف بحسب النوع أقلّ من ثلاثة أيّام، و لا أكثر من عشرة أيّام، و قذف الأقلّ و الأكثر منهما بحسب الطبع نادر جدّاً، و كذا الحال بالنسبة إلىٰ ما

قبل البلوغ و بعد اليأس، حدّد الشارع لدم الحيض حدوداً: فجعل أقلّ الحيض ثلاثة، و أكثره عشرة، و علّق أحكاماً على الدم المقذوف من الثلاثة

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 315 322.

(2) تقدّم في الصفحة 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 309

إلى العشرة بحيث لو علمنا أنّ الأقلّ أو الأكثر هو الدم المعهود المقذوف، و كذا لو قذفت قبل البلوغ و بعد اليأس و علمنا أنّه هو المعهود المقذوف بحسب طبيعتها الشخصية، لم نحكم بحيضيته، و لم نرتّب عليه أحكامها؛ لتحديد الشارع موضوع حكمه.

فلا يكون الدم الطبيعي مطلقاً موضوعاً لحكمه، بل ألغى النادر عن الحساب، و حكم عليه بغير حكم الحيض، فالأقلّ من الثلاثة ليس من الحيض، كالأكثر من العشرة، و كالمرئي في حال الصغر و اليأس .. و غير ذلك ممّا حدّده الشارع.

ثمّ إذا اختلّت الرحم و خرجت عن السلامة و الصحّة و الاعتدال التي لنوع الأرحام، قذفت الأقلّ أو الأكثر، فاستمرار الدم لعارض، و عدم الرؤية علىٰ طبق عادات النوع أيضاً لعارض و خلل، و لذا يحتاج كلّ ذلك إلى العلاج و استرجاع الصحّة و السلامة.

و لمّا كانت الأرحام في غير أحوالها الطبيعية و في حال اختلالها و خروجها عن الاعتدال، لا تقذف نوعاً الدم الصالح الطبيعي، بل يكون غالباً فاسداً كدراً له فتور ممّا هي لازمة لضعف المزاج و خروجه عن الاعتدال جعل الشارع المقدّس الصفات الغالبية أمارة على الاستحاضة؛ أي الدم المقذوف حال خروج المزاج و الرحم عن الاعتدال نوعاً، فالصفات أمارات غالبية يرجع إليها لدى الشكّ، إلّا إذا قام الدليل علىٰ خلافها.

إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في مقامات:

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 310

المقام الأوّل في الأوصاف التي جعلت بحسب الروايات أمارة
اشارة

و هي كثيرة مستفادة منها؛ إمّا لذكرها فيها، أو لذكر مقابلها للحيض مع الدوران بينهما؛ ففي صحيحة معاوية بن عمّار «1» ذكر البرودة صفة للاستحاضة مقابل الحرارة للحيض.

و في موثّقة إسحاق بن جرير «2» جعل الفساد و البرودة صفة الاستحاضة، و الحرقة و الحرارة صفة الحيض.

و

في صحيحة حفص بن البَخْتَري إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد «3»

و منها يستفاد أنّ لدم الاستحاضة كدرةً و فتوراً، أو فساداً و فتوراً؛ فإنّ «العبيط» هو الطري الصالح.

و في مرسلة يونس «4» جعل إقبال الدم علامةَ الحيض و إدباره علامةَ الاستحاضة، و «الإدبار» هو الضعف و الفتور و القلّة مقابل الكثرة و الدفع و القوّة.

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 2، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1، و يأتي أيضاً في الصفحة 315.

(2) الكافي 3: 91/ 3، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 91/ 1، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

(4) يأتي في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 311

و فيها أيضاً وصف دم الحيض ب «البحراني

و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّما سمّاه أبي بحرانياً لكثرته و لونه

و مقابله القلّة و ضعف اللون؛ و هو الاصفرار، كما في غيرها.

و في صحيحة أبي المغراء «1» في باب اجتماع الحيض و الحمل جعل القلّة موضوعاً لوجوب الغسل عند كلّ صلاتين.

و في موثّقة إسحاق بن عمّار «2» جعل الصفرة موضوعاً.

و في رواية محمّد بن مسلم

«3» جعل القلّة و الصفرة موضوعاً لوجوب الوضوء، كصحيحته الأُخرىٰ «4» و روايتي علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) «5».

و في صحيحة علي بن يقطين «6» ذكر الرقّة صفة للاستحاضة.

و

عن «دعائم الإسلام»: روينا عنهم (عليهم السّلام) أنّ دم الحيض كدر غليظ منتن، و دم الاستحاضة دم رقيق «7».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1191، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(4) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

(5) تأتي الروايتان في الصفحة 320.

(6) تهذيب الأحكام 1: 174/ 497، وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 16.

(7) دعائم الإسلام 1: 127، مستدرك الوسائل 2: 7، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 312

و عن «فقه الرضا» أنّ دمها يكون رقيقاً تعلوه صفرة «1».

و

في مرسلة يونس تكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيّام الحيض إذا عرفت حيضاً كلّه

و يعلم منها كون الكدرة من صفات الاستحاضة .. إلىٰ غير ذلك.

لكنّ الفقهاء لم يذكروا غالباً في صفة الاستحاضة غير الصفرة و البرودة و الرقّة و الفتور؛ على اختلاف منهم في ذكر الأربعة «2»، أو الاقتصار علىٰ بعضها «3».

و عن «المقنعة»: «أنّه دم رقيق بارد صاف» «4» فذكر الصفاء و ترك الصفرة و الفتور.

و لا يبعد أن يكون بعض تلك الصفات

ملازماً لبعض، و يرجع أُصولها إلىٰ أربع أو أقلّ منها. و به يجمع بين الكلمات بل الأخبار، لا بأن تكون خاصّة مركّبة كما مرّ في باب الحيض دفع القول به «5»، بل كلّ صفة من الأُصول مستقلّة في الأمارية، لكن بعضها لا ينفكّ عن بعض الصفات. و لا يبعد أن تكون الصفرة غير منفكّة عن الفتور و الرقّة غالباً، و الكدرة عن الفساد، و البرودة عن الفتور، و قد مرّ في باب الحيض ما يفيد في المقام «6»، فراجع.

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 192، مستدرك الوسائل 2: 7، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

(2) راجع شرائع الإسلام 1: 23، قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 9.

(3) المبسوط 1: 45، تذكرة الفقهاء 1: 279.

(4) المقنعة: 56.

(5) تقدّم في الصفحة 27.

(6) تقدّم في الصفحة 20.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 313

عدم حصول التمييز بالغلظة و النتن و نحوهما

ثمّ إنّه لا إشكال في حصول التمييز بالأوصاف المنصوصة في الحيض و الاستحاضة.

و أمّا غيرها كالغلظة و النتن و غيرهما فالأقرب عدم الاعتداد بها؛ لعدم دليل معتبر عليها. نعم ورد في «الدعائم» كما تقدّم الكدِر و الغليظ و المنتن، و في دم الاستحاضة الرقيق، لكنّ الاعتماد علىٰ مثل تلك المرسلة غير جائز.

و ما يقال: «من أنّ المستفاد من الأدلّة كقوله في المرسلة الطويلة

إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي ..

إلىٰ آخره، و قوله

دم الحيض أسود يعرف

و قوله

دم الحيض ليس به خفاء

أنّ العبرة بمطلق الأمارات المختصّة بالحيض غالباً الكاشفة عنه ظنّاً؛ فإنّ الظاهر من إيكاله إلى الوضوح مع أنّه لا يتضح عند العرف إلّا بالقوّة و الضعف مطلقاً، لا خصوص ما نصّ عليه هو ما

ذكرنا» «1».

ففيه ما لا يخفى؛ فإنّ قوله

إذا أقبلت الحيضة ..

يراد به الكثرة و الدفع الواردان في الأمارات، و لا يفهم منه اعتبار مطلق الظنّ الحاصل بكلّ وصف.

و قوله

أسود يعرف

أو

ليس به خفاء

لا تسلّم دلالتهما علىٰ ما ذكر بعد عدم إرادة حصول العلم من الأوصاف، كما يدلّ عليه تأخير ذكرها عن العادة.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 211/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 314

بل لا يبعد أن يكون المراد منهما أنّ له أمارات شرعية ليس به لأجلها خفاء؛ ضرورة أنّ هذه الأوصاف ليست أمارة و لو ظنّية عند العقلاء فيمن استمرّ بها الدم؛ فإنّ الدم المستمرّ عندهم ليس طبائع مختلفة، كما مرّ مراراً «1».

نعم، قد يكون بعض الأمارات و القرائن في غير من استمرّ بها الدم موجباً لحصول العلم أو الاطمئنان، و قلّما يتفق ذلك في مستمرّة الدم التي هي موضوع البحث هاهنا، فالتجاوز عن الأوصاف المنصوصة ممّا لا يمكن الالتزام به.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9 10، 88، 308 309.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 315

المقام الثاني في بيان حدود دلالة الروايات الدالّة علىٰ أمارية الصفات على الاستحاضة

و أنّه هل يكون فيها ما يدلّ علىٰ كون الصفات أمارة مطلقاً؛ حتّى بالنسبة إلىٰ ما قبل البلوغ و بعد اليأس، و بالنسبة إلى الأقلّ من الثلاثة؟

و بالجملة: هل تدلّ علىٰ ثبوت الكلّية المذكورة في كلام المحقّق «1» و من بعده «2» و هي: «أنّ كلّ دم تراه المرأة و لم يكن حيضاً و لا دم قرح و لا جرح، فهو استحاضة، و كذا ما يزيد عن العادة و يتجاوز العشرة، أو يزيد عن أيّام النفاس، و ما تراه بعد اليأس، أو قبل البلوغ، أو مع الحمل» بناءً علىٰ عدم

اجتماع الحمل و الحيض.

و بعبارة اخرىٰ: هل يمكن إثبات أنّ كلّ دم ليس بحيض و لا نفاس، و لم يعلم كونه استحاضة أو قرحاً أو جرحاً، فهو استحاضة مع الاتصاف بصفاتها؟

فلا بدّ من ذكر ما يمكن أن يستدلّ به للمطلوب أو بعضه و حدود دلالته؛ حتّى يتضح الحال، فنقول و على اللّٰه الاتكال:

منها:

صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ دم

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 24، المعتبر 1: 242.

(2) نهاية الإحكام 1: 126، ذكرى الشيعة 1: 241، جامع المقاصد 1: 338، جواهر الكلام 3: 260.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 316

الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد؛ إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حارّ «1».

و هي لا تدلّ إلّا علىٰ أنّ الفرق بينهما ذلك، و في دوران الأمر بينهما يمتاز أحدهما عن الآخر بما ذكر، و أمّا أنّ كلّ بارد استحاضة أو كلّ حارّ حيض فلا يستفاد منها.

نعم، إذا كان الاحتمال ثلاثياً أو أكثر و كان الدم بارداً، يحكم بعدم الحيضية، و إن كان حارّاً يحكم بعدم كونه استحاضة؛ لظهورها في أنّ ما كان بارداً ليس بحيض، فإنّ صفته هي الحرارة، و ما كان حارّاً ليس باستحاضة.

و كذا إذا كان الدوران بين الاستحاضة و الجرح مثلًا و كان الدم حارّاً، يحكم بعدم كونه استحاضة. و لا يبعد إثبات مقابلها بلازمه.

و منها:

صحيحة حفص بن البَخْتَري قال: دخلتْ علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) امرأة، فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم؛ فلا تدري أ حيض هو أو غيره، قال: فقال لها إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد ..

إلىٰ آخره «2»

. تقريب الاستدلال بها علىٰ جعل الأمارة مطلقاً سواء كان الاحتمال ثنائياً أو أكثر-: أنّها سألت عمّن استمرّ بها الدم مطلقاً، فلا يختصّ سؤالها بذات العادة أو غيرها، فيشمل جميع النسوة.

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 2، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 91/ 1، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 317

و أيضاً: فرضت استمرار الدم من غير سبقه بالحيض، فلا يكون مفروضها استمرار الدم بعد الحيض.

و أيضاً قالت: «فلا تدري أ حيض هو أو غيره» و لم تقل: «أو استحاضة» و مع ذلك أجاب الإمام (عليه السّلام) بما أجاب بلا اعتناء بسائر الاحتمالات، فكأنّ احتمال كون الدم من قرح أو جرح أو مبدأ آخر غير ذلك، غير معتنى به، فتكون الأوصاف الاولىٰ أمارة أو أمارات على الحيضية، و الأُخرى علىٰ كونه استحاضة.

و إن شئت قلت: إنّ الحرارة مثلًا أمارة الحيض مطلقاً؛ احتمل معه الاستحاضة أو القرح و الجرح أو غيرها، و كذا البرودة أمارة الاستحاضة مطلقاً.

بل بمناسبة الإرجاع إلى الصفات بعد كون الرجوع إليها متأخّراً عن الرجوع إلى العادة يعلم أنّ المرأة التي كانت غير ذات عادة، تكليفها الرجوع إلىٰ صفة الحيض و صفة الاستحاضة، فيعلم منها أنّ الاستحاضة لا تنحصر بما يخرج بعد العادة، كما زعم صاحب «الصحاح» «1» و نقل عن «النهاية» «2» بل الدم المستمرّ و لو من غير ذات العادة مبتدئةً كانت أو مضطربةً إذا كان بصفة الاستحاضة استحاضة.

فما في بعض كلمات أهل التحقيق «3»: من أنّ «الاستحاضة» لم تستعمل في الأخبار إلّا فيما استمرّ الدم و

تجاوز عن أيّام الحيض كما قال الجوهري ليس علىٰ ما ينبغي. و ستعرف استعمالها في غيره في بعض الروايات الأُخر. مع أنّ فيما ذكر كفاية.

______________________________

(1) الصحاح 3: 1073.

(2) النهاية، ابن الأثير 1: 469.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 296/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 318

هذا، و لكن يمكن أن يقال: مضافاً إلىٰ قصور الرواية عن إثبات عموم المدعىٰ؛ أي الكلّية المتقدّمة إنّ معهودية دم النساء في الدمين أو الدماء الثلاثة و كون احتمال القرح و الجرح ممّا لا ينقدح في الذهن غالباً؛ لندرتهما توجب أن تكون الرواية سؤالًا و جواباً، منصرفةً عن سائر الدماء غير الدمين، فكأنّ السؤال عن الدم المعهود بينهنّ الدائر أمره بين الحيض و الاستحاضة. و قولها: «أو غيره» ليس المراد منه إبداء احتمال غير الاستحاضة و الحيض، فكأنّها قالت: «حيض أو لا» و لهذا أجاب (عليه السّلام) عن الحيض و الاستحاضة فقط، فحينئذٍ لا يستفاد منها أمارية الصفات في غير مورد الدوران.

نعم، يستفاد منها أنّ الاستحاضة لا تنحصر بالدم المستمرّ بعد أيّام العادة. كما أنّه مستفاد من مرسلة يونس فإنّ تقسيمَ حالات المستحاضة إلى الأقسام الثلاثة، و جعلَ السنّة الثالثة للمستحاضة

التي لم تر الدم قطّ، و رأت أوّل ما أدركت .. و استحاضت أوّل ما رأت

و غيرها من التعبيرات، دليل علىٰ عدم الانحصار بما ذكره الجوهري و ابن الأثير.

نعم، لا تدلّ هي و لا الصحيحة على إطلاقها علىٰ غير استمرار الدم، و لا على الاستمرار مطلقاً، كالاستمرار قبل البلوغ و بعد اليأس.

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، فقال لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها، و

إن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت و صلّت «1».

و الظاهر من «رؤية الصفرة في غير أيّامها» حدوثها في غير أيّامها؛ سواء كان قبلها أو بعدها.

______________________________

(1) الكافي 3: 78/ 1، تهذيب الأحكام 1: 396/ 1230، وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 319

و أمّا احتمال كون المراد استمرار الصفرة إلىٰ ما بعد أيّامها ففاسد.

كما أنّ قوله

توضّأت و صلّت

ظاهر في أنّ الصفرة موجبة للوضوء، لا أنّ ذكر الوضوء إنّما هو لكونه شرطاً للصلاة؛ ضرورة أنّ ظاهر الشرطية دخل الشرط في ترتّب الجزاء. مع أنّ تخصيص الوضوء بالذكر من بين سائر الشرائط، يبقىٰ بلا وجه.

و كيف كان: فلا إشكال في ظهورها في أنّ الصفرة مطلقاً في غير أيّام العادة موجبة للوضوء، و تكون حدثاً بصِرف وجودها استمرّت أو لا، يخرج منها المستمرّة إلىٰ ثلاثة أيّام مع عدم التجاوز عن العشرة؛ للإجماعات المتقدّمة «1» و يبقى الباقي.

و لعلّ ذكر الوضوء دون الغسل مع أنّ المتوسّطة و الكثيرة توجبانه لكون الصفرة غالباً غير منفكّة عن القلّة، كما تشهد له بل تدلّ عليه

صحيحة يونس في أبواب النفاس، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة ولدت، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى، قال فلتقعد أيّام قُرئها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة، و إن رأت صفرة فلتتوضّأ ثمّ لتصلّ «2».

حيث جعل الصفرة في مقابل الصبيب؛ أي المنحدر الكثير. مع أنّه إطلاق قابل للتقييد.

ثمّ إنّ دلالتها علىٰ أنّ الصفرة في غير أيّامها أمارة الاستحاضة، لا ينبغي أن تنكر؛ لأنّ ما يوجب الوضوء من الدماء

ليس إلّا الاستحاضة، فيكشف الأمر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 64 67.

(2) تهذيب الأحكام 1: 175/ 502، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 320

بالوضوء عن كونها استحاضة.

و احتمالُ كون الأمر بالوضوء للزوم عمل الاستحاضة عليها، و لا يلزم أن تكون مستحاضة و الدم استحاضة، بعيدٌ عن فهم العرف و الصواب.

و الإنصاف: أنّ العرف بعد ما يرىٰ أنّ الصفرة جعلت علامة للاستحاضة في الجملة، و يرى أنّ حكم الاستحاضة الوضوء دون سائر الدماء، ثمّ يسمع هذا الحديث، لا تنقدح في ذهنه هذه الوساوس، و يفهم من الرواية أنّ الصفرة أمارة الاستحاضة.

نعم، لو ثبت كون «الاستحاضة» لغةً و عرفاً هي ما قال الجوهري لم يكن بدّ من الالتزام بلزوم ترتيب أحكامها؛ من غير أن يكون الدم استحاضة و المرأة مستحاضة. بل مع احتمال ذلك أيضاً يشكل الحكم بهما. لكن معهودية انحصار دم النساء بالثلاثة توجب الكشف المشار إليه آنفاً.

و منها:

رواية «قرب الإسناد» عن عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة ترى الصفرة أيّام طمثها، كيف تصنع؟

قال تترك لذلك الصلاة بعدد أيّامها التي كانت تقعد في طمثها، ثمّ تغتسل و تصلّي، فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها؛ يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة و تصلّي «1».

و دلالتها واضحة؛ لأنّ الوضوء عند كلّ صلاة حكم الاستحاضة.

و منها:

روايته الأُخرىٰ عنه، عن أخيه (عليه السّلام)، قال: سألته عن المرأة ترى الدم في غير أيّام طمثها، فتراها اليومَ و اليومين، و الساعةَ و الساعتين، و يذهب مثل

______________________________

(1) مسائل عليّ بن جعفر: 210/ 454، قرب الإسناد: 225/ 879، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة،

أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 321

ذلك، كيف تصنع؟ قال تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم، و تغتسل كلّما انقطع عنها.

قلت: كيف تصنع؟ قال ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة و تصلّي، و لا غسل عليها من صفرة تراها إلّا في أيّام طمثها .. إلىٰ آخره «1».

و الظاهر سقوط شي ء أو تقديم و تأخير في الرواية، و لعلّ الصحيح: قلت: كيف تصنع إذا رأت صفرة؟ قال ..» إلىٰ آخره، أو: قلت: كيف تصنع ما دامت ترى الصفرة؟ قال فلتتوضّأ من الصفرة.

و كيف كان: فهي ناصّة علىٰ أنّ الوضوء من الصفرة، و أنّها حدث. و يدفع به الاحتمال عن صحيحة محمّد بن مسلم علىٰ فرضه، و تقريب الدلالة كما تقدّم. و لا بدّ من توجيه صدرها، و لعلّه حكم ظاهري عند رؤية الدم و الطهر.

و منها:

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و فيها و إن لم تر شيئاً

أي بعد الاستبراء

فلتغتسل، و إن رأت بعد ذلك صفرة فلتوضّأ و لتصلّ «2».

و منها: روايات في باب اجتماع الحيض و الحمل،

كصحيحة أبي المغراء، و فيها إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ، و إن كان قليلًا فلتغتسل عند كلّ صلاتين «3».

و

كموثّقة إسحاق بن عمّار: عن المرأة الحبلىٰ ترى الدم اليوم و اليومين،

______________________________

(1) قرب الإسناد: 225/ 880، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 8.

(2) الكافي 3: 80/ 2، وسائل الشيعة 2: 308، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 17، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1191، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5.

كتاب الطهارة

(للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 322

قال إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين «1»

بعد توجيه صدرها.

و

كرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، و إن كان قليلًا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء «2».

و غاية ما يستفاد من مجموع الروايات:

أمارية الصفات للاستحاضة فيما دار الأمر بينها و بين الحيض و لو في غير مستمرّة الدم، أو في الأعمّ منه و ممّا احتمل فيه شي ء آخر من قرح أو جرح بشرط عدم تحقّق مبدئهما، علىٰ تأمّل فيه كما مرّ «3». و أمّا استفادة حكم دم الصغيرة و اليائسة فلا؛ لعدم عموم أو إطلاق يرجع إليهما، و لعدم إمكان تنقيح المناط و إلغاء الخصوصية عرفاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1192، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

(2) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(3) تقدّم في الصفحة 20 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 323

المقام الثالث حول قاعدة «كلّ ما امتنع أن يكون حيضاً فهو استحاضة»
اشارة

و منه يظهر الكلام في المقام الثالث؛ أي أنّ كلّ ما يمتنع أن يكون حيضاً فهو استحاضة و لو لم يتصف بصفاتها؛ حيث إنّ الروايات التي استدلّ بها أو يمكن أن يستدلّ بها لذلك مثل ما دلّت علىٰ أنّها مستحاضة بعد الاستظهار «1» و مثل

صحيحة صفوان بن يحيىٰ عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت له: إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم، ثمّ طهرت، فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، أ تُمسك عن الصلاة؟ قال لا، هذه مستحاضة؛ تغتسل و

تستدخل قطنة .. «2»

و كصحيحة الصحّاف الواردة في الحامل «3» لا يمكن استفادة تلك الكلّية منها.

كلام بعض الأعلام و ردّه

نعم، قد يقال: «إنّ المستفاد من موارد الدماء الممتنع كونها حيضاً التي تعرّض لها الشارع ابتداءً، و في جواب السؤال، و حكم بكونها استحاضة حقيقية أو حكمية، أو كون صاحبتها مستحاضة، مع احتمال وجود دم آخر في الجوف

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 301 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 3 و 4 و 6 و 10.

(2) الكافي 3: 90/ 6، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3.

(3) الكافي 3: 95/ 1، تهذيب الأحكام 1: 168/ 482، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 324

غير الحيض و الاستحاضة عدمُ الاعتناء بهذا الاحتمال في كلّ ما امتنع كونه حيضاً و إن لم يتعرّض له في الأخبار، فيحصل حدس قطعي للفقيه بأنّه لو تعرّض الإمام (عليه السّلام) للدم الخارج من اليائسة الفاقد لصفات الاستحاضة، لحكم بكونه استحاضة.

مع إمكان أن يقال: إنّه إذا حكم على الصفرة مطلقاً بكونها حدثاً كما تقدّم استفادة ذلك من بعض الأخبار تكون الحمرة الممتنع كونها حيضاً، كذلك بطريق أولىٰ، فتأمّل» «1». انتهىٰ.

و فيه: مع ممنوعية الحدس القطعي، و كون العهدة علىٰ مدعية أنّه علىٰ فرض تسليمه غير مفيد.

بل القطعُ بكون ما تقذفه بعد اليأس أو قبل البلوغ هو الدم الطبيعي الذي تقذفه الرحم في أيّام إمكان الحيض، بل القطعُ بكونه استحاضةً، غيرُ مفيد ما لم يدلّ دليل علىٰ أنّ كلّ استحاضة أو مستحاضة، محكومة بتلك الأحكام، و إلّا فقد أوضحنا سابقاً «2» أنّ الدم المقذوف من الرحم

يعدّه العرف مع قطع النظر عن حكم الشارع حيضاً؛ كان مستمرّاً بعد العادة أو لا، كان أقلّ من ثلاثة أيّام أو لا، أكثر من عشرة أيّام أو لا، بعد اليأس أو قبله، لكنّ الشارع جعل لقسم منه أحكاماً، و لقسم آخر أحكاماً اخرىٰ، و سمّى الثاني استحاضة فما جعله الشارع موضوعاً لحكمه الأوّل، ليس ماهيّة مباينة لما جعله موضوعاً لحكمه الثاني، فحينئذٍ بعد العلم بكون الدم حيضاً أو استحاضة، لا بدّ من التماس الدليل علىٰ موضوعيّته للحكم. فالدم المقذوف قبل البلوغ أو بعد اليأس، ليسا حيضاً حكماً بلا إشكال و كلام.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 244/ السطر 27.

(2) تقدّم في الصفحة 9 10، 308 309.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 325

و إن ثبت كونهما حيضاً موضوعاً أي ثبت كونهما الدم المعهود المقذوف بحسب العادة الطبيعية فلا بدّ في ثبوت حكم الاستحاضة لهما من قيام دليل علىٰ أنّ كلّ دم لم يكن حيضاً و لو حكماً، فهو استحاضة حكماً، أو إثبات الحكم لكلّ مستحاضة. و الأخبار الواردة في أبواب الحيض و الاستحاضة، ليس فيها ما يدلّ علىٰ ذلك غير

موثّقة سَماعة قال قال المستحاضة إذا ثقب الدمُ الكُرْسُفَ اغتسلت لكلّ صلاتين «1»

ثمّ ذكر فيها أقسام الاستحاضة و أحكامها.

لكن استفادة الإطلاق منها مشكلة؛ حيث إنّها في مقام بيان أقسام الاستحاضة و المستحاضة، فكأنّه قال: «المستحاضة علىٰ أنواع: منها كذا، و منها كذا ..» فاستفادة ثبوت الأحكام لكلّ مستحاضة حتّى في حال الصغر ممنوعة؛ لعدم كون الأحكام للصغيرة، و كذلك بعد الكبر.

و غير

رواية «العيون» عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون و المستحاضة تغتسل و تحتشي و تصلّي، و الحائض تترك الصلاة و

لا تقضي، و تترك الصوم و تقضي «2».

و هي أيضاً في مقام بيان حكم آخر؛ فإنّ جعل المستحاضة في مقابل الحائض و أنّها كذا و هي كذا يمنع عن الإطلاق.

و أمّا سائر الأخبار فكلّها على الظاهر واردة في التي تحيض، كأخبار الاستحاضة، و أخبار النفاس، و أخبار الاستظهار.

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 124، وسائل الشيعة 2: 350، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 326

توجيه الحكم باستحاضة اليائسة و الصغيرة

لكن يمكن أن يقال: إنّ الشكّ في ثبوت أحكام المستحاضة لما بعد اليأس و قبل البلوغ، إمّا لأجل احتمال كون الدم بعد اليأس و قبل البلوغ، ماهية غير ماهية دم الحيض و الاستحاضة، و يكون مجراه غير مجراهما، و لا تكون حقيقته هي الدم الطبيعي المقذوف من الأرحام كسائر الدماء المقذوفة منها.

فهو مقطوع الفساد، و مخالف للوجدان في بعض مصاديقها، كما لو استمرّ دم المرأة ممّا قبل يأسها إلىٰ ما بعده، فهل يحتمل كونه إلىٰ آن ما قبل اليأس من مجرى مستقلٍّ، مقذوفاً من الرحم، معهوداً من النساء، فلمّا انقضىٰ ذلك الآن تغيّر المجرىٰ؛ و خرج من مجرى آخر غير السابق، و لا يكون الدمَ المقذوف المعهود؟! و كذا الحال فيما قبل البلوغ، فإذا فرض رؤية الدم على النهج المألوف في سنة قبل بلوغها، و استمرّ في شهر قبل البلوغ حتّى بلغت، فهل يجوز احتمال اختلاف طبيعته و مجراه ساعة ما قبل البلوغ و ما بعده؟! و الإنصاف: أنّ الشكّ من جهة الموضوع في مثل ما ذكر في غاية الوهن، و يعدّ

من الوسوسة و مخالفاً للعرف و اللغة.

و بعد رفع الشكّ من هذه الجهة يبقى الشكّ من جهة أُخرى: و هي احتمال أن يكون الدم المحكوم بكونه استحاضة شرعاً، هو ما ترى في زمان البلوغ إلىٰ حدّ اليأس. و هذا الشكّ مدفوع:

أمّا بالنسبة إلى اليائسة، فبإطلاق الأدلّة في بعض الموارد، كما إذا رأت دماً عشرة أيّام مثلًا، و طهراً ثلاثة أيّام، و تكون هذه الأيّام قبل اليأس، ثمّ رأت دماً بعده، فهذا مشمول لإطلاق صحيحة صفوان بن يحيى المتقدّمة.

و كون ما ذكر فرداً نادراً لا يوجب الانصراف و عدم الإطلاق، فهل ترى عدم

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 327

إطلاقها بالنسبة إلىٰ ما قبل اليأس بشهر مثلًا، مع عدم الفرق بينه و بين ما ذكرنا في ذلك؟! و كذا يشمل بعض الفروض إطلاق مرسلة يونس الطويلة، كما إذا استمرّ دم ذات العادة إلىٰ ما بعد اليأس، و يكون آخر عادتها متّصلًا بيأسها، فتكون مشمولة

لقوله فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة

و كذا يشمل بعض فقرأتها بعض الفروض الأُخرىٰ.

فحينئذٍ تثبت لليائسة أحكام الاستحاضة في بعض الفروض بالأدلّة، و في بعضها بالاستصحاب أيضاً، و يتمّ فيما عداها بالقطع بعدم الفرق و بعدم القول بالفصل قطعاً.

بل لا يبعد إطلاق مثل موثّقة سَماعة و رواية «العيون» و المناقشة المتقدّمة لعلّها في غير محلّها بعد فرض تحقّق الموضوع عرفاً و لغةً.

بل يمكن أن يقال: إنّ الأحكام المترتّبة على المستحاضة، مترتّبة ظاهراً علىٰ نفس الطبيعة؛ و إن كان مورد كثير منها ذات العادة أو من تحيض، لكن لا يفهم منها الخصوصية. بل كثير منها يشمل بعض الفروض المتقدّمة.

هذا كلّه حال اليائسة.

و أمّا الصغيرة، فبعد

فرض تحقّق الموضوع أي كون الدم المستمرّ منها استحاضة يمكن استفادة حكمها من بعض الأدلّة في الجملة؛ فإنّ الظاهر من مثل

قوله و إذا رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت «1»

و

قوله ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة «2»

أنّ لها سببية للوضوء؛ و أنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء وضعاً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 318.

(2) تقدّم في الصفحة 321.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 328

فيكون المقام نظير ما ورد في سببية النوم و البول للوضوء؛ ممّا يعلم منه كونهما سببين من غير فرق بين صدورهما من الصغير و الكبير و المجنون و غيرهم.

فقوله

فلتتوضّأ من الصفرة

ظاهر في سببيّة طبيعتها للوضوء، و يكون إيجاب الوضوء إرشاداً إلى السببية، فيفهم العرف أنّ نفس الطبيعة سبب وضعاً للوضوء؛ و إن كان التكليف لا يتعلّق بالصغيرة في حال صغرها. و الإنصاف أنّ الحكم ثابت بعد تحقّق الموضوع.

نعم، مع الشكّ في تحقّقه كما لو رأت الصغيرة الدم في أوائل سِني ولادتها لا يمكن إثبات الحكم. و الظاهر أنّ مثلها خارج عن نظر الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 329

فرع في اجتماع الحمل و الحيض
اشارة

كان مقتضى الترتيب ذكر جواز اجتماع الحمل و الحيض في باب الحيض، لكن لمّا كان بحثنا علىٰ ترتيب «الشرائع» وقع في بعض المباحث خلاف الترتيب، و الأمر سهل.

الأقوال في المقام
اشارة

و قد اختلفت كلمات الأصحاب اختلافاً كثيراً في هذا الفرع:

فقيل باجتماعهما مطلقاً، كما عن «المبسوط» في العدد، و «الفقيه» و «المقنع» و «الناصريات» «1» و عن كثير من كتب العلّامة «2» و عن الشهيد و المحقِّق الثاني و غيرهم «3». و عن «المدارك»: «أنّه مذهب الأكثر» «4». و عن «جامع المقاصد»: «أنّه مذهب المشهور» «5». بل عن «الناصريات» الإجماع عليه «6». و في

______________________________

(1) المبسوط 5: 240، الفقيه 1: 51، المقنع: 50، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهية: 227.

(2) مختلف الشيعة 1: 195، منتهى المطلب 1: 96/ السطر 18، نهاية الإحكام 1: 117.

(3) الدروس الشرعيّة 1: 97، جامع المقاصد 1: 287، مسالك الأفهام 1: 67.

(4) مدارك الأحكام 2: 9.

(5) جامع المقاصد 1: 286.

(6) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 227.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 330

«الجواهر»: «أنّه المشهور نقلًا و تحصيلًا» «1».

و قيل بعدمه مطلقاً، كما عن الكاتب و المفيد و الحلّي و (العجلي) «2» و هو مختار «الشرائع» «3» و عن «النافع»: «أنّه أشهر الروايات» «4» و عن «شرح المفاتيح»: «و ادعي تواتر الأخبار في ذلك» «5».

و لعلّ المراد ب «أشهر الروايات أو الروايات المتواترة» الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة، كما وردت في استبراء الجواري و السبايا «6» و ما وردت في جواز طلاق الحامل علىٰ كلّ حال «7» و غيرها ممّا سيأتي الكلام فيها «8».

و قيل بالتفصيل بين استبانة الحمل و عدمها، فلا تحيض في الأوّل، كما عن «الخلاف» و «السرائر» «9» و عن الأوّل

دعوى الإجماع عليه، و جعل الخلاف فيما قبل الاستبانة.

و قيل: «أنّ المتأخّر عن عادتها عشرين يوماً استحاضة»، كما عن

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 262.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 195، أحكام النساء، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9: 24، السرائر 1: 150.

(3) شرائع الإسلام 1: 24.

(4) المختصر النافع: 9.

(5) أنظر مفتاح الكرامة 1: 340/ السطر الأخير، مصابيح الظلام 1: 44/ السطر 17 (مخطوط).

(6) وسائل الشيعة 21: 83 و 84، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 3، الحديث 1 و 4.

(7) وسائل الشيعة 22: 55، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الباب 25، الحديث 3 و 5.

(8) يأتي في الصفحة 333 338.

(9) الخلاف 1: 247، السرائر 1: 150.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 331

«النهاية» و «التهذيب» و «الاستبصار» «1» و عن المحقّق في «المعتبر» الميل إليه «2»، و عن «المدارك» تقويته «3».

و قيل: «إنّه إن رأت في أيّام عادتها و استمرّ ثلاثة أيّام فهو حيض» «4».

و قيل بحيضية ما ترى في العادة و ما تقدّمها و ما ترى جامعاً للصفات، و بعدم الحيضية في غيرهما «5» .. إلىٰ غير ذلك «6».

فالمسألة ليست من المسائل التي يمكن فيها التمسّك بالشهرة و الإجماع، فلا بدّ من النظر في أدلّة القوم:

أدلّة الاجتماع مطلقاً

فتدلّ على الأوّل؛ أي الاجتماع مطلقاً بعد الأصل في بعض الفروض و العمومات الدالّة علىٰ أنّ ما رأت في أيّام العادة حيض، و أدلّة الصفات الأخبار المستفيضة المعتبرة الإسناد و الواضحة الدلالة، مثل

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل عن الحبلىٰ ترى الدم، أ تترك الصلاة؟ فقال نعم؛ إنّ الحبلىٰ ربّما قذفت بالدم «7».

______________________________

(1) النهاية: 25،

تهذيب الأحكام 1: 388/ ذيل الحديث 1196، الاستبصار 1: 140/ ذيل الحديث 481.

(2) المعتبر 1: 201.

(3) مدارك الأحكام 2: 12.

(4) الجامع للشرائع: 44.

(5) جواهر الكلام 3: 265.

(6) مثل ما قاله الصدوق (رحمه اللّٰه) في الفقيه 1: 51.

(7) الكافي 3: 97/ 5، تهذيب الأحكام 1: 386/ 1187، وسائل الشيعة 2: 329، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 332

و

صحيحة صفوان قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن الحبلىٰ ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام، تصلّي؟

قال تمسك عن الصلاة «1».

و

صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ، ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر؟

قال تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها، فإذا طهرت صلّت «2».

و

صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ ترى الدم؟

قال نعم؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم و هي حبلىٰ «3».

و

صحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك، الحبلىٰ ربّما طمثت؟

قال نعم؛ و ذلك أنّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدم، فربّما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة «4» ..

إلى غير ذلك ممّا لا شبهة في دلالتها.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1193، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1194، وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1188، الإستبصار 1: 139/ 475، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 10.

(4) الكافي 3:

97/ 6، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 333

أدلّة الاجتماع في الجملة

و تدلّ على الاجتماع في الجملة جملة كثيرة من الروايات الأُخر، كصحيحة ابن الحجّاج «1» و الحسين بن نعيم الصحّاف «2» و أبي المغراء حُمَيد بن المثنّىٰ «3» و موثّقة إسحاق بن عمّار «4» ممّا صرّحت بالجمع مع قيود سيأتي الكلام فيها «5».

أدلّة عدم الاجتماع مطلقاً

و استدلّ على النفي مطلقاً بطوائف من الروايات:

منها: ما في هذا الباب، و عمدتها قويّة

السكوني عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) أنّه قال قال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان اللّٰه ليجعل حيضاً مع حَبَلٍ؛ يعني إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة، إلّا أن ترى علىٰ رأس الولد، إذا ضربها الطلْق و رأت الدم تركت الصلاة» «6».

و لا يعلم أنّ التفسير لأبي جعفر (عليه السّلام) أو لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أو للسكوني، و مع الاحتمال و عدم الدليل علىٰ كونه للإمام (عليه السّلام) لا يمكن التمسّك بالتفسير. و مع قطع

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 339.

(2) يأتي في الصفحة 341.

(3) تقدّم في الصفحة 321.

(4) تقدّم في الصفحة 321.

(5) يأتي في الصفحة 341.

(6) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1196، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 334

النظر عنه يمكن الخدشة فيما نقل عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم):

أمّا أوّلًا: فلأنّ هذا التعبير ممّا يستشمّ منه الطفرة عن بيان الحكم؛ فإنّ لمثل هذا التعبير مقاماً خاصّاً، و لا يناسب عدم اجتماع الحمل و الحيض، فإنّ قوله: «ما كان اللّٰه ليفعل كذا ..» يناسب مورداً يكون صدور الفعل خلاف شأن الفاعل أو المفعول به، كقوله تعالىٰ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ

وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «1».

و قوله مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلىٰ مٰا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّٰى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشٰاءُ «2».

و قوله وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً «3» إلىٰ غير ذلك ممّا هو علىٰ هذا الأُسلوب.

و معلوم أنّ اجتماع الحيض و الحمل ليس كذلك؛ لا تكويناً و لا تشريعاً. و الظاهر أنّ الرواية بصدد بيان التشريع، و إلّا فلا شبهة بحسب التكوين في اجتماع الدم المعهود قذفه من طبيعة الأرحام في بعض الأوقات مع الحمل، كما أشار إليه بعض الروايات المتقدّمة فحينئذٍ أيّ محذور في جعل الحكم على الدم المقذوف في حال الحمل حتّى يستحقّ هذا التعبير؟! تأمّل.

و أمّا ثانياً: فلإمكان أن يقال: إنّ المراد من قوله هذا هو نفي التلازم بين حيض و حمل،

فقوله ما كان اللّٰه ليجعل حيضاً مع حَبَل

أي ما كان اللّٰه ليجعل المعيّة و الملازمة بينهما، بل قد يفترقان و قد يجتمعان. و هذا التوجيه و إن كان

______________________________

(1) الأنفال (8): 33.

(2) آل عمران (3): 179.

(3) التوبة (9): 122.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 335

مخالفاً لفهم العرف بدءاً، لكن في مقام الجمع بينها و بين ما صرّح بالقذف في بعض الأحيان، لا يكون بذلك البعد.

و إن أبيت عنه فلا محيص من ردّ علمها إلىٰ أهله؛ بعد عدم مقاومتها سنداً و دلالةً لما تقدّم و بعد كونها موافقة لأشهر فتاوى العامّة «1» و كون الراوي عامّياً «2». و سيأتي بعض الكلام في الرواية في باب النفاس «3»، فراجع.

و أمّا

صحيحة حُمَيد بن المثنّىٰ قال: سألت

أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الحبلىٰ ترى الدفقة و الدفقتين من الدم في الأيّام و في الشهر و الشهرين، فقال تلك الهِراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة «4»

فلا ربط لها بالمقام؛ فإنّ عدم الإمساك عنها لأجل عدم حصول شرط الحيض، فغير الحبلىٰ أيضاً كذلك، لكنّ السائل لمّا سأل عن الحبلىٰ أجاب عنها، و لو سأله عن غيرها أيضاً كان الحكم عدم الإمساك.

و كذا

رواية مُقَرِّن الفتياني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال سأل سلمان عليّاً (عليه السّلام) عن رزق الولد في بطن امّه، فقال: إنّ اللّٰه تبارك و تعالى حبس عليه الحيضة، فجعلها رزقه في بطن امّه «5»

، فإنّها لا تدلّ علىٰ عدم الاجتماع، بل هو إخبار عن الواقع، و يكفي في صحّته احتباسها نوعاً أو احتباس مقدار منها، كما في بعض ما تقدّم.

______________________________

(1) المغني، ابن قدامة 1: 313، المجموع 2: 386، الشرح الكبير، ذيل المغني 1: 313.

(2) عدّة الأُصول 1: 149، تنقيح المقال 1: 127/ السطر 9.

(3) يأتي في الصفحة 517.

(4) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1195، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 8.

(5) علل الشرائع: 291/ 1، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 336

و أمّا التمسّك «1» بروايات صحّة طلاق الحبلىٰ «2» مع الإجماع علىٰ عدم صحّة طلاق الحائض، ففيه: أنّ الإجماع في الحامل ممنوع، فلا تدلّ تلك الروايات علىٰ عدم الاجتماع. كما أنّ في تلك الروايات صحّة طلاق الغائب و غير المدخول بها فتكون تلك الروايات مخصّصة لأدلّة اعتبار الطهر في الطلاق «3»، بل حاكمة عليها.

و أمّا روايات الاستبراء بحيضة «4»

فهي أيضاً غير دالّة علىٰ عدم الاجتماع مطلقاً؛ فإنّ الاجتماع إنّما يكون في بعض الأحيان، كما أشار إليه بعض الروايات المتقدّمة بقوله

ربّما قذفت بالدم

أو

فربّما فضل عنه

أي عن غذاء الطفل

فدفقته ..

إلىٰ غير ذلك، فحينئذٍ يكون الاستبراء بحيضة أمارةً علىٰ عدم الحمل؛ لنُدرة الاجتماع. بل جَعْلُ العدّة لأجل استبراء الأرحام ثلاث حِيَض أو حيضتين «5» دليلٌ علىٰ جواز الاجتماع.

نعم، هناك روايات أُخر ربّما تشعر بعدم الاجتماع:

منها:

رواية محمّد بن حكيم المنقولة في أبواب العدد، عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: قلت له: المرأة الشابّة التي تحيض مثلها، يطلّقها زوجها،

______________________________

(1) السرائر 1: 150.

(2) وسائل الشيعة 22: 54، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الباب 25، و: 59، الباب 27.

(3) وسائل الشيعة 22: 23، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الباب 9.

(4) وسائل الشيعة 21: 84، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 3، الحديث 4، و: 93، الباب 8، الحديث 5، و: 96، الباب 10، الحديث 2، و: 104، الباب 17، الحديث 1.

(5) راجع وسائل الشيعة 22: 198 211، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 12 و 13 و 14 و 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 337

فيرتفع طَمْثها، ما عدّتها؟ قال ثلاثة أشهر.

قلت: فإنّها تزوّجت بعد ثلاثة أشهر، فتبيّن بها بعد ما دخلت علىٰ زوجها أنّها حامل، قال هيهات من ذلك يا بن حكيم! رفع الطمث ضربان: إمّا فساد من حيضة، فقد حلّ لها الأزواج، و ليس بحامل، و إمّا حامل، فهو يستبين في ثلاثة أشهر «1».

و منها:

روايته الأُخرى عن أبي عبد اللّٰه أو أبي الحسن (عليهما السّلام) قال: قلت له: رجل طلّق امرأته، فلمّا مضت ثلاثة أشهر ادعت

حبلًا .. إلىٰ أن قال هيهات! هيهات! إنّما يرتفع الطمث من ضربين: إمّا حبل بيّن، و إمّا فساد من الطمث «2».

و

في رواية رِفاعة المنقولة في أبواب نكاح العبيد و الإماء، قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) .. إلىٰ أن قال فقال إنّ الطمث تحبسه الريح من غير حبل «3».

و

في رواية عبد اللّٰه بن محمّد قال: دخلت علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقلت له: اشتريت جارية .. إلىٰ أن قال: ثمّ أقبل عليَّ فقال إنّ الرجل يأتي جاريته فتعلق منه، ثمّ ترى الدم و هي حبلىٰ، فترى أنّ ذلك طمث فيبيعها، فما أُحبّ للرجل المسلم أن يأتي الجارية حبلىٰ «4» ..

إلىٰ غير ذلك.

______________________________

(1) الكافي 6: 102/ 4، وسائل الشيعة 22: 224، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 25، الحديث 4.

(2) الكافي 6: 102/ 5، وسائل الشيعة 22: 224، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 25، الحديث 5.

(3) الكافي 5: 475/ 2، تهذيب الأحكام 8: 177/ 622، وسائل الشيعة 21: 86، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 4، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 8: 178/ 623، وسائل الشيعة 21: 87، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 338

وجه الجمع بين ما دلّت على الاجتماع و ما دلّت علىٰ عدمه مع قطع النظر عن صحيحة الصحّاف

و هذه الروايات و إن كانت تشعر أو يدلّ بعضها علىٰ عدم الاجتماع، لكنّ الجمع بينها و بين الروايات المتقدّمة الصريحة في اجتماعهما، يقتضي حمل هذه علىٰ رفع الحيض بالحمل نوعاً؛ و أنّ وقوعه في أيّام الحيض نادر، فيصحّ أن يقال: «يرتفع طمثها، و أنّ ارتفاعه قد يكون بالحمل ..» إلى غير ذلك من التعبيرات، فلا ينافي ذلك قذف الرحم في بعض الأحيان،

كما في الروايات المتقدّمة من أنّه

ربّما قذفت

أو

ربّما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته

و هذا جمع عقلائي بين الطائفتين، و لا إشكال فيه.

ثمّ إنّه بعد ما قلنا بالجمع في الجملة، فالأرجح في الجمع بين روايات الباب- مع قطع النظر عن صحيحة الصحّاف «1» هو الحكم بالتحيّض إذا رأت في أيّام العادة؛ دماً كان أو صفرة أو كدرة، و التحيّض بالصفات في غيرها، و الحكم بالاستحاضة مع الاتصاف بصفاتها؛ و ذلك لأنّ الروايات علىٰ طوائف:

منها: ما دلّت علىٰ وجوب ترك الحبلى الصلاة إذا رأت الدم، كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان و صحيحة صفوان «2» و مرسلة حريز «3» و صحيحتي أبي بصير

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 341.

(2) تقدّمتا في الصفحة 331 332.

(3) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1186، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 339

و سليمان بن خالد «1» و رواية رُزَيق بن الزبير «2».

و غالب هذه الروايات ليس في مقام بيان أنّ الدم في زمان الحبل حيض، بل لها إهمال من هذه الجهة، و إنّما هي بصدد بيان أنّ الحبل يجتمع مع الحيض، و لمّا كان القول بامتناع الاجتماع معروفاً و موافقاً لفتوىٰ أكثر فقهاء العامّة و أشهر مذاهبهم علىٰ ما حكي «3» كانت الأسئلة و الأجوبة في مقام التعرّض لهم و الردّ عليهم و بيان نكتة قذف الحبلى الدم، كقوله

ربّما كثر ففضل عنه

أي عن غذاء الولد

فدفقته.

و

كقوله في صحيحة أبي بصير قال: سألته عن الحبلىٰ ترى الدم، قال نعم؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم و هي حبلىٰ

فلا يمكن مع ذلك استفادة الإطلاق من غيرها أيضاً كصحيحة صفوان ممّا

يوهم الإطلاق.

و لو فرض إطلاق فيها أو في بعض آخر فلا إشكال في عدم الإطلاق في غالبها. و الإطلاق في البعض علىٰ فرض التسليم ضعيف يرفع اليد عنه بما دلّت على الرجوع إلى الصفات، فيقيّد إطلاقها بما دلّ علىٰ أنّه

إن كان دماً كثيراً فلا تصلّي، و إن كان قليلًا فلتغتسل عند كلّ صلاتين.

و قوله

إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، و إن كان قليلًا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء

و هذه هي الطائفة الثانية المقيّدة للأُولىٰ علىٰ فرض إطلاقها.

و الطائفة الثالثة: ما تعرّضت لأيّام العادة،

كصحيحة عبد الرحمن بن

______________________________

(1) تقدّمتا في الصفحة 332.

(2) الأمالي، الطوسي: 699/ 34، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 17، و يأتي متنها في الصفحة 507.

(3) وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، ذيل الحديث 12، الحدائق الناضرة 3: 179.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 340

الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الحبلىٰ ترى الدم و هي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر، هل تترك الصلاة؟ قال تترك الصلاة إذا دام «1».

و الظاهر منها هو السؤال عن ذات العادة؛ و إن كان لاحتمال الأعمّ أيضاً وجه. و قوله

تترك الصلاة إذا دام

ليس المراد منه إلّا الدوام إلىٰ زمان حضور الصلاة في مقابل الدفقة و الدفقتين، لا الدوام إلىٰ ثلاثة أيّام، كما قد يتوهّم.

و

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الحبلىٰ ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر، قال تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها، فإذا طهرت صلّت.

و هي تدلّ علىٰ أنّ الحبلىٰ و غيرها

سواء؛ إذا رأت الدم في أيّام حيضها فسبيلها سبيل غيرها، و غاية ترك الصلاة هي الطهر.

و

موثّقة سَماعة قال: سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل، قال تقعد أيّامها التي كانت تحيض، فإذا زاد الدم على الأيّام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام، ثمّ هي مستحاضة «2».

و

رواية الصحّاف الآتية و فيها و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر، فإنّه من الحيضة، فلتمسك عن الصلاة.

و الظاهر منها عدم التفصيل في التحيّض في العادة بين كون الدم موصوفاً

______________________________

(1) الكافي 3: 97/ 4، تهذيب الأحكام 1: 386/ 1189، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 386/ 1190، وسائل الشيعة 2: 332، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 341

بصفات الحيض أو غيرها. و إطلاق أدلّة الصفات و إن اقتضى التفصيل، لكن قوّة ظهور صحيحة محمّد بن مسلم في عدم الافتراق بين الحامل و غيرها فيما إذا رأت في أيّام الحيض، المؤيّدة بما دلّت علىٰ أنّ الصفرة و الكدرة في أيّام الحيض حيض «1»، و ما دلّت علىٰ تقديم العادة على الأوصاف «2» و قوّة الظنّ الحاصل من العادات، توجب تقديمَ تلك الأخبار علىٰ أخبار الأوصاف، و حملَ أخبارها علىٰ غير ذات العادة و الرؤية في غير العادة.

فتحصّل من جميع ما ذكر بعد ردِّ المطلقات إلى المقيّدات و تقديمِ ما حقّه التقديم: أنّ الحبلىٰ إذا رأت في أيّام عادتها تتحيّض مطلقاً، و إذا رأت في غيرها- إمّا لأجل عدم كونها ذات عادة، أو لأجل رؤيتها في غيرها

يجب عليها التحيّض مع اتصاف الدم بصفة الحيض؛ من الحمرة، أو الكثرة التي تلازم الدفع، أو غيرها من الأوصاف، و إذا رأت بصفة الاستحاضة تجعله استحاضة، و تعمل عملها.

قوّة العمل بصحيحة الصحّاف

بقي الكلام

في صحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ أُمّ ولد لي ترى الدم و هي حامل، كيف تصنع بالصلاة؟

قال: فقال لي إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإنّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث، فلتتوضّأ و تحتشي بالكُرسُف و تصلّي. و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 278، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 342

الشهر، فإنّه من الحيضة، فلتمسك عن الصلاة عدد أيّامها التي كانت تقعد في حيضها .. «1» الحديث.

و هي تدلّ علىٰ ثبوت التحيّض برؤية الدم في أيّام العادة و قبلها بقليل، و علىٰ عدم حيضية ما رأت بعد عشرين يوماً.

و عن الشيخ في «النهاية» و «التهذيب» الفتوىٰ بمضمونها «2». و عن المحقّق في «المعتبر» الميل إليه «3».

و في «المدارك»: «أنّه يتعيّن العمل بها» «4».

و هو لا يخلو من قوّة؛ لصحّة سندها، و وضوح دلالتها، و حكومتها علىٰ أدلّة الصفات الواردة في الحبلىٰ؛ فإنّ مدلول أدلّة الصفات أنّ الحبلىٰ إذا رأت دماً كثيراً أو دماً أحمر كثيراً أو دماً عبيطاً فلا تصلّي «5»، فهي تدلّ علىٰ ثبوت الحكم، و الصحيحة تدلّ علىٰ نفي الموضوع بقوله

فإنّ ذلك ليس من الرحم، و لا

من الطمث

و هذا لسان الحكومة، و يقدّم عرفاً علىٰ ما كان لسانه ثبوت الحكم.

نعم، بين الصحيحة و أدلّة الأوصاف من غير الباب كصحيحة معاوية بن عمّار و حفص بن البَخْتَري و ما يحذو حذوهما «6» معارضة العموم من وجه.

______________________________

(1) الكافي 3: 95/ 1، تهذيب الأحكام 1: 168/ 482، وسائل الشيعة 2: 330، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 3.

(2) النهاية: 25، تهذيب الأحكام 1: 388/ ذيل الحديث 1196.

(3) المعتبر 1: 201.

(4) مدارك الأحكام 2: 12.

(5) وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 5 و 6 و 16.

(6) راجع وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 343

لكن قوّة ظهور الصحيحة في مضمونها، و بُعد حملها على الدم الفاقد للصفات مع أنّ الفاقد غير محكوم بالحيضية؛ كان قبل عشرين أو بعدها، و لا وجه لتخصيص هذا المصداق القليل الوجود بالذكر يوجب تقديمها علىٰ أدلّة الأوصاف.

و أنت إذا راجعت وجدانك، و نظرت في الصحيحة و روايات الأوصاف، و عرضتهما على الفهم العرفي الخالي من الدقائق العقلية، ترى أنّ ذهن العرف لا يتوجّه إلىٰ كون نسبة الصحيحة مع مقابلاتها عموماً من وجه، و لا ينقدح في ذهنك التعارض، بل ترى أنّ الصحيحة مقيّدة عرفاً لأدلّة الصفات. و هذا هو الميزان لتقديم دليل علىٰ غيره؛ كان بينهما عموم من وجه أو لا، و لهذا يقدّم الحاكم على المحكوم و لا يلاحظ النسبة؛ لحكومة العرف بذلك، فميزان تشخيص التعارض و التقديم و الجمع هو فهم العرف العامّ، لا الدقّة العقلية.

و أمّا ردّ الصحيحة بدعوىٰ إعراض معظم الأصحاب عنها، و عدم إمكان

التأويل في الروايات الكثيرة، مع قبولها للتوجيه القريب «1». فلا يبعد أن يكون في غير محلّه:

أمّا الإعراض غير ثابت؛ لأنّ المحتمل قريباً بل الظاهر من بعض الكلمات «2»، أنّ الأصحاب إنّما كانوا بصدد بيان اجتماع الحمل و الحيض في الجملة في مقابل أكثر العامّة القائلين بعدم الاجتماع مطلقاً «3» من غير تعرّض لهذه المسألة التي هي من فروع الاجتماع، و المتأخّرون لم يردّوها لشذوذها

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 299/ السطر 25.

(2) انظر جواهر الكلام 3: 265.

(3) تقدّم تخريجه في الصفحة 335.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 344

و عدم العمل بها، بل جمعوا بينها و بين غيرها، و رجّحوا غيرها «1»، و بعضهم عملوا بها «2».

نعم، بعض المتأخّرين رماها بالوحدة و عدم اشتهار القول بها بل و إعراض الأصحاب عنها و هو غير ظاهر من المتقدّمين الذين إعراضهم مناط الوهن.

و أمّا عدم إمكان التأويل في الروايات الكثيرة، فقد مرّ عدم إطلاق أكثر الروايات «3»، و ما هو مطلق قليل ضعيف الإطلاق، و ما هو متعرّض للصفات و إن كان مطلقاً، لكن رواية محمّد بن مسلم مرسلة، و رواية إسحاق بن عمّار مطروحة؛ لعدم العمل بها، فلا يبقى إلّا صحيحة أبي المغراء، و لا مانع من التصرّف فيها، خصوصاً بعد ما عرفت من الحكومة.

و أمّا القبول للتوجيه فقد عرفت ما فيه، بعد ما ظهر من مساعدة العرف على الجمع المتقدّم.

لكن مع ذلك كلّه لا تخلو المسألة من إشكال منشأُه احتمال الإعراض، مع شهادة مثل السيّد في «الرياض» و صاحب «الجواهر» و غيرهما «4» على تأمّل في استفادة الإعراض من كلام الأوّل، فلا بدّ من الاحتياط إلىٰ ما بعد الفحص الكامل حتّى يتضح الحال.

ثمّ إنّ هاهنا مطالب:

اشارة

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 286، الحدائق الناضرة 3: 179 181، جواهر الكلام 3: 264 265.

(2) مدارك الأحكام 2: 12.

(3) تقدّم في الصفحة 339.

(4) رياض المسائل 1: 338، جواهر الكلام 3: 265، مجمع الفائدة و البرهان 1: 159.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 345

المطلب الأوّل في حكم تجاوز الدم عن أكثر الحيض

اشارة

إذا تجاوز الدم عن أكثر الحيض ممّن تحيض، فلا يخلو إمّا أن تكون المرأة ممّن لم تَرَ الدم قبل ذلك أو لا.

و الثانية: إمّا ذات عادة مستقرّة أو لا. و الأولى منهما: إمّا أن تكون ذاكرة لعادتها أو لا.

فالأُولىٰ من الأقسام هي المبتدئة، و قد تطلق على الثالثة؛ أي من لم تستقرّ لها عادة، و قد تطلق عليها «المضطربة» كما تطلق على الناسية، ف «المبتدئة» ك «المضطربة» لها إطلاقان: عامّ، و خاصّ، و الأمر سهل. و المتبع في الأحكام هو الدليل.

فلا بدّ في بيان الأقسام و أحكامها من ذكر مسائل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 346

المسألة الاولىٰ في اعتبار التمييز في المبتدئة
اشارة

المبتدئة بالمعنى الأعمّ أي من لم تستقرّ لها عادة؛ إمّا لعدم سبق الدم، أو لعدم استقرار العادة لها ترجع أوّلًا إلى التمييز، فتجعل ما شابه دم الحيض حيضاً، و ما شابه الاستحاضة استحاضة.

و هو «مذهب فقهاء أهل البيت» كما عن «المعتبر» «1» و «مذهب علمائنا» كما عن «المنتهىٰ» «2».

و عن «الخلاف» و «التذكرة» الإجماع في المبتدئة «3»، و عن «المدارك» فيها: «أنّ هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب» «4».

و عن «المعتبر» «5»: «أنّ جماعة من الأصحاب لم يتعرّضوا للتمييز فيما

______________________________

(1) المعتبر 1: 204.

(2) منتهى المطلب 1: 104/ السطر 24.

(3) الخلاف 1: 229 230، تذكرة الفقهاء 1: 294.

(4) مدارك الأحكام 2: 14.

(5) و الموجود في مفتاح الكرامة هكذا: «و في المدارك: في المبتدئة هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، قاله في المعتبر: و ليعلم أنّ جماعة ..».

مفتاح الكرامة 1: 348/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 347

أجد، كالصدوقين و المفيد و أبي المكارم و سلّار. و أمّا أبو الصلاح

فقد قال: إنّ المضطربة ترجع إلىٰ نسائها، و إن فقدت فإلى التمييز، و اقتصر للمبتدئة على الرجوع إلىٰ نسائها إلىٰ أن يستقرّ لها عادة «1». و نصّ في «الغنية» «2» علىٰ أنّ عمل المبتدئة و المضطربة علىٰ أصل أقلّ الطهر و أكثر الحيض ..» إلىٰ آخره، و عن «المبسوط» ما يلوح منه عدم اعتبار التمييز «3».

و كيف كان: فتدلّ على اعتبار التمييز في المبتدئة بالمعنى الأعمّ إطلاقات أدلّة التمييز،

كصحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ دم الاستحاضة و الحيض ليس يخرجان من مكان واحد؛ إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حارٌّ «4».

و ظاهرها أنّ الصفة لماهية الدمين، و أنّ التمييز حاصل بهما عند الاشتباه و الاختلاط بينهما مطلقاً؛ من غير فرق بين أقسام الاستحاضة و المستحاضة.

و

صحيحة حفص بن البَخْتَري و فيها إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة «5».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 128 129.

(2) غنية النزوع 1: 38.

(3) المبسوط 1: 43.

(4) الكافي 3: 91/ 2، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1.

(5) الكافي 3: 91/ 1، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 348

و إطلاق هذه الرواية قوي جدّاً، و السؤال إنّما هو عن مستمرّة الدم مطلقاً، و الجواب بيان الأمارات لماهية الدمين؛ استمرّ الدم أو لا، كانت المرأة مبتدئة أو غيرها. و عدمُ الاكتفاء بذكر الأمارات فقط و تعقيبه بقوله

فإذا كان للدم حرارة ..

إلىٰ آخره تحكيمٌ للإطلاق.

و الإطلاق

في الصحيحتين و غيرهما متبع لا يرفع اليد عنه إلّا بدليل و مقيّد، كما ورد في ذات العادة،

ففي موثّقة إسحاق بن جرير:

قال: سألتني امرأة منّا أن أُدخلها علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فاستأذنتُ لها، فأذن لها فدخلت .. إلىٰ أن قال:

فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها؟

قال إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد، ثمّ هي مستحاضة.

قالت: فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة، كيف تصنع بالصلاة؟

قال تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين.

قالت له: إنّ أيّام حيضها تختلف عليها؛ و كان يتقدّم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة، و يتأخّر مثل ذلك، فما علمها به؟

قال دم الحيض ليس به خفاء؛ هو دم حارّ تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد «1».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 348

فأرجعها إلى الصفات بعد اختلاف العادة، كما سيأتي الكلام فيه «2»، و إطلاقها لما نحن بصدده لا يقصر عن المتقدّمين.

______________________________

(1) الكافي 3: 91/ 3، تهذيب الأحكام 1: 151/ 431، وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 3.

(2) يأتي في الصفحة 358 359، 403.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 349

الروايات التي زعم صاحب «الحدائق» دلالتها على عدم اعتبار التمييز
اشارة

نعم، هنا روايات أُخر تمسّك بها صاحب «الحدائق» ردّاً على الأصحاب، زاعماً أنّ الحكم في المبتدئة و سنّتها عدم الرجوع إلى التمييز مطلقاً «1»:

1 مرسلة يونس الطويلة
اشارة

منها: مرسلة يونس الطويلة، و لمّا كان فيها أحكام كثيرة تدور عليها سنن الاستحاضة و المستحاضة، فلا بدّ من التيمّن بنقلها علىٰ طولها و بيان بعض فقرأتها:

نقل متن المرسلة

روى الشيخ الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى العبيدي- و هو ثقة على الأصحّ «2» عن يونس بن عبد الرحمن، عن غير واحد سألوا أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الحيض و السنّة في وقته، فقال إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سنّ في الحيض ثلاث سنن، بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها؛ حتّى لم يدعْ لأحد مقالًا فيه بالرأي:

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 193 194.

(2) قد وقع الخلاف بين أصحابنا في العبيدي على قولين: أحدهما: أنّه ضعيف و هو الذي صرّح به جمع، منهم الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه). ثانيهما: أنّه ثقة و هو الذي صرّح به النجاشي و الكشي.

رجال النجاشي: 332/ 896، اختيار معرفة الرجال: 507/ 980، رجال الطوسي: 391/ 10، تنقيح المقال 3: 167/ السطر 26 (أبواب الميم).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 350

أمّا إحدى السنن: فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثمّ استحاضت و استمرّ بها الدم، و هي في ذلك تعرف أيّامها و مبلغ عددها، فإنّ امرأة يقال لها: فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت، فأتت أُمَّ سلمة، فسألت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن ذلك فقال: تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها، و قال: إنّما هو عَزْف و أمرها أن تغتسل و تَسْتثفِر بثوب و تصلّي.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) هذه سنّة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في التي

تعرف أيّام أقرائها لم تختلط عليها؛ أ لا ترى أنّه لم يسألها: كم يوم هي! و لم يقل: إذا زادت علىٰ كذا يوماً فأنت مستحاضة! و إنّما سنَّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها.

و كذلك أفتىٰ أبي (عليه السّلام) و سئل عن المستحاضة فقال: إنّما ذلك عَزف عامر أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضَّأ لكلّ صلاة. قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) هذا تفسير حديث رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو موافق له، فهذه سنّة التي تعرف أيّام أقرائها لا وقت لها إلّا أيّامها؛ قلّت أو كثرت.

و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم؛ فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر: فإنّ سنّتها غير ذلك؛ و ذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي أُستحاض فلا أطهر، فقال لها النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ليس ذلك بحيض، إنّما هو عزف، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلّى، و كانت تغتسل في كلّ صلاة، و كانت تجلس في مِرْكَن لأُختها، و كانت صفرة الدم تعلو الماء.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) أما تسمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر هذه بغير ما أمر به تلك! أ لا تراه لم يقل لها: دعي الصلاة أيّام أقرائك، و لكن قال لها: إذا أقبلت

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1،

ص: 351

الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغتسلي و صلّى! فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها؛ أ لا تسمعها تقول: إنّي أُستحاض فلا أطهر! و كان أبي يقول: إنّها استحيضت سبع سنين، ففي أقلّ من هذا تكون الريبة و الاختلاط، فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف إقبال الدم من إدباره، و تغيّرَ لونه من السواد إلىٰ غيره؛ و ذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف، و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلىٰ معرفة لون الدم؛ لأنّ السنّة في الحيض أن يكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيّام الحيض إذا عرفت حيضاً كلّه؛ إن كان الدم أسود أو غير ذلك.

فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم و كثيره أيّام الحيض، حيض كلّه إذا كانت الأيّام معلومة، فإذا جهلت الأيّام و عددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلىٰ إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه، ثمّ تدع الصلاة علىٰ قدر ذلك. و لا أرى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال لها: اجلسي كذا و كذا يوماً، فما زادت فأنت مستحاضة، كما لم يأمر الاولىٰ بذلك.

و كذلك أبي أفتىٰ في مثل هذا؛ و ذلك أنّ امرأة من أهلنا استحاضت، فسألت أبي عن ذلك، فقال: إذا رأيت الدم البَحْراني فدعي الصلاة، و إذا رأيت الطهر- و لو ساعة من نهار فاغتسلي و صلّى.

و أرى جواب أبي هاهنا غير جوابه في المستحاضة الأُولىٰ: أ لا ترى أنّه قال: تدع الصلاة أيّام أقرائها! لأنّه نظر إلى عدد الأيّام، و قال هاهنا: إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة، و أمرها هاهنا أن تنظر إلى الدم إذا أقبل و أدبر و تغيّر.

و

قوله: البحراني شبه قول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ دم الحيض أسود يعرف. و إنّما سمّاه أبي: بحرانيّاً لكثرته و لونه.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 352

فهذه سنّة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في التي اختلط عليها أيّامها حتّى لا تعرفها، و إنّما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيّام و كثيره.

قال و أمّا السنّة الثالثة: ففي التي ليس لها أيّام متقدّمة، و لم تَرَ الدم قطّ، و رأت أوّل ما أدركت، و استمرّ بها، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأُولىٰ و الثانية؛ و ذلك أنّ امرأة يقال لها: حَمَنة بنت جحش أتت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالت: إنّي استحضت حيضة شديدة، فقال: احتشي كُرْسفاً.

فقالت: إنّه أشدّ من ذلك؛ إنّي أثجّه ثجّاً! فقال: تلجّمي و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة، ثمّ اغتسلي غسلًا، و صومي ثلاثة و عشرين يوماً أو أربعة و عشرين، و اغتسلي للفجر غسلًا، و أخّري الظهر، و عجّلي العصر، و اغتسلي غسلًا، و أخّري المغرب، و عجّلي العشاء، و اغتسلي غسلًا.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الأُولىٰ و الثانية؛ و ذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تينك؛ أ لا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع؛ و كانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها: تحيّضي سبعاً، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً و هي مستحاضة غير حائض! و كذلك لو كان حيضها أكثر من سبع؛ و كان أيّامها عشرة أو أكثر، لم يأمرها بالصلاة و هي حائض! ثمّ

ممّا يزيد هذا بياناً قوله (عليه السّلام) لها: تحيّضي، و ليس يكون التحيّض إلّا للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض؛ إلا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة: تحيّضي أيّام حيضك! و ممّا يبيّن هذا قوله لها: في علم اللّٰه؛ لأنّه قد كان لها و إن كانت الأشياء كلّها في علم اللّٰه، فهذا بيّن واضح أنّ هذه لم تكن لها أيّام قبل ذلك قطّ. و هذه سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه؛ أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 353

و عشرون، حتّى تصير لها أيّام معلومة، فتنتقل إليها.

فجميع حالات المستحاضة تدور علىٰ هذه السنن الثلاث؛ لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ:

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خلقها الذي جرت عليه؛ ليس فيه عدد معلوم موقّت غير أيّامها.

و إن اختلطت الأيّام عليها و تقدّمت و تأخّرت و تغيّر عليها الدم ألواناً، فسنّتها إقبال الدم و إدباره و تغيّر حالاته.

و إن لم تكن لها أيّام قبل ذلك و استحاضت أوّل ما رأت، فوقتها سبع، و طهرها ثلاث و عشرون. و إن استمرّ بها الدم أشهراً فعلت في كلّ شهر كما قال لها، فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر و تصلّي، فلا تزال كذلك حتّى تنظر إلى ما يكون في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواءً حتّى توالىٰ عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً و خلقاً معروفاً؛ تعمل عليه و تدع ما سواه، و تكون سنّتها فيما

يستقبل إن استحاضت، قد صارت سنّة إلىٰ أن تجلس أقراؤها.

و إنّما جعل الوقت إن توالىٰ عليها حيضتان أو ثلاث؛ لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) للتي تعرف أيّامها: دعي الصلاة أيّام أقرائك، فعلمنا أنّه لم يجعل القرء الواحد سنّة لها، فيقول لها: دعي الصلاة أيّام قرئك، و لكن سَنّ لها الأقراء، و أدناه حيضتان فصاعداً.

و إن اختلط عليها أيّامها و زادت و نقصت حتّى لا تقف فيها علىٰ حدّ، و لا من الدم علىٰ لون عملت بإقبال الدم و إدباره ليس لها سنّة غير هذا؛ لقوله (عليه السّلام): إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، و إذا أدبرت فاغتسلي، و لقوله: إنّ دم الحيض أسود يعرف، كقول أبي: إذا رأيت الدم البحرانيّ.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 354

و إن لم يكن الأمر كذلك، و لكنّ الدم أطبق عليها، فلم تزل الاستحاضة دارّة، و كان الدم علىٰ لون واحد و حالة واحدة، فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت: إنّي أثجّه ثجّاً «1»

انتهى الحديث المبارك.

بيان دلالة المرسلة

و قد استدلّ به صاحب «الحدائق» علىٰ أنّ المبتدئة ليس لها سنّة إلّا الرجوع إلى الأيّام، و إنّما التمييز سنّة المضطربة خاصّة «2». و ما ذكره و إن كان يوهمه بعض فقرأت المرسلة، لكنّ التأمّل الصادق في مجموعها يدفع ذلك، فلا بأس ببيان بعض فقرأت الحديث حتّى يتضح الحال:

فنقول أوّلًا علىٰ نحو الإجمال: إنّ الظاهر منها أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أجاب عن ثلاث وقائع شخصيّة: وردت اثنتان منها عليه لفاطمة بنت أبي حبيش؛ إن كانت الواقعتان لمرأة واحدة في حالتين مختلفتين و يحتمل أن

تكون فاطمة بنت أبي حبيش اثنتين، كما ربّما يشعر به بعض فقرأت المرسلة، كقوله

أما تسمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر هذه بغير ما أمر به تلك!

و قوله

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها

و الواقعة الثالثة هي واقعة حمنة بنت جحش، لكنّ الصادق (عليه السّلام) قال:

إنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بيّن في هذه السنن كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها، و لم يدعْ

______________________________

(1) الكافي 3: 83/ 1، وسائل الشيعة 2: 276، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 4، و الباب 5، الحديث 1.

(2) الحدائق الناضرة 3: 194.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 355

لأحدٍ مقالًا فيه بالرأي و الاجتهادات الظنّية، الخارجة عن طريق فهم السنّة.

و هذا يبيّن أنّ فهم القواعد الكلّية من بعض القضايا الشخصية بإلغاء الخصوصيّات عرفاً ليس من الاجتهاد الممنوع و المقال بالرأي، كما أفاد أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) طريقه في هذه الرواية، و نبّه علىٰ طريق الاستفادة و استنباط الأحكام الكلّية من السنّة، كما هو الطريق المألوف.

ثمّ إنّ الظاهر من قول السائل لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الحيض و السنّة في وقته، هو أنّ السؤال إنّما كان عن السنّة في تعيين وقت الحيض، لا عن موضوعه، و لا عن حكمه، و إنّما يصحّ هذا السؤال فيما إذا اختلط الحيض بغيره؛ و لم يعلم أنّ الدم الخارج أيُّ مقدار منه حيض، و أيُّ الأيّام أيّامه و وقته، فأجاب بما هو مناسب لشبهته ببيان السنن الثلاث.

فهذه السنن كفيلة لرفع الشبهة الواقعة في وقت الحيض فيما إذا اختلط الحيض بالاستحاضة، فبمقتضىٰ سوق الرواية و الحصر في السنن الثلاث،

لا بدّ من دخولِ سنن جميع أقسام المستحاضة في الرواية الشريفة؛ و استفادةِ حكم جميع حالات المستحاضة منها.

ثمّ إنّ الظاهر منها في السنن الثلاث، أنّ إرجاع كلٍّ منهنّ إلىٰ سنّة ليس لأجل اختصاص السنّة بها، بل لأجل اختصاص مرجعها بها.

مثلًا: إنّ الرجوع إلى العادة ليس مختصّاً بذات العادة التي استمرّ بها الدم مع علمها بعادتها، بل ذات العادة الكذائية لا مرجع لها إلّا عادتها، كما نصّ عليه في الرواية، و كذا الحال في السنّتين الأُخرَيين، فلا يكون الرجوع إلى التمييز مختصّاً بالتي اختلط عليها أيّامها، بل التي اختلط عليها أيّامها و لا يكون دمها علىٰ لون واحد و حالة واحدة، لا مرجع لها إلّا الرجوع إلى التمييز. و كذا الحال في

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 356

المبتدئة التي سيأتي الكلام فيها في ذيل الحديث «1».

ثمّ لا إشكال في أنّ ذاتَ العادة مع إحصائها أيّام حيضها و عدم اختلاط فيها و علمها بها، مرجعُها إلىٰ عادتها، و يأتي الكلام فيها في محلّه «2».

و نحن الآن بصدد بيان السنّة الثانية و الثالثة، فقوله

و أمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها من طول الدم، فزادت و نقصت حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر ..

فيه احتمالان:

أحدهما: أنّ المراد ممّا ذكر هي الناسية؛ فإنّ طول زمان استمرار الدم، صار سبباً لغفلتها عن عددها و موضعها من الشهر بعد كون العدد و الموضع معلومين لها.

و يؤيّد ذلك إذا استظهر من الرواية كون فاطمة بنت أبي حبيش امرأة واحدة أنّها أتت مرّة أُمَّ سلمة في زمان كانت ذاكرة لعدد أيّامها و وقتها من الشهر، و أُخرى أتت النبيَّ (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم) بعد طول مدّة الدم و نسيانها لهما، كما يشهد به قوله

و كان أبي يقول: إنّها استحيضت سبع سنين.

و ثانيهما: أنّ المراد منه هي التي كانت لها أوّلًا أيّام مضبوطة، و كانت ذات عادة مستقرّة عدداً و وقتاً، ثمّ اختلطت الأيّام؛ و تقدّمت و تأخّرت، و زادت و نقصت، ثمّ استمرّ عليها الدم.

و يشهد لهذا الاحتمال بعد منع كون فاطمة امرأة واحدة طرأت عليها الحالتان؛ لما تقدّم من ظهور الرواية في كون ما ذكرت فيها مرأتين مسمّيتين ب «فاطمة» و أنّ أباهما كان مكنّى ب «أبي حبيش» قوله

زادت و نقصت

فإنّ

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 359.

(2) يأتي في الصفحة 403.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 357

الظاهر منه أنّ الزيادة و النقص إنّما عرضتا للأيّام المتقدّمة، فكانت الأيّام أوّلًا مضبوطة غير مختلفة، ثمّ صارت مختلفة؛ ناقصة تارة، و زائدة اخرىٰ، و هذا المعنى لا يتصوّر في مستمرّة الدم.

و يؤيّده قوله فيما بعد

و إن اختلطت الأيّام عليها، و تقدّمت و تأخّرت

فإنّ التقدُّم و التأخّر المنسوبين إلى الأيّام لا يتصوّران إلّا قبل استمرار الدم.

و يشهد بذلك قوله

أغفلت

بصيغة «أفعال» فإنّ معنىٰ «أغفل الشي ء» أهمله و تركه، علىٰ ما في «المنجد» «1» و في «الصحاح»: «أغفلتَ الشي ء: إذا تركتَه علىٰ ذِكر منك» «2» فالعدول عن «غَفَلت عن عددها» إلىٰ

أَغفلت عددها

لأجل أنّ أيّامها كانت مضبوطة، و كانت آخذة بعددها و موضعها من الشهر، ثمّ اختلطت؛ فزادت و نقصت، و تقدّمت و تأخّرت، حتّى تركت الأيّام المضبوطة و أهملتها، فحينئذٍ تكون الرواية متعرّضة لقسم من المضطربة.

و لا ينافي ما ذكرناه بعض فقرأتها، كقوله

إنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم

تعرف عددها و لا وقتها

لأنّ مختلطة الأيّام بما ذكرنا أيضاً لا تعرف عددَها؛ لأنّ أيّامها زادت و نقصت، و لا وقتها؛ لتقدّمها و تأخّرها.

و لا يبعد أن يكون أرجح الاحتمالين هو الثاني، كما استظهر المحقّق الخونساري ظاهراً «3» و إن ضعّفه شيخنا الأعظم قائلًا: «إنّ عدّة مواضع من الرواية تأبىٰ عن ذلك» «4» و لم تتضح موارد الإباء.

نعم، ربّما يأباه قوله

ثمّ اختلط عليها من طول الدم

فإنّ الظاهر منه أنّ

______________________________

(1) المنجد: 555.

(2) الصحاح 5: 1783.

(3) الحواشي على شرح اللمعة الدمشقيّة، المحقّق الخوانساري: 61/ السطر 5.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 204/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 358

طول الدم و استمراره صار سبباً للاختلاط، و هو لا ينطبق إلّا على النسيان.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد من

طول الدم

ليس طول استمراره، بل المراد أنّ طول سنيّ رؤيته أوجب الاختلاط؛ لأنّ في أوائل الأمر لمّا كانت الرحم معتدلة سليمة، كانت تقذف مضبوطاً عدداً و وقتاً، ثمّ بعد طول الزمان صارت ضعيفة، فخرج قذفها عن الاعتدال و الانضباط.

و هذا التوجيه و إن كان لا يخلو من خلاف ظاهر، لكنّه أهون من رفعِ اليد عن قوله

زادت و نقصت و تقدّمت و تأخّرت

أو توجيهِه بوجه بعيد. بل لا يبعد أن يكون التعبير ب

«طول الدم

دون «استمراره» لإفادة ذلك.

و كيف كان: فيظهر من التأمّل في فقرأت الرواية، أنّ أبا عبد اللّٰه الصادق (عليه السّلام) استشهد علىٰ حكمِ من كان لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلطت عليها، كما هو مفروض كلامه بالسنّة التي سنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في واقعة فاطمة؛ باعتبار عدم إرجاعِها إلى العادة، و إرجاعِها إلى التمييز، فاستفاد من

ذلك أنّ هذه امرأة اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها؛ ممّا هي معتبرة في الرجوع إلى العادة، فعدم الإرجاع إليها شاهد على اختلاط الأيّام و عدم معرفتها بها؛ و إن لم يكن شاهداً علىٰ كون الاختلاط بعد ما كانت لها أيّام مضبوطة متقدّمة أوّلًا.

ففتوى الصادق (عليه السّلام) في الامرأة التي كانت لها أيّام متقدّمة ثمّ اختلطت، لم تكن لأجل معلومية أنّ فاطمة بنت أبي حبيش كانت كذلك، بل لأجل معلوميةِ اختلاط أيّامها، و عدمِ معرفتها بها، و كونِ دمها ذا تميّز؛ و إن لم يعلم أنّها كانت ذات عادة منضبطة، ثمّ اختلطت أيّامها، كما يظهر من قوله

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط ..

إلىٰ آخره، فمن أجل ذلك يستفاد أنّ تمام الموضوع للرجوع إلى الصفات، هو الاختلاط و عدم المعرفة مع كون الدم ذا تميّز.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 359

بل يظهر من التعبيرات المختلفة في الرواية تارة: ب

«التي كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلط عليها.

و أُخرى: بأنّ

هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها

من غير ذكر للأيّام المتقدّمة، و ثالثة بقوله

إذا جهلت الأيّام و عددها احتاجت ..

إلىٰ آخره .. إلى غير ذلك أنّه لا يعتبر في الرجوع إلى التمييز إلّا عدم إمكان الرجوع إلى العادة؛ سواء كان لفقدانها، أو اختلاطها، أو نسيانها، أو غير ذلك.

و ممّا يبيّن ذلك التأمّل الصادق في قوله

فلهذا احتاجت إلىٰ أن تعرف ..

إلىٰ قوله

و لو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت ..

إلىٰ آخره، فإنّ المتفاهم عرفاً منه: أنّ الاحتياج إلىٰ معرفة لون الدم، إنّما هو فيما قصرت يدها عن الأمارة التي هي أقوى منها عرفاً و شرعاً، و أنّ الرجوع

إلى التمييز لأجل أنّ دم الحيض أسود يعرف، فأمارية الصفات أوجبت الإرجاع إليها عند فقد الأمارة المتقدّمة عليها قوّة و كشفاً؛ من غير دخل لتقدّم الأيّام و عدمه أو اختلاطها و عدمه في ذلك، فموضوع الإرجاع عرفاً هو وجدان هذه الأمارة و فقدان ما هي أقوى منها.

و لو فرض كون المرأة مبتدئة ذات تمييز، يفهم من التأمّل في الفقرات أنّ تكليفها الرجوع إلى التمييز، و عند فقدانه يكون تكليفها غير ذلك.

و أمّا السنّة الثالثة: فإنّه و إن كان يوهم بعض فقرأت الرواية كونها للمبتدئة؛ كانت ذات تمييز أو لا، لكنّ التأمّل في جميع فقرأتها يدفع هذا الوهم؛ فإنّ الظاهر منها- كما تقدّم أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سنّ في ثلاث وقائع شخصية ثلاث سنن، يفهم منها جميع حالات المستحاضة، فجميع حالات المستحاضة تدور علىٰ هذه السنن، لا أنّ المستحاضة تنحصر في الموارد الثلاثة التي وردت على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و بيّن أحكامها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 360

نعم، وردت السنّة الثالثة بحسب الواقعة الشخصية فيمن لم تَرَ الدم، و رأت أوّل ما أدركت، و استمرّ بها، و كانت كثيرة الدم، و كان دمها ذا دفع و شدّة، و علىٰ لون واحد و حالة واحدة، كما يستفاد من قولها

أثجّه ثجّاً

و قد صرِّح به في آخر الرواية.

فالمستفاد من جميع المرسلة: أنّ السنّة الثالثة و إن وردت فيمن رأت الدم أوّل ما أدركت، و استمرّ بها علىٰ لون واحد؛ بحسب الواقعة الشخصية و القضية الخارجية، لكنّها سنّة لكلّ من لم تكن لها عادة و لا تمييز، كما ينادي به قوله في آخر الرواية

و

إن لم يكن الأمر كذلك، و لكنّ الدم أطبق عليها؛ فلم تزل الاستحاضة دارّة، و كان الدم علىٰ لون واحد و حالة واحدة، فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت: أثجّه ثجّاً.

فيستفاد منه: أنّ كلّ من كانت قصّتها كقصّة حمنة من هذه الحيثية أي إطباق الدم؛ و كونه علىٰ لون واحد و حالة واحدة المستفادة من قولها

أثجّه ثجّاً

تكون سنّتها كسنّتها، و لا تكون السنّة التي وردت لها، مختصّة بها و بمن رأت الدم أوّل ما أدركت، بل الميزان في قصّتها هو الاستمرار و عدم تغيّره.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ المستحاضة لا تخلو إمّا أن تكون ذات عادة معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، أو لا:

فالأُولىٰ: مرجعها إلى العادة لا غيرها.

و الثانية: إمّا أن تكون ذات تميّز و تغيّر في لون الدم و حالاته، أو لا:

فالأُولى: مرجعها إلى التمييز.

و الثانية: إلى السبع و الثلاث و العشرين.

و لا تخلو مستحاضة من تلك الحالات، و يستفاد جميع سنن المستحاضة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 361

و حالاتها من السنن الثلاث بعد التأمّل التامّ و التدبّر الصادق في فقرأتها، كما قال في أوّل الرواية

بيّن كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها

ثمّ أفاد (عليه السّلام) طريق الاستفادة من قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و لا يخفىٰ: أنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّما أرشد السائلين إلىٰ طريق الاستفادة من كلام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي جعفر (عليه السّلام) لفتح باب الاجتهاد عليهم، لا أنّ طريق علمه بالأحكام هو هذا النحو من الاجتهادات الظنّية و الاستظهارات العرفية، كما هو مقتضىٰ أُصول

المذهب.

2 رواية سماعة و موثّقة ابن بكير

و ممّا تمسّك به صاحب «الحدائق» لمذهبه «1»

رواية سَماعة قال: سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها، فدام دمها ثلاثة أشهر، و هي لا تعرف أيّام أقرائها، فقال أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام، و أقلّه ثلاثة أيّام «2».

و

موثّقة عبد اللّٰه بن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المرأة إذا رأت الدم أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك، تركت الصلاة عشرة أيّام، ثمّ تصلّي عشرين يوماً، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام، و صلّت سبعة و عشرين يوماً «3».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 194.

(2) الكافي 3: 79/ 3، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1181، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 381/ 1182، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 362

و فيه: أنّ لأدلّة الأوصاف نحو حكومة عليهما:

أمّا على الاولىٰ فظاهر؛ لأنّ السؤال عمّن لا تعرف أيّام أقرائها و لسان روايات الأوصاف مثل قوله

إنّ دم الحيض أسود يعرف

و قوله

إنّ دم الحيض ليس به خفاء

هو أنّه مع الأوصاف تخرج المرأة عن موضوع عدم المعرفة.

و أمّا على الثانية: فلأنّ الظاهر منها أنّ ترك الصلاة عشرة أيّام في الدورة الاولىٰ و ثلاثة أيّام فيما بعدها، ليس لأجل كونها حيضاً، بل هو حكم تعبّدي لدى التحيّر في معرفة أيّامها.

و يشهد له قول ابن بكير في روايته الأُخرىٰ التي لا يبعد أن تكون عين الاولىٰ، و يكون الاختلاف في النقل، فتارة: نقلها بجميع ألفاظها، و تارة: اقتصر علىٰ جوهر القضيّة

حيث قال فإذا مضى

ذلك و هو عشرة أيّام فعلت ما تفعله المستحاضة.

و قال في ذيلها و جعلت وقت طهرِها أكثرَ ما يكون من الطهر، و تركِها للصلاة أقلَّ ما يكون من الحيض «1».

و معلوم: أنّ ظاهر هذه الفقرات، هو أنّ الحيض و الاستحاضة لمّا لم يكونا معلومين و كانا مختلطين، وجب عليها التحيّض في أيّام و الصلاة في أُخرى.

و هذا نظير قوله في

مرسلة يونس المتقدّمة تحيّضي في علم اللّٰه ..

فلسان الروايتين لسان الأصل، و لسان أدلّة الأوصاف لسان الأمارة، فتكون حاكمة عليهما.

و ينبغي التنبيه علىٰ أُمور:
اشارة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 400/ 1251، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 363

الأمر الأوّل في شرائط الرجوع إلى التمييز
اشارة

يشترط في الرجوع إلى التمييز أُمور:

منها: أن لا ينقص ما شابه دم الحيض عن ثلاثة أيّام.

و منها: أن لا يزيد علىٰ عشرة أيّام.

و منها: عدم نقصان ما شابه الاستحاضة عن عشرة أيّام.

و هذه الشروط أي عدم جواز جعل ما شابه الحيض حيضاً؛ إذا نقص عن ثلاثة أيّام أو زاد عن عشرة، و عدم جواز جعل الطهر بين الحيضتين أقلّ من عشرة أيّام ممّا لا ينبغي الإشكال فيه؛ لما دلّ من المستفيضة علىٰ أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام، و لا أكثرَ من عشرة أيّام «1»، و ما دلّ علىٰ أنّ الطهر لا يكون أقلَّ من عشرة أيّام «2».

مختار صاحب «الحدائق» في المقام و نقده

و هذه الأدلّة حاكمة علىٰ أدلّة الأوصاف؛ لأنّ جعل الأمارة إنّما هو بعد الفراغ عن إمكان الحيض الواقعيّ و احتمال وجوده، و هذه الأدلّة تحديد لواقع الحيض، و ليست الأمارة إلّا كاشفة عمّا يمكن أن يكون حيضاً و يحتمل تحقّقه،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 364

و هذه الروايات ترفع الموضوع و تخرجه عمّا يمكن فيه ذلك، فهي بلسانها مقدّمة على لسان الأمارات عرفاً.

فما ذهب إليه صاحب «الحدائق» «1» من أنّها تتحيّض بالأقلّ و الأكثر؛ زاعماً أنّ ذلك مقتضىٰ إطلاق الروايات، بل مقتضىٰ قوله

في مرسلة يونس ما كان من قليل الأيّام و كثيره «2».

مردود؛ ضرورة أنّ أدلّة التحديد الحاكمة علىٰ أدلّة الصفات، توجب تحديد القليل و الكثير بأيّام إمكان الحيض.

و ممّا ذكرنا ظهر حال ما تمسّك به لردّ الشرط الثالث، و هو بلوغ الدم الضعيف وحده أو مع النقاء

عشرة أيّام، قائلًا:

«إنّ ذلك لا دليل عليه، بل ظاهر الأخبار يردُّه،

كموثّقة أبي بصير قال: سألت الصادق (عليه السّلام) عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام، و الطهرَ خمسةَ أيّام، و ترى الدم أربعة أيّام، و ترى الطهرَ ستّةَ أيّام، فقال إن رأت الدم لم تصلِّ، و إن رأت الطهر صلّت ما بينها و بين ثلاثين يوماً، فإذا مضت ثلاثون يوماً .. «3»

إلىٰ آخره، و قريب منها موثّقة يونس بن يعقوب «4»» «5».

و الروايتان صحيحتان، و توصيفهما ب «الموثّقة» كأنّه في غير محلّه.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 195.

(2) تقدّم في الصفحة 352.

(3) تهذيب الأحكام 1: 380/ 1180، وسائل الشيعة 2: 286، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 3.

(4) الكافي 3: 79/ 2، تهذيب الأحكام 1: 380/ 1179، وسائل الشيعة 2: 285، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 6، الحديث 2.

(5) الحدائق الناضرة 3: 195.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 365

و كيف كان: فأمّا قوله: «لا دليل عليه» فقد مرّ الدليل عليه «1».

و أمّا تمسّكه بالروايتين، ففيه أوّلًا: أنّ مفادهما غير ما نحن فيه؛ لظهورهما في حصول النقاء، لا في استمرار الدم و اختلاف الألوان.

و ثانياً: قد مرّ في محلّه ما هو مفادهما «2»، و قد حملهما الشيخ علىٰ محمل صحيح «3»، و بيّن المحقّق ما هو المحمل فيهما «4»، فلا نعيد.

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 116 126.

(2) تقدّم في الصفحة 123 124.

(3) الاستبصار 1: 132/ ذيل الحديث 453.

(4) المعتبر 1: 207.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 366

الأمر الثاني في حكم ما تراه بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام
اشارة

إذا فقد الشرط الأوّل أي كان ما رأت بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام فهل هي فاقدة التمييز، و لا بدّ لها

من الرجوع إلى الأقارب أو الروايات؛ لو قلنا برجوع الفاقدة إليهما مطلقاً، أو هي واجدة له في الجملة؟

قد يقال بالأوّل: «لأنّ أمارة الحيض في اليومين مثلًا التي يلزم منها كون الثالث حيضاً لما دلّ علىٰ عدم كون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام معارضة لأمارة الاستحاضة في اليوم الثالث التي يلزم منها كون اليومين أيضاً استحاضة، فتتساقط الأمارتان، فهي فاقدة التمييز» «1».

و قد يجاب عنه: «بأنّ سوق الأخبار يشهد بورودها لتمييز الحيض عمّا ليس بحيض الذي هو الاستحاضة، و إنّما ذكر أوصاف الاستحاضة استطراداً لبيان أنّه ليس بحيض، فإذا تبيّن كون بعض ما رأته بصفة الاستحاضة حيضاً باعتبار كونه مكمّلًا لما علم حيضيّته بالأوصاف التي اعتبرها الشارع فلا تنافيه هذه الأدلّة» «2» انتهىٰ.

و فيه: أنّه لم يتضح معنى «الاستطراد» فإن كان المراد أنّ ذكر أوصاف الاستحاضة وقع بعد أوصاف الحيض تبعاً له، فهو مع عدم تماميته في جميع الروايات؛ فإنّ في صحيحة معاوية بن عمّار قدّم ذكر الاستحاضة و صفتها على

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 271.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 303/ السطر 36.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 367

الحيض و صفته «1» لا يوجب عدم كون الصفات أمارة، أو رفع اليد عن أماريتها لدى التعارض.

و إن كان المراد أنّ الإمام (عليه السّلام) ليس بصدد بيان أمارية أوصاف الاستحاضة، بل يكون بصدد أمارية الحيض فقط، و ذكر الأوصاف المقابلة ليس لأجل أماريتها، بل لبيان فقد أمارة الحيض، كما يظهر من القائل في خلال كلامه، فهو غير وجيه؛ ضرورة ظهور الأدلّة في أمارية كلٍّ من الطائفتين، و لا يمكن الالتزام بذلك، خصوصاً في صحيحة معاوية. بل كأنّه أشرنا سابقاً إلىٰ أولوية أمارية صفات الاستحاضة من

صفات الحيض «2».

و كيف كان: فلا وجه لرفع اليد عن ظهور الروايات في أمارية صفاتهما.

و يمكن أن يقال في جواب الإشكال المتقدّم: أنّ إمارة الاستحاضة فيما نحن فيه، لا يمكن أن تعارض أمارة الحيض؛ للعلم بكذب مفادها، فإنّ المفروض أنّ غير اليومين من أيّام الدم يكون بصفة الاستحاضة، فالأخذ بدليل صفات الاستحاضة- اللازم منه جعل اليومين أيضاً استحاضة ممّا لا يمكن؛ للعلم بكون بعض الأيّام حيضاً، ضرورة اتفاق النصّ «3» و الفتوى «4» علىٰ حيضية بعض الدم المستمرّ، فحينئذٍ تكون الأمارة الدالّة علىٰ كون الجميع استحاضةً، مخالفةً للواقع، فلا يمكن الأخذ بها، فتبقىٰ أمارة الحيض في اليومين بلا معارض، و لازمها تتميم ما نقص.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 347.

(2) تقدّم في الصفحة 166.

(3) راجع ما تقدّم في الصفحة 349.

(4) النهاية: 24، المعتبر 1: 207، تحرير الأحكام 1: 14/ السطر 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 368

الكلام في كيفية التتميم

نعم، يبقى الكلام في كيفية التتميم، فقد يقال «بالرجوع إلىٰ عادات النساء أو الروايات؛ فإنّه لم يعرف من أخبار التمييز إلّا كون اليومين مثلًا حيضاً في الجملة، و هذا المقدار من المعرفة، لا يوجب خروجها من موضوع ما دلّ على الرجوع إلىٰ عادات النساء أو الأخبار. و علىٰ تقدير انصراف الأخبار يفهم حكمه منها عرفاً؛ لأنّ هذه الأخبار ليست تعبّدية محضة، بل مناطها أُمور مغروسة في الأذهان «1».

و فيه: أنّ إطلاق أدلّة التمييز يحكم بأنّ اليومين حيض، و لو لم يكن دليل تحديد الحيض بثلاثة أيّام، لقلنا بمفادها بمقتضىٰ إطلاقها. و دعوىٰ عدم الإطلاق في الروايات و خروج الفرض و أمثاله منها، في غاية السقوط؛ ضرورة أنّ الروايات في مقام البيان بلا إشكال، و إطلاقها محكّم،

و إنّما يخرج منه بقدر ما ورد من التقييد.

و لا تنافيها أدلّة تحديد الحيض بثلاثة أيّام؛ لعدم المنافاة بين كون اليومين حيضاً، مع كون اليوم الثالث أيضاً حيضاً؛ لأنّ وجدان الصفة أمارة على الحيضية، و أمّا فقدانها فليس أمارة علىٰ شي ء. نعم وجدان صفات الاستحاضة أمارة عليها، و لازمها عدم الحيضيّة. لكن قد عرفت عدم إمكان الأخذ بها.

فحينئذٍ يؤخذ بأمارة الحيض في اليومين، و تترك أمارة الاستحاضة بمقدار تتميم أقلّ الحيض؛ لما دلّ علىٰ عدم كون الحيض أقلّ من ثلاثة، و تبقىٰ أمارية صفات الاستحاضة في اليوم الرابع و ما زاد بلا معارض، فيؤخذ بها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 304/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 369

و مع قيام الأمارة على الاستحاضة في الأيّام الزائدة، و قيام الأمارة أيضاً علىٰ حيضية ثلاثة أيّام، لا وجه للرجوع إلىٰ عادات النساء ممّا ثبت نصّاً و فتوى تأخّر أماريتها عن أمارية التمييز. و أوضح منه عدم الرجوع إلى الروايات الذي هو تكليف فاقدة التمييز و الأمارة.

فرفع اليد عن أدلّة التمييز إمّا لدعوىٰ قصور أدلّتها عن شمول هذه الفروض، فهي مدفوعة بما تقدّم من إطلاق الأدلّة. و يظهر إطلاقها من الرجوع إليها و التأمّل في مفادها. و لَعَمْري، إنّ الناظر فيها لا يشكّ في شمولها لجميع الفروض؛ مع قطع النظر عن روايات التحديد.

و إمّا لدعوىٰ دخول الفروض في أدلّة الرجوع إلى النساء و الأخبار، ففيها: أنّه مع شمول إطلاقات أدلّة التمييز لها لا معنى للرجوع إليهما؛ لحكومة أدلّة التمييز عليهما علىٰ فرض شمولهما لها. فالتتميم بالرجوع إلى العادات و الأخبار ممّا لا أرىٰ له وجهاً وجيهاً.

ثمّ إنّه علىٰ فرض خروج هذه الفروض عن مفاد الأدلّة

و انصرافها عنها، لا وجه لفهم أحكامها بالرجوع إلى العرف بدعوى ارتكازية المناط.

اللهمّ إلّا أن يدعىٰ: أنّ الارتكاز و المغروسية في أذهان العرف، يوجب عدمَ الانصراف، بل إلغاءَ الخصوصيات عرفاً، فله وجه، لكنّه يرجع إلىٰ دلالة الأدلّة، لا إلىٰ حكم العرف؛ فإنّه لا معنىٰ للرجوع إليه إلّا في فهم مفادها.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 370

الأمر الثالث في حكم ما تراه بصفة الحيض أكثر من عشرة أيّام

إذا فقد الشرط الثاني بأن ترى زائداً على العشرة بصفة الحيض فهل هي فاقدة التمييز مطلقاً أو لا؟

و على الثاني: هل يجب عليها التحيّض من أوّل الرؤية إلىٰ عشرة أيّام، أو التحيّض من أوّل الرؤية و تتميمه بمقدار عادات النساء أو الأخبار، أو يجب عليها الرجوع إلىٰ عادات النساء أو الأخبار في أيّام رؤية الدم بصفة الحيض مخيّرة بينهما، أو يفصّل بين ما إذا كانت للأمارات جهة مشتركة أو لا، كما تأتي الإشارة إليه؟

وجوه، مقتضى القواعد هو التفصيل الأخير.

و أمّا القول بكونها فاقدة التمييز مطلقاً «1» فضعيف؛ لأنّ رفع اليد عن أمارة الاستحاضة في أيّام رأته بصفتها، ممّا لا وجه له بعد ما عرفت من إطلاق الأدلّة.

كما أنّ لازم الأمارات المتعارضة في صورة التعارض بينها، هو عدم حيضية الضعيف في الجملة، فأمارات الحيضية المتعارضة لأجل أدلّة تحديد الحيض بالعشرة متفقة في عدم حيضية الضعيف و إن تعارضت في محلّ الحيض من الأيّام، و لازمُ الأمارات المتعارضة مع اتفاقها فيه حجّةٌ، فلا إشكال

______________________________

(1) المعتبر 1: 206، جواهر الكلام 3: 272.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 371

في التمييز في الجملة؛ لا لفهم العرف بعد انصراف الأدلّة، كما قيل «1» بل لما ذكرنا من إطلاقِ أدلّة أمارات الاستحاضة، و لازمِ أمارات الحيض في

فرض التعارض.

و أمّا التحيّض في أوّل الرؤية بعشرة أيّام، كما عن شيخ الطائفة «2» أو بالتتميم بالعادات أو الأخبار «3» فغير تامّ؛ لعدم الترجيح بين الأيّام في بعض الصور، بل الترجيح لغير الأوّل في بعضها، كما يأتي. و التمسّك بقاعدة الإمكان «4» مع ما تقدّم من عدم الدليل عليها «5» لا وجه له هاهنا و لو فرض الدليل عليها؛ لعدم الرجحان بين الأيّام بعد قيام الأمارة علىٰ جميعها و تساوي جريان القاعدة فيها.

و دعوىٰ ظهور الأدلّة في التحيّض أوّل ما رأت،

كقوله في صحيحة حفص بن البَخْتَري فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد فلتدع الصلاة «6».

و قوله

في مرسلة يونس إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة «7».

غير وجيهة؛ لأنّ الأدلّة إنّما هي بصدد بيان أمارية الأوصاف مطلقاً، لا في أوّل الحدوث، فمعنىٰ قوله

إذا كان للدم حرارة ..

إلىٰ آخره: أنّه كلّما كان للدم حرارة كان حيضاً، و لهذا لو لم تكن أدلّة التحديد لقلنا بحيضية جميع الأيّام،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 303/ السطر 27.

(2) المبسوط 1: 46.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 304/ السطر 23.

(4) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 209/ السطر 16.

(5) راجع ما تقدّم في الصفحة 67 68.

(6) تقدّم في الصفحة 347.

(7) تقدّم في الصفحة 350.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 372

و مع تلك الأدلّة يقع التعارض في الأيّام بين الأمارات من غير ترجيح. و الترجيح بتقدّم الزمان بدعوىٰ خروج الزمان المتأخّر عن إمكان الحيضية بعد انطباق الأدلّة بلا مانع على الأيّام الاولىٰ ممّا لا وجه له؛ لأنّ التقدّم الزماني لا يوجب الترجيح. و التطبيق على الاولىٰ و رفع اليد عن الأدلّة في الأيّام الأُخرىٰ من غير مرجّح، لا وجه له.

و الأقوى بحسب

القواعد هو التفصيل بين ما إذا كانت للأمارة جهة مشتركة، كما إذا رأت خمسة عشر يوماً، فإنّ اليوم السادس إلى العاشر مورد اتفاق الأمارات علىٰ حيضيتها؛ بعد الأخذِ بإطلاق أدلّتها، و تحديدِ الحيض بما دلّ علىٰ أنّه لا يزيد علىٰ عشرة أيّام، فحينئذٍ يقع التعارض بين الأمارات من أوّل رؤية الدم بصفة الحيض إلى الخامس، و من اليوم الحادي عشر إلى الخامس عشر، و تتفق في المفاد من اليوم السادس إلى العاشر، فتكون المرأة ذات تمييز وقتاً و عدداً، فلا ترجع إلىٰ عادات نسائها و الأخبار مطلقاً؛ لتقدّم التمييز عليهما.

و أمّا إذا وقع التعارض بينها من غير اتفاق كما لو رأت عشرين يوماً بصفة الحيض فتتعارض الأمارات في جميع الأيّام، فتكون من جهة الوقت ذات تمييز في الجملة، و من جهة العدد غير ذات تمييز، فترجع إلى التمييز في الوقت في الجملة؛ بمعنى أنّه لو كانت عادة النساء في آخر الشهر خمسة أيّام، و رأت متصفاً بصفات الحيض من أوّل الشهر إلى العشرين، تحيّضت في أيّام التمييز، فتقدّم أدلّة التمييز علىٰ أدلّة عادات النساء بالنسبة إلى الوقت، و أمّا بالنسبة إلى العدد، فلا مزاحم لإطلاق أدلّة الرجوع إلى عادات النساء؛ لأنّ رفع اليد عنها بعد إطلاقها إنّما هو لفهم تقدّم أدلّة التمييز عليها؛ و كونِ التمييز

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 373

أمارة أقوى من أمارة العادات، كما تشهد به رواية سَماعة «1» بل يمكن الاستدلال عليه بمرسلة يونس و مع التعارض بين أمارات التمييز تصير فاقده بالنسبة إلى العدد.

هذا مع إمكان أن يقال: إنّ التعارض بين الأمارات إنّما وقع في محلّ التحيّض، لا في عدد الأيّام، فهي ذات أمارة و

تمييز بالنسبة إلى العشرة، و غير ذات تمييز بالنسبة إلى المحلّ الخاصّ، فتتخيّر في جعل العشرة في أيّ محلّ من اليوم الأوّل إلى العشرين، إلّا إذا عيّنت عادات النساء وقت حيضها، كما لو فرض كون العادات من أوّل الشهر إلىٰ خمسة أيّام، فيجب عليها الأخذ بالعشرة من أوّل الشهر؛ لأنّها بالنسبة إلى الوقت غير ذات تمييز، فلا بدّ من رجوعها إلى الأمارة المتأخّرة عن التمييز.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من لزوم الأخذ بعشرة أيّام، جارٍ في الفرع المتقدّم أي ما إذا كانت للأمارات جهة مشتركة؛ لعدم ما يدفع لزوم الأخذ بعشرة أيّام، فإنّ عادات نسائها أمارة متأخّرة عن أمارة التمييز علىٰ عشرة أيّام، فتدبّر.

و لو فقدت النساء، و قلنا بأنّها غير ذات تمييز بالنسبة إلى العدد، فلا يبعد الرجوع إلى الأخبار بدعوىٰ فهم ذلك من رواية يونس؛

حيث قال في ذيلها عند بيان القاعدة الكلّية بعد بيان السنّتين الأُوليين- فإن لم يكن الأمر كذلك، و لكنّ الدم أطبق عليها؛ فلم تزل الاستحاضة دارّة، و كان الدم علىٰ لون واحد ..

إلىٰ آخره؛ بأن يقال:

إنّ قوله

فإن لم يكن الأمر كذلك

له مصاديق، و يكون جميع مصاديقها موضوعاً للحكم المترتّب عليه؛ أي السبع و الثلاث و العشرين، و إنّما ذكر بعض

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 361.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 374

مصاديقه الواضحة من غير أن يكون الحكم منحصراً في هذا المصداق، فمع فقدان التمييز الذي يمكن الرجوع إليه، يكون تكليفها الرجوع إلى الروايات؛ لصدق قوله

لم يكن الأمر كذلك.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الإرجاع إلى التمييز في السنّة الثانية، إنّما يكون فيما يمكن الإرجاع إليه؛ و هو كون التمييز بلا مزاحم، فموضوع الحكم في التمييز هو

التمييز القابل للإرجاع إليه. و في مقابله المعبّر عنه بقوله

فإن لم يكن الأمر كذلك

هو مطلق ما لا يكون التمييز مرجعاً لها؛ سواء فقد التمييز و هو المصداق الواضح المذكور في المرسلة أو كان تمييز، لكن لم يمكن الرجوع إليه، كما فيما نحن فيه، فتدبّر جيّداً.

لكن قد عرفت: أنّها بالنسبة إلى العدد ذات تمييز، فلا يجوز لها الرجوع إلىٰ عادات النساء في العدد، فضلًا عن الرجوع إلى الروايات.

نعم، لو كانت بالنسبة إلى الوقت غير ذات تمييز كما لو رأت عشرين يوماً رجعت إلى عادات النساء في تعيين الوقت، و إلّا فتتخيَّر.

و أمّا لو كانت ذات تمييز بالنسبة إليه أيضاً كما لو رأت خمسة عشر يوماً كانت بالنسبة إلى اليوم السادس إلى العاشر ذات تمييز وقتاً، فتأخذ به. لكن لو كانت عادة النساء في أوّل الشهر مثلًا لا يبعد تقدّم الأخذ بالعشرة من أوّل الشهر إلى العاشر على الأخذ من السادس إلى العاشر، و في العكس تقدُّم العكس.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 375

الأمر الرابع في حكم ما إذا رأت ذات التمييز صفرة بين الدمين
اشارة

إذا فقد الشرط الثالث؛ بأن ترى بين الدمين المتصفين بصفة الحيض الصالح كلٌّ منهما في نفسه أن يكون حيضاً دماً بصفة الاستحاضة أقلّ من عشرة أيّام، فتارة: يكون مجموع الطرفين و الوسط عشرة أيّام أو أقلّ.

و أُخرى: يكون متجاوزاً عنها.

و حينئذٍ تارة: يكون بعض الدم الثالث متمّماً للعشرة.

و أُخرى: يكون الدم المتوسّط متمّماً لها.

فعلى الأوّل: هل يحكم بكون الطرفين حيضاً، و يتبعهما الوسط؛ إمّا بدعوىٰ أولوية جعل الدم المتوسّط حيضاً من جعل النقاء حيضاً، كما مرّ سابقاً «1»؟

أو بدعوىٰ: أنّ أوصاف الاستحاضة ليست أمارات لها، بل الأمارية مختصّة بأوصاف الحيض، و إنّما ذكر أوصافها استطراداً و لبيان فقدان

أوصاف الحيض، لا لوجدان أوصاف الاستحاضة، فحينئذٍ تكون الأمارة القائمة علىٰ حيضية الطرفين بلا مانع، فتأخذ بها، و تجعل الوسط حيضاً تبعاً؛ لكون أقلّ الطهر عشرة أيّام؟

و لا يخفىٰ ما في الدعويين؛ لما مرّ من ظهور الأدلّة في أمارية الوصفين «2»، و لا دليل علىٰ كون صفة الاستحاضة مذكورة استطراداً، فحينئذٍ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 146.

(2) تقدّم في الصفحة 166 167، 367.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 376

لا يكون جعل الدم الموصوف بصفات الاستحاضة حيضاً، أولىٰ من جعل النقاء كذلك؛ لقيام الأمارة هاهنا على الاستحاضة و عدم الحيضية، بخلاف ما هناك.

فقدان المرأة للتمييز بناءً علىٰ أمارية أوصاف الاستحاضة

ثمّ علىٰ فرض أمارية أوصاف الاستحاضة كما هو التحقيق، فهل تصير المرأة فاقدة التمييز، أو يحكم بكون الدم المتقدّم حيضاً، و المتوسّط استحاضة، و يتبعها المتأخّر، أو يعكس الأمر؛ فيحكم بكون الدم المتقدّم و المتوسّط استحاضة، دون المتأخّر؟

وجوه أوجهها الأوّل؛ لمعارضة الأمارات في الأطراف، فالأخذ بأمارة الطرفين تعارضه أمارة الوسط، و الأخذ بالوسط و اتباع الأوّل أو الثاني تعارضه أمارة الحيضية، و مع عدم رجحان شي ء منها لا يمكن الأخذ بواحدة منها، فتصير فاقدة التمييز من هذه الجهة و إن كانت واجدة من بعض الجهات؛ فإنّ أمارة الحيض في الطرفين، توجب انحصار الحيض في أحدهما، كما أنّ إمارة الاستحاضة فيما بعد الأيّام تدفع حيضيته.

و قد يقال: إنّ المتجه في هذه الصورة الحكم بكونِ الوسط استحاضة، و كونِ الأسود اللاحق تابعاً له؛ لإطلاق أدلّة الأوصاف المقيّدة بالإمكان، فحينئذٍ يكون الأصفر موجوداً في زمان إمكان الاستحاضة، بخلاف الأسود اللاحق، فإنّه وجد في زمان امتناع الحيضية إلّا علىٰ فرض كون الأصفر حيضاً، و حيث إنّ الأصفر طهر- بمقتضى إطلاق الأدلّة فالأسود اللاحق ليس

بحيض. و ببيان آخر: اعتبار وصف الدم اللاحق موقوف علىٰ عدم اعتبار صفة الدم السابق، فلو كان عدم اعتبار صفة السابق موقوفاً على اعتبار صفة اللاحق، لزم الدور «1».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 304/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 377

و فيه: أنّ ترجيح أمارية صفة السابق علىٰ صفة اللاحق، إن كان لتقدّمها الزماني فلا وجه له؛ ضرورة أنّ مجرّد القبلية في التحقّق، لا يوجب الترجيح عقلًا و لا نقلًا.

و إن كان لأجل امتناع الأخذ بالثاني؛ لكونه موجوداً في زمان يمتنع أن يكون حيضاً، ففيه: أنّه مستلزم للدور؛ لأنّ الامتناع يتوقّف على الترجيح، و لو كان الترجيح متوقّفاً على الامتناع لزم الدور.

و أمّا الدور المدعىٰ ففيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّه لا توقّف لأحد الطرفين على الآخر، و لا تقدّم و لا تأخّر لأحدهما حتّى يتحقّق التوقّف. مع أنّه يمكن المعارضة: بأنّ اعتبار وصف الدم السابق موقوف علىٰ عدم اعتبار صفة اللاحق، و لو كان عدم اعتبار صفة اللاحق موقوفاً على اعتبار صفة السابق، لزم الدور.

و الحقّ: أنّه لا توقّف و لا دور، و لا وجه لترجيح إحدى الأمارات على الأُخرىٰ.

و منه يظهر الحال في الصورتين الأخيرتين، فإنّ التحقيق فيهما أيضاً كونها فاقدة التمييز؛ لتعارض الأمارات و عدم رجحان شي ء منها.

ثمّ إنّه مع إمكان التمييز من بعض الجهات دون بعض، يجب عليها تقديم التمييز فيما يمكن، و الأخذ بعادة النساء أو الأخبار فيما لا يمكن، و يظهر الحال ممّا مرّ.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 378

الأمر الخامس في حكم المبتدئة الفاقدة للتمييز
اشارة

إن فقدت المبتدئة التمييز؛ بأن ترى علىٰ لون واحد و حالة واحدة، أو كان التمييز بحيث لا يجوز الرجوع إليه، كما

في تعارض الأمارات فيما لا يجوز الاتكال عليها مطلقاً، فالمشهور كما عن جماعة الرجوع إلىٰ عادة نسائها «1»، بل عن جماعة دعوى الإجماع و الاتفاق عليه «2». و هذا على الإجمال ممّا لا إشكال فيه.

لكنّ الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولىٰ: في كيفية الجمع بين الروايات

منها: بيان كيفية الجمع بين روايات التمييز و روايات العدد و روايات الرجوع إلىٰ عادة النساء.

فنقول: إنّ الظاهر من روايات التمييز أنّ أماريّة ألوان الدم و حالاته قويّة كاملة؛ بحيث تستحقّ أن يطلق عليها

إنّ دم الحيض ليس به خفاء

و أنّه

أسود يعرف «3»

و إن كانت أماريته متأخّرة عن العادة نصّاً و فتوى.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 15 16، مفاتيح الشرائع 1: 15، كشف اللثام 2: 76.

(2) الخلاف 1: 234، تذكرة الفقهاء 1: 295، التنقيح الرائع 1: 104.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 379

و أمّا لسان روايات الرجوع إلى العدد و الأخبار فلسان أصل عملي، كما يظهر بالنظر في

مرسلة يونس حيث قال فيها: تحيّضي في علم اللّٰه .. «1»

و فسّره الإمام (عليه السّلام) بتكلّف عمل الحائض.

و كذا الحال

في رواية عبد اللّٰه بن بكير حيث قال فيها: جعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر، و تركها للصلاة أقلّ ما يكون من الحيض «2».

فالظاهر من روايات العدد، هو كون مفادها تكليف من لا طريق لها إلىٰ حيضها؛ و تكون متحيّرة فيه، و لهذا أرجعها في مضمرة سَماعة إلى العدد بعد اختلاف عادات النساء، فلا إشكال في تأخّر الرجوع إلى العدد عن الرجوع إلىٰ عادات النساء و التمييز.

و أمّا حال التمييز مع عادات النساء:

فالظاهر من أدلّتهما تقدّم التمييز على العادات؛ لأنّ ما

وردت في الرجوع إلى العادات منها: موثّقة سماعة علىٰ رواية الشيخ «3» و قد حكم فيها بالرجوع إلى عادة النساء فيمن لم تعرف أيّام أقرائها.

و منها:

رواية أبي بصير و فيها و إن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 352.

(2) تهذيب الأحكام 1: 400/ 1251، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5.

(3) رواها الشيخ بإسناده، عن زرعة، عن سماعة، و رواها الكليني مرفوعةً عن زرعة، عن سماعة.

الاستبصار 1: 138/ 471، الكافي 3: 79/ 3، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 380

جلست بمثل أيّام أُمّها أو أُختها أو خالتها .. إلىٰ آخره «1»؛

بناءً علىٰ كون النفاس بحكم الحيض علىٰ ما قيل «2» و إن كان للإشكال فيه مجال.

و كيف كان: فأدلّة التمييز حاكمة عليهما؛ لأنّ لسان تلك الأدلّة هو معروفية الحيض بالأمارات، و هما حكما بالرجوع إلى النساء مع عدم المعرفة.

و أمّا

رواية زرارة و محمّد بن مسلم- الموثّقة على الأقرب «3» عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها، فتقتدي بأقرائها، ثمّ تستظهر علىٰ ذلك بيوم «4»

، فهي و إن لم تكن مثلهما، لكنّ الظاهر حكومة مثل قوله

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خلقها الذي جرت عليه؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها

و قوله في ذات التمييز

إنّما تعرفها

أي تعرف أيّامها

بالدم

و قوله

و ذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف ..

إلىٰ غير ذلك علىٰ مثل قوله

يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها.

فإنّه لا معنىٰ للاقتداء بالغير مع معلومية

العدد و الأيّام، و إنّما الاقتداء بالنساء و الأقارب لأجل الكشف الظنّي عن أيّامها، و مع كون الطريق لنفسها و في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 403/ 1262، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 20.

(2) غنية النزوع 1: 40، منتهى المطلب 1: 126/ السطر 31.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن عليّ بن الحسن يعني ابن فضال، عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس، عن جميل بن درّاج و محمّد بن جمران، جميعاً عن زرارة و محمّد بن مسلم، و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا ابن الزبير الواقع في طريق الشيخ إلى ابن فضال، و قد تقدّم الكلام فيه في الصفحة 78 79.

(4) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1252، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 381

دمها لا مجال للرجوع إلى عادة الغير. و هذا بوجه نظير ظنّ المأموم مع اعتباره إذا عارض ظنّ الإمام؛ حيث إنّ الظاهر تقدّم ظنّه علىٰ ظنّ الإمام، بل ما نحن فيه أولىٰ منه بوجوه.

و بالجملة: بعد النظر في الروايات، لا يبقى شكّ في تقدّم أدلّة التمييز على الرجوع إلى عادات النساء، كتقدّم عادتهنّ على العدد و الأخبار.

هذا مع أنّ في موثّقة محمّد بن مسلم وجوهاً من الخدشة توهن متنها؛ بحيث توجب الإشكال في الاتكال عليها:

كورود التخصيص الكثير المستهجن عليها، فإنّ إطلاقها يشمل جميع أقسام المستحاضة؛ ذات عادة كانت أو مميّزة أو مبتدئة أو غيرها، و لا فرق في الاستهجان بين التقييد و التخصيص الاصطلاحيّين.

و دعوى الانصراف «1» في غاية الوهن؛ أ لا ترى أنّه لو لم يكن عندنا إلّا هي، لما

توقّفنا و لا توقّف أحد في كون حكم المستحاضة الاقتداء ببعض نسائها؛ كانت الاستحاضة ما كانت، و المستحاضة من كانت، و ميزان الانصراف هو النظر في نفس الرواية دون معارضاتها و مقيّداتها، فلا إشكال في إطلاقها.

مع أنّ ذاتَ العادة سواء كانت حافظة لعادتها أو ناسية لها، و ذاتَ التمييز سواء كانت مبتدئة أو غيرها، خارجتان منها نصّاً و فتوى و إجماعاً في بعضها «2»، فلا تبقىٰ فيها إلّا المبتدئةُ بلا تمييز، و غيرُ مستقرّة العادة مع عدم التمييز؛ علىٰ إشكال في الثانية، و لا إشكال في نُدرة غير ذات العادة و التمييز، فذكر هذا المطلق في مقام البيان لإفادة حكم أفراد قليلة غير صحيح، فيوهن ذلك جواز التمسّك بها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 306/ السطر 22.

(2) تقدّم البحث عنه في الصفحة 346 فراجع.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 382

و كالإرجاع إلىٰ بعض نسائها، و هو مخالف للنصّ و الفتوىٰ. و العذرُ بأنّ عادة بعض نسائها أمارة علىٰ عادة سائرهنّ «1»، غيرُ موجّه:

أمّا أوّلًا: فلعدم أمارية عادة فرد واحد من طائفة علىٰ عادة جميعها؛ لا عقلًا و لا عرفاً، و لا يحصل منها الظنّ بها بلا شبهة و ريب.

و أمّا ثانياً: فلأنّ ظاهرها أنّ الاقتداء ببعض النسوة هو تكليفها الأوّلي، لا لأجل كشف عادتها عن عادات الطائفة، و لا إشكال في أنّ العرف يرى التعارض بينها و بين موثّقة سماعة التي تلقّاها الأصحاب بالقبول.

و كالأمر بالاستظهار الذي لم يعهد القول به. فالظاهر إعراض الأصحاب عن مضمونها، فلا يمكن الاتكال عليها، كعدم إمكان الاتكال علىٰ موثّقة أبي بصير التي هي كالنصّ في تخييرها بين الرجوع إلىٰ أُمّها أو أُختها أو خالتها مع فرض اختلافهنّ

في العادة.

الجهة الثانية: في رجوع غير مستقرّة العادة إلىٰ عادة نسائها

و منها: أنّه لا إشكال نصّاً و فتوى في رجوع المبتدئة بالمعنى الأخصّ إلىٰ عادة نسائها، فهل هو مختصّ بها، أو يعمّ من لم تستقرّ لها عادة و لو رأت مراراً؟

يمكن أن يقال بالتعميم؛ بدعوى استفادة حكمها من مضمرة سماعة فإنّ الحكم بكون الأقراء أقراء نسائها و إن كان في مورد الجارية التي حاضت أوّل حيضها، و استمرّ بها الدم، و هي لا تعرف أيّام أقرائها، لكنّ العرف لا يرى لابتداء الدم خصوصية؛ لأنّ الإرجاع إلى الأقارب حكم موافق لارتكاز العقلاء، لارتكازية كون عادات نساء طائفة إذا كانت متوافقةً، كاشفةً عن حال

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 306/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 383

المجهولة، و لحوقِ مجهولة الحال بهنّ، و لا ريب في أنّ أمارية عادتهنّ إنّما هي لقرب أمزجتهنّ، و عادة النساء أمارة لمن لم تكن لها أمارة من نفسها، كعادتها الشخصية، أو تميّز دمها، فإذا لم تعرف عادتها بالأمارات التي عندها، تكون عادات الطائفة و الأرحام نحو طريق إلىٰ عادتها.

و هذا أمر ارتكازي عقلائي و إن لم يصل إلىٰ حدّ يعتني به العقلاء بترتيب الآثار، لكن إذا ورد من الشارع علىٰ هذا الموضوع حكم الاقتداء بنسائها و أنّ أقراءها أقراؤهنّ، لا ينقدح في ذهن العقلاء إلّا ما هو المغروس في أذهانهم من كون عادات الطائفة متشابهة، و ما هو المغروس في الأذهان ليس إلّا ذلك من غير دخل لابتدائية الدم و عدمها، فإذا ضُمّ هذا الارتكاز إلىٰ موثّقة سماعة، تُلغىٰ خصوصية كون الجارية في أوّل ما حاضت، و يرى العقلاء أنّ تمام الموضوع للإرجاع هو عدمُ معرفتها بأيّامها و لو بالطرق الخاصّة التي عندها و كونُ

عادات الطائفة متشابهة.

هذا غاية التقريب لاستفادة حكم غير مستقرّة العادة من موثّقة سَماعة.

و فيه: أنّ ذلك إنّما يتمّ لو لم تكن للمبتدئة خصوصية لدى العرف، و لا لغير مستقرّة الدم خصوصية مخالفة لخصوصية المبتدئة؛ بحيث تكون تلك الخصوصية، موجبةً لقرب احتمال الافتراق بينهما في الحكم، لكن فرق بين المبتدئة و غير مستقرّة الدم؛ فإنّ الثانية مخالفة في رؤية الدم لنسائها، فإنّها ترى في كلّ شهر بعددٍ و وقت مغايرين لما ترى في الشهر الآخر، في حين تكون عادة نسائها على الفرض منتظمة متوافقة في العدد، أو مع الوقت أيضاً، فلا يمكن مع هذا الاختلاف بينها و بين الطائفة، أن تكون عادة الطائفة لدى استمرار دمها كاشفةً و لو ظنّاً عن عادتها، بل الظنّ حاصل ببقاء الاختلاف، و هذا بخلاف المبتدئة التي لم تَرَ الدم قطّ، و لم تخالف نساءها في العادة بعدُ، فتكون

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 384

عاداتهنّ كاشفة ظنّاً عند العقلاء عن عادتها.

فهذا الفرق لا يدع مجالًا لإلغاء الخصوصية المأخوذة في موضوع الحكم؛ و لو كانت في سؤال السائل.

و العجب من صاحب «الجواهر» حيث قال في الردّ علىٰ أنّ ثبوت اختلافها مع نسائها، يمنع من الرجوع إلى عادتهنّ عند الاشتباه-: «إنّ ذلك مجرّد اعتبار لا يصلح مدركاً للأحكام الشرعية» «1» فإنّ هذا الاعتبار و الاحتمال يمنع عن إثبات الحكم الشرعي لها بإلغاء الخصوصية، لا أنّ مجرّده مدرك للحكم الشرعي، و بينهما فرق واضح.

نعم، مع التقريب المتقدّم، لا يبعد إلحاق من رأت مرّة واحدة كعادة نسائها ثمّ استمرّ بها الدم بها، و هذا لا يوجب إلحاق المخالفة لهنّ بهنّ. كما يمكن دعوى إلحاق بعض ناسيات العادة بالمبتدئة، و هي

من تكون ناسية لعادتها و لم تعلم إجمالًا مخالفتها لعادات نسائها. لكنّ المحكي عدم التزامهم بذلك «2».

و قد يتمسّك «3» لإثبات الحكم في غير المستقرّة بموثّقة محمّد بن مسلم المتقدّمة. و قد مرّ أنّها بما لها من الظاهر غير معمول بها «4».

بل بما قيل في تأويلها- من كون الرجوع إلىٰ بعض النساء أمارة علىٰ عادة الكلّ «5» أيضاً غير معمول بها. بل قد عرفت وهن إطلاقها؛ لورود التقييد الكثير

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 281.

(2) نفس المصدر 3: 299 و 308.

(3) جواهر الكلام 3: 279 280، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 212/ السطر 32، مصباح الفقيه، الطهارة: 306/ السطر 20.

(4) تقدّم في الصفحة 381.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 306/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 385

عليه «1»، فيكشف ذلك عن خلل فيها، و لعلّه كان فيها قيد لم يصل إلينا. مع أنّ فيها حكمين غير معمول بهما لا غير.

و لا يمكن أن يقال: إنّ المراد ب «بعض النساء» هي التي تكون معتدّاً بها بمقدار تُكشف من عادتها عادةُ سائر النساء، أو المراد الحدّ الذي يكون غيره بالنسبة إليه نادراً بحكم العدم، فإنّ مثل ذلك التصرُّف غير مرضي عند العقلاء.

و الإنصاف: أنّ تلك الرواية موهونة المتن، مغشوشة الظاهر، و لهذا خصّ الشيخ علىٰ ما حكي عنه «2» رواية سماعة بكونها متلقّاة بالقبول بين الأصحاب «3».

الجهة الثالثة: في بيان الخصوصيات المعتبرة عند الرجوع إلىٰ عادة النساء
اشارة

و منها: أنّ المعتبر في الرجوع إلى الأقارب، هل هو اتفاق جميع نسائها و أقاربها من الأبوين أو أحدهما؛ حيّاً و ميّتاً و قريباً و بعيداً كائنة من كانت، أو يكفي اتفاق الغالب مع الجهل بحال البقيّة، أو مع العلم بالمخالفة أيضاً؛ أو يكفي الغالب إذا كانت المخالفة معهنّ كالمعدومة،

أو إذا لم يعلم حال النادر كذلك، أو يكفي موافقة بعضهنّ مع الجهل بحال البقيّة؟

و هل يعتبر التساوي أو التقارب في السنّ معهنّ؟

أو يعتبر اتحاد البلد أو قربه من حيث الآفاق أو لا؟

احتمالات و وجوه

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 381.

(2) مدارك الأحكام 2: 17.

(3) الخلاف 1: 234.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 386

لا يبعد القول: بأنّ المتفاهم عرفاً من موثّقة سماعة و لو بضميمة ارتكاز العقلاء علىٰ أنّ الإرجاع إليهنّ، ليس لمحض التعبّد الصرف، بل لأجل أمارية خلق الطائفة علىٰ خلقها؛ لتشابه أفراد الطائفة في الأمزجة و غيرها أنّ اتفاق النوع بمثابة تكون من تخالف معهنّ نادرةً، يكفي في الأمارية؛ لأنّ مثل تلك المخالفة لا يصدق عليها قوله

فإن كانت نساؤها مختلفات

و لا «أنّهنّ غير متفقات» بل تكون عادة تلك المرأة النادرة المخالفة لنوع الطائفة عند العقلاء، معلولة بعلّة، فيقال: «إنّ الطائفة متفقة، و إنّما تخلّفت عنها تلك النادرة» و هذا لا يعدّ اختلاف الطائفة، و لا يضرّ بأمارية حال النوع علىٰ مجهولة الحال ارتكازاً.

و بالجملة: بعد ارتكازية الحكم يفهم العرف من رواية سماعة أنّ الشارع جعل موافقة أمزجة الطائفة، كاشفةً عن عادة المبتدئة المستمرّة الدم؛ علىٰ وزان الارتكاز العقلائي؛ و هو عدم إضرار التخلّف النادر بها. و أولى بذلك ما إذا جهل حال بعضهنّ إذا كانت البقيّة بحيث يقال: «إنّ الطائفة خلقها كذا».

ثمّ إنّ ما هو المتفاهم من الموثّقة بضميمة الارتكاز المشار إليه؛ أنّ عدد النساء لو كان قليلًا جدّاً كالاثنتين و الثلاث مثلًا لا يجوز الاقتداء بعادتهنّ إلّا إذا علم حال الأموات منهنّ؛ بحيث يصدق على اتفاقهنّ «أنّ نساء الطائفة كانت عادتهنّ كذلك». و بالجملة الميزان في

الرجوع إلىٰ نسائها هو ما ذكرنا.

و من هنا يظهر: أنّ الإرجاع إلىٰ عادة النساء من الفروض النادرة التحقّق؛ بحيث لا ينافي الحصر المستفاد من المرسلة، فإنّ السكوت عنه فيها كالسكوت عن مصداق غير مبتلىٰ به، و أمّا التعرّض له في المرسلة فلا مانع منه؛ لأنّ التعرّض بالخصوص لفرد نادر غير عزيز.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 387

حول إجراء أصالة العدم الأزلي لإحراز موضوع الرجوع

ثمّ إنّ الظاهر من الموثّقة، هو كون موضوع الإرجاع إلى النساء متقيّداً بأمر وجودي؛ و هو كون النساء متماثلة الأقراء، و أمّا الإرجاع إلى العدد فلا يتوقّف إلّا علىٰ فقد هذا المرجع.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الاختلاف المفروض ليس موضوعاً للحكم بالرجوع إلى العدد، بل عدم الموافقة موضوع له.

فحينئذٍ لو قلنا بجريان أصالة عدم الموافقة علىٰ نحو أصل العدم الأزلي، يحرز موضوع الرجوع إلى الروايات مع الشكّ في الموافقة و المخالفة، و هذا بخلاف ما لو كانت المخالفة أيضاً مأخوذة في موضوع العدد؛ لكونها أمراً وجودياً غير مسبوق بالعلم.

لكن في أصل جريان تلك الأُصول العدمية إشكال و منع، و قد فرغنا عن عدم جريانها في محلّه «1» فلا يبقى لذلك النزاع ثمرة.

كفاية الاتفاق في خصوص العدد أو خصوص الوقت

ثمّ إنّ نساءها قد يتفقن في العدد و الوقت، و قد يتفقن في واحد منهما دون الآخر، فهل المستفاد من الموثّقة هو كون النساء مرجعاً لها عند اتفاقهنّ فيهما، و مع الاختلاف و لو في واحد منهما لا ترجع إليهنّ، بل ترجع إلى العدد؟

و بعبارة اخرىٰ: هل يكون الاختلاف أو عدم الاتفاق في الجملة، موضوعاً

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 95 107، مناهج الوصول 2: 266 269، تهذيب الأُصول 1: 491، و 2: 217 221.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 388

للرجوع إلى العدد، أو يكون الاتفاق في الجملة موضوعاً للرجوع إلى النساء، و عدم الاتفاق مطلقاً و الاختلاف فيهما موضوعاً للرجوع إلى العدد؟

قد يقال: «إنّ ظاهر ذيل الموثّقة حيث تعرّض للعدد هو الإرجاع إليهنّ مع اتفاقهنّ في العدد، و لا تعرّض لها للوقت. مع أنّه لو توقّف الرجوع إلى النساء على اتفاقهنّ عدداً و وقتاً، لزم منه أن يكون

الرجوع إليهنّ فرضاً في غاية القلّة» «1».

و فيه: أنّ التعرّض للعدد في الذيل، لا يدلّ علىٰ كون فرض الصدر كذلك؛ لإمكان أن يكون الاتفاق عدداً و وقتاً أمارة علىٰ عادتها، و مع الاختلاف في الجملة تكون فاقدة الأمارة، و حكمها الرجوع إلى العدد و التخيير في الوقت.

مع إمكان أن يقال: إنّ الرواية لا تكون بصدد التعرّض للعدد و الإرجاع إليه، بل تكون بصدد بيان أنّه مع اختلافهنّ، تكون غاية جلوسها من طرف الزيادة هي العشر، و من طرف النقيصة هي الثلاث؛ مخيّرةً بين الحدّين، فتكون في العدد و الوقت مخيّرة، و سيأتي بيان ذيل الرواية عن قريب.

و أمّا صيرورة الفرد نادراً فلا محذور فيه، بل هي مؤيّدة لحصر رواية يونس، و موجبة لتوافق الروايات.

لكنّ التحقيق شمول الموثّقة لاتفاقهنّ عدداً فقط، و وقتاً كذلك؛ فإنّ الظاهر من صدرها حيث جعل أقراءها أقراء نسائها أنّه إذا كان للنساء أقراء يكون أقراؤها مثلها، و مع اتفاق النساء في العدد لا شبهة في صدق «كونهنّ ذوات الأقراء» بل و كذلك إذا اتفقن في الوقت يصدق «أنّ لهنّ أقراءً» فيجب عليها بحسب إطلاق الرواية الرجوع إليهنّ في أقرائهنّ.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 307/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 389

و أمّا ذيل الرواية أي قوله

فإن كانت نساؤها مختلفات

فقد عرفت أنّ الاختلاف ليس موضوعاً للحكم، بل ما يتفاهم عرفاً من الرواية؛ أنّ الذيل في مقام بيان مقابل ما يفهم من الصدر، فكأنّه قال: «إذا لم يكن لهنّ أقراء ..» و عدم الأقراء عرفاً بعدم جميع المصاديق، كما أنّ تحقّقها بتحقّق فردٍ ما.

هذا مع موافقة الارتكاز العرفي لذلك، و قد عرفت أنّ الظاهر أنّ الرواية وردت موافقة

له، لا تعبّداً محضاً. مع أنّه لو قلنا: بأنّ الرواية تعرّضت للعدد فقط، وجب أن يلتزم بأنّه إذا اتفقن في العدد و الوقت، جاز لها أن تخالفهنّ في الوقت دون العدد، مع أنّه مخالف لفهم العرف من الرواية، كما لا يخفى.

الجهة الرابعة: في عدم الرجوع إلىٰ عادة أقرانها عند فقد نسائها

و منها: أنّه نسب إلى المشهور تارة: أنّها ترجع إلىٰ عادة أقرانها مع فقد نسائها أو اختلافهنّ، و أُخرى: إلىٰ مذهب الأكثر و ثالثة: إلىٰ ظاهر كلام المتأخّرين «1».

و استظهر بعضهم «2» دعوى الإجماع عليه من عبارة «السرائر» «3» و هو في محلّ المنع، كما يظهر وجهه من الرجوع إليها. مع ضعف دعواه بعد أنّ القول بعدم اعتبار الرجوع إليهنّ محكيّ عن جمع من الأصحاب، كالصدوق و المرتضىٰ و الشيخ في «الخلاف» و «النهاية» و المحقّق و العلّامة و غيرهم، فلا تكون المسألة إجماعية، و لا مشهورة بحيث يمكن الاتكال عليها.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 353/ السطر 12.

(2) نفس المصدر.

(3) السرائر 1: 146.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 390

و لا دليل عليها إلّا بعض وجوه ضعيفة:

كحصول الظنّ من موافقة الأقران. و هو علىٰ فرض حصوله لا يعتمد عليه، و لا دليل على اعتباره.

و كالتشبّث بمرسلة يونس القصيرة؛ حيث اعتبرت فيها مراتب السنين في القلّة و الكثرة في الحيض. و فيه: أنّها مع ضعفها سنداً، و وهنها متناً، كما تقدّم «1» لا تدلّ على المقصود، غاية الأمر أنّ فيها إشعاراً لا يصل إلى حدّ الدلالة.

و كدعوىٰ شمول نسائها لأقرانها، خصوصاً إذا كنّ في بلدها. و فيه: مع منع ذلك أنّ لازمه اشتراك الأقرباء و الأقران في جواز الرجوع إليهنّ، و هو ليس بمراد قطعاً، و لم يقل به أحد. و الاتكال

في الترتيب بينهما علىٰ فهم العرف في غير محلّه؛ لمنع ذلك.

فالأقوىٰ هو عدم اعتبار الأقران، و معه لا داعي إلىٰ تعيين الموضوع.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 92.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 391

الأمر السادس في حكم من لا يمكنها الرجوع إلىٰ نسائها
اشارة

إذا لم يمكن لها الرجوع إلىٰ نسائها إمّا لأجل اختلافهنّ، أو فقدان عدّة يمكن الرجوع إليهنّ؛ بناءً علىٰ ما تقدّم: من أنّ الميزان في الرجوع إمكان كشف حال النوع منهنّ؛ بأن تكون عدّتهن بمقدار يقال عند اتفاقهنّ: «إنّ الطائفة عادتها ذلك» «1» فأقوال الأصحاب فيه مختلفة جدّاً «2»، فلا يمكن الاتكال علىٰ دعوى الشهرة «3» أو الاتفاق فيه «4»، فلا بدّ من النظر في روايات الباب ليتضح الحال:

فنقول: إنّ الروايات مختلفة؛ بحيث لا يكون بينها جمع عقلائي مقبول يمكن الاتكال عليه، و ما قيل في وجه الجمع بينها غير مرضي، ففي موثّقة سَماعة بطريق الشيخ-

فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام، و أقلّه ثلاثة أيّام «5».

و

في رواية الخزّاز التي لا يبعد أن تكون موثّقة «6» عن أبي الحسن (عليه السّلام)

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 385 386.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 354/ السطر 16.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 15.

(4) الخلاف 1: 234.

(5) الإستبصار 1: 138/ 471، وسائل الشيعة 2: 288، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 2.

(6) رواها الشيخ، عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الحسن بن عليّ بن زياد الخزّاز، و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا ابن الزبير القرشي، و قد تقدّم الكلام فيه في الصفحة 78 79.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 392

قال: سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت

الدم، و إذا رأت الصفرة، و كم تدع الصلاة؟ فقال أقلّ الحيض ثلاثة، و أكثره عشرة، و تجمع بين الصلاتين «1».

وجه للجمع بين أخبار المقام و بيان ما فيه

و قد يجمع «2» بينهما و بين سائر الروايات كموثّقتي ابن بكير «3» و مرسلة يونس الطويلة «4» بحملهما على التخيير بين الثلاثة إلىٰ عشرة أيّام، و حمل رواية يونس و ابن بكير علىٰ مراتب الفضل.

و فيه أوّلًا: أنّ موثّقة سماعة لا تدلّ على التخيير بين الثلاثة إلى العشرة، بل يحتمل أن يكون المراد التخيير بين خصوص الحدّين، تأمّل. و الأظهر أنّها ليست في مقام بيان كيفية جلوس عشرة أيّام و ثلاثة، بل من هذه الجهة مهملة أو مجملة، ترفع إجمالها رواية ابن بكير الظاهرة في أنّ العشرة إنّما تكون في الدورة الاولىٰ، و الثلاثة في بقيّة الدورات، فالجمع بينهما عقلائي.

و أمّا حمل روايتي ابن بكير علىٰ أحد طرفي التخيير لأجل كونه أفضل الأفراد فهو فرع كون دلالة موثّقة سماعة على التخيير، أقوى من دلالتهما

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 156/ 449، وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 4.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 309/ السطر 22.

(3) وسائل الشيعة 2: 291، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 8، الحديث 5 و 6، و قد تقدّمتا أيضاً في الصفحة 361 و 362.

(4) تقدّم في الصفحة 349.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 393

على التعيين، و هو في محلّ المنع. بل التصرّف في موثّقة سماعة بقرينية الموثّقتين أهون، لو لم نقل: بأنّه ليس تصرّفاً فيها، بل من قبيل تفصيل ما أُجمل فيها و توضيح ما أُبهم، كما لا يخفى وجهه على الناظر فيهما.

و منه يظهر الحال في رواية الخزّاز حرفاً بحرف، مع

الغضّ عن الوهن الذي في متنها:

من حيث ورود التقييد الكثير عليها؛ فإنّ موضوعها المستحاضة، مع أنّ الحكم لقليل من أفرادها. إلّا أن يقال: إنّ المراد بقوله

إذا رأت الدم ..

و

إذا رأت الصفرة ..

هو رؤية الدم محضاً بلا تغيّر حال، أو رؤية الصفرة كذلك، فلا إشكال من هذه الجهة.

و من حيث إنّ ظاهرها أنّ مقدار تركها الصلاة، أقلّ الحيض و أكثره؛ أي مجموعهما.

و من حيث إنّ قوله

و تجمع بين الصلاتين

وقع في غير محلّه، فلا يخلو متنها من التشويش و الاضطراب.

و ثانياً: أنّ فقرأت مرسلة يونس آبية عن هذا الجمع:

كالانحصار المستفاد منها. و كقوله: «إنّ التحيُّض بالستّة أو السبعة إنّما هو في علم اللّٰه». و كقوله

أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث و عشرون.

و كقوله

فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون

ممّا هي آبية عن الحمل على الأفضليّة، و لا يكون الجمع المذكور بينها و بين تلك الروايات مقبولًا عقلائيّاً.

ترجيح العمل بمرسلة يونس علىٰ ما ينافيها
اشارة

و الذي يمكن أن يقال في المقام: أنّ الجمع بين موثّقتي ابن بكير و موثّقة سماعة بما تقدّم جمع عقلائي، فتحمل الموثّقة على الموثّقتين حملًا للمجمل

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 394

على المفصّل و المبيّن، فيقع التعارض بينها و بين مرسلة يونس من غير إمكان الجمع بينهما.

لكن لا إشكال في أنّ المشهور اتكلوا على المرسلة، و لا ريب في أنّ مبنىٰ أحد طرفي التخيير سواء كان سبعة، أو كانت مخيَّرة بين السبعة و الستّة إنّما هو المرسلة.

و أمّا الطرف الآخر للتخيير بالمعنى الذي ادعي الشهرة و الاتفاق عليه و هو ثلاثة من شهر، و عشرة من شهر، كما نسب إلىٰ أشهر الروايات تارة «1»، و إلى المشهور اخرىٰ «2»، أو

الثلاثة في الأوّل، و العشرة في الثاني، كما ادعي الإجماع عليه «3»، أو أنّ المضطربة مخيّرة بين الستّة و السبعة في شهر، و الثلاثة و العشرة في شهر آخر، كما قيل: «إنّ هذا الحكم هو المعروف بين الأصحاب» «4» فلا يمكن أن تكون الروايات الواردة في الباب مستنداً له؛ ضرورة عدم دلالة شي ء منها عليه؛ لا فرداً و لا جمعاً؛ فإنّ الموثّقتين ظاهرتان ظهوراً قويّاً في التفصيل بين الدور الأوّل فثلاثة، و سائر الأدوار فعشرة.

و لو نوقش في دلالتهما على التفصيل المذكور، فلا شبهة في عدم شائبة دلالة لهما علىٰ فتوى المشهور، خصوصاً إذا قيل بتقدّم الثلاثة على العشرة، فإنّه علىٰ عكس مفاد الروايتين.

كما أنّ موثّقة سماعة أيضاً لا يمكن أن تكون مستنداً لفتوى المشهور؛ سواءً قلنا بظهورها في التخيير بين الثلاثة إلى العشرة، أو في التخيير بين

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 1: 98.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 15.

(3) الخلاف 1: 234.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 354/ السطر 31، مسالك الأفهام 1: 73، مدارك الأحكام 2: 28.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 395

خصوص الحدّين، أو قلنا بإجمالها من هذه الجهة. و الجمع بينهما أيضاً لا يقتضي ذلك. و توهّم غفلة المشهور عن ظاهر الموثّقتين، أو عدم دلالة موثّقة سماعة «1»، في غاية السقوط.

فهذه الروايات ممّا لا يمكن الاتكال عليها؛ بعد شذوذها و عدم نقل العمل بها إلّا عن الإسكافي «2» و بعض متأخّري المتأخّرين «3»، و لا يجوز رفع اليد عن ظهور مرسلة يونس التي لا إشكال في كونها مورد اعتماد الأصحاب بمثل تلك الروايات. و ليست الشهرة في المسألة الفرعية بحيث يمكن الاتكال عليها و يثبت الحكم بها؛ بعد كون المسألة ذات

أقوال كثيرة.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الأصحاب على اختلافهم في الفتوىٰ متفقون تقريباً على العمل بمرسلة يونس و علىٰ ترك العمل بالموثّقات، و معه لا يبقى مجال للعمل بها، و لكن لا يوجب ذلك جواز الاتكال علىٰ نقل الشهرة في المسألة الفرعية؛ لعدم قيام الشهرة المعتبرة بحيث يمكن كشف دليل معتبر، فتبقىٰ مرسلة يونس بلا معارض.

تعارض فقرأت المرسلة و قوّة الأخذ بالسبعة

نعم، تختلف فقرأت المرسلة في التخيير بين الستّة و السبعة المستفاد من

قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تحيّضي في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة أيّام

و تعيينِ خصوص السبعة المستفاد من جملة من فقرأتها، كقول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أ لا

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 309/ السطر 6.

(2) انظر رياض المسائل 1: 358، مختلف الشيعة 1: 202.

(3) انظر جواهر الكلام 3: 285، مدارك الأحكام 2: 20 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 396

ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع و كانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها: تحيّضي سبعاً!.

و قوله

لو كان حيضها أكثر من سبع ..

إلىٰ آخره.

و قوله

أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث و عشرون.

و قوله

فوقتها سبع، و طهرها ثلاث و عشرون.

و قوله

فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون.

و الجمع بينهما بحمل ما عدا الفقرة الأُولى على الإجمال في البيان؛ و الإشارة إلىٰ تكليفها التخييري الذي سبق الكلام فيه، و حمل قوله

أقصى طهرها ..

إلىٰ آخره على الأقصىٰ مع الأخذ بالسبع، في غاية البعد، خصوصاً الحمل الأخير؛ ضرورة أنّ الأخذ بالسبع لا يوجب صيرورة الثلاث و العشرين أقلّ الطهر.

و ما قيل: «إنّ الثلاث و العشرين أقصاه علىٰ تقدير اختيار السبع؛ حيث إنّه ربّما يكون علىٰ هذا التقدير

طهرها أقلّ من ذلك إذا كان الشهر ناقصاً» «1» مبنيّ علىٰ كون المراد ب

«الشهر

هو الشهر الهلاليّ، و سيأتي الإشكال فيه «2». أو أنّ المقصود فيما إذا اتفق سيلان الدم في أوّل الشهر الهلالي، و قلنا في مثل الفرض: بأنّ الميزان هو الشهر الهلالي و لو كان ناقصاً، فيكون الأقصىٰ إضافياً في بعض الفروض النادرة، فهو كما ترى مخالف للفهم العرفي.

فلا إشكال في تعارض الفقرات؛ فإنّ قوله

وقتها السبع

أو

سنّتها السبع

أو

أقصى طهرها ثلاث و عشرون

لا يجتمع مع التخيير.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 308/ السطر 24.

(2) يأتي في الصفحة 399.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 397

كما أنّ القول بسهو الراوي «1» مخالف للأصل، بل بعيد جدّاً في المقام، خصوصاً مع تكرار الترديد بقوله

صومي ثلاثة و عشرين يوماً أو أربعة و عشرين

و خصوصاً مع الجزم في سائر الفقرات.

لكن مع ذلك لزوم الأخذ بالسبعة لا يخلو من قوّة؛ إمّا لأجل الدوران بين التعيين و التخيير و لزوم الأخذ بالتعيين، و إمّا لأنّ أصالة عدم الخطأ أصل عقلائي، يشكل جريانها في مثل المقام الذي كانت الفقرات المتأخّرة كلّها شاهدة عليه، و ليس الكلام ظاهراً في التخيير، بل وقوع التعارض إنّما هو لأجل جريان الأصل العقلائي، و هو محلّ إشكال، فالأخذ بالسبعة لو لم يكن أقوى فهو أحوط.

عدم اختصاص المرسلة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ بخلاف الموثّقات

ثمّ إنّ الظاهر عدم اختصاص لزوم الأخذ بالسبعة بعد ما رجّحنا العمل بالمرسلة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ؛ لما تقدّم من استفادة حكم من لم تستقرّ لها عادة من ذيل المرسلة «2».

نعم، لا إشكال في اختصاص الموثّقات بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ، فلو رجّحناها على المرسلة أو قلنا بالتخيير بين المضمونين، لما جاز إسراء الحكم إلىٰ غيرها.

و القول: «بأنّ اختصاص مورد

تلك الموثّقات بالمبتدئة، مثل اختصاص مورد المرسلة بها، و المناط في الجميع سواء» «3» كما ترى؛ فإنّ مورد ما سئل

______________________________

(1) رياض المسائل 1: 357.

(2) تقدّم في الصفحة 360.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 397

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 309/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 398

عنه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في المرسلة و إن كان المبتدئة، لكنّ الذيل ظاهر في أعمّية الحكم، مضافاً إلىٰ حصر السنن، و لو لا ذلك لما تعدّينا عن مفاد الصدر، و هذا بخلاف الموثّقات، فإنّها واردة في المبتدئة من غير دليل على التعدّي، و دعوىٰ وحدة المناط في غير محلّها.

كما أنّ دعوى استفادة ذلك من قوله في ذيل المرسلة عند بيان من لم تستقرّ لها عادة- إنّ سنّتها السبع و الثلاث و العشرون؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة بعد أن مثّل للمبتدئة بالمعنى الأخصّ بحمنة، و علم من سائر الروايات أنّ لها الخيار «1»، في غير محلّها؛ لأنّ كون قصّتها قصّة حمنة في الأخذ بالسبعة، لا يوجب أن يكون حكمها حكم حمنة مطلقاً.

و بعبارة اخرىٰ: يستفاد من التعليل أنّ من كانت قصّتها قصّة حمنة تكون سنّتها السبعة و الثلاثة و العشرين، لا أنّ كلّ ما لحمنة يكون لها، فالتخيير المستفاد من الجمع بين الروايتين علىٰ فرض صحّته أو من الفتوىٰ بالتخيير- علىٰ فرضه لا يشمل غير المبتدئة بالمعنى الأخصّ.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 309/ السطر الأخير.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص:

399

تنبيه في أنّ المبتدئة يتعيّن عليها جعل ما تختاره من العدد أوّل الرؤية

هل تتخيّر في وضع العدد فيما تشاء من الشهر، أو يتعيّن عليها جعله في أوّل الشهر الهلالي، أو يتعيّن جعله في أوّل رؤية الدم؟

نسب صاحب «الحدائق» إلى الأصحاب تخيّرها «1»، و عن «المعتبر» و «المنتهي» و «جامع المقاصد» و «المسالك» و «المدارك» و غيرها اختيارها «2»، و كذا عن ظاهر «المبسوط» «3».

و عن «التذكرة» و «كشف اللثام»: «أنّه يتعيّن عليها وضع ما تختاره من العدد أوّل ما ترى الدم» «4» و هو الأقوىٰ؛ لظهور

مرسلة يونس فيه؛ حيث قال فيها تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة أيّام، ثمّ اغتسلي غسلًا و صومي ثلاثة و عشرين يوماً أو أربعة و عشرين، و اغتسلي للفجر غسلًا .. «5» إلىٰ آخره.

و «الشهر» في غير المورد و إن كان ظاهراً في الهلالي، لكن حمله في المورد على الهلالي في غاية البعد، بل فاسد؛ لأنّ لازمه عدم التعرّض لحكمها من حين الرؤية إلىٰ أوّل الشهر الهلالي، أو عدم حكم لها إذا رأت الدم فيما بين

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 3: 207.

(2) المعتبر 1: 209، منتهى المطلب 1: 102/ السطر 2، جامع المقاصد 1: 299، مسالك الأفهام 1: 69، مدارك الأحكام 2: 21، تحرير الأحكام 1: 14/ السطر 10 و 22.

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 356/ السطر 22، المبسوط 1: 47.

(4) تذكرة الفقهاء 1: 300، كشف اللثام 2: 85.

(5) تقدّم في الصفحة 352.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 400

الشهر، و كلاهما فاسدان.

مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من المرسلة أنّ السبعة و كذا الثلاثة و العشرون يجب أن تكون متصلة لا متفرّقة، و مع حساب الشهر من أوّل الهلالي، يلزم إمّا زيادة الطهر

على الثلاثة و العشرين، أو التفرّق بين أجزائها، و هما خلاف المتفاهم من الرواية.

و بالجملة: الظاهر منها أنّه من حين رؤية الدم يحسب الشهر، و لا تكون بقيّة الشهر من حين الرؤية ساقطةً عن الحكم، فحينئذٍ يكون ظاهرها أنّه من حين الرؤية تجعل الستّة أو السبعة حيضاً، ثمّ تجعل ثلاثة و عشرين أو أربعة و عشرين طهراً، و لا إشكال في أنّ الظاهر منها مع العطف ب «ثمّ هو تقديم الحيض على الطهر، و بعد كون الظاهر منها أنّ الحساب من حين الرؤية، و أنّ أيّام الحيض و الطهر لا بدّ و أن تكون متصلة لا متفرّقة كما هو المتفاهم من المرسلة لا يبقى ريب فيما تقدّم ذكره.

و توهّم عدم كون المرسلة في مقام البيان، فاسد جدّاً؛ فإنّ عدم البيان المدعىٰ إن كان في نقل أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قصّة حمنة، فظاهر المرسلة أنّه (عليه السّلام) ذكر جميع الخصوصيات؛ حتّى ما لا تكون دخيلة في الحكم.

و إن كان في بيان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو مع فساده عقلًا؛ لأنّ حمنة سألته عن تكليفها الفعلي، فلا يعقل الإهمال في الجواب خلاف ظاهر الرواية؛ بعد بيان خصوصيات تكليفها: من الغسل، و تأخير الظهر و المغرب، و تقديم العصر و العشاء .. إلىٰ غير ذلك.

فلا إشكال في كونه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مقام البيان، و كون أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مقام نقل خصوصيات القضيّة، فلا بدّ من الأخذ بجميع الخصوصيات التي يستفاد منها الحكم، و منها تخلّل ثمّ المستفاد منه تأخّر ثلاثة و عشرين عن السبعة. و عدم

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1،

ص: 401

الأخذ ببعض مفاد القضية لخلل، لا يوجب عدم الأخذ بالخصوصية التي لا خلل فيها، فإذا ضمّ إليه ما قلنا من كون مبدأ الشهر أوّل الرؤية، يستفاد المقصود منها.

و أمّا موثّقة ابن بكير فقد عرفت أنّها ليست مستنداً للحكم «1». كما أنّ التشبّث «2» بمرسلة يونس القصيرة «3» غير محتاج إليه. مع أنّ موردها غير ما نحن فيه. مضافاً إلىٰ ورود الإشكالات المتقدّمة عليها «4».

و أمّا تقريب كون المعيار من أوّل الرؤية: «بأنّه ربّما يمتنع جعل الابتداء من أوّل الشهر الهلالي، كما لو كان ابتداء رؤيتها في أواخر الشهر؛ بحيث لا يتخلّل بين أقلّ الحيض منه و بين أوّل الشهر الثاني أقلُّ الطهر؛ فإنّ الأظهر بل المعلوم أنّه يجب عليها في أوّل الرؤية أن تتحيّض إلى العاشر، كما يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع و قاعدة الإمكان النصوص الكثيرة التي منها موثّقتا ابن بكير، و مع التجاوز عن العشرة و عدم التصادف للعادة و التمييز، فلا مقتضي لرفع اليد عمّا ثبت عليها بمقتضىٰ تكليفها الظاهري، و لا دليل علىٰ عدم كونه حيضاً» «5».

فغير وجيه؛ فإنّ لزوم التحيّض في أوّل الرؤية لا يوجب كونه حيضاً، نعم لو انقطع على العاشر أو قبله يكون المجموع حيضاً، و هو القدر المتيقّن من الإجماع المدعى علىٰ قاعدة الإمكان، كما تقدّم «6» و أمّا مع التجاوز فلا إشكال في

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 394 395.

(2) كشف اللثام 2: 85، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 215/ السطر 12.

(3) الكافي 3: 76/ 5، وسائل الشيعة 2: 299، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 12، الحديث 2.

(4) تقدّمت في الصفحة 92.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 310/ السطر 4.

(6) تقدّم في الصفحة 64.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط -

الحديثة)، ج 1، ص: 402

عدم الدليل على الحيضية، فضلًا عن قيام النصوص الكثيرة.

و موثّقتا ابن بكير ظاهرتان في أنّ تكليف مستمرّة الدم هو العدد، لكن في الدورة الاولىٰ يكون عددها عشرة، و في سائر الدورات ثلاثة، و لا دلالة فيهما و لا في غيرهما علىٰ أنّ العشرة الأُولىٰ حيض واقعاً؛ حتّى يمتنع جعل أوّل الهلالي المفروض حيضاً.

و منه يظهر: أنّ القول: «بأنّ الأخذ بالعدد مطلقاً إنّما هو بعد العشرة الأُولىٰ، و أمّا قبل تمامها فليست مستحاضة» «1». غير تامّ؛ لأنّ ظاهر المرسلة و الموثّقات، هو أنّ تكليف مستمرّة الدم مطلقاً هو الأخذ بالعدد، و عدم علمها بكونها مستمرّة الدم لا يوجب عدم محكوميتها بحكمها.

و كيف كان: فالمعوّل عليه في المقام هو المرسلة، و قد عرفت ظهورها في لزوم التحيّض من حين رؤيتها في كلّ شهر سبعةً، و بعده محلّ طهرها.

ثمّ الظاهر: أنّه لو صادف أوّل الرؤية أوّل الشهر الهلالي، وجب عليها في السبع الأوّل منه التحيّض، و في بقيّة الشهر الصلاة و إن كان ناقصاً. و ذكر الثلاثة و العشرين إنّما هو لأجل كون الوقوع في أوّل الهلالي نادراً، خصوصاً في صورة نقصان الشهر، و الغالب وقوعه بين الهلالين، فيجب عليها التلفيق و الأخذ بالثلاثة و العشرين.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 310/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 403

المسألة الثانية في تقديم ذات العادة لعادتها على التمييز

لا إشكال في أنّ ذات العادة تجعل عادتها حيضاً مع استمرار دمها و تجاوزه عن العشرة و ما سواها استحاضة مع عدم معارضتها للتمييز. و أمّا مع اجتماع العادة و التمييز و التعارض بينهما؛ كأن لا يفصل بينهما أقلّ الطهر من الدم غير المتميّز، فهل تعمل على العادة، كما عن المشهور «1»،

أو على التمييز، كما عن ظاهر «الخلاف» و «المبسوط» «2» أو تتخيّر بينهما كما عن «الوسيلة» «3»؟

لا ريب في أنّ العادة مقدّمة؛ لما يظهر من مرسلة يونس «4» و موثّقة إسحاق بن جرير «5» أنّ ذات العادة لا وقت لها إلّا أيّامها المعلومة، و أنّ الرجوع إلى التمييز متأخّر عن الرجوع إلى العادة التي هي أقوى الأمارات، و أنّ الصفرة و الكدرة في أيّام العادة حيض، فلا إشكال في المسألة.

بل الظاهر أنّ ذات العادة الوقتية فقط، ترجع في وقتها إلىٰ عادتها، و ترجع إلىٰ غيرها من التمييز و غيره في عددها. و كذا ذات العددية ترجع في العدد إلى العادة، و في الوقت إلىٰ غيرها، كما يظهر ذلك كلّه من المرسلة، و تقدّم بعض الكلام فيها.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 357/ السطر 4، ذكرى الشيعة 1: 239.

(2) الخلاف 1: 241، المبسوط 1: 48 49.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 60.

(4) تقدّم في الصفحة 349.

(5) تقدّم في الصفحة 348.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 404

المسألة الثالثة في أقسام الناسية و أحكامها و فيها جهات من البحث:
الجهة الاولىٰ: في أقسام الناسية

الناسية إمّا ناسية للعادة وقتاً و عدداً، أو وقتاً فقط مع ذكر عددها، أو عدداً مع ذكر وقتها.

و أيضاً: قد تكون ناسية للوقت و العدد مطلقاً، و قد تكون ذاكرة في الجملة لهما، و ناسية كذلك، كما إذا علمت أنّها في أوّل الشهر كانت حائضاً، و لم تعلم أنّ أوّل الشهر أوّل حيضها أو آخره أو وسطه. هذا بالنسبة إلى الوقت.

و أمّا العدد، فكما إذا علمت أنّه لم يكن أقلّ من خمسة أيّام، و نسيت الزيادة أنّها يوم واحد أو أكثر.

و قد تكون ذاكرة في الجملة لأحدهما، و ناسية للآخر مطلقاً.

و أيضاً: قد تكون ذاكرة لكون حيضها في

النصف الأوّل من الشهر مثلًا، و ناسية لمحلّه من النصف، و حينئذٍ قد يكون تمييزها في هذا النصف من الشهر، و قد يكون في النصف الآخر.

و أيضاً: قد تعلم أنّ عادتها في كلّ شهر مرّة واحدة، و قد تنسىٰ ذلك.

و أيضاً: قد يكون تمييزها بمقدار عددها، و قد يكون أقلّ، و قد يكون أكثر.

و الحاصل: أنّ الناسية قد تكون غير ذاكرة بقول مطلق؛ فلا تكون لها جهة ذُكر مطلقاً، و قد تكون ذاكرة لجهة من الجهات. و علىٰ أيّ تقدير قد تكون ذات تمييز، و قد لا تكون كذلك.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 405

الجهة الثانية في دلالة المرسلة على رجوع الناسية إلى العادة أوّلًا ثمّ إلى التمييز

لا ينبغي الإشكال في رجوع الناسية ذات التمييز إلى التمييز في الجملة، و ذلك لا لكونها القدر المتيقّن من مرسلة يونس، كما قيل «1» لما تقدّم «2» من أنّ فيها احتمالين، و أرجحهما أنّ المراد من «مختلطة الأيّام» هي التي كانت لها أيّام منضبطة، ثمّ اختلطت بالنقص و الزيادة و التقدّم و التأخّر حتّى أهملت و تركت أيّامها.

بل لاستفادة حكمها من المرسلة بعد التأمّل في مفادها؛ حيث إنّ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إن بيّن أوّلًا في السنّة الثانية سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة، ثمّ اختلطت عليها، لكن تمسّك في ذيلها

بقول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قال و ذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش .. إلىٰ أن قال أما تسمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر هذه بغير ما أمر به تلك! أ لا ترى أنّه لم يقل لها: دعي الصلاة أيّام أقرائك، و لكن قال لها: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة!.

فطريق استفادة حكم

مختلطة الأيّام بالمعنى المتقدّم؛ بناءً علىٰ إرشاد أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) هو أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لم يأمرها بترك الصلاة أيّام الأقراء، و أمرها بتركها إذا أقبلت الحيضة، فدلّ ذلك علىٰ أنّ هذه امرأة لم تكن عارفة بوقتها، و لم تكن أيّامها معلومة قد أحصتها، كما في السنّة الأُولىٰ، فمنه تعلم قاعدة كلّية هي «أنّ كلّ امرأة لم تعلم عددها و لا وقتها، لا بدّ لها من الرجوع إلى

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 217/ السطر 11.

(2) تقدّم في الصفحة 356 357.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 406

التمييز» و يستفاد من تلك القاعدة حال مختلطة الأيّام بالمعنى المتقدّم التي هي إحدى المصاديق لمطلق الجاهلة بالأيّام، و التي لم تعرف أيّامها.

فقوله (عليه السّلام)

فهذا يبيِّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها؛ لم تعرف عددها و لا وقتها

ليس المراد منه المختلطة بالمعنى المتقدّم؛ ضرورة أنّ مجرّد إرجاع النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إيّاها إلى التمييز و عدمِ إرجاعها إلى العادة، لا يبيّن ذلك، بل يبيّن الاختلاط بمعنى أعمّ منه، فيكون المراد من «الاختلاط» في هذه الفقرة هو عدم المعرفة بالعدد و الوقت مطلقاً، و لهذا جعل عدم معرفتهما موضّحاً للاختلاط.

و ممّا يبيّن ذلك قوله (عليه السّلام)

فهذا يبيّن لك أنّ قليلَ الدم و كثيره أيّام الحيض، حيضٌ كلّه إذا كانت الأيّام معلومة، فإذا جهلت الأيّام و عددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلىٰ إقبال الدم و إدباره

حيث جعل الجهل بالأيّام مطلقاً مقابل العلم بها موضوعاً لاحتياجها إلى التمييز.

و بالجملة: أنّ التأمّل في فقرأت الرواية، يدفع الريب في دلالتها علىٰ حكم الناسية. و هذا في الجملة ممّا

لا إشكال فيه.

كما أنّ الأظهر اعتبار العادة و تقدّمها على التمييز؛ إذا أمكن التشخيص بها و لو في الجملة، فإذا ذكرت عادتها من حيث الوقت في الجملة و نسيت العدد، وجب عليها التحيّض في الوقت علىٰ حسب ذُكرها، و في العدد الرجوع إلى المرتبة المتأخّرة.

و كذا مع ذكر العدد و نسيان الوقت، لا بدّ لها من أخذ العدد حسب عادتها، و العمل بالتمييز لتشخيص وقتها بمقدار الإمكان؛ حتّى أنّه لا يبعد ذلك لو كانت عالمة إجمالًا: بأنّ وقتها لا يكون خارجاً عن النصف الأوّل، فلا يبعد تقديم العادة في هذه الصورة على التمييز الحاصل في النصف الآخر، و مع عدم التمييز في الأوّل ترجع إلى المرتبة المتأخّرة.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 407

كما أنّه لا يبعد عدم الاعتبار بالتمييز؛ إذا كان في الشهر أزيد من مرّة واحدة، مع علمها بعدم زيادة عادتها في كلّ شهر علىٰ مرّة واحدة.

و بالجملة: لا يبعد أن يكون المتفاهم من الرواية و الحصر المصرّح به و غير ذلك من الفقرات: أنّ الدم في العادة لمّا كان أمارة قويّة على الحيض، تكون تلك الأمارة مقدّمة على التمييز الذي هو أيضاً أمارة بعدها، و كلّما يمكن كشف الحيض بالأمارة القويّة، لا تصل النوبة إلى الأمارة المتأخّرة؛ سواء كانت كاشفة عن الوقت و العدد مطلقاً، أو عن واحد منهما، أو عنهما في الجملة، فيجب عليها الرجوع إلى العادة حتّى الإمكان، و مع عدمه ترجع إلى التمييز، كما يشعر به بل يدلّ عليه في الجملة قوله

حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر

فعلّق الحكم بالرجوع إلى التمييز علىٰ إغفال العدد و الموضع من الشهر، فيستفاد منه أنّه مع عدم إغفال

أحدهما، لا يجوز الرجوع إلى التمييز في مورده، فيعلم من ذلك حال جميع الصور المتقدّمة في الجهة الأُولىٰ و غيرها.

ثمّ إنّ المتحيّرة التي كان تكليفها الرجوع إلى التمييز، يجب عليها التحيّض عند وجود التمييز، و لا تنتظر استقرار حيضها بمضيّ ثلاثة أيّام مثلًا؛ لأدلّة التمييز، كصحيحة معاوية بن عمّار و مرسلة يونس و غيرهما «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 275، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 3، الحديث 1 و 4 و 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 408

الجهة الثالثة في حكم الناسية إذا فقدت التمييز
اشارة

إذا فقدت الناسية التمييز؛ بأن استمرّ عليها الدم علىٰ نهج واحد، أو اختلف، لكن لا علىٰ وجه يمكن الرجوع إليه، فإمّا أن تكون ذاكرة العدد ناسية الوقت، أو العكس، أو ناسيتهما، فيقع الكلام في ثلاثة مواضع:

الموضع الأوّل: في ناسية الوقت دون العدد
القول بوجوب الاحتياط في المقام

لو ذكرت العدد دون الوقت؛ بأن تكون ناسية للوقت مطلقاً؛ بحيث لا تذكر منه شيئاً لا تفصيلًا و لا إجمالًا بأن كان العدد المحفوظ في ضمن عدد، لا يزيد عن نصف ما وقع الضلال فيه، كالخمسة أو الأربعة في العشرة، لا كالستّة فيها فعن «المبسوط» وجوب الاحتياط عليها «1»؛ بأن تعمل في الزمان الذي وقع الضلال فيه عمل المستحاضة، و تترك ما يحرم على الحائض، و تغتسل للحيض في كلّ وقت تحتمل انقطاع دم الحيض فيه، و تقضي صوم عادتها؛ قضاءً للعلم الإجمالي.

و نوقش فيه: «بأنّ الاحتياط مستلزم للحرج و الضرر المنفيين في الشريعة» «2».

______________________________

(1) المبسوط 1: 51.

(2) انظر مستند الشيعة 2: 454 455، جواهر الكلام 3: 303، مصباح الفقيه، الطهارة: 313/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 409

و فيه: أنّ دليل نفي الحرج ظاهر في أنّ اللّٰه تعالىٰ لم يجعل في الدين الحرج، كالغسل و الوضوء الحرجيين بواسطة شدّة البرد و المرض و غيرهما، و فيما نحن فيه لا يكون المجعول الشرعي أو موضوعه حرجيّا، و إنّما الحرج من قبل الجمع بين المحتملات اللازم عقلًا، و هو أمر غير مجعول؛ لعدم كون الاحتياط واجباً شرعياً حتّى يرفع بدليل الحرج، و لا دليل علىٰ أنّ كلّ تكليف يستلزم الحرج مطلقاً مرفوع، و ما ورد من الآيات و الأخبار في هذا المضمار، إنّما يدلّ علىٰ عدم جعل الشارع العسر و الحرج في الدين.

إلّا أن يقال:

إنّ قوله تعالىٰ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «1» دالّ علىٰ أنّ الجمع بين المحتملات اللازم منه العسر، خلاف إرادة اللّٰه و رضاه.

لكنّ الظاهر من سياق الآية و هي قوله وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ .. إلىٰ آخره أنّ أحكام اللّٰه تعالىٰ لا تكون حرجية، و لا يريد في أحكامه الحرج على العبيد. و هو نظير قوله في ذيل آية الوضوء مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ «2».

هذا، و لكنّ الظاهر منهم عدم الفرق بين الحرج الذي في أصل التكليف أو موضوعه، و الذي يلزم منه و لو بواسطة جهات خارجية. و المسألة تحتاج إلى زيادة تأمّل.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الحرج إنّما ينفي مثل الغسل و الوضوء على الفرض بعد تسليم حصول الحرج بمثل هذا الاحتياط، دون مثل حرمة اللبث في المسجد و مسّ الكتاب و قراءة العزائم و أمثالها. مع أنّ الموارد مختلفة،

______________________________

(1) البقرة (2): 185.

(2) المائدة (5): 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 410

و الأشخاص متفاوتون، فلا يفي دليل الحرج بجميع الموارد.

و قد يُردّ دليل الاحتياط: بعدم تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات «1». و هو ضعيف؛ لما حقّق في محلّه من عدم الفرق بين الدفعيات و التدريجيات في تنجيز العلم «2». لكنّ التنجيز في المقام إنّما هو إذا قلنا في العبادات بالحرمة التشريعية، و هو خلاف ظاهر الأدلّة، و أمّا إذا قلنا بالحرمة الذاتية فمحلّ إشكال، كما سبقت الإشارة إليه «3»: من أنّ أمر العبادات حينئذٍ دائر بين المحذورين، فلا يكون العلم في مورد الدوران منجّزاً، و مع عدم التنجيز

في أحد الأطراف، تبقىٰ بقيّة الأطراف بلا منجّز، فالقاعدة تقتضي جواز ترك الصلاة و ارتكاب محرّمات الحائض، إلّا أنّه قام الإجماع علىٰ عدم جواز ترك الصلاة في جميع الأيّام.

التمسّك بمثل مرسلة يونس على التحيّض و نفي الاحتياط

هذا، و لكنّ الذي يسهّل الخطب أنّ استفادة حكم الواقعة من الأدلّة- كمرسلة يونس لا يدع مجالًا للعلم الإجمالي و الاحتياط؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ذات العادة لا وقت لها إلّا عادتها، و قد مرّ «4» أنّ المتفاهم منها بعد التأمّل في فقرأتها؛ أنّ الدم في العادة أمارة قويّة لا تصل النوبة معها إلى التمييز الذي هو أيضاً أمارة عليه، فضلًا عمّا إذا لم يكن لها تمييز،

ففي المرسلة في ضمن بيان

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 218/ السطر 10، مصباح الفقيه، الطهارة: 313/ السطر 13.

(2) تهذيب الأُصول 2: 271.

(3) تقدّم في الصفحة 197 198.

(4) تقدّم في الصفحة 406 407.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 411

السنّة الثالثة قال أ لا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع، و كانت خمساً أو أقلّ من ذلك، ما قال لها تحيّضي سبعاً، فيكون قد أمرها بترك الصلاة و هي مستحاضة غير حائض! و كذا لو كان حيضها أكثر من سبع، و كانت أيّامها عشراً أو أكثر، لم يأمرها بالصلاة و هي حائض!.

و هذا صريح في أنّ ذات العادة أيّامها حيض، و الزائد عليها استحاضة، و مع كون أيّامها عدداً معيّناً يكون هذا العدد بخصوصه حيضها، و لا يجوز لها التحيّض زائداً عنه و لا ناقصاً.

و يدلّ على المقصود أيضاً قوله

ممّا يزيد هذا بياناً قوله لها: تحيّضي، و ليس يكون التحيّض إلّا للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض، إلا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة:

تحيّضي أيّام حيضك!.

فإنّ الظاهر منه أنّ من كانت لها أيّام معلومة، تكون أيّامها أيّام الحيض، لا أنّ عليها التحيّض و التكلّف، و إنّما يقال: «تحيّضي و تكلّفي عمل الحائض» لمن لم تكن لها أيّام.

و يدلّ عليه أيضاً قوله

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير، فهي علىٰ أيّامها و خلقها ..

إلىٰ غير ذلك من فقرأتها.

في كيفيّة تحيّض الناسية

ثمّ إنّ تلك الناسية هل هي مختارة في جعل عددها في الشهر حيث شاءت، أو يتعيّن عليها جعله فيما يظنّ كونه وقتاً لحيضها، أو يتعيّن جعله في أوّل الدورة إذا علمت أوّلها، و في سائر الدورات علىٰ هذا النسق، فلو كان مبدأ دورتها أوّل الشهر وجب عليها التحيّض في أوّل كلّ شهر، أو يتعيّن جعله في أوّل الدورة الاولىٰ، و تختار في سائر الدورات، أو يجب عليها التحيّض في الوقت

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 412

المظنون كونه وقتاً لها في غير الدورة الأُولىٰ؟

قد يقال: «بوجوب جعله في أوّل الدورة؛ فإنّ الأخبار و إن كانت منصرفة عن الناسية، لكن لمّا كان المتعيّن عليها التحيّض في ابتداء رؤية الدم إلى العشرة، يتعيّن عليها جعل حيضها في جملة العشرة؛ إذ لا دليل علىٰ جواز تحيّضها ثانياً بعد انكشاف أمرها و صيرورتها مستحاضة، بل الأدلّة قاضية بخلافه، كما أشرنا إليه في المبتدئة. و إذا تعيّن عليها ذلك في الدور الأوّل يتبعه سائر الأدوار؛ لما يستفاد من جملة من الأخبار من وجوب جعل المستحاضة حيضها قبل طهرها» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّه بعد فرض الانصراف لا وجه لذلك؛ لعدم الدليل علىٰ وجوب تحيّضها في ابتداء رؤية الدم مطلقاً؛ لعدم تمامية قاعدة الإمكان، خصوصاً في مثل ناسية الوقت. و ليس

في المقام إجماع أو نصّ، فإنّ موثّقتي ابن بكير «2» مع ما تقدّم من الإشكال فيهما «3» مختصّتان بالمبتدئة.

نعم، لو رأت بصفة الحيض أوّل ما رأت وجب عليها العمل بالأمارة، لكن بعد بقاء الدم علىٰ صفة واحدة إلىٰ تجاوزه عن العشرة، تتعارض الأمارتان، و يكشف ذلك عن خطئها.

و القول: «بأنّ المتعيّن هو الأخذ بالأمارة المتقدّمة زماناً؛ لإمكان كون الدم حيضاً في الزمان الأوّل، و تحقّق موضوع الأمارة، و بعد ذلك يخرج الدم في الزمان المتأخّر عن الإمكان، فلا تكون الأمارة حجّة». قد سبق الإشكال فيه: بأنّ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 314/ السطر 27.

(2) تقدّمتا في الصفحة 361 و 362.

(3) تقدّم في الصفحة 394.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 413

التقدّم الزماني ليس مناطاً لتقدّم الأمارة «1»، فراجع.

مع أنّه لو سلّم الأمر في الدورة الاولىٰ، فلا دليل علىٰ تبعية سائر الدورات لها. و ما دلّ علىٰ أنّ المستحاضة تجعل حيضها قبل طهرها علىٰ فرض ارتباطه بالمقام إنّما يدلّ على التقديم في الدورة الاولىٰ من غير تعرّض له لسائر الدورات، كما يأتي الكلام فيه.

و أمّا الاستدلال علىٰ وجوب الجعل في أوّل الدورة الاولىٰ و علىٰ نسقه في سائر الدورات بدوران الأمر بين التعيين و التخيير، و الأصل فيه الاشتغال «2».

ففيه: أنّه علىٰ فرض الدوران بينهما، فالاشتغال في مثل هذا الدوران غير مسلّم، بل المسلّم في الاشتغال هو في مورد يعلم بتعلّق تكليف بمعيّن، و يشكّ في أنّ له طرفاً يسقط التكليف بإتيانه أو لا، و أمّا إذا كان الدوران من أوّل الأمر بينهما فلا.

و المسألة تحتاج إلىٰ زيادة بحث و تحقيق لا يسعها المجال.

و قد يقال بلزوم التحيّض في أوّل الدورة؛ لظهور بعض الأخبار

في وجوب عمل المستحاضة بعد التحيّض بمقدار العادة و الاستظهار.

و في مقابله احتمال إطلاق بعض الأدلّة لأخذ المستحاضة مقدار عادتها، و مقتضى الإطلاق تخييرها في وضعه حيث شاءت، و كما أنّها بإطلاقها تنفي تعيّن التحيّض في أوّل الدورة الاولىٰ، و علىٰ نسقه في سائر الدورات، كذلك تنفي تعيّن جعل العدد في الوقت المظنون؛ فإنّ تعيّنه إنّما يكون فيما إذا كان الحاكم بالتخيير العقل بأن يقال: إنّما يحكم العقل بالتخيير مع تساوي الأزمنة، و أمّا

______________________________

(1) راجع ما تقدّم في الصفحة 377.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 314/ السطر الأوّل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 414

مع ترجيح بعضها و لو ظنّاً فيرتفع موضوع حكمه و أمّا إذا استفيد حكم التخيير من إطلاق الدليل، فلا يبقى للترجيح بالظنّ مجال.

و لا بأس بذكر بعض الروايات التي يمكن دعوى إطلاقها أو دلالتها على [التخيير]؛ حتّى يتضح الحال:

الروايات التي قد تتوهّم دلالتها على التخيير

فمنها:

رواية محمّد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الطامث و قدر جلوسها، فقال تنتظر عدّة ما كانت تحيض، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام، ثمّ هي مستحاضة «1».

بدعوىٰ: أنّ المراد من «الطامث» و «قدر جلوسها» هي من استمرّ بها الدم و لو بقرينة الجواب و إطلاقها يقتضي كونها مخيّرة في وضع عدّة أيّام حيضها حيث شاءت.

و فيه: أنّها بصدد بيان مقدار الجلوس سؤالًا و جواباً، فلا إطلاق فيها من جهة محلّ الجلوس؛ لو لم نقل بانصرافها إلى الجلوس في أوّل الرؤية.

نعم، هي تدلّ بإطلاقها علىٰ أنّ مقدار جلوس ذاكرة العدد و لو كانت ناسية للوقت هو عدّة أيّام العادة.

و منها:

رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): امرأة رأت الدم في حيضها

حتّى تجاوز وقتها، متى ينبغي لها أن تصلّي؟ قال تنتظر عدّتها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام .. إلىٰ آخره «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 172/ 491، الإستبصار 1: 149/ 516، وسائل الشيعة 2: 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 10.

(2) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1259، وسائل الشيعة 2: 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 415

بدعوىٰ إطلاق الجواب و إن كان السؤال عن ذاكرة الوقت.

و فيه ما لا يخفى.

و منها:

رواية عبد اللّٰه بن المغيرة عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة التي ترى الدم، فقال إن كان قُرؤها دون العشرة انتظرت العشرة، و إن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر «1».

و هي أيضاً لا إطلاق فيها؛ لكونها في مقام بيان حكم الاستظهار.

الروايات التي يمكن الاستدلال بها على لزوم التحيّض في أوّل الرؤية

و أمّا ما يمكن أن يستدلّ به علىٰ لزوم التحيّض في أوّل الرؤية:

فمنها: رواية عبد اللّٰه بن المغيرة المتقدّمة بدعوىٰ: أنّ المنصرف منها أنّها تنتظر من أوّل الرؤية إلى العشرة. و لا يبعد ذلك لولا ضعف سندها «2». و قد يحتمل هذا الانصراف في رواية محمّد بن عمرو المتقدّمة، لكنّه بعيد، بل ممنوع.

و منها:

صحيحة زرارة قال: قلت له: النفساء متى تصلّي؟ فقال تقعد بقدر حيضها، و تستظهر بيومين، فإن انقطع الدم و إلّا اغتسلت .. إلىٰ أن قال

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 172/ 493، وسائل الشيعة 2: 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 11.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن سعد بن عبد اللّٰه، عن موسى بن الحسن، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد اللّٰه بن المغيرة، عن رجل.

و الرواية ضعيفة بأحمد

بن هلال العبرتائي، فإنّه رُمي بالغلوّ و متهم في دينه.

رجال النجاشي: 83/ 199، الفهرست: 36/ 97، اختيار معرفة الرجال: 353/ 1020.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 416

قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء «1».

بدعوىٰ: أنّه لا إشكال في أنّ الواجب على النفساء الجلوس أوّل ما رأت الدم، فعموم التسوية بينها و بين الحائض يدلّ على المطلوب؛ و هو تحيّضها في أوّل الدورة.

لكنّه لا يخلو من إشكال؛ لاحتمال انصراف التسوية إلىٰ مقدار التحيّض و الاستظهار و سائر الأحكام المذكورة، دون مبدأ التحيّض.

ثمّ لو سلّم دلالة الأدلّة علىٰ لزوم التحيّض في أوّل الدورة الاولىٰ، فلا دليل علىٰ تبعية سائر الدورات لها إلّا بعض أُمور اعتبارية لا يصلح للاستناد إليه، و إن كان الأحوط ذلك.

و لو قلنا بدلالة الأدلّة علىٰ تعيّن التحيّض في مبدأ الدورة الاولىٰ؛ و أنّ المتفاهم منها النظم علىٰ نهج واحد، فلا وجه لتقدّم العمل بالظنّ عليها، بل المتعيّن تقدّم العمل بها على الظنّ، كما هو واضح.

الموضع الثاني: في ناسية العدد دون الوقت
اشارة

لو ذكرت الوقت في الجملة و نسيت العدد، فأمّا ذاكرة لأوّل حيضها، أو لآخره، أو لوسطه الحقيقي، أو لوسطه غير الحقيقي، أو ذاكرة لكون اليوم الكذائي بين أيّام الحيض؛ أي بين المبدأ و المنتهىٰ، أو عالمة بكون اليوم الفلاني من أيّام الحيض في الجملة.

و هاهنا صور كثيرة يعلم حكمها من ذكر حكم بعضها. و علىٰ أيّ حالٍ قد تعلم أنّ عددها كان مخالفاً لما في الروايات، و قد لا تعلم ذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 417

حكم ما إذا لم يزد على العشرة

فإن كانت ذاكرة لأوّل حيضها، و لم تعلم مخالفة عددها للروايات، فلا إشكال في لزوم إكماله ثلاثة أيّام؛ إذا لم تعلم زيادة عددها عليها، و إلّا فبمقدار العلم بالزيادة؛ لما دلّ علىٰ أنّ الصفرة و الكدرة و ما فوقها في أيّام الحيض حيض، و أنّ قليل الدم و كثيره أيّام الحيض حيضٌ كلّه إذا كانت الأيّام معلومة «1». و التقييد بالعلم بالأيّام ليس إلّا لطريقيته إلى الواقع، لا لتقييد واقع الحيض به، فمع العلم بكون اليوم الفلاني أوّل حيضها، يكون الدم فيه دم الحيض بمقتضىٰ إطلاق الأدلّة، و أقلّ الحيض و هو ثلاثة أيّام متيقّن الحيضية، فيجب عليها إكماله بالثلاثة، أو بما فوقها ممّا تعلم عدم نقصان حيضها عنه. و هذا لا إشكال فيه.

حكم ما إذا زاد على العشرة مع احتمال كونه من عادتها

إنّما الإشكال فيما زاد على العشرة ممّا تحتمل كونه من عادتها، فقد يقال: «إنّ مقتضى العلم الإجمالي، هو الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة و غسل الحيض في وقت تحتمل انقطاعه و قضاء صوم عشرة أيّام» و هو الذي اختاره المحقّق (رحمه اللّٰه) «2».

و فيه أوّلًا: ما مرّ مراراً «3» من عدم منجّزية هذا العلم الإجمالي؛ بناءً على

______________________________

(1) و هي مرسلة يونس الطويلة التي تقدّمت في الصفحة 349.

(2) شرائع الإسلام 1: 26.

(3) تقدّم في الصفحة 186، 197 198، 410.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 418

الحرمة الذاتية في العبادات، كما هي ظاهر الأدلّة.

و ثانياً: علىٰ فرض منجّزيته ينحلّ بالاستصحاب، و لا إشكال في جريان استصحاب الحيضية. و ما أفاد الشيخ الأعظم في المقام: «من عدم جريانه في الأُمور التدريجية، بل يجري استصحاب عدم الحيضية بالنسبة إلى الأيّام المشكوك فيها، فيجب عليها أن تعمل عمل المستحاضة بعد

ثلاثة أيّام» «1» فغير وجيه؛ لما حقّق في محلّه من جريانه فيها «2»، فلا يبقى مجال للاحتياط و الاشتغال، و لا للزوم عمل المستحاضة.

هذا، لكنّ التحقيق استفادة حكم المسألة من مرسلة يونس فإنّ المتأمّل في جميع فقرأتها، لا يكاد يشكّ في أنّ التي ليس مرجعها العادة و لا التمييز، مرجعها السبعة و الثلاثة و العشرون، خصوصاً فقرأتها الأخيرة من قوله

فجميع حالات المستحاضة ..

إلىٰ آخر الرواية، فقوله

و إن اختلط عليها أيّامها و زادت و نقصت حتّى لا يقف منها علىٰ حدّ، و لا من الدم علىٰ لون عملت بإقبال الدم.

شامل لذاكرة الوقت في الجملة، فحينئذٍ قوله

و إن لم يكن الأمر كذلك ..

إلىٰ آخره، دالٌّ على المقصود.

و الإنصاف: أنّ المتأمّل في المرسلة و الحصر المستفاد منها و القواعد المستنبطة من السنن الثلاث الواردة عن رسول اللّٰه (صلّى الهّٰا عليه و آله و سلّم) في ثلاث قضايا شخصية، لا ينبغي أن يرتاب في أنّ السنن المذكورة مرجع المستحاضة على الترتيب الذي فيها، و لا تكاد تكون امرأة خارجة عنها؛ و أنّها مع الإمكان ترجع إلى العادة و لو في الجملة، و مع التمييز و عدم إمكان الرجوع إلى العادة، ترجع إليه و لو في الجملة، و مع فقدانهما ترجع إلى العدد، و مع إمكان الرجوع إلىٰ

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 220/ السطر 27.

(2) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 112 120.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 419

إحدى المتقدّمتين لا ترجع إلى الأخيرة. و أمّا الرجوع إلى الأقارب فقد عرفت أنّه لشدّة ندرته لا يكون مضرّاً بالحصر «1».

و ممّا ذكرنا يظهر حال سائر الصور، فلا تحتاج إلى التطويل.

و قد مرّ: أنّ الرجوع إلىٰ

خصوص السبعة من بين الروايات لو لم يكن أقوى فهو أحوط «2». نعم لو بنينا على العمل بالأصل و أغمضنا عن الروايات، يكون حال الأصل بالنسبة إلى الصور المتقدّمة مختلفاً، كما هو واضح.

و أمّا الموضع الثالث

و هو ما إذا نسيت الوقت و العدد جميعاً؛ و لم تحفظ شيئاً منهما، فقد ظهر ممّا مرّ أنّ سنّتها السبعة و الثلاثة و العشرون على الأحوط، بل الأقرب؛ لما مرّ «3» من المناقشة في سائر الروايات و في الستّة الواردة في المرسلة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 386.

(2) تقدّم في الصفحة 395 397.

(3) تقدّم في الصفحة 395 397.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 421

المطلب الثاني في أقسام الاستحاضة

اشارة

المشهور بين الأصحاب نقلًا و تحصيلًا، شهرةً كادت أن تكون إجماعاً، كما في «الجواهر» «1» أنّ للاستحاضة أقساماً ثلاثة: القليلة، و الكثيرة، و المتوسّطة. خلافاً للمحكيّ عن ابن أبي عقيل فأنكر القسم الأوّل «2». و عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل أيضاً «3» و الفاضلين في «المعتبر» «4» و «المنتهي» «5» إدخال الثانية في الثالثة، فأوجبوا الأغسال الثلاثة فيها.

و المحقّق الخراساني فصّل بين الدم و الصفرة، و قسّم الدم إلى قسمين؛ الأوّل: أن يثقب الكرسف، فأوجب فيه الأغسال الثلاثة، و الثاني: أن لا يثقب، فأوجب الغسلَ في كلّ يوم مرّةً واحدة، و الوضوءَ لكلّ صلاة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 310.

(2) انظر مختلف الشيعة 1: 209.

(3) نفس المصدر: 209 210.

(4) المعتبر 1: 244 245.

(5) منتهى المطلب 1: 120/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 422

و قسّم الصفرة أيضاً إلى قسمين: القليلة، فأوجب فيها الوضوء لكلّ صلاة، و لم يوجب الغسل، و الكثيرة، فأوجب فيها الأغسال الثلاثة، و ادعىٰ أنّ ذلك مقتضى الجمع بين الأخبار؛ بحمل مطلقها علىٰ مقيّدها و تقديم نصّها علىٰ ظاهرها «1».

التمسّك بالروايات لإثبات ثلاثية الأقسام و بيان وجه الجمع

و الحقّ: هو القول المشهور، لا لصريح «الفقه الرضوي» «2» الموافق لفتوى الصدوق «3» و إن لم يخل من وجه؛ لتطابق الفتاوىٰ علىٰ وفقه بعد كون الاختلاف بينهما في اللفظ دون المعنىٰ بل لأنّ تثليث الأقسام في الجملة مقتضى الجمع بين الروايات،

ففي رواية معاوية بن عمّار الصحيحة على الأصحّ «4»، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فإذا جازت أيّامها و رأت الدم يثقب الكُرسُف، اغتسلت للظهر و العصر ..

إلىٰ أن قال

و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت، و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء

«5».

فأوجب الأغسال الثلاثة للثاقب الأعمّ من السائل و غيره، و المتجاوز عن الكرسف و غيره، و لغير الثاقب لم يوجب إلّا الوضوء.

و

في صحيحة زرارة في النفساء فإن انقطع الدم، و إلّا اغتسلت و احتشت

______________________________

(1) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 84 86.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 193.

(3) الفقيه 1: 50، المقنع: 48، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 50/ السطر 5.

(4) تقدّم وجهه في الصفحة 22، الهامش 3.

(5) الكافي 3: 88/ 2، وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 423

و استثفرت و صلّت، و إن جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدمُ الكرسف صلّت بغسل واحد.

قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء «1».

و الجمع بينها و بين الصحيحة المتقدّمة بتثليث الأقسام؛ فإنّ إطلاق صدر صحيحة معاوية يقيّد بقوله في

صحيحة زرارة و إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد

فإنّ «الثاقب» أعمّ من المتجاوز، و «التجاوز» عرفاً عبارة عن عبور الدم عن القطنة إلىٰ غيرها، و هو موافق للسيلان، و الجمع العرفي بين الفقرتين يقتضي حمل «الثقب» على الثقب المتجاوز. و لا يبعد أن يكون الثاقب نوعاً متجاوزاً و سائلًا، فلا يكون تقييده تقييداً بعيداً.

و تقيد الفقرة الثانية من صحيحة زرارة و هي قوله

و إن لم يجز الدم الكرسف

بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية؛ و هي قوله

و إن كان الدم لا يثقب الكرسف ..

فإنّ غير المتجاوز أعمّ من الثاقب و غيره، و غير الثاقب أخصّ منه مطلقاً.

فإن شئت قلت: إنّه بعد تقييد الفقرة

الثانية من صحيحة زرارة بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية، تصير أخصّ مطلقاً من الفقرة الاولىٰ من صحيحة زرارة، و نتيجة التقييدين تثليث الأقسام.

و إن شئت قلت: إنّ الجمع العقلائي بين فقرأت الصحيحتين هو تثليث الأقسام؛ و إن كان بين بعض الفقرات عموم من وجه.

و تشهد لما ذكرنا من حمل «الثاقب» في صحيحة معاوية على الثاقب

______________________________

(1) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 424

المتجاوز المنطبق على الكثير

موثّقة سماعة قال قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين، و للفجر غسلًا، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة «1».

حيث قابل فيها بين الثقب و عدم التجاوز، فيعلم أنّ مراده ب «الثقب» هو التجاوز. كما أنّه يقيّد قوله

و إن لم يَجُز الدمُ الكُرْسفَ ..

بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية.

و أمّا قوله في الموثّقة

و إن كان صفرة فعليها الوضوء

فمحمول على القليلة؛ لنوعية كون الصفرة قليلة، كما قيل «2».

بل ربّما يشهد له قوله

في رواية محمّد بن مسلم في باب اجتماع الحيض و الحمل- إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، و إن كان قليلًا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء «3».

و تشهد لتثليث الأقسام

صحيحة عبد الرحمن قال فيها و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين و لتغتسل، و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر ثمّ تصلّي، فإذا كان سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة،

الباب 1، الحديث 6.

(2) مصابيح الظلام 1: 47/ السطر الأخير (مخطوط).

(3) الكافي 3: 96/ 2، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 16.

(4) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 425

فإنّها متعرّضة للمتوسّطة و الكثيرة، فأوجبت الغسلَ الواحد إن ظهر على الكرسف، و الأغسالَ الثلاثة إن سال الدم، فهي بضميمة روايات أُخر تفيد الأقسام الثلاثة،

كموثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) ففيها: ثمّ هي مستحاضة؛ فلتغتسل و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت «1».

و عليها تحمل

صحيحة الصحّاف حيث يظهر منها التثليث. لكن قد يتراءىٰ منها خلاف ما تقدّم في الجملة؛ حيث قال فيها بعد الاستظهار بيوم أو يومين فلتغتسل، ثمّ تحتشي و تستذفر و تصلّي الظهر و العصر، ثمّ لتنظر؛ فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف، فلتتوضّأ و لتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم، وجب عليها الغسل، و إن طرحت الكرسف و لم يسل فلتتوضّأ و لتصلّ، و لا غسل عليها.

قال و إن كان الدم إذا أمسكت الكرسف، يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقأ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم و ليلة ثلاث مرّات «2».

فإنّها أيضاً بعد تقييد قوله

لا يسيل ..

إلىٰ آخره، ببعض الروايات المتقدّمة، و حملِ قوله

فسال الدم وجب عليها الغسل

علىٰ سيلانه بلا مانع؛ بحيث إن وضعت الكرسف ثقبه و لم يسل منه؛ بقرينة قوله

و إن كان

الدم إذا أمسكت الكرسف ..

إلىٰ آخره تفيد الأقسام الثلاثة؛ فإنّ قوله

فإن طرحت

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 169/ 483، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 9.

(2) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 426

الكرسف ..

إلىٰ آخره، صريح في ثلاثة أقسام:

أحدها: عدم السيلان بعد طرح الكرسف، و هو لا ينطبق إلّا على القليلة.

ثانيها: سيلانه بعد طرحه، فإنّه بملاحظة مقابلته مع الثالث أي ما إذا أمسكت الكرسف سال من خلفه لا ينطبق إلّا على المتوسّطة؛ فإنّ الدم إذا كان سائلًا مع طرح الكرسف، و ليس سيلانه بحيث إذا أمسكت الكرسف سال من خلفه، لا محالة يكون ثاقباً و نافذاً.

ثالثها: ما أفاد بقوله

إذا أمسكت الكرسف يسيل ...

فلا إشكال في إفادتها الأقسام الثلاثة موافقاً للمشهور.

فتحصّل؛ أنّ تثليث الأقسام مضافاً إلىٰ كونه مشهوراً شهرة كادت أن تكون إجماعاً كما مرّ «1» هو مقتضى الجمع بين الروايات و حمل بعضها علىٰ بعض، و مقتضى ظهور بعض الروايات أيضاً.

ثمّ إنّ الدم في مثل صحيحة الصحّاف، لا ينصرف إلى الحمرة مقابل الصفرة لو قلنا بانصرافه في بعض الروايات؛ فإنّ الصفرة في دم الاستحاضة لعلّها غالبة نوعية، و لهذا جعلت علامة لها و أمارة عليها. بل الانصراف مطلقاً محلّ منع.

نعم، إذا ذكرت «الصفرة» مقابل «الدم» يكون ذلك قرينة على إرادة الحمرة من «الدم» المقابل لها، و هذا نظير ما إذا قيل: «الماء لا ينفعل، و إذا كان قليلًا ينفعل» حيث يفهم من المقابلة أنّ «الماء» في الصدر هو الكثير، و هذا لا يوجب الانصراف إذا لم يكن مقابلًا له.

فحينئذٍ يستفاد من

الصحيحة و غيرها أنّ الدم مطلقاً ثلاثي الأقسام، و يحمل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 421.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 427

عليها ما ورد من أنّ في الصفرة الوضوء خاصّةً، كموثّقة سَماعة «1» و روايتي «قرب الإسناد» «2» و صحيحة يونس بن يعقوب «3» و ما ورد من أنّ فيها الغسل عند كلّ صلاة مطلقاً «4»، فتحمل الروايات الاولىٰ على القليلة، بل في بعضها إشعار بقلّة الدم و الثانية على الكثيرة.

فتثليث الأقسام مطلقاً كما عليه المشهور ممّا لا إشكال فيه.

ضابطة الاستحاضة الكثيرة و المتوسطة و القليلة

ثمّ إنّ عبارات الأصحاب مختلفة في ضابطة الأقسام؛ فعن جملة منهم التعبير ب «غير الثاقب» في القليلة، و ب «الثاقب غير السائل» في المتوسّطة، و ب «السائل» في الكثيرة «5».

و عن جملة التعبير ب «غير الراشح» و «الراشح غير السائل» و «السائل» «6». و عن بعضهم ب «غير الظاهر على الكرسف» و «الظاهر عليه غير السائل» و «السائل» «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 424.

(2) قرب الإسناد: 225/ 879 و 880، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 7 و 8، و قد تقدّم متنهما في الصفحة 320.

(3) تهذيب الأحكام 1: 175/ 502، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3، و قد تقدّم متنها في الصفحة 319.

(4) كرواية إسحاق بن عمّار، راجع وسائل الشيعة 2: 331، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 6.

(5) السرائر 1: 152 153، شرائع الإسلام 1: 26، الحدائق الناضرة 3: 277.

(6) المقنعة: 56، المراسم: 44، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 61.

(7) انظر مفتاح الكرامة 1: 388/ السطر 14، جواهر الكلام 3: 311، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 246/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 1، ص: 428

و عن جملة من كتب العلّامة التعبير عنها ب «عدم غمس القطنة» و «غمسها من غير سيل» و «مع السيل» «1» و بعضهم حمل سائر العبارات علىٰ ما يوافق عبارات العلّامة «2». و بعضهم عكس الأمر «3».

و الحقّ: أنّه لا وجه لإرجاع عبارات القوم إلىٰ فتوى العلّامة، و لا يمكن إرجاع بعض عباراته مثل ما في «القواعد» إلىٰ عبارات القوم؛ فإنّ قوله فيه: «إن ظهر على القطنة و لم يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء ..» «4» إلىٰ آخره، ظاهر- لو لم يكن نصّاً في أنّ الثقب و الظهور على الكرسف، لا يخرج الدم عن القلّة ما لم يغمس القطنة.

و كيف كان: فالمتّبع هو الأدلّة، و قد وردت فيها عناوين ك «الثقب» و «النفوذ» و «الظهور على القطنة» و «الثقب» و إن كان أعمّ ظاهراً من «النفوذ» لكن لا إشكال في كون المراد من العناوين شيئاً واحداً: هو الثاقب النافذ و الظاهر على القطنة؛ سواء غمسها أو لا، فلو نفذ من القطنة و لم يغمسها كانت الاستحاضة متوسّطة.

و ما قيل: «من أنّ الدم بنفسه لا يكون بمقتضى العادة ثاقباً إلّا بعد إحاطته بأطراف القطنة الملاصقة للباطن فينفذ فيها شيئاً فشيئاً إلىٰ أن ترتوي القطنة، فيظهر الدم على الجانب الآخر الملاصق للخرقة، فيكون الثقب ملازماً للغمس» «5».

______________________________

(1) تحرير الأحكام 1: 16/ السطر 10، تذكرة الفقهاء 1: 279، مختلف الشيعة 1: 209.

(2) جامع المقاصد 1: 340، مسالك الأفهام 1: 74.

(3) كفاية الأحكام: 5/ السطر 25 26، جواهر الكلام 3: 311 312.

(4) قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 11.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 316/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 429

فيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ القطنة الموضوعة على المحلّ، تكون نقطتها المحاذية لمخرج الدم، أسرعَ انفعالًا من سائر أطرافها، و يكون الدم بمقتضىٰ طبعه- خصوصاً في المحلّ ممّا تكون فيه حرارة الدم محفوظة نافذاً في وسط القطنة، و ثاقباً لقطرها قبل غمسها و ارتوائها.

و توصيف دم الاستحاضة بالبرودة، إنّما هو في مقابل الحرقة و الحرارة القوية في دم الحيض، و إلّا فلا شبهة في عدم كونه كالماء البارد؛ حتّى لا يكون نافذاً في مثل القطنة.

و كيف كان: فملاك القلّة عدمُ الثقب النافذ، و التوسّطِ الثقبُ النافذ غير السائل، و الكثرةِ الثاقبُ السائل.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 431

المطلب الثالث في بيان أحكام الأقسام الثلاثة

حكم الاستحاضة القليلة
اشارة

أمّا القسم الأوّل أي القليلة، فحكمه تغيير القطنة، و تجديد الوضوء عند كلّ صلاة.

1 تغيير القطنة

أمّا الأوّل: فإجماعاً كما عن ظاهر «الناصريات» و «الغنية» و «جامع المقاصد» «1» و هو مذهب علمائنا، كما عن «التذكرة» «2» و لا خلاف فيه عندنا، كما عن «المنتهىٰ» «3» و هو المشهور، كما عن «كاشف الالتباس» و «الكفاية» و ظاهر

______________________________

(1) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 18، غنية النزوع 1: 39 40، جامع المقاصد 1: 339.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 388/ السطر الأخير، تذكرة الفقهاء 1: 279.

(3) منتهى المطلب 1: 120/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 432

«الذكرى» «1» و به قطع أكثر الأصحاب، كما عن «كشف اللثام» «2».

و عن «الكفاية» التأمّل في الإجماع «3»، و عن «كشف اللثام»: «أنّه لم يذكره الصدوقان و لا القاضي» «4».

و في «الجواهر»: «لزوم التغيير مشهور نقلًا و تحصيلًا، و نقل عن «مجمع البرهان» «5»: «أنّ لزومه كأنّه إجماعي» «6».

و العمدة في المقام هي هذه الشهرة المسلّمة، مع كون الأدلّة بظاهرها أو إطلاقها تدلّ علىٰ عدم لزوم التغيير، و هما بمثابة لا يمكن أن يقال: إنّ الشهرة لعلّها لتخلّل الاجتهاد، أو لتحكيم إجماع «الغنية» و نفي خلاف «السرائر» المحكيين على إلحاق دم الاستحاضة بالحيض في عدم العفو «7» علىٰ هذه الأدلّة، أو تحكيم ما دلّ في الكثيرة و المتوسّطة علىٰ لزوم التغيير «8»، مع عدم تعقّل الفرق، أو عدم القائل به، أو تحكيم الإجماع المركّب كما عن «الرياض» «9» علىٰ هذه الأدلّة؛ فإنّ تلك الأدلّة ظاهرة الدلالة في عدم لزوم

______________________________

(1) كشف الالتباس: 126/ السطر 11 (مخطوط)، كفاية الأحكام: 5/ السطر 27، ذكرى الشيعة 1: 241.

(2) كشف اللثام

2: 148.

(3) كفاية الأحكام: 5/ السطر 28.

(4) كشف اللثام 2: 148.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 155.

(6) جواهر الكلام 3: 313.

(7) غنية النزوع 1: 41، السرائر 1: 176.

(8) راجع وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3 و 8.

(9) رياض المسائل 2: 111.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 433

التبديل،

ففي صحيحة الحلبي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سئل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن المرأة تستحاض، فأمرها أن تمكث أيّام حيضها؛ لا تصلّي فيها، ثمّ تغتسل و تستدخل قطنة و تستثفر بثوب، ثمّ تصلّي حتّى يخرج الدم من وراء الثوب «1».

و

في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإن انقطع الدم، و إلّا اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت، فإن جاز الدم الكُرْسُف تعصّبت و اغتسلت «2».

و في صحيحة الصحّاف عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إن لم ينقطع الدم عنها إلّا بعد ما تمضي الأيّام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل، ثمّ تحتشي و تستذفر، و تصلّي الظهر و العصر، ثمّ لتنظر فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف، فلتتوضّأ و لتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها «3».

و

في موثّقة عبد الرحمن عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر «4».

و

في موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) ثمّ هي مستحاضة؛ فلتغتسل

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 3، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة،

الباب 1، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(3) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7.

(4) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 434

و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم «1».

و

في رواية الجُعْفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إن لم تر طهراً اغتسلت و احتشت، و لا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف .. «2».

إلىٰ غير ذلك من الروايات التي لا مجال للشبهة فيها و في دلالتها؛ حتّى يتوهّم تخلّل الاجتهاد فيها.

كما أنّه لا وجه لتخيّل تحكيم إجماع «الغنية» أو التحكيم المذكور بعده علىٰ تلك الأدلّة؛ ضرورة أنّ إجماع «الغنية» علىٰ فرض صحّته لا إطلاق فيه بالنسبة إلى البواطن، بل العفو عنها ممّا لا إشكال فيه.

كما أنّ دعوى عدم تعقّل الفرق بين القليلة و غيرها، في محلّ المنع بعد اختلاف أحكام الثلاثة، و عدم طريق للعقول إلى الواقع في التعبّديات. مع أنّ في دلالة الخبرين في موردهما إشكالًا.

و كيف كان: فلا يمكن رفع اليد عن الشهرة الثابتة و الإجماع المحكي؛ لأجل تلك الأدلّة المعرض عنها مع كونها بمنظر منهم، فالأحوط لو لم يكن أقوى لزوم تغيير الكرسف.

و أمّا الخرقة: فمع تلوّثها يجب تبديلها مطلقاً؛ إن قلنا بعدم العفو في دم الاستحاضة، و إلّا ففي المقدار المعفو عنه. مع إمكان أن يقال: إنّ الشهرة

علىٰ وجوب التبديل في القطنة، تدلّ علىٰ مانعية دم الاستحاضة و لو كان قليلًا،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 169/ 483، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 9.

(2) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 435

و منه يظهر مانعيته إذا كان في الخرقة، بل مانعيّته فيها أولىٰ.

و كذا الحال في ظاهر الفرج، و هو علىٰ ما قالوا «ما يبدو منه عند الجلوس على القدمين» «1» و هو الأحوط.

2 تجديد الوضوء

و أمّا الثاني: أي تجديد الوضوء لكلّ صلاة: فهو إجماعي في الجملة، كما عن «الخلاف» و «جامع المقاصد» و ظاهر «الناصريات» و «الغنية» «2» و عن «التذكرة»: «أنّه مذهب علمائنا» «3» و هو المشهور، كما عن جملة من الأعلام «4»، و هو مذهب الخمسة و أتباعهم، كما عن «المعتبر» «5».

خلافاً للمحكي عن ابن عقيل فلم يوجب في القليلة غسلًا و لا وضوءً «6»، و للمحكي عن ابن الجنيد فأوجب فيها غسلًا واحداً في كلّ يوم و ليلة «7». و قد تقدّم نقل ذهاب المحقّق الخراساني أيضاً إلىٰ إيجاب الغسلِ الواحد عليها، و الوضوء لكلّ صلاة «8».

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 74، روض الجنان: 83/ السطر 17، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 248/ السطر 12.

(2) الخلاف 1: 249 250، جامع المقاصد 1: 340، الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 18، غنية النزوع 1: 39 40.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 279.

(4) مختلف الشيعة 1: 209، كفاية الأحكام: 5/ السطر 26، مفتاح الكرامة 1: 389/ 2.

(5) انظر جواهر الكلام 3: 315، المعتبر 1: 242.

(6) انظر المعتبر 1: 242.

(7) المعتبر 1: 244.

(8) تقدّم

في الصفحة 421.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 436

و الأقوى ما عليه المشهور، و يدلّ عليه مضافاً إلىٰ ما تقدّم من عدم نقل خلاف إلّا ممّن تقدّم

صحيحة معاوية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء «1».

و هو في مقابل الصدر حيث أوجب الغسل عليها إذا ثقبه كالصريح في عدم وجوب الغسل عليها.

و أوضح منها

موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها، كيف تصنع؟ قال تستظهر بيوم أو يومين، ثمّ هي مستحاضة؛ فلتغتسل و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت.

و لا إشكال في ظهورهما في المقصود، و معهما لا مجال للتمسّك بإطلاق بعض الأدلّة، أو عدم ذكر الوضوء في آخر، مثل

صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السّلام) و فيها قال لا، هذه مستحاضة؛ تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة، و تجمع بين صلاتين بغسل «2».

و

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها فإن انقطع الدم، و إلّا اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت، فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت «3».

و صحيحة الصحّاف «4» حيث أمر فيها بالاحتشاء و صلاة الظهر و العصر، و مع عدم السيلان بالوضوء عند وقت كلّ صلاة، فأوجب الوضوء للصلاتين لا لكلّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 422.

(2) الكافي 3: 90/ 6، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3.

(3) تقدّمت في الصفحة 433.

(4) تقدّمت في الصفحة 433.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)،

ج 1، ص: 437

صلاة؛ بمناسبة ذكر الوقت فيها .. إلىٰ غير ذلك ممّا يكون الجمع العرفي بينها و بين الروايتين بتقييد إطلاقها؛ لأنّ السكوت في مقام البيان، لا يقاوم ما هو ظاهر في وجوب الوضوء لكلّ صلاة.

بل يدلّ على المقصود إطلاق

موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها غسل الاستحاضة واجب؛ إذا احتشت بالكرسف و جاز الدم الكرسف، فعليها الغسل لكلّ صلاتين، و للفجر غسل، و إن لم يجز الدم الكرسف، فعليها الغسل كلّ يوم مرّة و الوضوء لكلّ صلاة «1».

و عدم تجاوز الدم أعمّ من كونه ثاقباً و غيره، فيقيّد إطلاق وجوب الغسل بما دلّ علىٰ عدم وجوبه لغير الثاقب، و يبقى إطلاق وجوب الوضوء لكلّ صلاة للثاقب و غيره. و كون الغسل على المستحاضة الوسطىٰ دون الصغرىٰ، لا يوجب أن يكون قوله

لم يجز الدم

مختصّاً بالوسطى حتّى في الوضوء؛ فإنّ تقييد الإطلاق بالنسبة إلىٰ حكم بدليل، لا يوجب تقييده بالنسبة إلىٰ حكم آخر لم يقم دليل علىٰ تقييده.

و أولى من ذلك الاستدلال عليه

بمرسلة يونس الطويلة قال فيها و سئل عن المستحاضة فقال: إنّما ذلك عزف عامر أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة.

قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب «2».

فإنّ إطلاقها يقتضي وجوب الوضوء لكلّ صلاة؛ سال الدم أو لا، كان سيلانه كثيراً مثل المَثْعَب أو لا.

______________________________

(1) الكافي 3: 40/ 2، تهذيب الأحكام 1: 104/ 270، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3.

(2) تقدّم في الصفحة 350.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 438

بل لا يبعد التمسّك

بموثّقة سماعة المضمرة، و

فيها و إن لم يجز الدم الكرسف، فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة و الوضوء لكلّ صلاة، و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل. هذا إذا كان دمها عبيطاً، و إن كان صفرة فعليها الوضوء «1».

إمّا بإطلاق قوله

و إن لم يجز ..

بالتقريب المتقدّم.

و إمّا بحمل «الصفرة» على القليلة، و الوضوء على المعهود في الصدر؛ أي يكون عليها الوضوء المذكور لزومه لكلّ صلاة، و ليس عليها الغسل. بل لا منافاة بين التمسّكين، كما يظهر بالتأمّل.

و علىٰ تلك الروايات يحمل ما ورد في صحيح الصحّاف من إيجاب الوضوء عند وقت كلّ صلاة، خصوصاً مع تعارف التفريق بين الصلوات في تلك الأزمنة؛ بحيث كانت الأوقات الخمسة معروفة بين المسلمين. و أمّا قوله

تحتشي و تصلّي الظهر و العصر، ثمّ لتنظر

فلا يقاوم ظهور تلك الأدلّة، خصوصاً مع تذييله بقوله

فلتتوضّأ و لتصلِّ عند وقت كلّ صلاة

بالتقريب المذكور.

و بالجملة: مقتضى الجمع بين الأدلّة وجوب الوضوء لكلّ صلاة في القليلة و عدم الغسل.

عدم الفرق بين الفريضة و النافلة في الحكم

ثمّ إنّ مقتضىٰ عموم تلك الأدلّة و إطلاقها، عدم الفرق بين الفريضة و النافلة؛ كانت النافلة من الرواتب أو لا، خصوصاً مع تعارف الإتيان بالنوافل في الصدر الأوّل، بل تعارف إتيان صلاة التحيّة و نحوها، فحينئذٍ لا وجه

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 439

لدعوى «1» انصراف الأدلّة إلى الفرائض.

و أمّا قضيّة حرجية ذلك و بناء الشريعة السهلة على التسامح و التساهل، فهي غير جارية في النوافل التي لا إلزام في إتيانها، فإن أرادت الوصول إلى الثواب الجزيل، تأتي بها مع ما فيها من المشقّة، فتنال فضيلة

أحمز الأعمال.

بل يمكن الاستدلال على المطلوب: بأنّ المتفاهم من الأدلّة حدثية دم الاستحاضة في الجملة، فحينئذٍ نقول:

إمّا أن يكون حدثاً و لو اقتضاءً بأوّل حدوثه دون استمراره. أو يكون بوجوده المستمرّ إلىٰ آخره حدثاً؛ بحيث لا تتحقّق الحدثية إلّا بعد تمام الاستمرار. أو يكون حدثاً بحدوثه و استمراره أي يكون كلّ قطعة و قطرة منه حدثاً.

لا سبيل إلى الأوّلين؛ ضرورة مخالفتهما لما دلّ علىٰ لزوم الوضوء لكلّ صلاة، كما يظهر بأدنى تأمّل، فلا محالة يكون حدثاً على النحو الثالث، فحينئذٍ لا محيص عن القول: بأنّ ما دلّ على العفو أو سلب الحدثية، إنّما هو بالنسبة إلى القطرات التي تخرج بعد الوضوء، أو بينه إلىٰ آخر الصلاة التي صلّت به، و لم يثبت العفو عن غيرها، و كذا سلب الحدثية. و بما ذكرنا يدفع ما قيل: «من عدم ثبوت حدثيته، و منع كون طبيعته حدثاً» «2» فتدبّر.

هذا مضافاً إلىٰ بُعد الالتزام بأنّ الدم الخارج بعد الفريضة حدث دون غيره لو لم نقل: بأنّه مقطوع الخلاف. إلّا أن يلتزم الخصم بأنّ الفريضة سبب للحدث! و هو كما ترى. و أمّا التفصيل بين الرواتب و غيرها «3» فغير وجيه، كما لا يخفى.

و أمّا القسم الثاني أي المتوسّطة:

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 318/ السطر 29.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 247/ السطر 30، مصباح الفقيه، الطهارة: 318/ السطر 27.

(3) جواهر الكلام 3: 318.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 440

حكم الاستحاضة المتوسطة
1- وجوب تبديل القطنة

فيجب فيه تبديل القطنة «بلا خلاف صريح أجده فيه» كما في «الجواهر» «1» و عن «شرح الإرشاد» لفخر الإسلام إجماع المسلمين عليه «2».

و تدلّ عليه الشهرة القطعية الكاشفة عن معروفية الحكم من لدن زمن الأئمّة (عليهم السّلام) في الاستحاضة

القليلة، و فهم الحكم منها عرفاً بالأولوية القطعية في المتوسّطة و الكثيرة؛ ضرورة أنّ العرف و العقلاء إذا سمعوا «أنّ من الأحكام تبديل الكُرْسُف إذا تلوّث بدم الاستحاضة في الجملة، و لا تصحّ صلاة المستحاضة القليلة بلا تبديله» يفهمون منه أنّ دم الاستحاضة قليلة و كثيره مانع عن الصلاة، و يجب على المرأة تبديل الكرسف مطلقاً؛ بلا التماس دليل بالنسبة إلى المتوسّطة و الكثيرة.

فالخدشة في دلالة الأخبار علىٰ جميع المقصود «3» في غير محلّها. و علىٰ فرض الصحّة لا توجب الخدشة في أصل الحكم.

كما أنّ الخدشة في الشهرة أو الإجماع في المقام لاحتمال تخلّل الاجتهاد و فهم الأصحاب الحكم من الأخبار الواردة فيها لا توجب الخدشة في الحكم؛ لما عرفت «4» من أنّ الشهرة في المسألة السابقة، من الشهرات التي

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 319.

(2) انظر كشف اللثام 2: 151، جواهر الكلام 3: 319.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 316/ السطر 31، و: 319/ السطر 8.

(4) تقدّم في الصفحة 432.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 441

انسدّ فيها باب الاجتهاد، مع ورود أخبار دالّة على الخلاف، فهي حجّة فيها، و منها يتضح الحكم في القسمين الآخرين أيضاً.

هذا، مع إمكان الاستدلال علىٰ لزوم التبديل

بموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال فيها و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر، ثمّ تصلّي، فإذا كان الدم سائلًا .. «1» إلىٰ آخره.

و لا إشكال في ظهوره في تبديل الكرسف؛ فإنّ القطنة التي ظهر الدم عليها تخرج حين الغسل، فإذا قيل بعد فرض إخراجها

تضع كرسفاً آخر

يفهم منه تبديلها، و لا يحتمل

وضع كرسف علىٰ كرسفها، فحينئذٍ لا إشكال في ظهوره في مانعية الدم الذي ظهر على الكرسُف عن الصلاة.

و لا وجه لحمل ذلك على الجري مجرى العادة «2». لأنّ العناية بوضع كرسف آخر في مقام التعبّد و بيان التكليف دليل علىٰ دخله في الحكم، فلا حجّة علىٰ رفع اليد عن الظهور باحتمال الجري مجرى العادة.

و بعد فهم المانعية عن الصلاة، لا ينقدح في الذهن أنّ المانعية منحصرة في صلاةٍ، فاحتمال كون التبديل مختصّاً بما بعد الغسل فقط، مخالف لفهم العرف من قوله

تضع كرسفاً آخر، ثمّ تصلّي

إنّ الكرسف الكذائي مانع عن طبيعة الصلاة، لا عن مصداق منها.

و منه يظهر وجه الاستدلال عليه برواية الجُعْفي «3» فإنّ قوله

فإذا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 319/ السطر 14.

(3) تقدّم في الصفحة 434.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 442

ظهر أعادت الغسل، و أعادت الكرسف

ظاهر في التبديل، لا إعادة الكرسف المتلوّث.

و أمّا

قوله في رواية ابن أبي يعفور فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها «1»

فيحتمل فيه إرادة زيادة كرسف علىٰ كرسفها، و يحتمل إرادة وضع كرسف زائد حجماً على الكرسف الأوّل على المحلّ؛ أي تبديل كرسفها بكرسف آخر زائد عليه، و لا ترجيح لأحدهما، فيرفع هذا الإجمال بالروايتين السابقتين.

مع أنّ الظهور على الكرسف موجب للغسل بحسب دلالة الروايتين، و حين الغسل لا يمكن إبقاء الكرسف، فحينئذٍ يمكن ترجيح الاحتمال الثاني. و كيف كان فلا إشكال في المسألة.

كما لا إشكال في لزوم تبديل الخرقة علىٰ فرض التلوّث؛ لاستفادة مانعية الدم و لو كان قليلًا من الشهرة في المسألة السابقة علىٰ ما مرّ

«2». هذا إذا قلنا بالعفو عن دم الاستحاضة، و إلّا فالأمر أوضح.

2 وجوب الوضوء

و كذا يجب عليها الوضوء لكلّ صلاة حتّى صلاة الغداة التي اغتسلت قبلها؛ لعدم الخلاف في غير الغداة، كما احتمله في «الجواهر» «3» بل قد يدعي «4» تناول

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1258، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 13.

(2) تقدّم في الصفحة 434.

(3) جواهر الكلام 3: 320.

(4) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 443

إجماع «الناصريات» و «الغنية» «1» لغيرها، بل احتمل في «الجواهر» كون المسألة مطلقاً غير خلافية؛ لحمل غير بعيد لعبارات بعض الأصحاب ممّا احتمل الخلاف منهم «2».

و تدلّ على المطلوب موثّقتا سماعة الصريحتان في وجوب الوضوء لكلّ صلاة «3»، و

مرسلة يونس حيث قال فيها و سئل عن المستحاضة فقال: إنّما ذلك عزف عامر، أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة. قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب «4».

حيث دلّت علىٰ وجوب الوضوء لكلّ صلاة؛ سال الدم أو لم يسل، كان سيلانه قليلًا أو كثيراً.

و

رواية ابن أبي يعفور، و فيها و تنظر؛ فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها، و توضّأت و صلّت.

فهي ظاهرة في أنّ الظهور على الكرسف موجب للوضوء، فبضميمة ما دلّت علىٰ أنّ الظهور عليه موجب للغسل و إعادة الكرسف، تدلّ على المدعىٰ.

و بعبارة اخرىٰ: الظاهر من رواية ابن أبي يعفور و رواية الجُعفي و موثّقة عبد الرحمن أنّ الظهور على الكرسف سبب لأُمور ثلاثة: الاغتسال، و التبديل، و الوضوء، فيفهم منها أنّ الغسل لا يجزي عن الوضوء. و تدلّ على المطلوب أيضاً صحيحة الصحّاف.

______________________________

(1) تقدّم

في الصفحة 435.

(2) جواهر الكلام 3: 320.

(3) وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3، و: 374، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

(4) تقدّم في الصفحة 350.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 444

و ليس في مقابلها إلّا توهّم إطلاق بعض الروايات، و السكوت عنه في مقام البيان في بعضها، و لا يخفىٰ ما فيهما:

أمّا الإطلاق فيجب تقييده.

و أمّا السكوت، فعلى فرض كونه في مقام البيان، لا يقاوم الأدلّة المصرّحة. مع إمكان أن يقال: إنّ غالب الأدلّة ليس في مقام البيان، كصحيحة زرارة في النفساء «1»؛ لإمكان كونها بصدد بيان مورد لزوم الغسل الواحد و المتعدّد، لا في مقام بيان جميع الأحكام، و لهذا لم يذكر فيها الوضوء للقليلة أيضاً. و مثلها موثّقة عبد الرحمن، فالمسألة خالية من الإشكال بحمد اللّٰه.

3 وجوب الغسل
اشارة

و كذا يجب عليها الغسل، و هو في الجملة ممّا لا إشكال فيه نصّاً و فتوى، و عن «الناصريات» و «الخلاف» و ظاهر «الغنية» الإجماع عليه «2».

و إنّما الإشكال و الخلاف في أنّه هل يجب عليها مضافاً إلى غسل للغداة غسلان آخران للظهرين و العشاءين أو لا؟

فعن المشهور عدم وجوب غير ما للغداة عليها «3»، و في «الجواهر»: «ظاهر الجميع بل صريحهم عدم وجوب غيره» «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 188/ السطر 15 و 18، الخلاف 1: 249 250، غنية النزوع 1: 39 40.

(3) كفاية الأحكام: 5/ السطر 28، مفتاح الكرامة 1: 390/ السطر 28.

(4) جواهر الكلام 3: 321.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1،

ص: 445

و عن ابني عقيل و الجنيد «1» و المحقّق في «المعتبر» «2» و العلّامة في «المنتهىٰ» «3» و بعض متأخّري المتأخّرين «4» إدخال هذا القسم في الثالثة، فأوجبوا الأغسال الثلاثة عليها.

و ظاهر بعض المحقّقين لزوم الغسل عليها كلّما ظهر الدم على الكرسف، و إذا كان سائلًا يتعذّر عليها أو يتعسّر استمساكه بالكرسف لكونه صبيباً لا يرقأ فعليها الأغسال الثلاثة «5». و لازمه وجوب خمسة أغسال عليها في اليوم و الليلة في بعض الأحيان، فتكون أسوأ حالًا من الكثيرة.

منشأ الاختلاف في عدد الغسل

و منشأ الاختلاف اختلاف أنظارهم في الجمع بين شتات الروايات، و قد تقدّم بعض الكلام في استفادة الأقسام الثلاثة من الروايات في أوّل البحث «6».

و محصّله: أنّ التحقيق في الجمع بين الروايات هو تثليث الأقسام؛ و عدم وجوب الغسل على الصغرىٰ، و وجوب غسل واحد على الوسطىٰ، و ثلاثة أغسال على الكبرى.

ففي موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و غسل الاستحاضة واجب؛ إذا احتشت بالكرسف و جاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ صلاتين، و للفجر

______________________________

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 209 و 210.

(2) المعتبر 1: 245.

(3) منتهى المطلب 1: 120/ السطر 19 24.

(4) مدارك الأحكام 2: 31 32.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 322/ السطر 33.

(6) تقدّم في الصفحة 422.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 446

غسل، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة، و الوضوء لكلّ صلاة «1».

و قريب منها

موثّقته الأُخرىٰ قال: قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين، و للفجر غسلًا، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة، و الوضوء لكلّ صلاة، و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل.

هذا

إذا كان دمها عبيطاً، و إن كان صفرة فعليها الوضوء «2».

و المراد بثقب الدم في هذه هو التجاوز؛ بقرينة تقابله بعدم التجاوز، و بقرينة موثّقته السابقة، و بقرينة أنّ الثقب ملازم للتجاوز بحسب الغالب، و لا إشكال في أنّ معنى «التجاوز» عرفاً و لغةً غير الثقب و الظهور على الكرسف و النفوذ، بل هو عبارة عن العبور من الكرسف و السراية إلىٰ شي ء آخر، و هو عبارة أُخرى عن «السيلان» الذي في الروايات الأُخر.

و

في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد.

قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 40/ 2، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

(3) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 447

و لا إشكال في أنّ ظاهرها أنّ الدم المتجاوز، يوجب الأغسال الثلاثة، و غير المتجاوز لا يوجب إلّا غسلًا واحداً. نعم غير المتجاوز بإطلاقه شامل للثاقب و غيره، لكن يتقيّد

بموثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها، كيف تصنع؟ قال تستظهر بيوم أو يومين، ثمّ هي مستحاضة، فلتغتسل و تستوثق من نفسها، و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت «1».

و

مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدّم هو تثليث الأقسام بلا إشكال.

و ممّا ذكرنا ظهر حال

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المستحاضة تنظر أيّامها؛ فلا تصلّي فيها، و لا يقربها بعلها، فإذا جازت أيّامها و رأت الدم يثقب الكرسف، اغتسلت للظهر و العصر؛ تؤخّر هذه، و تعجّل هذه، و للمغرب و العشاء غسلًا؛ تؤخّر هذه، و تعجّل هذه، و تغتسل للصبح، و تحتشي و تستثفر و تحشّي، و تضمُّ فخذيها في المسجد و سائر جسدها خارج، و لا يأتيها بعلها أيّام قرئها، و إن كان الدم لا يثقب الكرسف، توضّأت و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء، و هذه يأتيها بعلها إلّا في أيّام حيضها «2».

فإنّ صدرها إمّا مطلق يجب تقييده بمثل قوله

إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد

أو يكون ظاهراً في الكثيرة بمقتضىٰ قوله

و تحتشي و تستثفر و تحشّي و تضمّ فخذيها في المسجد

الوارد للتحفّظ عن السيلان و تلويث أثوابها.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 169/ 483، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 9.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 447

(2) الكافي 3: 88/ 2، وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 448

قال صاحب «الوافي»

تحشّي

مضبوط في بعض النسخ المعتمد عليها بالحاء المهملة و الشين المعجمة، و فسّر بربط خرقة محشوّة بالقطن يقال لها: «المحْشى» علىٰ عجيزتها للتحفّظ من تعدّي

الدم حال القعود.

و في «الصحاح»: «المحْشى: العِظامة تعظّم بها المرأة عجيزتها» «1».

و في بعض النسخ

تحتبي

بالتاء المثنّاة من فوق و الباء الموحّدة من الاحتباء، و هو جمع الساقين و الفخذين إلى الظهر بعمامة و نحوها؛ ليكون ذلك موجباً لزيادة تحفّظها من تعدّي الدم» «2» انتهىٰ.

و على النسختين، يكون الاحتشاء و الاستثفار و الربط بالخرقة المحشوّة أو الاحتباء؛ لكثرة التحفّظ، و معلوم أنّ هذه المبالغة إنّما هي في الكثيرة لا غيرها.

نعم، بناءً عليه يكون عدم الثقب المقابل له مساوقاً لغير المتجاوز، فيكون أعمّ من المتوسّطة و القليلة، فيقيّد بما دلّ علىٰ عدم الغسل مع عدم النفوذ و الثقب، فتصير النتيجة تثليث الأقسام.

و تدلّ علىٰ تثليثها صحيحة الصحّاف «3» أيضاً؛ فإنّ الظاهر منها بعد ردّ الصدرِ على الذيل، و الإجمالِ فيه على التفصيل في ذيلها-: أنّ الدم إمّا أن يكون غير سائل مطلقاً؛ وُضع الكرسف أو لا، أو سائلًا مطلقاً؛ وضع الكرسف أو لا، أو سائلًا بلا وضعه، و غير سائل معه.

ففي الأوّل ليس عليها إلّا الوضوء.

و في الثاني عليها ثلاثة أغسال.

______________________________

(1) الصحاح 6: 2314.

(2) الوافي 6: 469 470.

(3) تقدّم في الصفحة 433.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 449

و في الثالث عليها طبيعة الغسل، لا أغسال ثلاثة.

و معلوم: أنّ الدم إذا لم يكن سائلًا حتّى مع عدم الكرسف، لا يكون إلّا قليلًا، و إذا كان سائلًا مع الكرسف يكون كثيراً، و المتوسّط بينهما أي السائل بلا مانع لا ينطبق إلّا على المتوسّطة.

و ما احتمله فيها الشيخ الأعظم «1» خلاف المتفاهم منها عرفاً. فحينئذٍ لا مخالفة بينها و بين الجمع المتقدّم في سائر الروايات. بل هي شاهدة للجمع المذكور.

بقيت روايات

منها:

موثّقة عبد الرحمن و فيها

و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر، ثمّ تصلّي، فإذا كان دماً سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد «2».

و الظاهر المتفاهم منها عرفاً بعد ارتكازية كون الدم الكثير أسوأ حالًا من المتوسّط أنّ الغسل في مقابل ثلاثة أغسال، هو نفس الطبيعة التي يسقط الأمر بها بأوّل الوجود. و لو سلّم كون الظهور الأوّلي منه هو سببية الظهور بجميع وجوداته للغسل فيجب عليها كلّما ظهر على الكرسف يجب رفع اليد عنه بما صرّح: بأنّ الدم الغير المتجاوز لا يكون سبباً إلّا لغسل واحد في كلّ يوم، و لا إشكال في أظهرية ذلك من الموثّقة؛ علىٰ فرض تسليم الظهور المتقدّم.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 248/ السطر 31.

(2) تقدّم في الصفحة 441.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 450

و به يظهر الكلام

في رواية إسماعيل بن جابر قال و إن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت و احتشت، و لا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ الغسل الأوّل فيها غسل الحيض، و ظاهرها أنّ غسل الحيض يكفيها، و لا يلزم عليها غسل إلّا عند الظهور، فإذا ظهر أعادت الغسل، و لا تكتفي بغسل الحيض، و هذا لا يدلّ علىٰ لزوم الغسل عند كلّ ظهور. و لو سلّم ظهورها يرفع اليد عنه بنصّ موثّقتي سماعة. مع أنّها ضعيفة السند بالقاسم بن محمّد الجوهري.

و الإنصاف: أنّ الناظر في مجموع الروايات بعد ردّ ظاهرِها علىٰ نصّها، و مطلقِها علىٰ مقيّدها، و مجملِها علىٰ مفصّلها لا ينبغي

أن يرتاب في تثليث الأقسام علىٰ ما هو المشهور بين الأصحاب.

و أمّا ما يقال: من أنّ تقييد الموثّقتين أي قوله

إن لم يجز الدمُ الكرسف

بالثقب الغير المتجاوز تقييدٌ بالفرد النادر. بل ارتكاب التقييد في الموثّقة المضمرة «2» و لو مع قطع النظر عن ذلك متعذّر؛ لما في صدرها من التنصيص علىٰ أنّ المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف، اغتسلت لكلّ صلاتين، و للفجر غسلًا، و عدم التجاوز نقيض ما في الصدر، فيكون المراد منه عدم الثقب. و التعبير ب

لم يجُز

للجري مجرى الغالب.

و ادعاء العكس لا يجدي؛ و إن أمكن أن يكون المراد من قوله

إذا ثقب

إذا جاز اعتماداً على الغلبة، لكنّ التعبير به عنواناً للموضوع و لو بملاحظة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

(2) و هي موثّقته الأُخرى و قد تقدّمت كلتا الموثقتين في الصفحة 446.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 451

الغلبة مانع عن أن يكون المقصود من قوله

إن لم يجز

خصوص الثاقب الغير المتجاوز، خصوصاً مع ما في ذيلها من تأكيد مضمون الجملة ببيان مورد الحكم؛ حيث قال

هذا إذا كان دماً عبيطاً.

فالإنصاف: أنّ الأخذ بظاهر هذه الروايات غير ممكن؛ لمخالفته للنصوص و الفتاوى «1». انتهىٰ ملخّصاً.

ففيه ما لا يخفى: أمّا لزوم التقييد بالفرد النادر.

ففيه: أنّ المضمرة تعرّضت للأقسام الثلاثة، فأراد ب «الثاقب» المتجاوز؛ لملازمة الثقبِ التجاوزَ نوعاً.

و يؤيّده موثّقته الأُخرىٰ؛ حيث قابل فيها بين المتجاوز و غير المتجاوز، و صحيحة معاوية حيث عبّر فيها ب «الثقب» و ذكر بعده أُموراً كانت قرينة علىٰ كثرة الدم و كونها من الكثيرة، و الظاهر إرادة القليلة من «الصفرة» لكونها نوعاً

قليلة غير نافذة، فيبقىٰ غير المتجاوز المقابل لهما، و هو لا ينطبق إلّا على المتوسّطة.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الندرة لو سلّمت، فإنّما هي مقابلة الثاقب المتجاوز، لا مقابلة عدم الثاقب، و مع التعرّض للثاقب المتجاوز بقرينة ما ذكرنا لا يبقى مجال لاحتمال كون التقييد بشيعاً.

و بما ذكرنا ينحلّ الإشكال الثاني؛ لما عرفت من لزوم حمل «الثاقب» على المتجاوز؛ للقرائن المتقدّمة.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ الجمع بين شتات الروايات، لا يمكن إلّا بما ذهب إليه المشهور، و لا يلزم منه شي ء مخالف لارتكاز العقلاء في الجمع بينها.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 321/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 452

وجوب الغسل بنحو الوجوب الشرطي المتقدّم لجميع الصلوات

ثمّ إنّه بحسب الاحتمال العقلي يحتمل أن يكون الغسل واجباً نفسياً.

و يحتمل أن يكون واجباً شرطياً لصلاة الغداة، فلو صارت متوسّطة بعد صلاة الفجر، لم يجب عليها الغسل لسائر الصلوات و إن وجب لصلاة الغداة المستقبلة.

و يحتمل أن يكون شرطاً للصلوات إذا حصل الدم وقت صلاة الغداة؛ بمعنى أنّ ظهور الدم في ذلك الوقت، حدث أكبر و لو حدث بعد صلاة الغداة.

و يحتمل أن يكون واجباً شرطياً لجميع الصلوات، لكن لا بمعنى وجوب إيجاده قبلها، بل بمعنى وجوب إيجاده في اليوم و الليلة مرّة، فيكون شرطاً متقدّماً للصلاة المتأخّرة، و متأخّراً للصلاة المتقدّمة.

و يحتمل أن يكون شرطاً متقدّماً لجميع الصلوات؛ بمعنى أنّه إذا حدث الدم قبل صلاة الفجر يجب الغسل قبلها، و يكون شرطاً لسائر الصلوات أيضاً، فلو تركته بطل جميع صلواتها، و لو حدث بعد صلاة الغداة يجب عليها الغسل لسائر الصلوات .. إلىٰ غير ذلك من الاحتمالات.

لا إشكال في أنّ الظاهر من الأدلّة هو الاحتمال الأخير؛ فإنّ

قوله في صحيحة زرارة

فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد

ظاهر في الوجوب الشرطي؛ و أنّ تلك الصلوات التي تصلّيها المستحاضة الكبرى بالأغسال الثلاثة و تكون الأغسال شرطاً لها، تصلّيها الوسطىٰ بغسل واحد، و يكون هو شرطاً لها، فقوله صلّت أي صلّت الصبح و الظهرين و العشاءين، و لا معنىٰ لاختصاصه بالغداة. و لا وجه لاحتمال كون الحدث إذا وجد في وقت الصبح كان أكبر.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 453

و بالجملة: لا شبهة في فهم العرف من مقابلة قوله

صلّت بغسل واحد

بقوله

صلّت الغداة بغسل ..

إلىٰ آخره أنّها تصلّي تلك الصلوات بغسل واحد، و يكون الغسل الواحد من الصلوات بمنزلة الأغسال الثلاثة منها.

و احتمال أن يكون شرطاً لمجموعها من حيث المجموع؛ بحيث لو حدث الدم بعد الغداة لم يكن حدثاً، و لا الغسل شرطاً، بعيد جدّاً، بل مقطوع الخلاف بعد كون كلّ صلاة مستقلّة في الوجوب و الشرائط و الموانع.

و من ذلك يظهر الكلام في

موثّقتي سماعة فإنّ قوله المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين، و للفجر غسلًا، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة، و الوضوء لكلّ صلاة

ظاهر في أنّ الغسل الواحد للوسطىٰ كالأغسال الثلاثة إنّما يكون بملاحظة الصلوات و شرطاً فيها، و قوله

لكلّ يوم

في مقابل الأغسال ظاهر في أنّ الغسل الواحد في كلّ يوم مرّة إنّما هو للصلوات اليومية، لا لنفس اليوم، و لا إشكال في فهم العرف منهما و من صحيحة زرارة، الشرطَ المتقدّم لكلّ صلاة؛ لأنّ الشرط المتأخّر مع كونه

خلاف ارتكاز العقلاء مخالف للمتفاهم من مثل قوله

صلّت بغسل واحد.

و علىٰ أيّ حال: لا إشكال في فهم العرف من تلك الروايات، اشتراطَ جميع الصلوات اليومية بالغسل. و أمّا مخالفة ذلك لفتاوى الأصحاب كما قيل فلقد أجاب عنها الشيخ الأعظم «1» و أجاد. و لو فرض عدم الوثوق بمراد القوم ممّا أفاده (رحمه اللّٰه) فلا أقلّ من احتماله احتمالًا معتدّاً به، و معه لا يجوز رفع اليد عن ظواهر الأدلّة.

و أمّا القسم الثالث أي الكثيرة

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 250/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 454

حكم الاستحاضة الكثيرة
1 وجوب تبديل القطنة و نحوها

فيجب فيه تبديل القطنة و الخرقة و كلّ ما تلوّث بالدم بلا إشكال؛ لما ذكرنا في المتوسّطة: من فهم العرف من ثبوت الحكم للقليلة ثبوتَه لها، و كذا الحال في الكثيرة؛ ضرورة أنّ وجوب تبديل القطنة التي تلوّث شي ء منها، دليل علىٰ مانعية هذا الدم عن الصلاة و لو كان قليلًا و في الباطن، فضلًا عمّا كان كثيراً و في الظاهر. و منه يعلم لزوم تبديل الخرقة و كلّ ما تلوّث بالدم؛ كلّ ذلك لفهم العرف من حكم القليلة مانعيةَ هذا الدم مطلقاً.

هذا مضافاً إلى الأدلّة الدالّة علىٰ لزوم تبديل الكرسف إذا ظهر الدم عليه «1»؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ظهوره عليه مانع عن الصلاة، و يصدق في الكثيرة أنّ الدم ظهر على الكرسف. و لو فرض اختصاص الأدلّة بالمتوسّطة، فلا إشكال في فهم العرف منها حكم الكثيرة أيضاً بإلغاء الخصوصية، كما يفهم منها مانعيته مطلقاً؛ سواء كان في الكرسف أو في غيره.

2 وجوب الغسل و الوضوء

و أمّا الوضوء فهل يجب لكلّ صلاة، كما عن «الخلاف» دعوى الإجماع عليه «2»، و عن «المختلف» دعوى الشهرة «3»، و هو المنقول عن «السرائر»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8 و 10.

(2) الخلاف 1: 249 250.

(3) مختلف الشيعة 1: 209.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 455

و «النافع» «1» و كتب العلّامة «2» و الشهيدين «3» و المحقّق الثاني «4» و هو مختار «الشرائع» «5» و عن «المدارك»: «أنّ عليه عامّة المتأخّرين» «6» و عن «الكفاية»: «عليه جمهور المتأخّرين» «7»؟

أو لا يجب مطلقاً و تكفي الأغسال عنه، كما عن ظاهر الصدوقين و عن السيّد في «الناصريات» و الشيخ و ابني زهرة

و حمزة و الحلبي و القاضي و سلّار «8»؟

أو يجب مع كلّ غسل، كما عن «المقنعة» و «الجمل» و «المعتبر» و ابن طاوس و شارح «المفاتيح» و السيّد في «الرياض» «9»؟

و عن «المعتبر» دعوى عدم ذهاب أحد من طائفتنا إلىٰ وجوب الوضوء لكلّ

______________________________

(1) السرائر 1: 153، المختصر النافع: 11.

(2) نهاية الإحكام 1: 126، منتهى المطلب 1: 120/ السطر 36، قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 13، تبصرة المتعلّمين: 10.

(3) الدروس الشرعيّة 1: 99، ذكرى الشيعة 1: 241، روض الجنان: 84/ السطر 1510، الروضة البهيّة 1: 392.

(4) جامع المقاصد 1: 341 342.

(5) شرائع الإسلام 1: 26.

(6) مدارك الأحكام 2: 34.

(7) كفاية الأحكام: 5/ السطر 32.

(8) المقنع: 48، الفقيه 1: 50، الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 224/ السطر 15، النهاية: 28 29، غنية النزوع 1: 40، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 61، الكافي في الفقه: 129، المهذّب 1: 37 38، المراسم: 44.

(9) المقنعة: 56 57، جمل العلم و العمل، ضمن رسائل الشريف المرتضىٰ 3: 27، المعتبر 1: 247، انظر ذكرى الشيعة 1: 244، مصابيح الظلام 1: 50/ السطر 27، (مخطوط)، رياض المسائل 2: 123.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 456

صلاة، و نسبة من ذهب إلىٰ ذلك إلى الغلط «1». و هذا منه غريب بعد ذهاب من عرفت إليه، و قد اختاره في «الشرائع» و محكي «النافع».

و إلى القول الأخير ذهب شيخنا الأعظم قائلًا: «إنّه لا دليل علىٰ وجوبه لكلّ صلاة» «2»، و قد حقّق في محلّه عدم إجزاء غسل عن الوضوء إلّا غسل الجنابة «3».

و وجه عدم وجوبه مطلقاً: دعوى ورود الأدلّة الكثيرة المطلقة في مقام البيان مع السكوت عن الوضوء. و الأخذ بها أولىٰ

من الأخذ بظاهر مثل رواية يونس «4» علىٰ فرض تسليم ظهورها، و قد أنكر الشيخ الأعظم ظهورها بدعوىٰ:

«أنّ قوله فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة. قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب

ممّا يتوهّم كونه بملاحظة ذيله، نصّاً في أنّ الوضوء لكلّ صلاة حتّى في الكثيرة لا يدلّ على الوجوب؛ لأنّ الغسل فيه هو غسل الاستحاضة، و إلّا لزم إهمال ما هو الأهمّ، و يكون الظرف متعلّقاً بمجموع الجملتين، فحينئذٍ لا محيص عن الحمل على الاستحباب؛ لعدم وجوب الغسل لكلّ صلاة إجماعاً» «5».

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّ الظاهر أنّ الغسل الوارد في تلك الرواية كسائر الروايات هو غسل الحيض، و أنت إذا تفحّصت الروايات الواردة في باب المستحاضة، لا يبقى لك ريب في أنّ الاغتسال الوارد في المرسلة، هو

______________________________

(1) المعتبر 1: 247.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 6.

(3) تقدّم في الصفحة 262.

(4) تقدّم في الصفحة 349.

(5) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 9.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 457

الاغتسال من الحيض، و ترك بيان غسل الحيض ليس بأهون من ترك بيان غسل الاستحاضة.

ثمّ إنّ تعلّق الظرف بالجملتين محلّ إشكال، و دعوى الظهور في محلّ المنع، بل المتيقّن لو لم نقل: إنّه الظاهر تعلّقه بالجملة الأخيرة. و لو سلّم ظهور تعلّقه بهما، فقيام الدليل الخارجي علىٰ عدم وجوب الغسل لكلّ صلاة، لا يوجب عدم ظهور ذلك في لزوم الوضوء لكلّ صلاة.

هذا كلّه مع أنّه لو سلّم جميع ما أفاد، فلا يصير مدعاه ثابتاً إلّا بتقديم ما دلّ على عدم إجزاء غير غسل الجنابة عن الوضوء، على الإطلاقات الواردة في مقام البيان، و هو محلّ تأمّل.

و

قد اختار بعض أهل التحقيق عدم الوضوء عليها مطلقاً، و أجاب عن المرسلة: «بأنّ المراد من الأمر بالغسل فيها هو غسل الحيض، و المراد من تعميم الحكم إنّما هو في أنّها تصلّي في مقابل أيّام قرئها، لا أنّها تصلّي بعد غسل الحيض بالوضوء مطلقاً، و ليس الكلام في هذا المقام لبيان تكليف المستحاضة إلّا في الجملة، فلا ينافيه الإهمال» «1».

و أنت خبير: بأنّ ظاهر المرسلة هو رجوع التعميم إلى الوضوء لكلّ صلاة؛ فإنّ وجوب أصل الصلاة ليس مورد العناية في الكلام، بل ما هو مورد البيان و العناية هو الاغتسال و الوضوء لكلّ صلاة، و إنّما يفهم لزوم الصلاة عليها بالتبع، و رجوع التعميم إلىٰ ما هو مورد البيان أولىٰ، أو متعيّن.

نعم، لو كان الاستبعاد بالنسبة إلى الوضوء لكلّ صلاة في غير محلّه، و إلى أصل الصلاة في محلّه، لم يكن بدّ من رفع اليد عن الظهور. لكنّ استبعاد

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 323/ السطر 34، و: 324/ السطر 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 458

الوضوء في صورة سيلان الدم الذي هو حدث في محلّه. بل أولىٰ من استبعاد أصل الصلاة؛ فإنّ الوضوء بحسب الأدلّة و ارتكاز المتشرّعة إنّما هو لرفع الحدث، و بعد كون الحدث سائلًا دائماً، يكون إيجاد الرافع في نظر السائل أمراً غريباً مستبعداً، فسأل عنه و أجاب: بأنّها

تتوضّأ .. و إن سال مثل المثعب.

و الإنصاف: أنّ ظهور المرسلة في وجوب الوضوء لكلّ صلاة، ممّا لا ينبغي إنكاره.

نعم، يبقى الكلام في أنّ حمل هذا الظاهر على الاستحباب أولىٰ، أو تقييد الإطلاقات الواردة في مقام البيان.

و قد يدعىٰ ورود الأخبار المستفيضة التي كادت أن تكون متواترة في مقام

بيان تكليف المستحاضة ساكتةً عن الوضوء، و الالتزام بإهمال هذه الروايات من هذه الجهة في غاية الإشكال، و رفع اليد عن ظهور المرسلة متعيّن «1».

أقول: أمّا كون الالتزام بإهمال الروايات بأسرها في غاية الإشكال فحقّ، لكن لا يلزم من ذلك كون جميع الروايات التي يدعي استفاضتها في مقام البيان؛ حتّى نستوحش من ورود الروايات المستفيضة في مقام البيان، مع عدم ذكر الوضوء لكلّ صلاة.

بل الناظر في الروايات و المتأمِّل فيها، لا يرى فيها ما هي في مقام البيان من هذه الجهة إلّا موثّقة سماعة «2» السالمة عن المناقشة؛ حيث ذكر فيها الغسل الواحد و الوضوء لكلّ صلاة في المتوسّطة، و الوضوء فقط للصفرة المحمولة على القليلة، و في مقابلهما ذكر الكثيرة؛ و أوجب فيها الغسل لكلّ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 323/ السطر 34.

(2) تقدّم في الصفحة 446.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 459

صلاتين و للفجر، و لو كانت من جهة الوضوء في مقام الإهمال لما ذكره في المتوسّطة.

و الإنصاف: أنّ إنكار كونها مطلقة في مقام البيان في غير محلّه. و قريب منها موثّقته الأُخرىٰ. و أمّا سائر الروايات فلا تخلو من مناقشة في سندها أو إطلاقها. و رفع اليد عن إطلاق رواية أو روايتين بظهور رواية أُخرى ليس بعزيز، بل مبنىٰ فقه الإسلام علىٰ تقييد الإطلاقات و تخصيص العمومات.

و ليعلم: أنّ المطلقات علىٰ ضربين:

أحدهما: المطلقات الملقاة علىٰ أصحاب الكتب و الأُصول، و هي كثيرة و عليها مدار الفقه.

و ثانيهما: ما يلقىٰ علىٰ غيرهم ممّن كان محتاجاً في مقام العمل.

و لا إشكال في أنّ رفع اليد عن الضرب الثاني بورود أمر أو نهي أو مثلهما غير ممكن؛ للزوم تأخير البيان عن وقت

الحاجة، بخلاف الضرب الأوّل؛ فإنّ إلقاء الإطلاقات و العمومات علىٰ أصحاب الكتب و الأُصول إلىٰ ما شاء اللّٰه، مع بيان مقيّداتها و مخصّصاتها منفصلةً ببيان مستقلّ لأغراض و مصالح، منها فتح باب الاجتهاد و الدراسة، و فيهما من البركات و تشييد أركان الدين إلى ما شاء اللّٰه، ففيها يكون تقييد المطلق و تخصيص العامّ رائجاً هيّناً عليه بناء فقه الإسلام، و رفع اليد عنه مستلزم لتأسيس فقه جديد، كما لا يخفى على المتتبّع.

بل لا نستبعد فيها تقييد مطلقات كثيرة بمقيّد واحد.

و هاهنا كلام آخر في باب المطلقات الكثيرة، نطوي عنه كشحاً حذراً من التطويل.

نعم، لو كان ذيل

مرسلة يونس أي قوله و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّٰه ستّة أيّام أو سبعة .. إلىٰ أن قال و اغتسلي للفجر غسلًا ..

إلىٰ

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 460

آخره مطلقاً في مقام البيان لكان رفع اليد عنه مشكلًا، بل كان حمل الأمر على الاستحباب متعيّناً.

لكنّ الشأن في إطلاقه؛ فإنّ الظاهر من صدر المرسلة إلىٰ ذيلها، أنّ عناية أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في نقل كلام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي جعفر (عليه السّلام) إنّما هي للاستشهاد بهما للسنن الثلاث؛ و أنّ ذات الأقراء سنّتها الرجوع إلىٰ أقرائها، و ذات التمييز إلى التمييز، و غيرهما إلى السبعة و الثلاثة و العشرين؛ من غير أن يكون نظره إلىٰ بيان تكليف المستحاضة، و إنّما ذكر بعض تكاليفها ضمناً و استطراداً. كما أنّ نقل مقالة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في القضايا الثلاث، إنّما هو بداعي الاستشهاد للمقصود المتقدّم.

فلم يكن أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

بحسب سياق الرواية في مقام بيان جميع خصوصيات قصّتي فاطمة و حمنة إلّا ما له دخل في مقصوده، فذكر الأغسال الثلاثة لا يدلّ علىٰ كونه بصدد بيان جميع الخصوصيات، فحينئذٍ يمكن أنّ حمنة كانت عالمة بتكليف الوضوء للاستحاضة الكثيرة، و إنّما راجعت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لبيان حالها من شدّة الاستحاضة، كما يظهر من قصّتها.

و بالجملة: لم يظهر من المرسلة كون أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في مقام بيان القصّة بخصوصياتها، و لا كون رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في مقام بيان جميع تكاليفها؛ فإنّها قضيّة شخصية يمكن أن يكون رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عالماً بحال حمنة و بعلمها بلزوم الوضوء، خصوصاً بالنظر إلىٰ كونها أُخت زينب بنت جحش زوجته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

فتحصَّل من جميع ذلك لزوم الوضوء عليها مع كلّ صلاة. لكن ينبغي مراعاة الاحتياط بإتيان الوضوء في خلال الإقامة.

و ينبغي التنبيه علىٰ أُمور:

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 461

الأمر الأوّل في أنّ نفس الدم الكثير بذاته موجب للغسل
محتملات ما يوجب الأغسال الثلاثة بحسب التصوّر
اشارة

1 يحتمل بحسب التصوّر أن يكون صِرف وجود الدم الكثير مطلقاً، أو في وقت صلاة موجباً للأغسال الثلاثة؛ و لو فرض حدوثه في أوّل الفجر و انقطاعه، أو قبل الزوال كذلك.

2 و في مقابل هذا الاحتمال احتمال كون الموجب لها، هو الدم المستمرّ في الأوقات الثلاثة؛ بحيث لو انقطع في وقت العشاء، كشف عن عدم لزوم الغسل للصبح و الظهرين.

3 و يحتمل أن تكون كلّ قطعة من الدم المستمرّ إلى الأوقات الثلاثة في وقت كلّ فريضة سبباً؛ بحيث تكون القطعة الموجودة في الصبح من الدم المستمرّ إلى العشاء، سبباً لوجوب الغسل للصبح، و القطعة الموجودة في الظهر منه سبباً للغسل للظهرين، و هكذا في العشاءين.

4 و يحتمل أن يكون الدم المستمرّ إلىٰ كلّ وقت سبباً للغسل لفريضته، لا الحادث و لو في الوقت.

5 و يحتمل أن يكون الدم الحادث في كلّ وقت أو المستمرّ إلىٰ كلّ وقت،

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 462

سبباً للغسل لفريضة ذلك الوقت، فإن حدث في الصبح كان سبباً للغسل لفريضته، و كذا إن حدث في الزوال أو استمرّ إليه، و كذا في المغرب، فلو حدث قبل الزوال و انقطع، و لم يحدث في الزوال و لم يستمرّ إليه، لم يكن سبباً، و كذا قبل الغروب للعشاءين.

6 و يحتمل أن يكون صِرف وجوده سبباً كلّما وجد لصِرف وجود الغسل، فإذا اغتسلت ارتفع حكمه، فلو حدث قبل الزوال و انقطع وجب عليها الغسل للظهرين، و لو اغتسلت ارتفع حكمه، و لم يجب للعشاءين إلّا إذا حدث بعد الظهرين أو استمرّ إلىٰ ما بعدهما. و سيأتي الكلام في

الحدوث بين الغسل أو بعده، و قبل الفريضة أو بينها «1».

ثمّ إنّ لكلٍّ من الاحتمالات المتقدّمة وجهاً، و لبعضٍ منها قائلًا يزعم استفادة ما ذهب إليه من أخبار الباب.

وجه الاحتمال الأوّل و ردّه

و ربما يقال: إنّ مقتضىٰ إطلاق الأدلّة هو الوجه الأوّل، بل مال إليه في «الجواهر» لولا مخافة مخالفة الإجماع «2». و قال الشيخ الأعظم: «إنّ هذا القول لا يرجع إلىٰ محصّل» «3».

و يمكن أن يستدلّ عليه

بصحيحة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): امرأة رأت الدم في حيضها حتّى تجاوز وقتها، متى ينبغي لها

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 467.

(2) جواهر الكلام 3: 330.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 30.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 463

أن تصلّي؟ قال تنتظر عدّتها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة «1».

حيث دلّت بإطلاقها علىٰ أنّ مجرّد رؤية الدم الصبيب، موجب للأغسال، فلو رأت دماً صبيباً قبل الفجر، وجب عليها الاغتسال في وقت الصلوات بدعوىٰ: أنّ سائر الروايات لا ينافيها؛ فإنّ كون موردها الدم الجاري في الأوقات، لا يوجب تقييدها.

و فيه: أنّ ما ذكر علىٰ فرض الإطلاق، كما لا يبعد إنّما هو في غير

صحيحة الصحّاف و أمّا هي فمقيّدة لها، ففيها و إن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقأ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم و ليلة ثلاث مرّات، و تحتشي و تصلّي و تغتسل للفجر، و تغتسل للظهر و العصر، و تغتسل للمغرب و العشاء الآخرة. قال و كذلك تفعل المستحاضة؛ فإنّها إذا فعلت ذلك أذهب اللّٰه بالدم عنها «2».

فالتقييد بعدم السكون و الانقطاع الذي يراد

منه الاستمرار في الأوقات، كما يظهر من الرواية إلىٰ آخرها دليل علىٰ أنّ موضوع الحكم ليس مجرّد كونه صبيباً، بل الصبيب الذي لا يرقأ و لا يسكن.

كما تشعر أو تدلّ عليه

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل .. «3»

إلىٰ آخره.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1259، الإستبصار 1: 149/ 516، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 11.

(2) الكافي 3: 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7.

(3) المعتبر 1: 215، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 464

هذا مع أنّ الالتزام بلوازم هذا الاحتمال مشكل، بل ممتنع؛ لأنّ صِرف وجود الدم إذا كان حدثاً موجباً للأغسال الثلاثة، فلا بدّ إمّا من الالتزام بكون الغسل للصبح مثلًا رافعاً للحدث، و أنّ الغسلين الآخرين واجب تعبّدي نفسي لا يرفع حدثاً، أو كون نفس الغسل بلا رافعيته للحدث شرطاً للصلاة، و هو بشقّيه فاسد لا أظنّ أن يلتزم به فقيه.

و إمّا من الالتزام بكون الحدث ذا مراتب ترفع كلّ مرتبة منه بغسل، فتكون مانعية الحدث مختلفة بالنسبة إلى الصلوات: فمرتبة منه مانعة من صلاة الفجر مثلًا، و ترتفع بغسلها، و مرتبة اخرىٰ لصلاة الظهرين، و ترتفع بغسلهما .. و هكذا، و هو أيضاً فاسد مخالف للأدلّة و مذاق الشرع و المتشرّعة.

مناقشة الاحتمالين الثاني و الثالث

و أمّا الاحتمال الثاني و الثالث اللّذان يلزم منهما كون الحدث المتأخّر، سبباً أو شرطاً للسبب بالنسبة إلى الغسل المتقدّم، فهما أردأ من الاحتمال الأوّل، و مخالفان

للمتفاهم العرفي من الروايات. و لو سلّم إمكان سببية الأمر المتأخّر للمتقدّم أو شرطيته له، فهو تصوير عقلي لا يذهب إليه إلّا بورود نصّ غير ممكن التأويل، و لا تحمل الأدلّة عليه إلّا بعد ضيق الخناق.

مناقشة الاحتمال الرابع

و أمّا احتمال كون الدم المستمرّ إلىٰ كلّ وقت سبباً للغسل لفريضته، لا الحادث في الوقت، و لا غير المستمرّ إليه، ففيه: أنّ لازمه إمّا التفكيك بين الصلوات في مانعية الدم، و في الأغسال في سببيته لها؛ بأن يقال: إنّ السبب أو المانع بالنسبة إلى الصلاة الاولىٰ، هو الدم الحادث حدوثاً أوّلياً، و أمّا بالنسبة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 465

إلىٰ سائر الصلوات فهو استمرار الدم لا الحدوث؛ فإنّ الحدوث الثانوي أي الحدوث بعد الحدوث ليس سبباً و لا مانعاً.

و إمّا الالتزام بأنّ السبب هو الدم المستمرّ من وقت إلىٰ وقت آخر، أو من قبل الوقت إلى الوقت، و أمّا الحادث في الوقت حتّى بالنسبة إلى الصلاة الأُولىٰ أيضاً فليس مانعاً و لا سبباً للغسل، فإذا رأت الكثرة في وقت فريضة الصبح، لا يجب عليها الغسل؛ لعدم كونه دماً مستمرّاً إلىٰ وقتها.

و هو كما ترى بكلا شقّيه مخالف للأدلّة و مذاق الفقه.

مناقشة الاحتمال الخامس و ترجيح السادس

فبقي الاحتمالان الأخيران، و قد ذهب إلىٰ كلٍّ عدّة من المحقّقين، و اختار ثاني الاحتمالين الشيخ الأعظم و نسبه إلى العلّامة «1» و الشهيدين «2» و «جامع المقاصد» «3» و جماعة اخرىٰ من متأخّري المتأخّرين «4». و نسب أوّلهما إلىٰ صريح «الدروس» و ظاهر «الذكرى» و إلى المنقول عن «الموجز» و «كشف الالتباس» و «حاشية الروضة» لجمال الدين «5» و ادعىٰ ظهور الروايات فيما اختاره «6».

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 129، تذكرة الفقهاء 1: 292.

(2) البيان: 66، الروضة البهيّة 1: 393.

(3) جامع المقاصد 1: 342 343.

(4) مدارك الأحكام 2: 36، كفاية الأحكام: 5/ السطر 34، الحدائق الناضرة 3: 289.

(5) الدروس الشرعيّة 1: 99، ذكرى الشيعة 1: 243، الموجز، ضمن

الرسائل العشرة: 47، كشف الالتباس: 129/ السطر 11 (مخطوط)، الحواشي علىٰ شرح اللمعة الدمشقيّة، المحقّق الخوانساري: 71/ السطر 9 و 18.

(6) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 466

و قد تمسّك صاحب «الجواهر» له بإطلاق النصّ و الفتوىٰ، و قال: «و ما يقال: من أنّ ظاهر الأخبار الاستمرار، قد يُمنع إن أراد به الاشتراط. نعم قد يشعر به ما في بعضها، لكن لا ظهور فيها بالاشتراط أي اشتراط وجوب الأغسال بالاستمرار المتقدّم حتّى تصلح لتقييد غيرها، سيّما مفهوم

قوله (عليه السّلام) في خبر الصحّاف فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف، فلتوضّأ و لتصلِّ عند وقت كلّ صلاة «1»

انتهىٰ.

أقول: أمّا إطلاق الأدلّة فعلى فرضه كما لا يبعد في بعضها مقيّد بذيل صحيحة الصحّاف الدالّ علىٰ أنّ الدم إذا كان صبيباً لا يرقأ يوجب الأغسال، و يفهم من قوله لا يرقأ و من ذيلها، أنّ المراد هو عدم الانقطاع في الأوقات الثلاثة، و إنّما ترفع اليد عنه بالنسبة إلى الحادث في الأوقات بما تقدّم، فتصير نتيجة ردّ المطلق إلى المقيّد مع الوجه المتقدّم في إلحاق الحادث في كلّ زمان بالمستمرّ إليه هو أوّل الاحتمالين.

و أمّا مفهوم صدر الصحيحة، فعلى فرضه مطلق قابل للتقييد. مع أنّ الظاهر عدم إرادة المفهوم منه بعد تعرّض المتكلّم فيها لأقسام الدم و المستحاضة.

و أمّا استبعاد عدم كون الدم قبل الوقت حدثاً، و مخالفة هذا الدم لسائر الأحداث التي يكون وجودها مطلقاً سبباً، فلعلّه في غير محلّه بعد اقتضاء الدليل. مع منع الاستبعاد بعد عدم ترتّب الأثر؛ عفواً أو رفعاً للسببية عن هذا الدم إذا سال في أثناء

الغسل، أو بينه و بين الصلاة، أو في أثناء الصلاة، فأيّ مانع من العفو أو الرفع بالنسبة إلىٰ غير أوقات الصلاة؟! و القياس بسائر الأحداث كما ترى.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 330.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 467

و بالجملة: لا دليل علىٰ حدثية مطلق هذا الدم؛ لو لم نقل بقيام الدليل على الخلاف، كما عرفت.

و من ذلك يظهر النظر فيما قيل: «من أنّ العفو في الدم الحاصل بين الغسل و الصلاة، إنّما هو بالنسبة إلىٰ تلك الصلاة و الغسل، لا الصلوات الأُخر» «1» لأنّ ذلك فرع الإطلاق المفقود في المقام. و علىٰ فرض الإطلاق في بعض الروايات كما هو ليس ببعيد يكون مقيّداً بصحيحة الصحّاف و ابن مسلم.

هذا، لكنّ الأقوىٰ في النظر: هو كون نفس الدم الكثير بذاته موجباً للغسل، و أنّ المستفاد من الروايات: أنّ دم الاستحاضة المتوسّطة و الكثيرة لا يفترقان إلّا بسببية الأوّل لغسل واحد، و الثاني للأغسال، و أنّ الحكم في المتوسّطة كما هو مرتّب علىٰ ظهور الدم على الكرسف، كذلك الحكم في الكثيرة مرتّب على التجاوز و السيلان.

و الالتزام بالفرق بين أقسام الاستحاضة في أصل السببية بأنّ الكثيرة لا تكون بنفسها سبباً مشكل مخالف لارتكاز المتشرّعة. مع أنّ العكس أولىٰ. بل الالتزام بأنّ لدلوك الشمس، أو ذهاب الحمرة، أو تبيّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر، دخلًا في حدثية الدم؛ و أنّ الدم المتقيّد بتلك العناوين أو في تلك الظروف، حدث في خصوص الكثيرة، و تفرّد هذا الدم من بين جميع الأحداث بهذه الخصوصية، مشكل، بل مخالف لارتكاز عرف المتشرّعة.

مع أنّ لازم الجمود علىٰ مفاد الروايات، هو عدم حدثية الدم المستمرّ إلى الوقت، أو الحادث فيه

في الجملة، بل الحدث هو الدم المستمرّ في جميع الوقت، أو في زمان الاشتغال بالصلاة؛ لأنّ سياقها هو فرض ابتلائها بالكثرة في

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 251/ السطر 32.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 468

حال اشتغالها بها، و لهذا أمرها بتعجيل العصر و تأخير الظهر، و كذا في العشاءين، و بالاحتشاء و إمساك الكرسف.

و لهذا كلّه لا يبقى وثوق بل ظهور لكون المراد من كونه

صبيباً لا يرقأ

في صحيحة الصحّاف، هو الاستمرار في الأوقات الثلاثة؛ بحيث يكون للوقت دخل و موضوعية، فيؤخذ بإطلاق بعض الأدلّة، كصحيحة يونس بن يعقوب. و بعد رفع اليد عن إطلاقها في سببية الدم في الجملة للأغسال الثلاثة بالإجماع المدعىٰ أو بالوجوه المتقدّمة يكون موافقاً لمختار الأعاظم، كالشيخ الأعظم و غيره.

سببية الدم الفعلي للأغسال

ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة هو سببية الدم الفعلي للأغسال، لا الأعمّ منه و ما هو بالقوّة، فلو رأت الدم السائل، و اغتسلت منه بعد انقطاعه، و علمت بعوده، فلا يوجب ذلك غسلًا عند حضور وقت الصلاة. هذا على المختار.

و كذا على القول بلزوم الاستمرار في الوقت، لو رأت مستمرّاً إلىٰ ما قبل الوقت و انقطع و علمت بعوده، لم يوجب ذلك غسلًا عند وقت الصلاة ما لم تَرَ الدم الفعلي الكثير؛ و ذلك لتعليق وجوب الغسل علىٰ تجاوز الدم و سيلانه، و كونه صبيباً؛ ممّا هو ظاهر فيما ذكرنا.

و ما يقال: «من أنّ الحكم مترتّب على المرأة الدميّة في صحيحة الحلبي «1» و على المستحاضة في صحيحة صفوان و عبد اللّٰه بن سنان

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 469

و غيرهما «1» و لا إشكال في صدق المرأة الدمِية و المستحاضة على التي انقطع دمها انقطاع فترة و عود» «2». منظور فيه:

أمّا أوّلًا: فلأنّ ظاهر تلك الروايات، هو ابتلاء المرأة بالدم و سيلانه في أوقات الصلاة؛ فإنّ الأمر باستدخال قطنة بعد قطنة و الجمع بين الصلاتين كما فيها و في غيرها ليس تعبّدياً، بل لحفظ الدم و تقليل الابتلاء قدر الإمكان. هذا مع الغضّ عن الإشكال بل الإشكالات الواردة علىٰ صحيحة الحلبي؛ ممّا تقدّمت الإشارة إلىٰ بعضها «3».

و أمّا ثانياً: فلأنّها علىٰ فرض الإطلاق فيها، تتقيّد بما دلّ علىٰ تعليق الحكم علىٰ سيلان الدم و تجاوزه.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ تعليق الحكم علىٰ عنوانين بينهما تقدّم و تأخّر و سببية و مسبّبية، يوجب الظهور في أن يكون الحكم للمتقدّم بحسب العقل، بل العرف، و لمّا كان حصول الدم مقدّماً علىٰ حصول عنوان «المستحاضة» و قد علّق الحكم عليهما، يكون التعليق الثاني عرفاً و عقلًا فرعاً على الأوّل، لا مستقلا في السببية، فما يكون سبباً هو الدم، لا عنوان «المستحاضة» المسبّب منه.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3 و 4 و 6.

(2) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 252/ السطر 31.

(3) تقدّم في الصفحة 433 434.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 470

الأمر الثاني في حكم انقطاع دم الاستحاضة لبرء و فترة
اشارة

إذا انقطع دم الاستحاضة، فإمّا أن يكون لبُرء، أو لفترة، أو لا تعلم بأحدهما.

و إن كان لفترة، فإمّا أن تعلم بسعتها للطهارة و الصلاة، أو لإحداهما، أو تعلم عدمها أو لا تعلم.

و علىٰ أيّ حال: فإمّا أن يكون الانقطاع بعد الصلاة، أو في أثنائها، أو بينها و بين فعل الطهارة، أو في أثناء فعل الطهارة،

أو قبله.

و علىٰ أيّ تقدير: قد يلاحظ حال الانقطاع بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة، و قد تلاحظ بالنسبة إلى الماضية أو الحاضرة. و نحن نتعرّض لمهمّاتها حتّى يتضح حال البقيّة.

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال المستقبلة

فنقول: إن انقطع للبرء أو الفترة، فالتكليف بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة يتفرّع على المسألة السابقة؛ فإن قلنا: بأنّ نفس طبيعة الدم الفعلي حدث و سبب للغسل أو الوضوء، كما قوّيناه أخيراً، و أنّ خروجه في أثناء الصلاة و الطهارة معفوّ عنه، فلا إشكال في لزوم الغسل و الوضوء بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة؛ و لو خرج الدم في أثناء الأعمال؛ لتحقّق السبب و عدم الدليل على العفو.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 471

و إن قلنا: بأنّ استمرار الدم إلىٰ أوقات الصلوات فعلًا أو حدوثه فيها، سبب لهما، فلا يجب الغسل و الوضوء لو انقطع قبل تحقّق الوقت؛ و لو كان مستمرّاً إلىٰ ما قبل الأوقات.

و إن قلنا: بأنّ الاستمرار الأعمّ من الفعلي سبب، فلا بدّ من التفصيل بين الانقطاع للبرء و الانقطاع للعود.

و يمكن أن يفصّل بين الوضوء و الغسل، و يلتزم بعدم وجوب الغسل دون الوضوء؛ تمسّكاً في وجوب الوضوء بإطلاق

مرسلة يونس، و فيها و سئل عن المستحاضة، فقال: إنّما هو عزف عامر، أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها، ثمّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة.

قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المَثْعَب.

حيث أمر بالوضوء لكلّ صلاة؛ سال الدم أو لم يسل، و مقتضى إطلاقه وجوب الوضوء بمجرّد تحقّق الدم، و بمقتضى المناسبات المرتكزة في أذهان المتشرّعة و العرف، يعلم أنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء، و لو تحقّق السبب لزم المسبّب، و لا يرتفع بانقطاع الدم.

و أمّا

عدم وجوب الغسل، فبما تقدّم من إنكار الإطلاق، أو لزوم التقييد علىٰ فرضه، فلا يكون دليل علىٰ سببية الدم للغسل إلّا إذا كان مستمرّاً، كما تقدّم الكلام فيه «1».

فحينئذٍ يكون للتفصيل وجه، و إنكار الشيخ الأعظم الفرق بين الوضوء و الغسل، و مطالبته بالدليل على التفرقة «2»، مبني علىٰ ما تقدّم منه من إنكار

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 461.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 472

دلالة مرسلة يونس، و قد مرّ الجواب عنه «1»، فالوجه للتفصيل هو ما ذكرنا؛ و إن كان الأوجه وجوب الغسل و الوضوء؛ لما تقدّم «2» من تقوية سببية صِرف وجود الدم لهما.

ثمّ لا يخفى: أنّ في تعبير بعضهم: «بأنّ انقطاع الدم موجب للوضوء أو الغسل» أو «غير موجب» مسامحة؛ لما مرّت الإشارة إلىٰ أنّ مبنى الخلاف هو الخلاف في كون السبب ماذا؟ فوجوب الغسل و الوضوء على القول به إنّما هو لسببية الدم، لا لسببية الانقطاع، و عدم وجوب الغسل و وجوب الوضوء، أيضاً للالتزام بسببية نفس الطبيعة للوضوء، و عدم سببيتها للغسل إلّا إذا كان مستمرّاً، و الأمر سهل. هذا كلّه بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة.

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال الماضية

و أمّا بالنسبة إلى الأعمال الماضية، فإن انقطع بعد الصلاة فلا ينبغي الإشكال في عدم لزوم الإعادة و صحّة صلاتها؛ لإطلاق الأدلّة؛ سواء احتملت الانقطاع حين العمل أو قبله، أو كانت قاطعة بعدم الانقطاع، أو ظانّة به، بل و لو كانت ظانّة بالانقطاع. و دعوى الانصراف عمّا إذا انقطع في الوقت مطلقاً أو إذا كانت ظانّة «3» في غير محلّها، خصوصاً في غير الظانّة.

نعم، لو كانت قاطعة بالانقطاع للبرء أو الفترة الواسعة، فالظاهر لزوم الانتظار

و عدم جواز البدار؛ لقصور الأدلّة عن إثبات جواز البدار، و عدم إطلاقها من هذه الجهة، بل تكون منصرفة عن الفرض.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 457.

(2) تقدّم في الصفحة 461 و ما بعدها.

(3) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 325/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 473

و أمّا إذا انقطع في الأثناء، فالظاهر لزوم الإعادة إذا كان الانقطاع لبرء أو فترة واسعة، و في غير الواسعة تأمّل؛ أمّا الإعادة فيهما فلما مرّ من استفادة سببية مطلق الدم، و لم يثبت العفو في غير ما هو مستمرّ إلىٰ آخر العمل، فيبقىٰ مقتضى السببية علىٰ حاله، و لا إطلاق على الظاهر للأدلّة بالنسبة إلىٰ هذه الصورة؛ حتّى يقال لأجله بالعفو و صحّة الأعمال. هذا بحسب الثبوت و الواقع.

و أمّا تكليفها في الظاهر، فقد يتشبّث له باستصحاب بقاء الفترة إلىٰ زمان يسع العمل بشرائطه؛ إذا كانت شاكّة في كون الانقطاع للبرء، أو الفترة مع الشكّ في سعتها، أو كانت عالمة بالثانية، و شاكّة في سعتها «1».

و فيه: أنّ هذا الاستصحاب مع كونه مثبتاً لا أصل له؛ لعدم كون المستصحب موضوعاً لأثر شرعي، بل بعد العلم بوجوب الصلاة و اشتراطها بالطهور، و كونِ الدم سبباً بذاته، و عدمِ إطلاق في الأدلّة، يحكم العقل بلزوم التأخير إلىٰ زمان الفترة الواسعة، و لا تكون الفترة الواسعة موضوعاً لحكم شرعي.

كما أنّ التشبّث باستصحاب الصحّة أو الطهارة و أمثالهما «2»، في غير محلّه بعد ثبوت حدثية الدم، و عدم الدليل على العفو، و اشتراط الصلاة بالطهور، فيكون الاستصحاب محكوماً بتلك الأدلّة علىٰ فرض الجريان.

نعم، لو أنكرنا سببية مطلق الدم للغسل كان له مجال، و مع عدمه تكفي أصالة البراءة. لكن ما

مرّ هو الأقوىٰ.

و ممّا ذكرنا يظهر حال بقيّة الصور، فتدبّر.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 3: 335.

(2) جواهر الكلام 3: 335، مصباح الفقيه، الطهارة: 325/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 474

الأمر الثالث في جواز تفريق المستحاضة لصلواتها و الغسل لكلّ صلاة
اشارة

الظاهر جواز تفريق الصلوات و الغسل لكلّ صلاة؛ لعدم استفادة كون الجمع بين كلّ صلاتين، عزيمة بعد ظهور كون ذلك لمراعاة حال النساء. و قد حكي عن المحقّق الثاني و صاحب «المدارك» دعوى القطع بالجواز «1»، و تبعهما كثير من متأخّري المتأخّرين «2».

و يمكن أن يستدلّ عليه بجملة من الروايات،

كصحيحة يونس بن يعقوب و فيها فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة «3»

لأنّ وقت الصلاة في تلك الأزمنة كان هو الأوقات المعهودة التي كان المسلمون يجتمعون فيها لإقامة الصلوات؛ حتّى اشتهرت الأوقات الخمسة و صارت معهودة؛ بحيث ينصرف إليها اللفظ. بل يمكن استفادة الاستحباب من مثلها؛ بعد كون الظاهر أنّ الأمر بالجمع و تعجيل العصر و العشاء و تأخير الظهر و المغرب؛ لمحض الترخيص و ملاحظة حالهنّ.

و يمكن أن يستدلّ عليه بوجه آخر: و هو أنّها لو فرّقت بين الصلاتين عمداً أو نسياناً؛ فصلّت الظهر بغسل، و تركت العصر، فلا يخلو

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 342، مدارك الأحكام 2: 35.

(2) الحدائق الناضرة 3: 287، جواهر الكلام 3: 342، الحواشي علىٰ شرح اللّمعة الدمشقيّة، المحقّق الخوانساري: 70/ السطر 36.

(3) تقدّم في الصفحة 462.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 475

إمّا أن يجب عليها إعادة الظهر و الجمع بينهما بغسل.

أو لا يجب عليها العصر أيضاً.

أو يجب عليها العصر بلا غسل، و يجوز لها الاكتفاء بغسلها للظهر.

أو يجب عليها الغسل للعصر.

لا سبيل إلىٰ شي ء من الاحتمالات إلّا الأخير

منها؛ ضرورة أنّه لا وجه لإعادة الظهر؛ لعدم مغايرة تكليفها في صلاة الظهر لسائر المكلّفين تأمّل و بداهة وجوب العصر عليها، و عدم سقوطها عنها، و الاكتفاءُ بالغسل المتقدّم مخالف لظواهر الأدلّة، و لما مرّ من كون الدم بذاته حدثاً، مع عدم ثبوت العفو مع التفريق، فيبقى الاحتمال الأخير، و لا ريب في عدم كون الجمع واجباً تعبّديّاً نفسياً غير ملحوظ فيه حال الصلاة و اشتراطها بالطهور، و لا التفريق حراماً كذلك.

فتلخّص بعد بطلان جميع المحتملات عقلًا و شرعاً أنّ التفريق جائز، و معه يجب الغسل؛ لأنّ الدم الحاصل بعد الصلاة إلىٰ زمان إتيان الصلاة الأُخرىٰ، حدث موجب للغسل، فلا بدّ منه. هذا كلّه مع تفريق الصلوات.

في جواز إيقاع غسلين مع الجمع بين الصلاتين

و هل يجوز لها بعد صلاة الظهر و المغرب بلا فصل، الاغتسال للعصر و العشاء، بأن يقال بمثل ما قيل في الفرض المتقدّم: من عدم استفادة العزيمة من الأدلّة؛ لورودها في مقام توهّم وجوب الأغسال الخمسة؟

فيه تأمّل و إشكال؛ لأنّ عدم دلالة الأدلّة على العزيمة، لا يوجب دلالتها علىٰ جواز الغسل، و بعد عدم دليل علىٰ مشروعيته فلأحدٍ أن يقول: إنّ مقتضى الأدلّة حدثية ذات الدم و ناقضيته للغسل و الوضوء، خرج منها عفواً أو إسقاطاً للسببية الدم السائل في حال الاشتغال بالغسل للصلاتين إلىٰ آخر الصلاة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 476

الثانية، مع عدم الفصل بينهما بمقدار غير متعارف، و عدم الفصل بأجنبي، و بقي الباقي، فعليه لا دليل على العفو في الدم السائل بين الغسل الثاني أو بعده، بل و بين صلاة العصر، مع التفريق بالأجنبي، و لا يمكن أن يكون الغسل الثاني رافعاً لما حصل بينه أو بعده، فلا بدّ

حينئذٍ من غسل آخر لصلاة العصر بعد حصول هذا التفريق بالأجنبي بالبيان المتقدّم.

فالأحوط لو لم نقل: الأقوىٰ هو الجمع بين الصلاتين بغسل واحد؛ و إن جاز لها التفريق و الأغسال الخمسة. بل الأولىٰ و الأحوط الجمع و عدم التفريق.

الأمر الرابع في عدم جواز الفصل بين الصلاة و بين الغسل و الوضوء
بيان حال الغسل

الظاهر وجوب معاقبة الصلاة للغسل، و في «الجواهر»: «لم أعرف مخالفاً فيه» «1» و في طهارة شيخنا الأعظم: «المشهور بين الأصحاب وجوبها، بل قد يظهر نفي الخلاف فيه» «2».

و عن كاشف اللثام و العلّامة الطباطبائي (رحمه اللّٰه) جواز الفصل «3»، و اختاره الشيخ الأعظم تمسّكاً بالإطلاقات الواردة في مقام البيان، و استظهاراً ممّا دلّ علىٰ وجوب الغسل عند كلّ صلاة، إضافته إلى الوقت؛ أي زمان حضور وقت كلّ صلاة، لا حضور فعلها، و استشهاداً بقوله

في رواية ابن سنان ثمّ تغتسل عند

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 342.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 11.

(3) كشف اللثام 2: 161، المصابيح في الفقه: 148 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 477

المغرب، فتصلّي المغرب و العشاء، ثمّ تغتسل عند الصبح، فتصلّي الفجر «1» «2».

و فيه: مضافاً إلىٰ عدم إطلاق يمكن الاتكال عليه و الوثوق به في المقام، فضلًا عن إطلاقات واردة في مقام البيان، كما ادعاها؛ فإنّ الروايات في مقام بيان وجوب ثلاثة أغسال في مقابل غسل واحد، كصحيحتي زرارة و الصحّاف «3» أنّ الإطلاقات علىٰ فرضها مقيّده بما دلّ علىٰ لزوم إيقاعها عند الصلاة، و الاحتمال الذي أبداه خلاف الظاهر حتّى في رواية ابن سنان؛ فإنّ قوله؛

المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر، و تصلّي الظهر و العصر

ظاهر- بلا تأمّل في كونه عند نفس صلاة الظهر لا وقتها، فحينئذٍ يكون قوله بعده

ثمّ تغتسل عند المغرب

ظاهراً في صلاته؛

بعد شيوع إطلاق «المغرب» علىٰ صلاته في الروايات «4»، و بعد القطع بعدم كون المراد قبل وقت المغرب.

مع أنّ لازم إضافة الظرف إلى الوقت، كون وقت إيقاع الغسل قبل وقت الصلاة؛ لظهور لفظة عند في ذلك.

و يؤيّد ما ذكرنا الأمر بالجمع بين الصلاتين، و بُعد الالتزام بالتفرقة بين صلاة الظهر و العصر؛ بجواز الفصل بين الغسل و الصلاتين، و عدم جواز التفرقة بين صلاة الظهر و العصر.

و الإنصاف: أنّ الناظر في الروايات، لا يكاد يشكّ في أنّ الأمر بالجمع

______________________________

(1) الكافي 3: 90/ 5، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 4.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 16.

(3) الكافي 3: 99/ 4، و 95/ 1، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5 و 7.

(4) راجع وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10 و 16 و 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 478

و التقديم و التأخير، إنّما هو بملاحظة حال الصلاة و عدم الابتلاء بالدم قدر الإمكان، و معه لا مجال لاحتمال جواز الفصل.

هذا كلّه مع أنّ المختار كما تقدّم «1» هو ناقضية الدم؛ و كونه حدثاً بذاته موجباً للغسل إلّا ما عفي عنه، و بعد قصور الإطلاقات لا دليل على العفو مع الفصل.

بيان حال الوضوء

و بهذا يظهر الحال في الوضوء في الأقسام الثلاثة. مع إمكان الاستدلال له بقوله

في رواية «قرب الإسناد» فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها، يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة و تصلّي «2»

و بها يقيّد الإطلاق علىٰ فرض وجوده.

هذا مضافاً إلىٰ أنّ الأمر بالوضوء لكلّ صلاة، دليل علىٰ أنّ الدم السائل بين الوضوء و الصلاة

أو بعدهما و لو بلا فصل حدث أصغر غير معفوّ عنه، فلا مجال للارتياب في لزوم معاقبة الصلاة للوضوء.

نعم، لا إشكال في أنّ المبادرة إلى الصلاة بعد الغسل و الوضوء، ليست على النحو الدقيق العقلي، بل العرفي، مع الإتيان بما تحتاج إليه للصلاة عادة، كالتستّر و لبس الثوب، و ما هو المتعارف بحسب حالها، لا غير المتعارف، كشراء الستر، و يجوز لها الأذان و الإقامة للصلاتين، بل و التعقيب بالمقدار المتعارف، و انتظار الجماعة كذلك؛ و إن كان الأحوط في بعضها خلافه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 467.

(2) قرب الإسناد: 225/ 879، وسائل الشيعة 2: 280، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 4، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 479

و أمّا الاستدلال «1» لجواز تأخير الصلاة عن الوضوء إمّا مطلقاً، أو بمقدار غير معتدّ به بقوله في

صحيحة معاوية و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء «2».

ففيه أوّلًا: أنّ الوضوء لعلّه لدخول المسجد، و يشهد له تصريحه بعده: بأنّها

صلّت كلّ صلاة بوضوء.

و ثانياً: أنّ قوله

و دخلت المسجد

يمكن أن يكون بياناً لجواز دخولها المسجد؛ أي يجوز لها الدخول في المسجد، و يجوز لبعلها إتيانها، كما في ذيل الصحيحة، فحينئذٍ لا يكون قوله

دخلت المسجد

لبيان إيقاع الصلاة فيه.

الأمر الخامس في لزوم النظر لتعيّن أنّها من أيّ أقسام المستحاضة
اشارة

هل يجب عليها الفحص و الاختبار لتشخيص كونها من أيّ الثلاثة مطلقاً، أو لا مطلقاً، أو يفصّل بين ما إذا كان متعذّراً و غيره، أو بين ما إذا كان كثير المئونة و المقدّمات و غيره؟

قد يقال بوجوبه مطلقاً: إمّا لأنّه من الموضوعات التي لا يمكن معرفتها غالباً إلّا بالاختبار، فلو رجعت إلى الأصل لزم منه الوقوع

في محذور مخالفة التكليف غالباً، كما لو رجع الشاكّ في الاستطاعة و النصاب و الدين

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 325/ السطر ما قبل الأخير.

(2) الكافي 3: 88/ 2، وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 480

إلى الأصل قبل الفحص «1».

و فيه: مع منع الصغرىٰ؛ أي لزوم الوقوع في المخالفة غالباً أنّه لا محذور فيه بعد إطلاق أدلّة الأُصول. و دعوىٰ انصرافها في محلّ المنع.

و إمّا للعلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو الغسل عليها «2».

و فيه: أنّ الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي الجاري في جميع الموارد أو غالبها، يوجب عدم تأثير العلم و انحلاله. مضافاً إلىٰ ما تقدّم من وجوب الوضوء لكلّ صلاة في الأقسام الثلاثة «3»، فيكون من قبيل الأقلّ و الأكثر.

و إمّا لإطلاق بعض الأخبار الدالّة علىٰ وجوب الاختبار،

كموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل و لتستدخل كرسفاً، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمّ تضع كرسفاً آخر، ثمّ تصلّي، فإذا كان دماً سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة «4».

بدعوىٰ ظهورها في أنّ استدخال الكرسف؛ لأجل اختبار أنّه هل يظهر على الكرسف أو يسيل من ورائه أو لا؟

و فيه: منع الظهور في ذلك، بل الظاهر أنّ المراد منها أنّها تغتسل بعد الاستظهار بيوم أو يومين، و تستدخل كرسفاً، و تصلّي بلا غسل و تغيير قطنة؛ حتّى يظهر الدم على الكرسف، فعند ذلك تعيد الغسل، و تعيد الكرسف.

و هذه نظيرة

رواية الجُعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها و إن لم تَرَ طهراً

______________________________

(1) انظر مصباح

الفقيه، الطهارة: 326/ السطر 2.

(2) نفس المصدر: 326/ السطر 11.

(3) تقدّم في الصفحة 435، 442، 454 458.

(4) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 481

اغتسلت و احتشت، و لا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف «1».

و قريب منها صحيحة الصحّاف و موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «2».

و منه يظهر الحال

في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن مشيخة ابن محبوب، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها ثمّ تمسك قطنة، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع، فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل «3».

فإنّ الظاهر أنّ المراد منها هو ما في الروايات السابقة؛ أي فلتمسك قطنة فتصلّي، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع و صار كثيراً، فلتجمع بين الصلاتين بغسل. و لا أقلّ من الاحتمال المساوي لاحتمال كون الإمساك للاختبار، و يرجّح ما ذكرنا بقرينة سائر الروايات.

و يمكن الاستدلال للاختبار

برواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه قال المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت و احتشت كرسفها، و تنظر فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها، و توضّأت و صلّت «4».

بدعوىٰ: أنّ قوله تنظر ظاهر في وجوب النظر لتشخيص الحال.

و فيه منع الظهور في ذلك، بل الظاهر أنّها تمكث و تمهل حتّى يظهر الدم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 171/ 488، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 10.

(2) الكافي 3: 95/ 1، تهذيب الأحكام 1: 196/ 483، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7 و 9.

(3) وسائل

الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 14.

(4) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1258، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 482

على الكرسف، خصوصاً بملاحظة قوله

زادت كرسفها

بل يحتمل أن يكون

تنظر

من باب الإفعال. و علىٰ أيّ تقدير تكون هذه الرواية أيضاً؛ موافقة لسائر الروايات.

و الإنصاف: أنّ التمسّك بمثل تلك الروايات لذلك، في غير محلّه، كما يظهر بالتأمّل فيها.

التفصيل بين سهولة الاختبار و غيره

نعم، يمكن أن يقال: إنّ الاختبار لو كان سهلًا لا يحتاج إلّا إلىٰ وضع القطنة و إخراجها، كان واجباً؛ لانصراف أدلّة الأُصول استصحاباً أو غيره عمّا إذا كان العلم بالموضوع لا يحتاج إلى الفحص و التفتيش، بل يحتاج إلىٰ مجرّد النظر و الاختبار.

إلّا أن يقال: إنّ عدم وجوب ذلك و جريان الأصل في مثله، يستفاد من

مضمرة زرارة الدالّة علىٰ حجّية الاستصحاب، و فيها قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ قال لا، و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك .. «1»

إلىٰ آخره.

و لكن لم يظهر منها أنّ ذلك للاتكال على الاستصحاب؛ حتّى نقول بجريانه في أمثاله من غير خصوصية في الموضوع، فمن المحتمل أنّ في باب النجاسات مساهلات ليست في غيره، كما يظهر من بعض روايات أُخر «2» فالتفصيل بين ما

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

(2) راجع وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 483

كان التشخيص محتاجاً إلىٰ فحص و مقدّمات و بين غيره، لا

يخلو من وجه.

و من ذلك يظهر: أنّ التشخيص إن كان متعذّراً أو متعسّراً، تعمل على الأُصول الموضوعية لو كانت أو الحكمية.

ثمّ لا إشكال في أنّ وجوب الاختبار علىٰ فرض ثبوته ليس نفسياً و لا شرطياً، فلو لم تختبر و صلّت مع حصول قصد القربة و مطابقة الواقع، أو احتاطت بالأخذ بأسوإ الأحوال، فلا ريب في صحّة عباداتها و عدم كونها عاصية. نعم تكون في بعض الصور متجرّية. و لو صلّت و خالفت الواقع و قلنا بوجوب الاختبار، استحقّت العقوبة؛ لمخالفة الواقع، لا لترك الفحص.

الأمر السادس لزوم منع خروج الدم قدر الإمكان
اشارة

يجب على المستحاضة الاستظهار في منع خروج الدم قدر الإمكان؛ إذا لم تتضرّر بحبسه، و في «الجواهر»: «لم أجد فيه خلافاً، بل لعلّه ممّا يقضي به بعض الإجماعات» «1» و هذا في الجملة ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و يدلّ عليه مضافاً إلىٰ ذلك، و إلى اشتراط طهارة البدن و اللباس من الدم و وجوب تقليله على الظاهر، و إلى حدثية دم الاستحاضة كما مرّ «2» و لزوم الاقتصار على القدر المتيقّن في العفو أو إلغاء السببية، و أنّه لو خرج مع التقصير يكون حدثاً غير معفوّ عنه، و يجب عليها إعادة الوضوء أو الغسل على الأحوط لو

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 348.

(2) تقدّم في الصفحة 471.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 484

لم يكن أقوى؛ مع التسامح في الاحتشاء و الاستثفار و نحوهما، أو مع الصلاة لو صلّت بعد الخروج كذلك الأخبارُ المتظافرة الآمرة بالاستظهار «1».

عدم وجوب الاستظهار قبل الوضوء أو الغسل و لا بعدهما

إنّما الكلام في أنّه قبل الوضوء أو الغسل، أو بعدهما، أو قبل الوضوء و بعد الغسل، الأقوىٰ عدم وجوب كونه قبلهما و لا بعدهما:

أمّا الوضوء، فلإطلاق ما دلّ على التوضّؤ لكلّ صلاة «2»؛ من غير إشعار فيها بتقديم الاستظهار عليه أو تأخيره، و به يرفع اليد عمّا دلّ علىٰ حدثيته. مع إمكان إنكارها في مثل المقام.

و أمّا الغسل، فلأنّ الأخبار و إن كانت ظاهرة في تقديم الغسل على الاستظهار إمّا لأجل العطف ب «ثمّ في بعضها «3» و إمّا بدعوىٰ كون مساقها و المتفاهم ممّا عطف فيها بالواو «4» أيضاً هو ما يتعارف عادةً من تقديم الغسل على الاحتشاء، و هو على الاستثفار لكن لا إشكال في عدم فهم شرطية ذلك في صحّة الصلاة أو الغسل؛

بحيث لو أمكن لها الغسل مع الاستثفار، وقع غسلها و صلاتها باطلين؛ ضرورة عدم فهم التعبّد من مثلها، بل الظاهر منها أنّ ذلك لأجل

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 371 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 3 و 7 و 8.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 6.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 374 و 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 7 و 8.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 371 و 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1 و 2 و 3 و 5 و 9 و 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 485

العادة و التعارف و عدم تيسّر الاستثفار نوعاً ما بين الغسل، فلا ينبغي الإشكال في جواز الاستثفار و الاحتشاء قبل الغسل. بل أولوية التقديم مع الإمكان.

نعم، الظاهر أنّه مع إمكانه لا يجب، و لا يكون التحفّظ بذلك الحدّ من الضيق، و إلّا لتعرّض له في تلك الأخبار الكثيرة.

و الإنصاف: أنّ دعوى القطع بعدم شرطية التأخير و عدم وجوبه التعبّدي- و كذا دعوى القطع بعدم لزومه مع الإمكان في محلّهما.

و ممّا ذكرنا من عدم تعبّدية الاحتشاء و الاستثفار، و كونهما لأجل التحفّظ عن الدم يعلم أنّه لا كيفية خاصّة لهما، فلو أمكنها التحفّظ بكيفية أُخرى مثلها، فلا إشكال في كفايتها، فلا داعي إلىٰ تحصيل معنى «الاستثفار، و الاستذفار، و التحشّي، و الاحتشاء».

كما أنّ «الاستذفار» إن كان بمعنى التطيّب و الاستجمار بالدخنة و غير ذلك، لا يكون واجباً بلا إشكال، بل لا يبعد أن يكون «الاستذفار» بمعنى الاستثفار، و يكون التفسير ب «التدخين» من الشيخ الكليني

«1» كما احتمله في «الوافي» «2».

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ ذيل الحديث 3.

(2) الوافي 6: 471/ 2.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 486

الأمر السابع في كون المستحاضة بعد أفعالها بحكم الطاهر
اشارة

قال المحقّق: «و إذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر» «1».

و قال العلّامة في «القواعد»: «و مع الأفعال تصير بحكم الطاهر» «2» و في «مفتاح الكرامة»: «إجماعاً كما في «الغنية» و «المعتبر» و «التذكرة» و «مجمع البرهان» و «شرح الجعفرية» و «كشف الالتباس» و في «المنتهىٰ»: «أنّه مذهب علمائنا» و في «المدارك»: «لا خلاف فيه بين العلماء» «3» انتهىٰ.

بيان منطوق قولهم: «إذا فعلت ذلك تصير بحكم الطاهر»

و منطوق هذه القضيّة على إجماله كأنّه ممّا لا إشكال فيه، لكن يحتمل أن يكون المراد منه أنّها بحكم الطاهر، لا أنّها طاهرة، فلا يجري عليها حكم الطاهر الحقيقي، بل التنزيلي بمقدار دلالة دليل التنزيل، فحينئذٍ يكون المقصود: أنّه لا يترتّب عليها جميع أحكام الطاهر، مثل مسّ الكتاب و غيره.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 27.

(2) قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 14.

(3) غنية النزوع 1: 40، المعتبر 1: 248، تذكرة الفقهاء 1: 290 291، مجمع الفائدة و البرهان 1: 163 164، كشف الالتباس: 130/ السطر 2 (مخطوط)، منتهى المطلب 1: 121/ السطر 20، مدارك الأحكام 2: 37، مفتاح الكرامة 1: 394/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 487

لكنّ الظاهر: أنّ هذا الاحتمال كاحتمال كون المقصود تبيين ما تقدّم من الأحكام غير وجيه، و لهذا استثنى الشيخ و ابن حمزة دخول الكعبة منه «1»؛ لمرسلة يونس «2»، و قد عدّوا الشيخ مخالفاً لهذا الحكم «3».

و يحتمل أن يكون المراد أنّها بحكم الطاهر إلى الإتيان بما فعلت لأجله، فيكون إيجاد الغاية التي اغتسلت لأجلها نهايةً للحكم؛ بمعنى أنّ العفو لا يكون إلّا إلى تمام العمل الذي اغتسلت له.

و يحتمل أن يكون بحكمه إلىٰ خروج الوقت، أو إلىٰ دخول وقت خطاب آخر، أو إلىٰ زمان الاشتغال بغسل

آخر.

أو تكون بحكمه في جميع الآثار، فلها مسّ الكتاب و غيره.

أو أنّها بحكم الطاهر فيما تضطرّ إلىٰ إتيانه، كالطواف الواجب و ركعتيه، لا كمسّ الكتاب و الإتيان بالصلوات المستحبّة.

ثمّ إنّه بعد قيام الدليل علىٰ كون الدم حدثاً، و كون الخروج إنّما هو في بعض الأحيان عفواً أو إسقاطاً للسببية، لا بدّ من قيام الدليل عليهما، و القدر المتيقّن من الإجماع المدعىٰ أو عدم الخلاف هو أنّها بحكم الطاهر إلىٰ زمان إتيان ما فعلت لأجله، فلو اغتسلت لصلاة الصبح فما لم تأتِ بها تكون بحكم الطاهر، و أمّا بعد الإتيان بها فلا دليل على العفو و كونها بحكمه؛ و إن قال شيخنا الأعظم: «و يمكن دعوى الإجماع علىٰ كونها كذلك ما دام وقت الصلاة باقياً» «4» فلو ثبت

______________________________

(1) النهاية: 277، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 61 و 193.

(2) الكافي 4: 449/ 2، وسائل الشيعة 13: 462، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 91، الحديث 2.

(3) كشف اللثام 2: 156، رياض المسائل 2: 120، مصباح الفقيه، الطهارة: 327/ السطر 6.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 33.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 488

الإجماع، و إلّا فالتحقيق ما عرفت. و مراعاة الاحتياط طريق النجاة.

ثمّ إنّ الظاهر جواز الإتيان بالوضوء و الغسل للغايات الاضطرارية، كالطواف و صلاته إذا ضاق وقتهما، أو مطلقاً بدعوىٰ فهمه من الأدلّة بإلغاء الخصوصية، بعد كون الأمر بالوضوء و الغسل؛ لتحصيل مرتبة من الطهارة بحسب ارتكاز المتشرّعة و فهم العرف، و أمّا ما لا يجب عليها و لا تضطرّ إليه فلا دليل على العفو، و لا يمكن فهمه من الأدلّة.

نعم، دلّت رواية إسماعيل بن عبد الخالق علىٰ تقديم ركعتين قبل الغداة، ثمّ إتيان

الغداة بغسل واحد «1». لكنّها مع ضعف السند «2» لا تثبت إلّا نافلة الفجر، و لها خصوصية؛ لمكانِ أفضليتها من سائر الرواتب، و كونِ تمام الوظيفة ركعتين، فلا يمكن التعدّي إلىٰ غيرها. إلّا أن يتشبّث بالإجماع المنقول عن «الغنية» و «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «كشف الالتباس» و «شرح الجعفرية» علىٰ أنّها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة، كانت بحكم الطاهر، و هو لا يخلو من تأمّل و إن لم يخلُ من وجه. و الظاهر تسالمهم علىٰ جواز إتيان النوافل. هذا كلّه في منطوق القضيّة المتقدّمة.

بيان مفهوم قولهم السابق

و أمّا مفهومها، فلا يبعد أن يكون غير مراد، و لو كان مراداً فليس مفهومها إلّا أنّها مع عدم الإتيان بذلك، ليست بحكم الطاهر، و لا يفهم منه إلّا عدم كونها كذلك في الجملة، و أمّا كونها بحكم الحائض فلا؛ و إن كان يُشعر به بعض العبارات بل

______________________________

(1) قرب الإسناد: 127/ 447، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 15.

(2) لوقوع الطيالسي في السند كما يأتي التصريح به من المصنّف (رحمه اللّٰه) في الصفحة 494.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 489

بعض معاقد الإجماعات، لكنّهما ليسا بنحو يمكن الاعتماد عليهما في الخروج عن مقتضى القواعد.

بل ظاهر العبارة المحكيّة عن «المعتبر» يرفع الإجمال عن سائر العبارات، و يبيّن المراد من المفهوم؛ حيث قال: «إنّ مذهب علمائنا أجمع إنّ الاستحاضة حدث تبطل الطهارة بوجوده، فمع الإتيان بما ذكر من الوضوء إن كان قليلًا، و الأغسال إن كان كثيراً تخرج عن حكم الحدث لا محالة، و تستبيح كلّ ما تستبيحه الطاهر: من الصلاة، و الطواف، و دخول المساجد، و حلّ وطؤها، و إن لم

تفعل كان حدثها باقياً، و لم يجز أن تستبيح شيئاً ممّا يشترط فيه الطهارة» «1» انتهىٰ. و عن «التذكرة» قريب منها «2».

و المستفاد منهما أنّها مع عدم الإتيان تكون محدثة، و هذا هو الذي دلّت عليه الأدلّة؛ ضرورة أنّ الأمر بالوضوء و الغسل لصلاتها لكون الدم حدثاً، و هما رافعان له حكماً.

فتحصّل: أنّ الظاهر من الأدلّة بل الإجماع هو عدم جواز ما يشترط فيه الطهارة إلّا بالإتيان بالوظائف، و أمّا ما لا يكون مشروطاً بها كدخول المسجدين، و المكث في سائر المساجد، و قراءة العزائم فلا يستفاد منها تحريمه عليها، و لا قام الإجماع أو الشهرة على التحريم بعد كون المسألة محلّ خلاف قديماً و حديثاً.

جواز وطء المستحاضة مع تركها لأفعالها

نعم، قد وردت في خصوص الوطء روايات لا بدّ من البحث عنها مستقلا.

فنقول: قد اختلفت الآراء في جواز وطء المستحاضة، فقيل بالإباحة

______________________________

(1) المعتبر 1: 248.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 290 291.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 490

مطلقاً من دون توقّفه علىٰ شي ء، كما عن «البيان» و «المدارك» و «الكفاية» و «التحرير» و «الموجز» و «مجمع البرهان» «1».

و قيل بالكراهة، كما عن «المعتبر» و «التذكرة» و «الدروس» و «الروض» و «كشف الالتباس» و «الذخيرة» و «جامع المقاصد» و «شرحي الجعفرية» «2».

و قيل بتوقّفه علىٰ جميع ما عليها من الأفعال كما نسب إلى ظاهر «المقنعة» و «الاقتصاد» و «الجمل و العقود» و «الكافي» و «الإصباح» و «السرائر» «3» بل عن «المعتبر» و «التذكرة» و «الذكرى» نسبته إلىٰ ظاهر الأصحاب «4».

و قيل بتوقّفه على الغسل و الوضوء، كما عن ظاهر «المبسوط» «5».

و قيل بتوقّفه على الغسل خاصّةً، كما عن الصدوقين «6» بل ربّما احتمل تنزيل كلمات كثير منهم

على هذا القول «7».

______________________________

(1) البيان: 66، مدارك الأحكام 2: 37، كفاية الأحكام: 6/ السطر 1، تحرير الأحكام 1: 16/ السطر 16، الموجز، ضمن الرسائل العشر: 47 48، مجمع الفائدة و البرهان 1: 164 166.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 394/ السطر 13، المعتبر 1: 248، تذكرة الفقهاء 1: 291، الدروس الشرعيّة 1: 99، روض الجنان: 86/ السطر 2، كشف الالتباس: 128/ السطر 10 (مخطوط)، ذخيرة المعاد: 76/ السطر 12 و 16 و 17، جامع المقاصد 1: 344.

(3) انظر كشف اللثام 2: 157، المقنعة: 57، الاقتصاد: 246، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 164 165، الكافي في الفقه: 129، إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة 2: 14، السرائر 1: 153.

(4) المعتبر 1: 248، تذكرة الفقهاء 1: 291، ذكرى الشيعة 1: 250.

(5) المبسوط 1: 67.

(6) الفقيه 1: 50/ 195، الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 50/ السطر 8.

(7) جامع المقاصد 1: 343.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 491

و استدلّ للجواز «1» بعد الأصل، و عمومات حلّ الأزواج، و خصوص قوله تعالىٰ حَتّٰى يَطْهُرْنَ فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ «2» بإطلاقات روايات:

منها:

صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت له: إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم، ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، أ تمسك عن الصلاة؟ قال لا؛ هذه مستحاضة، تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة، و تجمع بين صلاتين بغسل، و يأتيها زوجها إن أراد «3».

و الظاهر منها أنّ جواز الإتيان حكم فعلي من أحكام المستحاضة، كما أنّ الجمع بين الصلاتين بغسل و استدخال القطنة أيضاً من أحكامها، و إطلاقها يقتضي الجواز بلا شرط.

و مثلها

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر، و تصلّي الظهر و العصر .. إلىٰ أن قال و لا بأس بأن يأتيها بعلها إذا شاء إلّا أيّام حيضها «4».

و الظاهر منها بقرينة الاستثناء أنّ جواز الإتيان من أحكام المستحاضة، لا من أحكام التي فعلت الأفعال المذكورة؛ لبطلان الاستثناء لو أُريد ذلك. مع أنّ جواز الوطء لا يكون معلّقاً علىٰ جميع الأغسال الثلاثة بلا إشكال.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 1: 164، مدارك الأحكام 2: 37، مستند الشيعة 3: 31 32، مصباح الفقيه، الطهارة: 329/ السطر 22.

(2) البقرة (2): 222.

(3) الكافي 3: 90/ 6، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 3.

(4) الكافي 3: 90/ 5، تهذيب الأحكام 1: 171/ 487، وسائل الشيعة 2: 372، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 492

و منه يظهر الحال

في ذيل صحيحة معاوية و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد، و صلّت كلّ صلاة بوضوء، و هذه يأتيها بعلها إلّا في أيّام حيضها «1».

فإنّ الاستثناء قرينة علىٰ أنّ المشار إليها ب «هذه هي نفس المستحاضة القليلة، لا من توضّأت لكلّ صلاة، و بهذا التقريب يقوى الإطلاق. و احتمال كون الحكم حيثياً، بعيد عن ظاهر الرواية و مساقها.

و قريب منها صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن مشيخة ابن محبوب «2»، و موثّقة حفص بن غياث «3».

و يمكن أن يستدلّ له

بموثّقة فضيل و زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال المستحاضة تكفُّ عن الصلاة أيّام أقرائها .. إلىٰ أن قال و تجمع بين المغرب و العشاء بغسل، فإذا حلّت لها الصلاة

حلّ لزوجها أن يغشاها «4».

فإنّ المراد ب «حلّية الصلاة» هي المقابلة للحرمة الثابتة في أيّام أقرائها، فيكون المراد أنّ حلّية الوطء ملازمة لحلّية الصلاة، و لا إشكال في أنّه بعد أيّام الأقراء، تحلّ لها الصلاة فعلًا. و لا ينافي حلّيتها اشتراط تحقّقها بأُمور: فإنّ تلك الأُمور ليست من شرائط الحلّية، بل هي من شرائط تحقّق الصلاة، فالمرأة إذا

______________________________

(1) الكافي 3: 88/ 2، وسائل الشيعة 2: 371، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 1.

(2) المعتبر 1: 215، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 14.

(3) تهذيب الأحكام 1: 177/ 506، وسائل الشيعة 2: 388، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 17.

(4) تهذيب الأحكام 1: 401/ 1253، وسائل الشيعة 2: 376، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 493

خرجت من أيّامها، صارت الصلاة واجبة عليها بالضرورة من غير توقّف علىٰ شي ء، و الصلاة الواجبة لا يمكن أن تكون محرّمة عليها، بل محلّلة و إن كانت مشروطة بالأغسال و الوضوءات و غير ذلك.

و منها: يظهر الحال

في موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه. و فيها فإذا كان دماً سائلًا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد، و كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها، و لتطف بالبيت «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ كلّ ما يستحلّ به الصلاة أي نفس الطبيعة يستحلّ به الوطء، و لا إشكال في أنّ الأغسال غير دخيلة في استحلال الصلاة حتّى الاستحلال الفعلي للطبيعة، كما أنّ الستر و القبلة و غيرهما لا دخل لها فيه، بل هي شرائط لتحقّقها.

و لو أُنكر ظهورها فيما ذكر، فلا

أقلّ من الاحتمال المسقط لاستدلال الخصم.

و في قبال تلك الروايات روايات:

منها:

رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المستحاضة كيف تصنع؟ .. إلىٰ أن قال فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر، ثمّ تصلّي ركعتين قبل الغداة، ثمّ تصلّي الغداة.

قلت: يواقعها زوجها؟ قال إذا طال بها ذلك فلتغتسل و لتتوضّأ، ثمّ يواقعها إن أراد «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 5: 400/ 1390، وسائل الشيعة 2: 375، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 8.

(2) قرب الإسناد: 127/ 447، وسائل الشيعة 2: 377، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 15.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 494

و لعلّها مستند الشيخ في ظاهر «المبسوط» «1» لكنّها مع ضعف سندها بالطيالسي و وهن متنها من حيث انفرادها في أُمور؛ منها: الأمر بصلاة ركعتين قبل صلاة الغداة، و منها: تعليق جواز الوطء على طول المدّة ممّا لم يقل به أحد، و منها: الأمر بالتوضّؤ لا يمكن الاتكال عليها في تقييد المطلقات.

و منها:

رواية مالك بن أعين، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المستحاضة، كيف يغشاها زوجها؟ قال تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها و حيضتها مستقيمة، فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر، و يغشاها فيما سوىٰ ذلك من الأيّام، و لا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل، ثمّ يغشاها إن أراد «2».

و هي أيضاً مخدوشة السند بمالك. و تصحيح العلّامة و الشهيد «3» حديثاً «4» هو في سنده أعمّ من توثيق الرجل، و الروايات التي تدلّ علىٰ حسنه كلّها تنتهي إليه «5»، و كيف يمكن الوثوق بحال الرجل من قول نفسه و نقله؟! و توصيف الرواية بالصحّة- كما وقع من

بعض متأخّري المتأخّرين «6» غير وجيه و لو قلنا

______________________________

(1) المبسوط 1: 67.

(2) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1257، وسائل الشيعة 2: 379، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 3، الحديث 1.

(3) مختلف الشيعة 9: 74، الدروس الشرعيّة 2: 345.

(4) الكافي 7: 143/ 1، الفقيه 4: 245/ 788، تهذيب الأحكام 9: 368/ 1315، وسائل الشيعة 26: 18، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 2، الحديث 1.

(5) الكافي 2: 180/ 6، و 8: 146/ 122، كشف الغمّة 2: 353 و 408 و 414، انظر تنقيح المقال 2: 47/ السطر 29 (أبواب الميم).

(6) ذخيرة المعاد: 70/ السطر 8، و راجع أيضاً الطهارة، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 12، مصباح الفقيه، الطهارة: 330/ السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 495

بوثاقة الجهني؛ لأنّ في سندها الزبيري، و هو لا يخلو من كلام؛ و إن كان الأصحّ وثاقته «1» و وثاقة علي بن الحسن بن فضّال.

فالرواية موثّقة مع الغضّ عن الجهني، و ضعيفة مع النظر إليه، و مخدوشة الدلالة باحتمال كون الغسل المأمور به هو غسل الحيض.

و ما يقال: «من أنّ حمل «الغسل» علىٰ غسل الحيض بعيد؛ لأنّ ظاهرها توقّف الوطء مطلقاً في غير تلك الأيّام على الغسل» «2».

غير تامّ؛ لمنع ظهورها في توقّف كلّ وطء على غسل، بل من المحتمل قريباً أن يكون مفادها أنّ الوطء مطلقاً فيما سوى الأيّام متوقّف علىٰ صِرف وجود الغسل، و هو غسل الحيض الذي يجب عليها بعد أيّامها.

و تؤيّد هذا الاحتمال

روايته الأُخرىٰ بعين هذا السند، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم؛ إذا مضى لها منذ يوم

وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها؛ يأمرها فتغتسل، ثمّ يغشاها إن أحبّ «3»

و هي ظاهرة في غسل النفاس.

و وجه التأييد: أنّ من المحتمل قريباً كونهما رواية واحدة سأل عن المستحاضة و النفساء، و حينئذٍ يكون الجواب في النفساء رافعاً لإبهام الجواب عن المستحاضة علىٰ فرض إبهامه، تأمّل. و كيف كان فلا يمكن تقييد المطلقات بمثل هذه الرواية.

______________________________

(1) تقدّم بعض الكلام في وثاقته في الصفحة 79.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 330/ السطر 31.

(3) تهذيب الأحكام 1: 176/ 505، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 496

بقيت

موثّقة سماعة قال: قال المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف .. إلىٰ أن قال و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل «1».

و التمسّك بها إمّا بمفهوم الشرط، و لا مفهوم له في المقام علىٰ فرض تسليمه في غيره؛ لأنّ مفهومه: إن لم يرد زوجها .. و لا إشكال في عدم إثباته المطلوب.

و إمّا بمفهوم القيد؛ بأن يقال: إنّ جواز الإتيان حين الغسل، و في غير حينه لا يجوز، و هو كما ترى؛ حيث إنّ القيد لا مفهوم له أوّلًا، و لا يعلم أنّ المقدّر ماذا ثانياً؛ أي إن أراد أن يأتيها فحين تغتسل يأتيها؟ أو حين تغتسل لا بأس بأن يأتيها؟ و الظاهر و إن كان الأوّل، لكن لا يدلّ علىٰ حرمة الإتيان قبل الغسل؛ لأنّ الأمر بالإتيان حين تغتسل المستفاد من الجملة الخبرية يحتمل أن يكون للاستحباب، فيدلّ علىٰ نفيه عند انتفاء القيد.

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن الإطلاقات المتقدّمة بمثلها غير ممكن. بل لو قلنا بدلالة جميع

الروايات علىٰ ما يدعىٰ من اعتبار القيود المأخوذة فيها فكان قوله

كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها

دالّاً على التعليق علىٰ جميع الأعمال، و كذا قوله

إذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها

و رواية إسماعيل دالّةً على اعتبار الغسل و الوضوء، و رواية مالك و سماعة دالّتين على الغسل فقط، و رواية الرضوي على الغسل و تنظيف المحلّ «2» كان الأرجح هو حملها علىٰ مراتب الكراهة أو الاستحباب، لا التقييد بالأخصّ مضموناً؛ فإنّ الحمل الأوّل أوفق بنظر العرف و العقلاء، فتدبّر.

______________________________

(1) الكافي 3: 89/ 4، وسائل الشيعة 2: 374، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 6.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 191، مستدرك الوسائل 1: 78، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 3، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 497

الأمر الثامن في حكم صوم المستحاضة إذا أخلّت بأغسالها
اشارة

قالوا: «إن أخلّت بالأغسال التي عليها لم يصحّ صومها» و في «الجواهر»: «من غير خلاف أجده فيه» «1» و عن «جامع المقاصد» و «الروض» الإجماع عليه «2»، و عن «المبسوط»: «هو الذي رواه أصحابنا» «3» و عن «المدارك» و «الذخيرة» و «شرح المفاتيح»: «هو مذهب الأصحاب» «4».

حول دليل المسألة

و الأصل فيه على الظاهر

صحيحة علي بن مَهْزِيار قال: كتبت إليه: امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان، ثمّ استحاضت، فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة؛ من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب تقضي صومها، و لا تقضي صلاتها؛ لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك «5».

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 364.

(2) جامع المقاصد 1: 73، روض الجنان: 17/ السطر 9.

(3) المبسوط 1: 68.

(4) مدارك الأحكام 2: 38، ذخيرة المعاد: 76/ السطر 23، مصابيح الظلام 1: 53/ السطر 20 (مخطوط).

(5) الفقيه 2: 94/ 419، وسائل الشيعة 2: 349، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 498

و في رواية الكليني و الشيخ

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 498

كان يأمر فاطمة و المؤمنات .. «1».

و الإشكال فيها بالإضمار «2»، في غير محلّه بعد كون المكاتب مثل ابن مهزيار، كالإشكال «3» باشتمالها علىٰ رؤية الصديقة الطاهرة ما تراه النساء، مع أنّه مخالف للأخبار «4» لعدم

معلومية كونها الصديقة، و لعلّها فاطمة بنت أبي حبيش. و علىٰ فرض كونها الصديقة الطاهرة، فلعلّه كان يأمرها لتأمر النساء، كما في بعض روايات الحيض «5». مع أنّ رواية الصدوق لا تشتمل علىٰ ذلك.

و كالإشكال باشتمالها علىٰ ما هو خلاف مذهب الأصحاب؛ من عدم قضاء الصلاة «6».

و لهذا ربّما يقال: «لا ينبغي الارتياب في أنّ ما كتبه الإمام في الجواب؛ إنّما هو لبيان حكم الحائض، كما يدلّ عليه قوله

و لا تقضي الصلاة

و قوله

لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يأمر ..

إلىٰ آخره، فإنّه كان يأمر بذلك بالنسبة إلى الحيض، كما في أخباره. مع أنّه قضيّة فرضية؛ لا يبعد عدم تحقّقها في الخارج.

______________________________

(1) الكافي 4: 136/ 6، تهذيب الأحكام 4: 310/ 937.

(2) مدارك الأحكام 2: 39، مستند الشيعة 3: 38.

(3) الحدائق الناضرة 3: 296، مصباح الفقيه، الطهارة: 331/ السطر 30.

(4) راجع الكافي 1: 458/ 2، علل الشرائع: 179/ 4 و 181/ 1، الفقيه 1: 50/ 94، كشف الغمّة 2: 91 و 92، بحار الأنوار 78: 112، مستدرك الوسائل 2: 37، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 37، الحديث 3 و 4 و 16.

(5) وسائل الشيعة 2: 347، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 41، الحديث 2.

(6) مجمع الفائدة و البرهان 1: 161، مدارك الأحكام 2: 39، مصباح الفقيه، الطهارة: 331/ السطر 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 499

و الحمل على القضية التقديرية بعيد. و ما يقال: «من أنّ كون بعض فقرأت الرواية مطروحةً، لا يخرجها عن الحجّية فيما عداها» «1» جمود بحت في مثل المورد؛ إذ لا نقول بحجّية الأخبار من باب السببية المحضة تعبّداً من حيث السند

أو الدلالة؛ حتّى نلتزم بمثل هذه التفكيكات، و إنّما نلتزم بعدم خروج بعض الفقرات من الحجّية بخروج بعض آخر؛ إذا تطرّق احتمال خلل في الفقرة المطروحة يخصّها؛ من نحو السقط و التحريف و التقيّة، و أمّا مثل هذه الرواية التي يشهد سياقها و تعليلها و مخالفة مدلولها للعامّة؛ باشتراك الفقرتين في الاحتمالات المتطرّقة، و عدم اختصاص ثانيتهما باحتمال يعتدّ به فالتفكيك في غاية الإشكال» انتهىٰ «2».

و فيه: أنّ نفي الارتياب عن كون الجواب عن الحيض في مكاتبةٍ لا يكون المسئول عنه إلّا تكليف قضاء المستحاضة و النفساء صومَهما و صلاتَهما مع عدم الإتيان بالأغسال التي عليهما، في غاية الغرابة.

و أغرب منه الاستدلال عليه: «بأنّ هذا تكليف الحائض؛ و أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بحسب روايةٍ أمر المؤمنات الحائضات بذلك» فإنّ ما ذكر لا يدلّ علىٰ أنّ الإمام (عليه السّلام) أجاب عن الحيض في جواب السؤال عن الاستحاضة. بل كون الحكم بالنسبة إلى الصلاة خلافَ الواقع، دليلٌ علىٰ وجود خلل في الرواية.

و لا يبعد أن يكون الخلل زيادة لفظة «لا» قبل

تقضي صلاتها

و أن يكون الصواب «تقضي صومها، و تقضي صلاتها» و لمّا كان المعروف الوارد في روايات كثيرة: أنّ الحائض تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، صار هذا الارتكاز و المعروفية سبباً للاشتباه، فزاد بعض الرواة أو بعض النسّاخ ذلك. و هذا الخلل

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 365، الطهارة، الشيخ الأنصاري: 262/ السطر 26.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 331/ السطر 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 500

الجزئي في فقرة من الرواية، لا يوجب رفع اليد عن الفقرة الأُخرى المفتى بها، و لا ريب أنّ منشأ فتواهم هو

هذه الصحيحة.

و أمّا ما استشهد به لمدعاه: «من أنّه قضيّة فرضيّة؛ لا يبعد عدم تحقّقها في الخارج» فلم يظهر وجهه؛ فإنّ النسيان و الجهل بالحكم خصوصاً في النساء ليس أمراً حادثاً في الأزمنة المتأخّرة، و لا أمراً عزيزاً.

و أمّا ما ذكره أخيراً: «من أنّ التفكيك بين الفقرتين في مثل تلك الرواية، في غاية الإشكال» فلم يتضح وجهه. مع أنّ زيادة لفظة «لا» فيها خطأً و اشتباهاً غير بعيد مع الارتكاز المشار إليه آنفاً، و ما ذكره دليلًا علىٰ عدم إمكان التفكيك أوهن من أصل الدعوىٰ.

و الإنصاف: أنّ رفع اليد عن رواية صحيحة واضحة الدلالة في فقرة منها- لأجل خلل في فقرتها الأُخرىٰ مع اتكال الأصحاب عليها قديماً و حديثاً، غير ممكن.

و أمّا الاحتمالات التي ذكرت في الرواية ممّا ينبو عنها الطبع السليم، فلا ينبغي التعرّض لها. فالحكم على إجماله ممّا لا إشكال فيه نصّاً و فتوى.

توقّف صحّة صوم المستحاضة على الأغسال النهارية

و إنّما الكلام في أنّ صحّة صومها، هل تتوقّف علىٰ جميع الأغسال حتّى غسل الليلة المستقبلة، أو تتوقّف علىٰ غير غسل الليلة المستقبلة، أو على الأغسال النهارية فقط، أو علىٰ غسل الليلة الماضية فقط، أو علىٰ غسل من الأغسال في الجملة؟

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 501

احتمالات، و لبعضها وجه و قول و لا يظهر من النصّ «1» إلّا أنّ تركها للجميع موجب للقضاء، و أمّا أنّ السبب ترك المجموع أو الجميع أو غير ذلك، فلا يعلم منه.

كما أنّ ما في المتون مثل قوله في «الشرائع»: «و إن أخلّت بالأغسال لم يصحّ صومها» «2» و مثله ما في «القواعد» «3» لم يظهر منه أنّ الإخلال بالمجموع أو الجميع يوجب ذلك. و يحتمل أن يكون مرادهم

أنّ الإخلال بشي ء منها يوجبه؛ و إن يبعّده اختيار العلّامة علىٰ ما عن «التذكرة» و «المنتهىٰ» «4» و الشهيد كما عن «البيان» و «الذكرى» «5» و بعضٍ آخر «6» التوقّفَ على الأغسال النهارية، و التردّد في غسل الليلة الماضية، بعد الحكم بعدم التوقّف علىٰ غسل الليلة المستقبلة.

ثمّ إنّ ما ذكر بالنسبة إلى الليلة المستقبلة وجيه؛ لعدم انقداح مؤثّرية الأمر المتأخّر في المتقدّم في ذهن العرف من النصّ و معقد الإجماع المدعىٰ، فالنصّ و الفتوىٰ منصرفان عنه، و لو لا تسالمهم علىٰ توقّفه على النهارية، و ترديدهم في غسل الليلة الماضية حيث يظهر منهم أنّ القدر المتيقّن هو النهارية لكان للإشكال في النهارية مجال، و للذهاب إلى توقّفه على الغسل للعشاءين فقط وجه.

______________________________

(1) و هي صحيحة عليّ بن مهزيار، التي تقدّمت في الصفحة 497.

(2) شرائع الإسلام 1: 27.

(3) قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 15.

(4) تذكرة الفقهاء 2: 104 105، منتهى المطلب 2: 586/ السطر 4.

(5) البيان: 66، ذكرى الشيعة 1: 249.

(6) جامع المقاصد 1: 344، مسالك الأفهام 1: 75، روض الجنان: 87/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 502

لكنّ الأوجه هو التوقّف على النهارية؛ لكونها المتيقّنة ظاهراً. و يمكن أن يوجّه ذلك بأنّ المستفاد من النصّ و الفتوىٰ، حدثية الاستحاضة الكبرى و منافاتها للصوم إجمالًا، و احتمال التعبّد في غاية البُعد و خلافُ المتفاهم من النصّ، فحينئذٍ مع عدم الغسل يكون الخروج اختيارياً بلا عفو، و مع الغسل يكون معفوّاً عنه، فلا محيص عن الأغسال النهارية لصحّته. كما يمكن الاستدلال لغسل الليلة الماضية بذلك.

و كيف كان: فلو تركت غسل العشاءين فالأحوط غسل لصلاة الفجر قبله، أو للصوم قبله.

ثمّ إنّ ظاهر النصّ

اختصاص الحكم بالكثيرة، و لهذا نقل عن ظاهر كثير من الفقهاء اختصاصه بها «1»، فالمتوسّطة تحتاج إلى دليل. و يمكن التقريب المتقدّم فيها بعد البناء علىٰ كونها حدثاً أكبر؛ بدعوىٰ كون الحكم للحدث الأكبر؛ و إن لم يخلُ عن تأمّل و إشكال.

و الحمد للّٰه تعالىٰ

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 262/ السطر 31، شرائع الإسلام 1: 27، الجامع للشرائع: 157، قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 15، البيان: 35.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 503

المقصد الثالث في النفاس

اشارة

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 505

تمهيد فيما هو موضوع الأحكام الشرعيّة في المقام؟

و الظاهر أنّه لا ثمرة معتدّاً بها في تحصيل معناه اللغوي أو العرفي؛ لعدم تعليق حكم في النصوص علىٰ هذا العنوان بنحو الإطلاق؛ حتّى يكون العرف أو اللغة مرجعاً لتحصيله، بل الروايات الواردة في هذا الباب، ظاهرة في ترتّب الأحكام علىٰ دم الولادة لا علىٰ نفسها. مضافاً إلىٰ بُعد كون الولد بنفسه حدثاً، بل الظاهر من روايات الباب و ارتكاز المتشرّعة، أنّ الدم هو الحدث، كما في دم الحيض و الاستحاضة.

و بالجملة: لو سلّم كون «النفاس» صادقاً علىٰ نفس الولادة، فلا دليل علىٰ كون مطلق النفاس موضوعاً لحكم شرعي، فكما ذكرنا في باب الحيض: أنّ الشارع المقدّس جعل صنفاً خاصّاً من دم الحيض موضوعاً لحكمه، و حدّده بحدود لا يتجاوز عنها؛ و لو علمنا بأنّ الخارج عنها يكون حيضاً أيضاً «1»، فكذلك نقول في المقام: إنّ المستفاد من النصوص و الفتاوىٰ: أنّ دم الولادة موضوع

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 506

للأحكام الشرعية، فلو كان عنوان «النفاس» أعمّ منه، فلا محالة يكون حاله حال الحيض أو شبيهاً به.

كما أنّ الأمر كذلك في جانب الأكثر؛ فإنّ «دم النفاس» لو صدق على الأكثر من العشرة أو الثمانية عشر كما هو الظاهر فلا إشكال في أنّ الحكم مترتّب علىٰ حدّ خاصّ؛ هو العشرة أو الثمانية عشر؛ على اختلاف فيه، فالزائد عن الحدّ و إن صدق عليه عنوان «النفاس» و «دم الولادة» لكنّ الأحكام لا تترتّب إلّا على المحدود بالحدّ الشرعيّ.

و الحاصل: أنّه لا دليل علىٰ ثبوت حكم لمطلق عنوان «النفاس» حتّى يلزم الفحص و التحقيق لعنوانه لغةً و

عرفاً. و

قوله و غسل النفاس واجب «1»

لا إطلاق فيه كما لا يخفى. و احتمال إطلاقه من حيث التعرّض في غسل الاستحاضة لخصوصيات الكثيرة غير معتنىً به بعد كونه في جميع الفقرات بصدد بيان أصل الوجوب.

هذا مع أنّ تعليق الحكم في جميع الروايات علىٰ دم الولادة، يوجب رفع اليد عن الإطلاق في رواية واحدة؛ علىٰ فرض تسليمه.

و لكنّ الأشبه بنظر العرف: أنّ «النفاس» هو دم الولادة من «النفس» بمعنى الدم. و لو أُطلق علىٰ نفس الولادة كما أُطلق المنفوس في بعض الروايات على المولود «2» فلا يبعد أن يكون بضرب من التأوّل باعتبار خروج الدم معها، و كذا علىٰ تنفّس الرحم، و لهذا نقل عن المطرزي: «و أمّا اشتقاقه من تنفّس الرحم أو

______________________________

(1) الكافي 3: 40/ 2، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 26: 302، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الخُنثىٰ، الباب 7، الحديث 1 و 2 و 3 و 5 و 6.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 507

خروج النفس بمعنى الولد، فليس بذاك» «1».

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لو خرج الطفل تامّاً و لم يخرج الدم، لم يكن لها نفاس، فما عن الشافعي في أحد قوليه و أحمد في إحدى الروايتين من ثبوت الحكم لها «2» ليس بشي ء.

نعم، ربما يتوهّم من بعض الروايات: أنّ الولادة موضوع الحكم،

كموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو يومين، فترى الصفرة أو دماً، قال تصلّي ما لم تلد .. «3» إلىٰ آخره.

و مثلها موثّقته الأُخرىٰ «4» و الظاهر أنّهما واحدة.

وجه التوهّم: أنّ المفهوم منها

أنّها إذا ولدت لم تصلّ، فتكون الولادة تمام الموضوع لحرمة الصلاة.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ الظاهر منها أنّ رؤية الصفرة و الدم قبل الولادة، لا توجب حرمة الصلاة، دون ما بعدها، فحينئذٍ تدلّ الموثّقة علىٰ ما هو المشهور؛ من أنّ الدم موضوع الحكم لا الولادة.

و يشهد له

خبر زُرَيْق بن الزبير الخلقاني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّ رجلًا سأله عن امرأة حامل رأت الدم، فقال تدع الصلاة.

قال: فإنّها رأت الدم و قد أصابها الطلق، فرأته و هي تمخض، قال تصلّي

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 169، المغرب في ترتيب المعرب 2: 222.

(2) انظر الخلاف 1: 245، تذكرة الفقهاء 1: 326، المجموع 2: 150 و 523.

(3) الكافي 3: 100/ 3، تهذيب الأحكام 1: 403/ 1261، وسائل الشيعة 2: 392، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 4، الحديث 1.

(4) الفقيه 1: 56/ 211، وسائل الشيعة 2: 392، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 4، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 508

حتّى يخرج رأس الصبي، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة ...

إلىٰ أن قال: ما الفرق بين دم الحامل و دم المخاض؟ قال إنّ الحامل قذفت بدم الحيض، و هذه قذفت بدم المخاض إلىٰ أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس، فيجب أن تدع في النفاس و الحيض، فأمّا ما لم يكن حيضاً أو نفاساً فإنّما ذلك من فتق الرحم «1».

حيث علّق الحكم على الدم الخارج مع خروج رأس الطفل، فيظهر منها أنّ الموضوع للحكم هو الدم، لا خروج رأس الولد، كما يتضح ذلك بالتأمّل فيها، فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة.

و كيف كان: فيتمّ المقصد بذكر مسائل:

المسألة الأُولىٰ في أحكام الدم الخارج قبل الولادة و بعدها و المقارن لها

1 حكم الدم المتقدّم على الولادة
اشارة

لو رأت دماً قبل الأخذ في الولادة

و ظهور شي ء من الولد، لم يكن نفاساً و إن كان بعد الطلق؛ بلا خلاف كما عن «الخلاف» و «كشف الرموز» و «التنقيح» و «جامع المقاصد» و «شرحي الجعفرية» و غيرها «2» بل عن «المختلف»

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 699/ 34، وسائل الشيعة 2: 334، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 17.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 399/ السطر 16، الخلاف 1: 246، كشف الرموز 1: 84، التنقيح الرائع 1: 113، جامع المقاصد 1: 346، الحواشي علىٰ شرح اللّمعة الدمشقيّة، المحقّق الخوانساري: 73/ السطر 29.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 509

و «التذكرة» و «المدارك» و «حاشية الإرشاد» الإجماع عليه «1».

و تدلّ عليه أيضاً موثّقة عمّار بن موسى و رواية زُريق الخلقاني المتقدّمتان «2»، فلا إشكال في ذلك.

حول الحكم بحيضية الدم المتقدّم المستجمع لشرائط الحيض

إنّما الإشكال في أنّه علىٰ تقدير جامعيته لشرائط الحيض من غير تحقّق فصل أقلّ الطهر بينه و بين دم النفاس يحكم بحيضيته؛ بدعوىٰ عدم اعتبار أقلّ الطهر بينه و بين النفاس المتأخّر، أو لا باعتبار اشتراط ذلك؟

و مورد الكلام ما إذا لم يكن مانع من جعله حيضاً إلّا عدم فصل أقلّ الطهر؛ كأن رأت ثلاثة أيّام في أيّام العادة، أو جامعاً للصفات، أو في زمان إمكانه، و رأت الطهر تسعة أيّام، فرأت دم الولادة، فبعد قيام النصّ و الإجماع علىٰ كون دم الولادة نفاساً، دار الأمر بين حيضية الدم السابق و كونه استحاضة، بعد البناء على اجتماع الحيض و الحمل كما هو الأقوىٰ.

فدعوى وفاق «الخلاف» «3» المبتنية علىٰ عدم اجتماعهما، ليست وجيهة في ردّ ما نحن فيه.

و كيف كان: فلا بدّ في المقام من بسط الكلام في أمرين:

أحدهما: فيما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر.

و

ثانيهما: بعد الفراغ فرضاً عن عدم الدليل على الاشتراط في أنّه

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 1: 399/ السطر 15، مختلف الشيعة 1: 215، تذكرة الفقهاء 1: 325، مدارك الأحكام 2: 44.

(2) تقدّمتا في الصفحة 507.

(3) الخلاف 1: 246 247.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 510

هل يكفي ذلك في الحكم بالحيضية بواسطة قاعدة الإمكان لو تمّت، أو أمارات الحيض، أو لا بدّ فيه من إحراز عدم الاشتراط؟

ما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر

فنقول: استدلّ على الاشتراط «1» بإطلاق مرسلة يونس القصيرة «2» و

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد، و أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترى الدم «3».

و فيهما إشكال:

أمّا المرسلة، ففيها: مضافاً إلى الإشكالات المتقدّمة في محلّها «4» عليها أنّ سياقها يشهد بأنّ الطهر الذي فيه، هو الذي يكون لاختزان الدم لأجل القذف في وقته؛ فإنّ قوله

أدنى الطهر عشرة أيّام

لا يناسب قوله

و ذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم ..

إلىٰ آخره، إلّا باعتبار أنّ أدنىٰ ما يمكن اختزان الدم فيه بحسب النوع، و بحسب الأمزجة المتعارفة هو عشرة أيّام، ففي تلك العشرة يجتمع الدم في الرحم، فتقذفه عشرة أيّام في أوائل الأمر و كثرة الدم، و أقلّ منها كلّما كبرت إلىٰ ثلاثة أيّام.

و بالجملة: إنّما يكون أدنى الطهر عشرة أيّام؛ لأنّها أقلّ زمان يمكن فيه

______________________________

(1) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 2، مستمسك العروة الوثقىٰ 3: 434.

(2) الكافي 3: 76/ 5، تهذيب الأحكام 1: 157/ 452، وسائل الشيعة 2: 294، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10، الحديث 4.

(3) الكافي 3: 76/ 4،

تهذيب الأحكام 1: 157/ 451، وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 92 95.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 511

اختزان الدم للقذف عشرة أيّام أو أقلّ؛ بحسب اختلاف سني العمر، فلا يكون فيه إطلاق لمطلق الطهر؛ سواء كان بين الحيضين أو لا، بل و لا لمطلق الحيضتين أيضاً، إلّا ما يكون الطهر طهر الاختزان و الادخار.

و منه يظهر: أنّه لا إطلاق في قوله في ذيلها

و لا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام

ضرورة أنّه لا يزيد على ما في الصدر. مع أنّ كون المرسلة صدراً و ذيلًا في مقام بيان الحيض، يمنع عن استفادة الإطلاق، كما يظهر بالتأمّل فيها.

و أمّا صحيحة ابن مسلم، فلأنّ كون «القرء» بمعنى مطلق الطهر غير ثابت؛ و إن ورد في كتب اللغة: «أنّه من الأضداد؛ فيطلق على الطهر و الحيض» «1» فإنّ الظاهر أنّه لا إطلاق لكلام أهل اللغة حتّى يستفاد منه إطلاقه على مطلق الطهر، بل من المحتمل أن يكون إطلاق «القرء» على الطهر؛ لأجل اجتماع الدم و اختزانه في تلك الأيّام للقذف في وقته، و أمّا إذا كان الاختزان بسبب آخر ككونه لأجل رزق الولد فلا تدلّ عليه، و لا يستفاد حكمه منها.

و بالجملة: القدر المتيقّن من «القرء» هو الطهر الخاصّ لا مطلقاً، و لا دليل علىٰ إطلاقه علىٰ مطلق الطهر، فلا يمكن التشبّث بها لذلك.

و يُشعر بذلك قوله

لا يكون القرء في أقلّ من عشرة

بتخلّل لفظة في و لو كان «القرء» هو الطهر كان حقّ العبارة أن يقال: «لا يكون القرء أقلّ ..» بخلاف ما إذا كان بمعنى جمع الدم، فإنّ المناسب هو تخلّلها كما

لا يخفى، تأمّل.

و إن قيل: «إنّ الأدلّة قد دلّت علىٰ أنّ النفاس حيض محتبِس و أنّ النفساء كالحائض فيتحقّق موضوع ما دلّ علىٰ أنّ الطهر بين الحيضتين، لا يكون أقلّ من عشرة؛ لو سلّم اختصاصها بذلك» «2».

______________________________

(1) الصحاح 1: 64، لسان العرب 11: 80، القاموس المحيط 1: 25.

(2) جواهر الكلام 3: 369.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 512

يجاب عنه: بمنع الصغرىٰ أوّلًا؛ لعدم ما يدلّ علىٰ أنّه حيض محتبس.

نعم،

في رواية مُقرِّن عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): قال سأل سلمان (رحمه اللّٰه) علياً (عليه السّلام) عن رزق الولد في بطن امّه، فقال: إنّ اللّٰه تبارك و تعالى حبس عليه الحيضة، فجعلها رزقه في بطن امّه «1».

و

في صحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك، الحبلىٰ ربّما طمثت؟ قال نعم؛ و ذلك أنّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدم، فربّما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة «2».

و هما كما ترى لا تدلّان علىٰ أنّ النفاس حيض محتبِس، بل الاولىٰ تدلّ علىٰ أنّ الحيض محتبس لأجل رزق الولد من غير تعرّض للنفاس؛ و أنّه حيض محتبس، و لِمَ لا يجوز أن يكون النفاس دماً غير الحيض موضوعاً أو حكماً؛ و أنّ الرحم بابتلائها بالولد و خروجه عنها تقذف دماً غيره، كما هو الظاهر من مقابلته بدم الحيض في النصّ «3» و الفتوىٰ؟! و لا أقلّ من كون حكمه غير حكم الحيض. و مجرّد اشتراكهما في بعض الأحكام لا يوجب وحدتهما ذاتاً؛ لو لم نقل: بأنّ اختلافهما في بعض الأحكام، دليل على اختلافهما في الموضوع، كما أنّ الجنابة أيضاً مشتركة معه في كثير

من الأحكام.

و أوهن منها دلالة الرواية الثانية؛ فإنّ مفادها فضول دم الحيض عن غذاء الولد و قذفه في زمان الحمل، فلا ربط له بما نحن فيه.

______________________________

(1) علل الشرائع: 291/ 1، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 13.

(2) الكافي 3: 97/ 6، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 14.

(3) راجع وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 و 4 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 513

كما أنّ ما دلّ علىٰ لزوم قعود النساء بمقدار أيّام العادة «1»، لا تدلّ علىٰ كون دم النفاس عين دم الحيض؛ لو لم يدلّ علىٰ خلافه بأن يقال: إنّه لو كان دم الحيض كان عليها القعود أيّام العادة، لا بعد رؤية الدم بمقدارها كما هو مفاد الروايات، تأمّل.

و بمنع الكبرى ثانياً بدعوىٰ: أنّه بعد تسليم كون النفاس حيضاً محتبساً، لكن لا دليل علىٰ أنّ الطهر بين الحيضتين مطلقاً لا يكون أقلّ من عشرة أيّام، بل المتيقّن من الروايتين بالبيان المتقدّم أنّ الطهر الذي يكون منشأً لاختزان الدم و اجتماعه، لا يكون أقلّ، و عدم أقلّيته لأجل كون ذلك المقدار من الزمان صالحاً لجمعه و اختزانه، و أمّا إذا كان الاختزان بسبب آخر فلا، فتدبّر.

و أمّا قضيّة «أنّ النفساء كالحائض في جميع الأحكام» فإن استدلّ عليه

بصحيحة زرارة قال: قلت له: النفساء متى تصلّي؟ .. إلىٰ أن قال: قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدم و إلّا فهي مستحاضة؛ تصنع مثل النفساء سواء «2».

ففيه: أنّها بصدد بيان كون الحائض كالنفساء في الحكم المذكور فيها، لا في جميع الأحكام.

و

إن استدلّ عليه بالإجماع أو بعدم الخلاف، فنفس هذه المسألة خلافية، و قد مرّ حال دعوى «الخلاف» نفيَ الخلاف فيها «3». مضافاً إلى احتمال استفادة المجمعين من الأدلّة التسوية، و هي غير تامّة الدلالة عندنا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

(3) انظر ما تقدّم في الصفحة 509.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 514

و أمّا الاستدلال «1» على المسألة بإطلاق موثّقة عمّار و رواية رُزيق «2» ففيه ما لا يخفى؛ فإنّ في موثّقة عمّار الاولىٰ قد فرّع رؤية الصفرة أو الدم على الطلق

فقال فرأت صفرة أو دماً

و يظهر منه أنّ رؤيتهما من حصول الطلق.

بل يمكن أن يقال: إنّ رؤية الدم بعد الطلق أمارة عقلائية علىٰ كونها منه، لا من شي ء آخر، و لهذا قال في رواية الخلقاني بعد قوله: ما الفرق بين دم الحامل و دم المخاض؟

إنّ الحامل قذفت بدم الحيض، و هذه قذفت بدم المخاض

مع عدم دليل علىٰ كونه منه إلّا رؤيتها بعده، فالجزم بكونه منه دليل على الأمارية.

و منه يظهر حال موثّقة عمّار الثانية بل هما رواية واحدة نقلها الشيخان مع اختلاف يسير «3».

كما أنّ الاستدلال

بصحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام): في امرأة نفست، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً، ثمّ طهرت، ثمّ رأت الدم بعد ذلك، قال تدع الصلاة؛ لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس «4»

بدعوىٰ إلغاء الخصوصية بين النفاس المتقدّم و المتأخّر، أو الإجماع علىٰ عدم الفصل، أو كون ذلك قرينة علىٰ إطلاق

مرسلة يونس و صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمتين.

غير وجيه؛ لأنّ الخصوصية بينهما غير ممكنة الإلغاء؛ للفرق بين المتقدّم

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 2 و 26.

(2) تقدّمتا في الصفحة 507.

(3) تقدّم تخريجهما في الصفحة 507.

(4) الكافي 3: 100/ 1، تهذيب الأحكام 1: 402/ 1260، وسائل الشيعة 2: 393، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 515

و المتأخّر؛ فإنّ في النفاس المتقدّم، يكون مرور الأيّام موجباً لاختزان الدم للقذف المتأخّر، بخلاف المتأخّر؛ فإنّ الاختزان بسبب الولد، و بعد انفتاحه يمكن خروج المختزن للولد، تأمّل. و لا إجماع علىٰ عدم الفصل بعد كون الفرق بينهما مفتى به. و لا قرينية لذلك على إطلاق الروايتين بعد ما مرّ من عدم إطلاقهما.

الرجوع إلى الأمارات لإثبات الحيضية

ثمّ إنّ ما مرّ من الأدلّة قاصر عن إثبات اشتراط الفصل، و أمّا عدم الاشتراط فليس في شي ء منها، فحينئذٍ يمكن أن يقال: كما لا دليل على الاشتراط لا دليل علىٰ نفيه، فتكون الشبهة حكمية، و لا يمكن التمسّك في رفعها بأدلّة أمارات الحيض، و لا بإطلاق أدلّة الأحكام:

أمّا الاولىٰ، فلأنّ سياق أدلّة الأمارات عادة كانت أو صفة إنّما هو في الشبهة الموضوعية، و لا تدفع بها الشبهة الحكمية.

و أمّا التمسّك بإطلاق أدلّة الأحكام، فهو تمسّك به في الشبهة المصداقية؛ للشكّ في كون الدم حيضاً.

نعم، يمكن أن تدفع الشبهة الحكمية بأصالة عدم الاشتراط المعلوم قبل جعل الشرع، و لا يلزم فيها الأثر بعد كونه حكماً شرعيّاً، فحينئذٍ تندفع الشبهة الحكمية، و تبقى الشبهة الموضوعية، فيرجع إلى الأمارات في إثبات الحيضية. و أمّا قاعدة الإمكان فقد مرّ ما فيها «1».

هذا كلّه في الدم المتقدّم على الولادة.

______________________________

(1) تقدّم

في الصفحة 67.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 516

2 حكم الدم المتأخّر عن الولادة

و أمّا الدم عقيب تمام الولادة، فلا إشكال في كونه نفاساً نصّاً «1» و فتوى «2».

3 حكم الدم المقارن للولادة
اشارة

إنّما الكلام في الدم المقارن لها، فعن المشهور كونه نفاساً، ففي «الجواهر»: «المشهور نقلًا و تحصيلًا أنّه كذلك» «3» و عن «الخلاف»: «أنّ ما يخرج مع الولد عندنا يكون نفاساً، و اختلف أصحاب الشافعي «4»» «5» و هو يشعر بعدم الخلاف في المسألة، و لهذا حملت «6» العبارات الموهمة للخلاف كما عن ظاهر السيّد و «جمل الشيخ» و «الغنية» و «الكافي» و «الوسيلة» و «الجامع» «7» علىٰ ما لا ينافي ذلك.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3.

(2) منتهى المطلب 1: 123/ السطر 11، نهاية الإحكام 1: 130، ذكرى الشيعة 1: 259، كشف اللثام 2: 169.

(3) جواهر الكلام 3: 371.

(4) راجع المجموع 2: 518.

(5) الخلاف 1: 246.

(6) كشف اللثام 2: 170 171، جواهر الكلام 3: 371.

(7) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 227، الجمل و العقود، ضمن الرسائل العشر: 165، غنية النزوع 1: 40، الكافي في الفقه: 129، الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة: 61، الجامع للشرائع: 44.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 517

و تدلّ عليه

رواية الخلقاني قال فيها إنّ الحامل قذفت بدم الحيض، و هذه قذفت بدم المخاض إلىٰ أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس «1».

و

رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال قال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان اللّٰه ليجعل حيضاً مع حبل؛ يعني إذا رأت المرأة الدم و هي حامل لا تدع الصلاة، إلّا أن ترى علىٰ رأس الولد، إذا ضربها الطلق و رأت الدم تركت الصلاة «2».

و لا إشكال فيها

من حيث السند على الأصحّ «3». و احتمال كون التفسير من السكوني «4» بعيد، بل فاسد؛ فإنّ ما ذكر ليس تفسير العبارة المنقولة عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لأنّ الاستثناء فيه أمر زائد عليها، و لا يكون تفسيرها، فهو إمّا من اجتهاده، و هو- مع غاية بُعده مخالف لقوله يعني و إمّا من أبي عبد اللّٰه أو أبي جعفر (عليهما السّلام) و هو غير بعيد منهما؛ لاطلاعهما على الأحكام و علىٰ تفسير ما ورد عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) زائداً على الأفهام العامّة، كما ورد منهما نظائره.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 507.

(2) تهذيب الأحكام 1: 387/ 1196، وسائل الشيعة 2: 333، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 30، الحديث 12.

(3) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيىٰ، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني.

لا إشكال في السند لأنّ النوفلي و إن لم يرد فيه توثيق، و السكوني و إن كان عاميا إلّا أنّ الأرجح عند المصنّف (قدّس سرّه) وثاقتهما، كما يظهر بالفحص و التدبّر في رواياتهما و عمل الأصحاب بها.

راجع ما يأتي في الجزء الثاني: 31.

(4) جواهر الكلام 3: 371.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 518

و يشهد لما ذكرنا ورود هذه الرواية بعينها مع اختلاف يسير في الألفاظ بدون كلمة يعني

في «الجعفريّات» عن عليّ (عليه السّلام) قال قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما كان اللّٰه عزّ و جلّ ليجعل حيضها مع حمل، فإذا رأت المرأة الدم و هي حبلىٰ فلا تدع الصلاة، إلّا أن ترى الدم علىٰ رأس ولادتها، إذا ضربها الطلق و رأت

الدم تركت الصلاة «1».

و هي كما ترى عين تلك الرواية. و الظاهر أنّ قوله: «رأس ولادتها» من أغلاط النسخ، و الصحيح: «علىٰ رأس ولدها» أو «وليدتها» و هذه الرواية توجب الوثوق بأنّ التفسير في رواية السكوني ليس منه، فتصير حجّة معتبرة. مع احتمال اعتبار «الجعفريّات» في نفسها، و يطول الكلام بذكر سندها و البحث عن رجاله.

و أمّا مطروحية صدرهما فلا تضرّ بالعمل بذيلهما، خصوصاً مع كون الاستثناء الواقع في الذيل، زائداً علىٰ أصل الحكم، و يكون حكماً مستقلا.

هذا مع قوّة احتمال صدق «النفاس» على الدم المقارن للولادة. بل يمكن أن يقال بصدقه علىٰ ما حصل قبل الولادة إذا كان من مقدّماتها؛ لأنّ دم الولادة- علىٰ فرض كونه نفاساً لغةً يصدق علىٰ كلّ دم يرتبط بالولادة؛ سواء كان قبلها و من مقدّماتها، أو معها، أو بعدها، و إنّما خرجنا عمّا قبل الولادة لقيام الدليل، فلو نوقش في الدم المتقدّم فلا ينبغي المناقشة في المصاحب. بل لعلّ صدقه عليه أولىٰ منه على المتأخّر، تأمّل.

و كيف كان: فيظهر من مجموع ما ذكر أنّ الدم المصاحب نفاس، فيجب

______________________________

(1) الجعفريّات، ضمن قرب الإسناد: 25، مستدرك الوسائل 2: 25، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 25، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 519

التصرّف في موثّقة عمّار «1» و إن كان الظاهر منها أنّ الغاية لوجوب الصلاة عليها حصول الولادة؛ باعتبار تصدير المضارع بلفظة لم الموجب لنقل المعنى إلى المضيّ، لكنّ التصرّف فيها أهون من رفع اليد عن جميع ما تقدّم، كما لا يخفى على المنصف.

نفاسيّة الدم الخارج مع المضغة

ثمّ إنّ مقتضى الجمود علىٰ عبارة اللغويين و على الروايات في الباب، هو عدم الحكم بنفاسية الدم الخارج مع المضغة، فضلًا

عن الخارج مع العَلَقة أو النُّطفة المستقرّة؛ لعدم صدق «الولادة» إلّا مع صدق «الولد» على الخارج «فالولادة» و «الولد» و «المولود» من المتضايفات التي لا يصدق واحد منها علىٰ موضوعه إلّا مع صدق غيره علىٰ موضوعه.

لكنّه جمود غير وجيه لدى العرف؛ فإنّ الظاهر أنّ أهل اللغة من «كون النفاس دم الولادة» ليس إلىٰ ما ذكر؛ بحيث يكون دم النفاس دائراً مدار صدق عنوان «الولد» حتّى يكون الدم الخارج مع المضغة التي تصير متشكّلة بصورة آدمي بعد يومين غير دم النفاس، ثمّ يصير بعد اليومين دمه.

و الظاهر أنّ الروايات المشعرة بكون النفاس دم الولادة، أيضاً لا يستفاد منها اعتبار صدق «الولادة» بالمعنى المتقدّم، و لهذا ترى تسالم الفقهاء علىٰ نفاسية ما خرج عقيب ما كان منشأ آدمي، فعن «التذكرة» و «شرح الجعفرية» الإجماع علىٰ نفاسية الدم إذا ولدت علقة أو مضغة بعد شهادة القوابل بذلك أو العلم به «2»،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 507.

(2) انظر مفتاح الكرامة 1: 400/ السطر 10، تذكرة الفقهاء 1: 326.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 520

و علّله في «التذكرة»: «بأنّه دم جاء عقيب حمل» و إنكار بعضهم ذلك معلّلًا بعدم العلم بكونه مبدأ نشوء آدمي «1»، يدلّ علىٰ أنّ الإنكار لأجل الشكّ في الموضوع.

و لهذا حكي عن «المنتهىٰ»: «لو وضعت شيئاً تبيّن فيه خلق الإنسان فرأت الدم، فهو نفاس إجماعاً» «2».

و الظاهر أنّ مراده من تبيّن خلق الإنسان فيه، أنّه علم كونه مبدأ خلقه، لا أنّه ظهر فيه خلقه بحصول الصورة الإنسانية فيه؛ بقرينة دعواه الإجماع على العلقة و المضغة، و لأنّه ليس الإنسان بعد تمامية خلقته موضوعاً للبحث و الجدال، فإنكار بعض المتأخّرين نفاسيّة ذلك «3» كأنّه

ليس في محلّه.

بل الظاهر نفاسية ما خرج مع النطفة إذا علم أنّها كانت مستقرّة في الرحم لنشوء آدمي؛ لعدم الفرق بينها و بين العلقة بل المضغة في الإبرام و الإنكار.

______________________________

(1) المعتبر 1: 252، جامع المقاصد 1: 346، روض الجنان: 88/ السطر 28.

(2) منتهى المطلب 1: 123/ السطر 11.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 1: 169.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 521

المسألة الثانية في حدّ النفاس من طرف القلّة

لا حدّ لأقلّ النفاس؛ إجماعاً عن «الخلاف» و «الغنية» و «المعتبر» و «المنتهىٰ» و «التذكرة» و «الذكرى» و «كشف الالتباس» «1» و عن «جامع المقاصد» و «شرحي الجعفريّة»: «لا خلاف فيه بين أحد من الأصحاب» «2» و عن «المدارك» و «شرح المفاتيح»: «هو مذهب علمائنا و أكثر العامّة» «3».

و يدلّ عليه بعد ذلك

خبر رزيق بن الزبير المتقدّم «4»؛ لإطلاق قوله فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة

الظاهر في أنّها إذا رأت الدم بعد خروج رأسه .. بمناسبة صدره و ذيله، و إطلاقه يقتضي عدم وجوبها عليها و لو رأت لحظة.

و لقوله

و هذه قذفت بدم المخاض إلىٰ أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس، فيجب أن تدع في النفاس و الحيض.

فإنّ قوله

يصير دم النفاس

ظاهر في أنّ الدم المرئي بعد ظهور الولد نفاس و هو بمنزلة الصغرىٰ لقوله

فيجب أن تدع في النفاس و الحيض

فعلّق الحكم علىٰ عنوان

النفاس

و عيّن الصغرىٰ بقوله

يصير دم النفاس

فيظهر منه أنّ دم النفاس مطلقاً موجب لعدم وجوب الصلاة عليها و هو المطلوب.

______________________________

(1) الخلاف 1: 245، غنية النزوع 1: 40، المعتبر 1: 252، منتهى المطلب 1: 123/ السطر 28، تذكرة الفقهاء 1: 326، ذكرى الشيعة 1: 259، كشف الالتباس: 132/ 12.

(2) انظر مفتاح

الكرامة 1: 401/ السطر 16، جامع المقاصد 1: 347.

(3) مدارك الأحكام 2: 44، مصابيح الظلام 1: 56/ السطر 17 (مخطوط).

(4) تقدّم في الصفحة 507.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 522

و ليس في الروايات ما علّق الحكم علىٰ «دم النفاس» إلّا ذلك، و هو و إن كان ضعيف السند «1»، لكن لا يبعد أن يكون مستند الأصحاب، فيجبر سنده و إن لم يخل من التأمّل.

و يدلّ عليه إطلاق قويّة السكوني، و قد تقدّم الكلام فيها «2»؛ و إن أمكن المناقشة في إطلاقها.

و أمّا الاستدلال

بموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو يومين، فترى الصفرة أو دماً، قال تصلّي ما لم تلد .. «3»

إلىٰ آخره.

بدعوىٰ: أنّ جعل الغاية للصلاة عدم الولادة، يدلّ علىٰ أنّ الولادة مع رؤية الدم أو الصفرة مطلقاً، موضوع لقطع وجوب الصلاة.

أو بدعوىٰ: أنّ إطلاق المفهوم يقتضي ذلك.

ففيه ما لا يخفى؛ ضرورة أنّ الظاهر منها أنّه بصدد بيان المغيّا؛ و أنّه تجب عليها الصلاة قبل الولادة، و لا يكون في مقام بيان حكم المفهوم حتّى يؤخذ بإطلاقه، فتدلّ الرواية علىٰ ثبوت الصلاة مطلقاً ما لم تلد، لا على سقوطها مطلقاً لدى الولادة، و لعلّه مشروط بشرط آخر.

كما أنّ الاستدلال «4»

بصحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي، عن الحسين بن عبيد اللّٰه بن إبراهيم، عن هارون بن موسى التلعكبري، عن محمّد بن همام بن سهيل، عن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن خالد الطيالسي الخزّاز، عن زريق. و الرواية ضعيفة بالطيالسي و زريق فإنّهما مهملان.

رجال النجاشي: 340/ 910، و 168/ 442.

(2) تقدّم في الصفحة

517.

(3) تقدّم في الصفحة 507.

(4) مدارك الأحكام 2: 44، جواهر الكلام 3: 368.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 523

الماضي (عليه السّلام) عن النفساء؛ و كم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً .. «1»

إلىٰ آخره؛ بدعوىٰ تعليق الحكم علىٰ رؤية الدم العبيط، فإطلاقه يقتضي نفاسية الدم و لو لحظة.

في غير محلّه؛ ضرورة أنّ السؤال و الجواب إنّما هو عن جانب الأكثر، فهي بصدد بيان حدّه في ذاك الطرف، لا في طرف القلّة. مع وهنها بموافقة العامة «2» و مخالفة الشهرة «3».

و منها يظهر الحال في رواية ليث المرادي «4» مع ضعف سندها «5». فعمدة المستند الإجماع و رواية الخلقاني «6».

و قد يستدلّ عليه بإناطة الأحكام بالمسمّى الصادق على القليل و الكثير «7».

و فيه: أنّه ليس في الأخبار علىٰ كثرتها ما أُنيط فيه حكم بالمسمّى بنحو الإطلاق غير رواية الخلقاني المتقدّمة، و قد ذكرنا إهمال

قوله غسل النفساء واجب «8».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 174/ 497، وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 16.

(2) المجموع 2: 525.

(3) انظر مفتاح الكرامة 1: 401/ السطر 22، و راجع ما يأتي في الصفحة 524.

(4) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «سألته عن النفساء، كم حدّ نفاسها حتّى تجب عليها الصلاة؟ قال: ليس لها حدّ». تهذيب الأحكام 1: 180/ 516، وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 2، الحديث 1.

(5) يأتي وجه ضعفها في الصفحة 524.

(6) تقدّمت في الصفحة 507 و 517.

(7) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 256/ السطر 6، مصباح الفقيه، الطهارة: 332/ السطر 21.

(8) تقدّم في الصفحة 506.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط

- الحديثة)، ج 1، ص: 524

المسألة الثالثة في حدّ النفاس من طرف الكثرة

اشارة

لا إشكال في أنّ للنفاس في جانب الكثرة حدّا، فما في رواية المرادي «1» من نفي الحدّ له الظاهر في نفيه في الجانب الأكثر مع ضعف سندها بأبي جميلة الضعيف الذي قالوا فيه: «إنّه كذّاب يضع الحديث» «2» و بمجهولية أحمد بن عبدوس مطروح أو مأوّل، كمرسلة «المقنع» «3».

و قد وقع الخلاف في حدّ الأكثر، فعن المشهور: «أنّ أكثره عشرة» و قد حكيت الشهرة عن «التذكرة» و «الذكرى» و «كشف الالتباس» و «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» و «شرح الجعفريّة» و «الروضة» «4» و عن «الجعفرية»: «أنّه الأشهر» «5»، و عن «المبسوط» و «كشف اللثام»: «أنّه مذهب الأكثر» «6» و عن موضع من «الذكرى»: «أنّه مذهب الأصحاب» «7»، و عن «كشف الرموز»: «أنّه

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 523، الهامش 4.

(2) رجال ابن داود: 280/ 511، رجال العلّامة الحلّي: 258/ 2، مجمع الرجال 6: 122.

(3)

روي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال: «إنّ نساءكم لسن كالنساء الأُول، إنّ نساءكم أكبر لحماً و أكثر دماً فلتقعد حتّى تطهر».

المقنع: 51.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 401/ السطر 22، تذكرة الفقهاء 1: 327 328، ذكرى الشيعة 1: 260، كشف الالتباس: 132/ السطر 15 (مخطوط)، جامع المقاصد 1: 347، الروضة البهية 1: 395.

(5) الرسالة الجعفريّة، ضمن رسائل المحقّق الكركي 1: 92.

(6) المبسوط 1: 69، كشف اللثام 2: 174.

(7) ذكرى الشيعة 1: 261.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 525

الأظهر بين الأصحاب» «1» و عن «الخلاف» و «الغنية» الإجماع عليه «2».

و لا يبعد أن لا يكون مراد المشهور كما عليه الأعلام «3» أنّ العشرة حدّ قعود النساء في النفاس مطلقاً، بل مرادهم

أنّه لا يتجاوز نفاس عن عشرة أيّام، كما أنّ قولهم في الحيض: «إنّ أكثره عشرة أيّام» هو ذلك. و لا ينافي ذلك وجوب رجوع بعض النفساوات إلىٰ غير العشرة، كذات العادة مع تجاوز دمها عنها، فإنّ الرجوع إلى العادة حكم ظاهري، و لا تكون أيّام العادة حدّا للنفاس. و لا يبعد أن يكون مرادهم من «أنّ الحدّ له عشرة أيّام» هو الحدّ للنفاس واقعاً، و اتكلوا في حكم ذات العادة علىٰ ما قالوا: «من أنّ حكم النفساء حكم الحائض مطلقاً إلّا ما استثني» «4».

و إطلاق كلام بعضهم: «أنّ النفساء تقعد عشرة أيّام إلّا أن تطهر قبل ذلك» «5» لا ينافي رجوع ذات العادة إلىٰ عادتها مع التجاوز؛ لإمكان كون المراد أنّها تقعد إلىٰ عشرة أيّام استظهاراً.

و بالجملة: كون الحدّ الواقعي عشرة أيّام، لا ينافي رجوع ذات العادة مع استمرار دمها و تجاوزه عن العشرة إلىٰ عادتها، فإنّه حكم ظاهري، لا حدّ واقعي.

فما عن الشهيد في «الذكرى»: «أنّ الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها إلىٰ عادتها في الحيض، و الأصحاب يفتون بالعشرة، و بينهما تنافٍ ظاهر» «6» ليس بوجيه.

______________________________

(1) كشف الرموز 1: 85.

(2) الخلاف 1: 243 244، غنية النزوع 1: 40.

(3) مستند الشيعة 3: 51، جواهر الكلام 3: 374.

(4) إرشاد الأذهان 1: 229، جامع المقاصد 1: 349، روض الجنان: 90/ السطر 14.

(5) المقنع: 50.

(6) ذكرى الشيعة 1: 261.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 526

و عن المحقّق في «المعتبر» اختيار عشرة أيّام مطلقاً حتّى في ذات العادة، قال: «لا ترجع النفساء مع تجاوز الدم إلىٰ عادتها في النفاس، و لا إلىٰ عادتها في الحيض، و لا إلىٰ عادة نسائها، بل تجعل عشرة نفاساً، و

ما زاد استحاضة حتّى تستوفي عشرة أيّام، و هي أقلّ الطهر» «1» انتهىٰ.

و لا يخفىٰ: أنّ قوله ليس مخالفاً للقوم في حدّ النفاس، بل مخالف لهم في رجوع ذات العادة إلىٰ عادتها.

و عن جملة من كتب الأصحاب ثمانية عشر مطلقاً ك «الفقيه» و «الانتصار» «2» قائلًا: «و ممّا انفردت به الإماميّة القول: بأنّ أكثر النفاس مع الاستظهار التامّ ثمانية عشر يوماً» و الظاهر أنّه ليس اختيار ثمانية عشر يوماً؛ لأنّ أيّام الاستظهار ليست أيّام النفاس بيقين، نعم يظهر منه إمكانه إلىٰ ثمانية عشر يوماً. و عن «المراسم» «3» و «المختلف» «4» و ظاهر «الهداية» «5» و عن أبي علي «6» و «الأمالي» «7» و «جمل السيّد» «8» و حكي تقريبُه إلى الصواب عن «المنتهي» «9»

______________________________

(1) المعتبر 1: 257.

(2) الفقيه 1: 55/ 19، الانتصار: 35.

(3) المراسم: 44.

(4) انظر مفتاح الكرامة 1: 402/ السطر 2، مختلف الشيعة 1: 216.

(5) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 50/ السطر 12.

(6) انظر المعتبر 1: 253، مختلف الشيعة 1: 216.

(7) أمالي الصدوق: 516.

(8) لم نعثر عليه في جمل العلم و العمل، انظر كشف اللثام 2: 175، مفتاح الكرامة 1: 402/ السطر 4.

(9) منتهى المطلب 1: 125/ السطر 34.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 527

و استحسانه عن «التنقيح» «1» و نفيُ البعد عنه عن «مجمع الفائدة و البرهان» «2».

و عن العلّامة في «المختلف» التفصيل بين ذات العادة و غيرها «و أنّها ترجع إلىٰ عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة في الحيض، و إن كانت مبتدئة صبرت ثمانية عشر يوماً» «3». و الظاهر أنّ غير مستقرّة العادة حكمها عنده كالمبتدئة، كما يظهر بالتأمّل في عبارة «المختلف» و صرّح بالتسوية في

«القواعد» «4» و عن المقداد استحسانه «5»، و نقل ميل بعض متأخّري المتأخّرين إليه «6».

و يظهر ممّا مرّ آنفاً أنّ هذا ليس تفصيلًا في المسألة؛ فإنّ رجوع ذات العادة إلىٰ عادتها حكم ظاهري، و لا قولًا مخالفاً للمشهور، كما نفينا عنه البُعد.

و عن العماني: «أنّ أكثره أحد و عشرون يوماً» «7» و الظاهر منه أنّه حدّ إمكانه.

و عن المفيد: «أنّه أحد عشر يوماً» «8».

و

عن «الفقه الرضوي»: «النفساء تدع الصلاة؛ أكثره مثل أيّام حيضة، و هي عشرة أيّام، و تستظهر بثلاثة أيّام، ثمّ تغتسل، فإذا رأت الدم عملت كما تعمل

______________________________

(1) التنقيح الرائع 1: 114.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 169.

(3) مختلف الشيعة 1: 216.

(4) قواعد الأحكام 1: 16/ السطر 9.

(5) التنقيح الرائع 1: 114.

(6) مدارك الأحكام 2: 48.

(7) انظر المعتبر 1: 253.

(8) لم نعثر عليه في المقنعة و أحكام النساء المطبوعة ضمن مصنّفات الشيخ المفيد و لكن نقل عنه في السرائر و المفتاح.

انظر السرائر 1: 52، مفتاح الكرامة 1: 402/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 528

المستحاضة. و قد روي ثمانية عشر يوماً، و روى ثلاثة و عشرين يوماً، و بأيّ هذه الأحاديث أُخذ من جهة التسليم جاز» «1»

انتهىٰ.

و أمثال هذه العبارة من «فقه الرضا» شاهدة علىٰ أنّ هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء، لا كتاب مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السّلام).

و كيف كان: فمنشأ اختلاف الآراء هو اختلاف الأخبار، و اختلاف أنظارهم في فهمها، و الجمع بين شتاتها؛ لأنّ الأخبار علىٰ طوائف:

حول الأخبار الواردة في أكثر النفاس
الطائفة الأُولى:

منها: ما وردت في ذات العادة، فأرجعتها إلىٰ عادتها و الاستظهار بعدها بيوم أو يومين أو زائداً، و هي أسدّ الروايات سنداً، و أوضحها دلالةً،

كصحيحة زرارة قال:

قلت له: النفساء متى تصلّي؟ فقال تقعد بقدر حيضها، و تستظهر بيومين، فإذا انقطع الدم، و إلّا اغتسلت و احتشت ...

إلىٰ أن قال قلت: و الحائض؟ قال مثل ذلك سواء، فإن انقطع عنها الدم، و إلّا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء .. «2»

إلىٰ آخره.

و هذه الصحيحة و إن لم يستفد منها أنّ النفساء كالحائض في جميع

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 191، مستدرك الوسائل 2: 47، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 1، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 529

الأحكام كما مرّ «1»، لكن يستفاد منها سوائيتهما في هذا الحكم المذكور فيها؛ من القعود بقدر أيّام الحيض و الاستظهار، ثمّ عمل المستحاضة. و قد تقدّم في الحيض عدم كونه أكثر من عشرة «2»، و إنّما الاستظهار إلى العشرة لأجل احتمال الانقطاع إليها و كون المجموع حيضاً، و التجاوز عنها و كون الزائد على أيّام العادة استحاضةً، و لمّا لم يكن الأمر معلوماً أُمرت بالاستظهار؛ تغليباً لجانب الحيض.

و كيف كان: فيتضح من الصحيحة سوائيّة الحائض و النفساء في الرجوع إلى العادة و الاستظهار و عمل الاستحاضة، و كما أنّ في الحيض يحكم بعدم تجاوزه عن العشرة، فكذلك في النفاس؛ لما ذكر، و لما يفهم من شدّة المناسبة بينهما من الصحيحة و غيرها ممّا يأتي.

و

كصحيحة اخرىٰ له، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي تمكث فيها، ثمّ تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة «3».

و

صحيحة يونس بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه

السّلام) عن امرأة ولدت، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى؟ قال فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام «4».

و المراد عشرة أيّام من يوم رأت الدم؛ أي إلىٰ عشرة من أوّل أيّام القعود؛

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 513.

(2) تقدّم في الصفحة 111.

(3) الكافي 3: 97/ 1، تهذيب الأحكام 1: 173/ 495، وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 175/ 502، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 530

بقرينة سائر الروايات، و ورود مثلها بعين السند في الحيض أيضاً «1». و الحمل علىٰ عشرة من بعد أيّام العادة في التي عادتها ثمانية «2» مع فساده في نفسه لا ينطبق علىٰ رأي من قال بكون النفاس ثمانية عشر يوماً؛ لأنّ الاستظهار ينافي الجزم بكون الدم نفاساً.

و المراد من القعود أيّام العادة، هو بقدر أيّام العادة من حين وضعت في الدورة الاولىٰ؛ بشهادة

حسنة مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها .. «3»

إلىٰ غير ذلك «4».

و هذه الطائفة المشتملة على الصحاح، ممّا استدلّ به لمذهب المشهور؛ بدعوى استفادة شدّة المناسبة بين النفاس و الحيض؛ بحيث يفهم منها أنّها بعد الاستظهار إلىٰ عشرة أيّام مستحاضة، كما قلنا في الحيض، فيستفاد منه أنّ أكثره- كأكثر الحيض عشرة أيّام «5».

و فيه: أنّ تلك الروايات كروايات الاستظهار في باب الحيض لا يستفاد منها إلّا الرجوع إلى

العادة و الاستظهار، ثمّ العمل بما تعمل المستحاضة؛ من غير

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 402/ 1259، الإستبصار 1: 149/ 516، وسائل الشيعة 2: 303، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13، الحديث 12.

(2) انظر الطهارة، الشيخ الأنصاري: 265/ السطر 22.

(3) تهذيب الأحكام 1: 176/ 505، وسائل الشيعة 2: 395، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 7، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 2: 382 385، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 5 و 8 و 9 و 11.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 336/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 531

تعرّض فيها لحدّ الحيض أو النفاس بحسب الواقع.

بل المستفاد من تلك الروايات إمكان كون النفاس أكثر من عشرة أيّام؛ لأنّ إطلاق ما دلّ على الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام «1»، شامل لمن كانت عادتها عشرة أيّام أو تسعة أو ثمانية. و من كانت عادتها عشرة أيّام يكون حكمها الاستظهار بيوم إلىٰ ثلاثة أيّام، فيثبت به أنّ النفاس ممكن إلىٰ ثلاثة عشر يوماً.

و كذا إطلاق موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الحاكمة بالاستظهار بمثل ثلثي أيّامها «2» شاهد علىٰ إمكانه إلىٰ سبعة عشر يوماً تقريباً. كما أنّ ظاهر صحيحة يونس بن يعقوب «3» الحاكمة بالاستظهار بعشرة أيّام، هو إمكانه إلىٰ عشرين يوماً.

و إنّما خرجنا عن إطلاق أدلّة الاستظهار في الحيض «4»؛ لأجل ورود نصوص مستفيضة مفتى بها بين الأصحاب بأنّ أكثر الحيض عشرة أيّام «5»، و لو لم ترد تلك النصوص فيه، لم تدلّ أدلّة الاستظهار علىٰ أنّ حدّه عشرة أيّام، بل مقتضىٰ إطلاقها و شمولها للمعتادة عشرة أيّام، إمكان استمرار الحيض إلىٰ ثلاثة عشر يوماً.

بل مقتضىٰ ظهور رواية يونس بن

يعقوب الواردة في الحيض بعين السند

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 4 و 2 و 11.

(2) تهذيب الأحكام 1: 403/ 1262، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 20.

(3) تقدمت في الصفحة 529.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 300، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 13.

(5) راجع وسائل الشيعة 2: 293، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 10.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 532

في النفاس الحاكمة بالاستظهار بعشرة أيّام إمكانه إلىٰ عشرين يوماً. و إنّما قلنا برفع الاستظهار بعد العشرة من أوّل العادة، و عدم الاستظهار فيمن كانت عادتها عشرة أيّام، و عدم الاستظهار بيومين فيمن كانت عادتها تسعة أيّام .. و هكذا؛ للأدلّة الدالّة علىٰ تحديد أكثر الحيض.

و الإنصاف: أنّه لو لم يكن في المقام دليل علىٰ تحديد النفاس، لكانت تلك الأدلّة الواردة في الاستظهار فيه، من أقوى الشواهد علىٰ عدم تحديده بعشرة أيّام، بل من الأدلّة الدالّة علىٰ ثمانية عشر، بعد تقييد ما دلّ على الزائد عليها بالإجماع علىٰ عدم الزيادة عليها، فلا بدّ من التماس دليل على التحديد حتّى نرفع اليد عن إطلاق تلك الأدلّة.

و من ذلك يعرف: أنّ استناد المشهور لإثبات التحديد بالعشرة لا يمكن أن يكون إلىٰ تلك الروايات، و أنّ قول المفيد أو الشيخ بمجي ء روايات معتمدة دالّة عليه «1»، لا يكون ناظراً إليها، إلّا أن نقول: بخطإ المفيد و غيره من الفقهاء، و هو كما ترى.

الطائفة الثانية:

و منها: ما وردت في قضيّة أسماء بنت عُمَيْس:

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم) حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف و الخرق و تهلّ بالحجّ، فلمّا قدموا مكّة و قد نسكوا المناسك و قد أتى لها ثمانية عشر يوماً، فأمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن تطوف بالبيت

______________________________

(1) المقنعة: 57، تهذيب الأحكام 1: 174.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 533

و تصلّي، و لم ينقطع عنها الدم، ففعلت ذلك «1».

و

صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، كم تقعد؟ فقال إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن تغتسل لثمان عشرة، و لا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين «2».

و

مرسلة الصدوق قال: «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر في حجّة الوداع، فأمرها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن تقعد ثمانية عشر يوماً» «3».

و هذه الطائفة لا تنافي الطائفة الاولىٰ، بل توافقها و تؤيّدها. بل صحيحة محمّد و المرسلة تدلّان علىٰ أنّ أكثر النفاس ثمانية عشر يوماً.

نعم، لا بدّ من رفع اليد عن الاستظهار بيومين في صحيحة ابن مسلم؛ لعدم الاستظهار بعد قعودها ثمانية عشر يوماً؛ لعدم احتمال النفاس بعدها إجماعاً.

و أمّا الاستظهار بيوم بعد ظهور الصحيحة بمقتضىٰ تذكير العدد في ثمان عشرة ليلة فلا بأس به إلّا في بعض الصور، فيرفع اليد عنه فيه.

و كذا لا تنافيها

مرفوعة إبراهيم بن هاشم قال: سألتْ امرأةٌ أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقالت: إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتّى أفتوني بثمانية عشر يوماً.

فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و لِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً؟ فقال رجل

______________________________

(1)

الكافي 4: 449/ 1، تهذيب الأحكام 1: 179/ 513، وسائل الشيعة 2: 384، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 6.

(2) تهذيب الأحكام 1: 178/ 511، وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 15.

(3) الفقيه 1: 55/ 209، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 534

للحديث الذي روي عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّه قال لأسماء بنت عميس حيث نفست بمحمّد بن أبي بكر، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّ أسماء سألت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قد أتى لها ثمانية عشر يوماً، و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل ما تفعل المستحاضة «1».

لأنّه (عليه السّلام) لم ينفِ كون حدّ النفاس ثمانية عشر يوماً، بل نفىٰ لزوم قعودها ثمانية عشر يوماً مستنداً إلىٰ قول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قال: «إنّها لو سألت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قبل ذلك لأمرها بما أمرها بعد ثمانية عشر» فيمكن أن يكون الحدّ الواقعي للنفاس ثمانية عشر يوماً، لكن يجب لذات العادة القعود أيّام العادة، ثمّ الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة، ثمّ عمل المستحاضة.

و ظاهر المرفوعة و إن كان عدم جواز القعود ثمانية عشر يوماً، كما هو ظاهر بعض الروايات الواردة في الاستظهار «2»، لكن مقتضى الصناعة رفع اليد عن هذا الظاهر بما دلّ علىٰ جواز القعود إلىٰ ثمانية عشر يوماً، كالروايات الآتية و بعض ما تقدّمت، و حمل المرفوعة على استحباب عمل المستحاضة قبل ثمانية

عشر يوماً، إلّا إذا كانت أيّامها قريبة من أيّام العادة، كاليوم و اليومين و ثلاثة أيّام، بل إلىٰ عشرة أيّام، فيستحبّ الاستظهار.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال

في رواية حُمْران بن أعين المنقولة عن «كتاب الأغسال» لأحمد بن محمّد بن عيّاش الجوهري و قوله فيها قلت: فما حدّ النفساء؟ قال تقعد أيّامها «3»

محمولٌ على الحكم، و معناه: فما تكليفها؟ بل

______________________________

(1) الكافي 3: 98/ 3، تهذيب الأحكام 1: 178/ 512، وسائل الشيعة 2: 384، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 و 3 و 5.

(3) منتقى الجمان 1: 235، وسائل الشيعة 2: 386، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 535

المتفاهم من العبارة هو السؤال عنه، لا عن حدّ النفاس، و إلّا لقال: «فما حدّ النفاس؟» و لهذا أجاب عن تكليفها في الظاهر بالقعود أيّام الطمث و الاستظهار، و هو لا يناسب السؤال عن الحدّ الواقعي للنفاس.

الطائفة الثالثة:

كما أنّه بما ذكرنا يظهر حال طائفة أُخرى من الروايات،

كصحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): كم تقعد النفساء حتّى تصلّي؟ قال ثمان عشرة؛ سبع عشرة، ثمّ تغتسل و تحتشي و تصلّي «1».

و

صحيحة ابن سنان بناءً علىٰ كونه عبد اللّٰه، كما هو الظاهر قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول تقعد النفساء سبع عشرة ليلة، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة «2».

و

رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون، قال و النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً، فإن طهرت قبل

ذلك صلّت، و إن لم تطهر حتّى تجاوز ثمانية عشر يوماً، اغتسلت و صلّت و عملت بما تعمل المستحاضة «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 177/ 508، وسائل الشيعة 2: 386، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 12.

(2) تهذيب الأحكام 1: 177/ 510، وسائل الشيعة 2: 387، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 14.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 125/ 1، وسائل الشيعة 2: 390، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 24.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 536

كيفية الجمع بين الطوائف السابقة

فمقتضى الجمع بينها أنّ لذات العادة القعود إلىٰ ثمانية عشر يوماً؛ أيّام عادتها نفاساً، و الزائد استظهاراً، فتكون جميع الطوائف شاهدة علىٰ إمكان كون النفاس أكثر من عشرة أيّام، بل إلىٰ ثمانية عشر يوماً، فتكون مؤيّدة للطائفة الأُخرى المتعرّضة لحدّ النفاس بحسب الواقع، كمرسلة الصدوق و

رواية حنّان بن سدير قال قلت: لأيّ علّة أُعطيت النفساء ثمانية عشر يوماً؟ قال لأنّ أقلّ أيّام الحيض ثلاثة أيّام، و أكثرها عشرة أيّام، و أوسطها خمسة أيّام، فجعل اللّٰه عزّ و جلّ للنفساء أقلّ الحيض و أوسطه و أكثره «1».

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ مقتضى الجمع بين جميع الطوائف، هو كون حدّ النفاس واقعاً ثمانية عشر يوماً مطلقاً، و ذات العادة إنّما ترجع إلىٰ عادتها بحسب تكليفها الظاهري، و تستظهر جوازاً إلىٰ ثمانية عشر يوماً؛ و إن كان المستحبّ لها أن تعمل عمل المستحاضة بعد الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام، و يحمل اختلاف الروايات في الاستظهار على اختلاف مراتب الفضل، أو علىٰ ما ذكرنا في الحيض «2».

و يظهر ممّا مرّ: أنّ مستند فتوى المشهور و كذا الروايات التي ادعى المفيد أو الشيخ

ورودها، بعيد غايته أن تكون تلك الروايات الدالّة علىٰ خلاف مذهب المشهور؛ ممّا هي بين صريح فيه أو ظاهر. و عثور المفيد (رحمه اللّٰه) علىٰ بعض الروايات

______________________________

(1) علل الشرائع: 291/ 1، وسائل الشيعة 2: 390، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 23.

(2) تقدّم في الصفحة 205.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 537

أو الأُصول التي لم تصل إلينا، ليس كثير البُعد، كما لم تصل إلينا مرسلته المنقولة عن «السرائر» و هي:

أنّ المفيد سئل: كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة، و كم مبلغ أيّام ذلك؟ فقد رأيت في كتاب «أحكام النساء» أحد عشر يوماً، و في رسالة «المقنعة» ثمانية عشر يوماً، و في كتاب «الإعلام» أحداً و عشرين، فعلى أيّها العمل دون صاحبه؟ فأجابه بأن قال: الواجب على النفساء أن تقعد عشرة أيّام، و إنّما ذكرت في كتبي ما روي من قعودها ثمانية عشر يوماً و ما روي في النوادر استظهاراً بأحد و عشرين يوماً، و عملي في ذلك علىٰ عشرة أيّام؛

لقول الصادق (عليه السّلام) لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض «1»

انتهىٰ.

فكما لم تصل إلينا تلك المرسلة الصريحة التي عمل مثل المفيد علىٰ طبقها، و ترك الروايات الصحيحة الصريحة في القعود ثمانية عشر، أو سبع عشرة؛ ثمان عشرة، كصحيحتي محمّد بن مسلم و ابن سنان مع كون الروايات بمنظر منه، كذلك يمكن وصول روايات أُخر مثل المرسلة.

كما لا يمكن أن يقال: إنّ اتكال المشهور في كون النفاس عشرة أيّام، علىٰ تلك الروايات التي بين صريح في زيادة الحدّ على العشرة و كونه ثمانية عشر يوماً، و ظاهر فيه. فحينئذٍ تكون تلك الشهرةُ المعرضةُ عن الروايات الصريحة الصحيحة

المخالفة للأُصول و القواعد لما عرفت سابقاً من جريان الأصل الموضوعي في التدريجيات و الحكمي في مثل المقام «2» معتمدةً معتبرةً كاشفةً عن مسلّمية الحكم من زمان الأئمّة (عليهم السّلام) إلىٰ زمان أصحاب الفتوىٰ.

كما أنّ قول المفيد بمجي ء أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدّة النفاس مدّة

______________________________

(1) السرائر 1: 52 53.

(2) تقدّم في الصفحة 180 181.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 538

الحيض و هي عشرة أيّام حجّة معتبرة اخرىٰ؛ ضرورة أنّه مع وجود روايات صحيحة صريحة في زيادة الأيّام على العشرة، لا يمكن أن يكون مقصوده هو ما احتملوا؛ أي روايات الرجوع إلى العادة و الاستظهار.

مع أنّ الظاهر من تلك العبارة هو مجي ء الروايات بهذا العنوان و المضمون، و في روايات الرجوع إلى العادة ليست رواية كذلك. بل لو فرض دلالتها بنحو من اللزوم بل و الاجتهاد لم يكن لمثل المفيد أن يقول: «جاءت أخبار في أنّ أقصى مدّة النفاس كذا» الظاهر في ورود الرواية بهذا المضمون؛ فإنّ ذلك نحو تدليس في النقل و الرواية، و أصحابنا رضوان اللّٰه عليهم بريئون منه.

كما أنّ مرسلته الأُخرى المتقدّمة حجّة معتبرة أُخرى؛ فإنّ مثل المفيد لا يقول: «لقول الصادق (عليه السّلام)» بنحو الجزم إلّا مع كون الرواية معتمدة معتبرة، و لا يمكن منه تقديم رواية مرسلة علىٰ روايات صحاح إلّا مع كون الحكمِ قطعياً، و الروايةِ قطعيّةَ الصدور و الدلالة، و راجحةً علىٰ سائر الروايات، و كون البقيّة معلولةً؛ بحيث لا يمكن الاتكال عليها. فالمسألة خالية من الإشكال بحمد اللّٰه تعالىٰ؛ و إن كان الاحتياط حسناً علىٰ كلّ حال.

حول تفصيل العلّامة في أكثر النفاس

و بما ذكرنا يظهر النظر في التفصيل الذي تقدّم نقله عن العلّامة «1» لو كان

تفصيلًا في المسألة. و قد بالغ الشيخ الأعظم في تقريبه و تقويته؛ حتّى قال: «فالإنصاف أنّ هذا القول لا يقصر في القوّة عن القول المشهور» «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 527.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 268/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 539

و محصّل نظره هو الجمع بين الروايات؛ لاختصاص روايات الاستظهار بذات العادة، و منها يستفاد كون الحدّ عشرة أيّام، فتختصّ العشرة بذات العادة، و صرف رواية «العلل» و «العيون» إلىٰ غير ذات العادة، و تضعيف مرسلة المفيد، أو حملها على الأفراد الغالبة؛ و هي ذات العادة.

و أنت خبير بما فيه بعد التأمّل فيما تقدّم؛ لما عرفت من أنّ أخبار الاستظهار لا يستفاد منها كون الحدّ عشرة «1»، بل يستفاد منها كونه أكثر إلى ثمانية عشر يوماً، فمقتضى الجمع بينها و بين سائر الروايات هو كون الحدّ ثمانية عشر، فلا مجال للتفصيل بحسب الروايات. مع ورود بعض إشكالات اخرىٰ عليه تركناه مخافة التطويل.

و أمّا تضعيف مرسلة المفيد ففي غير محلّه؛ لما عرفت آنفاً. و حملها علىٰ ذات العادة بعيد جدّاً، بل المرسلة بحسب نحو مضمونها آبية عنه.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ الحدّ مطلقاً لذات العادة و غيرها عشرة أيّام، إلّا أنّ تكليف ذات العادة الرجوع إلىٰ عادتها، ثمّ الاستظهار إلىٰ عشرة أيّام، ثمّ عمل المستحاضة، و غير ذات العادة تقعد عشرة أيّام، و هي أقصى الأيّام.

إبطال الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء في المقام

و أمّا الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء «2»، فلا دليل عليه؛ لاختصاص أدلّة الصفات كما تقدّم بالدوران بين الحيض و الاستحاضة «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 530 532.

(2) البيان: 67، مصباح الفقيه، الطهارة: 341/ السطر 1.

(3) تقدّم في الصفحة 20 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني،

ط - الحديثة)، ج 1، ص: 540

و أمّا موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الدالّة علىٰ رجوعها إلىٰ أيّام أُمّها أو أُختها أو خالتها مع عدم معرفة أيّام نفاسها «1»، ففيها وجوه من الخلل لا يمكن لأجلها الاتكال عليها:

كالحكم بقعودها بقدر أيّام نفاسها، مع أنّ النصّ «2» و الفتوى «3» علىٰ خلافه.

و كالأمر بالاستظهار بمثل ثلثي أيّامها؛ ممّا لا يجوز إلّا في بعض الأفراد النادرة.

و كالحكم بتخييرها بين الرجوع إلى أُمّها أو أُختها أو خالتها الظاهر في التخيير مع اختلافهنّ، و هو أيضاً غير مفتى به.

نعم، لو ثبت الإجماع علىٰ كون النفساء كالحائض في جميع الأُمور و الأحكام إلّا ما استثني، لكان الوجه ما ذكر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 403/ 1262، وسائل الشيعة 2: 389، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 20.

(2) تقدّم في الصفحة 528 535.

(3) تقدّمت في الصفحة 525 528.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 541

المسألة الرابعة في نفاس ذات التوأمين

اشارة

لو كانت حاملًا باثنين، فإن ولدتهما معاً بحيث عدّت ولادة واحدة عرفاً، يكون لها نفاس واحد. و سيأتي حال مبدأ حساب العشرة «1».

و إن تأخّرت ولادة أحدهما عن الآخر مع رؤية الدم فيهما، فلا يخلو أن تكون الولادة الثانية قبل تمام عشرة أيّام من الأُولىٰ أو بعد تمامها بلا فصل أو معه.

و علىٰ أيّ حال: إمّا أن يكون الدم مستمرّاً إلى الولادة الثانية، أو نقت قبلها و رأت بعدها.

فهل يكون كلّ من الدمين بعد الولادتين نفاساً مستقلا أو هما نفاس واحد إذا استمرّ الدم و رأت الثاني قبل تجاوز العشرة، أو لا يكون الدم بعد الولادة الأُولىٰ نفاساً، أو لا يكون بعد الثانية نفاساً؟

الأقوىٰ هو الأوّل، و محصّل الكلام فيه

أنّه بحسب التصوّر: يحتمل أن يكون «النفاس» هو الدم المسبّب عن الولادة، بحيث تكون سببية الولادة للدم دخيلة في الموضوع، كما يظهر من صاحب «الجواهر» «2» ناسباً إلىٰ نصّ غير واحد من الأصحاب «3».

و لازمه لزوم إحراز سببيتها له في ترتيب الأحكام على النفساء؛ سواء في

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 546 547.

(2) جواهر الكلام 3: 367.

(3) جامع المقاصد 1: 346، مدارك الأحكام 2: 43، الحدائق الناضرة 3: 308.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 542

التوأمين و غيرهما، فلو سال الدم منها قبل الولادة، فخرجت علقة أو مضغة أو خرج طفل في غاية الصغر مع سيلانه بحيث يعلم أو يحتمل عدم استناد الدم إلىٰ خروج الحمل لم يحكم بنفاسيته، و لا بكون المرأة نفساء. و كذا لو خرج الطفل الأوّل في التوأمين و سال الدم و خرج الثاني مع الجزمِ بعدم سببيته، أو احتمالِ ذلك لم يحكم بها.

و يحتمل أن يكون الدم الخارج عقيب الولادة نفاساً كانت الولادة سبباً له أو لا، لكن لا مطلقاً، بل الدم الذي له نحو انتساب و ارتباط بالولادة؛ و إن لم يكن الارتباط بالسببية و المسبّبية. و لعلّ مراد القوم بل صاحب «الجواهر» ذلك و إن لم يناسب ظاهر كلامه. و مع استمرار الدم يكون منتسباً إلى الولادتين؛ لأنّ اختزانه كان لارتزاقهما.

بل يمكن أن يقال: إنّه مع استمراره يكون دم كلّ ولادة بحسب الواقع غير الآخر و إن لم يمكن امتيازهما خارجاً؛ لعدم استهلاك أحد المتماثلين في الآخر.

و لازم هذا الاحتمال كون الدم عقيب كلّ ولادة مع كونه الدم الطبيعي نفاساً و موضوعاً للحكم، و تكون «النفساء» هي التي ولدت و خرج الدم عقيب ولادتها أو معها،

فيكون الدم الخارج عقيب الولادة الثانية قبل تمام العشرة نفاسين مستقلّين، فيصدق عليه عنوانان؛ أحدهما: الدم الذي عقيب الولادة الأُولىٰ، و ثانيهما: الدم الذي عقيب الولادة الثانية، و لكلّ عنوانٍ حكمه مع الانفراد، و مع اجتماعهما تتداخل الأحكام.

و يحتمل أن يكون «النفاس» هو الحدث الحاصل من الدم المسبّب عن الولادة، أو الدم الذي عقيبها.

و لازمه عدم إمكان تكرّر الحدث الحادث برؤية الدم بعد الولادة الأُولىٰ؛

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 543

للزوم اجتماع المثلين، و هذا ظاهر المحقّق الخراساني «1» فيكون النفاس الواحد مستمرّاً بتعدّد سببه إلىٰ عشرين يوماً أو أكثر، و لا يكون للمرأة نفاسان.

و الأقوى هو ثاني الاحتمالات؛ لمساعدة العرف و اللغة علىٰ أنّ الدم عقيب الولادة نفاس، و لا يتوقّف أحد في أنّ الدم إذا خرج عقيب الولادة يكون نفاساً، و يقال للمرأة: «نفساء» مع أنّه لو كان «النفاس» عبارة عن الدم المسبّب عنها، لم يكن بدّ في ترتيب الأحكام من إحراز الموضوع، و مع الشكّ كان يرجع إلى الأُصول، و لم ينقل عن فقيه احتمال ذلك، أو العمل على الأُصول، و ليس ذلك إلّا لما ذكر، تأمّل.

قال السيّد في «الناصريّات»: «لا يختلف أهل اللغة في أنّ المرأة إذا ولدت و خرج الدم عقيب الولادة، فإنّه يقال: «قد تنفّست» و لا يعتبرون بقاء ولد في بطنها، و يسمّون الولد: «منفوساً» «2» انتهىٰ.

و هو و إن كان في مقام الردّ علىٰ من ذهب إلىٰ أنّ النفاس من مولد الثاني، لكن ظاهره اتفاق أهل اللغة علىٰ هذا العنوان؛ أي كون الدم عقيب الولادة نفاساً، و هو حجّة معتبرة.

بل نفس قول مثل السيّد البارع في اللغة و الأدب، حجّة معتبرة مثبتة للّغة.

و

يؤيّده قول شيخ الطائفة عند الاستدلال علىٰ أنّه إذا ولدت ولدين و رأت عقيبهما، اعتبرت النفاس من الأوّل، و آخره يكون من الثاني:- «دليلنا: أنّ كلّ واحد من الدمين يستحقّ الاسم بأنّه «نفاس» فينبغي أن يتناوله اللفظ» «3».

______________________________

(1) أحكام الدماء، المحقّق الخراساني: 106/ السطر 14.

(2) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 227/ السطر 22.

(3) الخلاف 1: 247 248.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 544

بل ادعىٰ عدم الخلاف في أنّ ما يخرج بعد الولد يكون نفاساً «1»، و الظاهر أنّ المراد من الدم عقيب الولادة ما له نحو انتساب و ارتباط لها، لا مطلقاً.

الروايات الدالّة على استقلال كلّ من النفاسين

بل يمكن الاستيناس أو الاستدلال على استقلال كلٍّ من النفاسين ببعض الروايات،

كحسنة مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها .. «2».

حيث تدلّ علىٰ حرمة الغشيان قبل مضيّ مقدار أيّامها من يوم وضعت؛ من غير تفصيل بين الوضع الأوّل و الثاني؛ و إن أمكن الخدشة فيها تارة: بأنّها في مقام بيان حكم آخر، و أُخرى: بأنّ مفروض السائل كونها في نفاسها من الدم.

و

كصحيحة يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن امرأة ولدت، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى، قال فلتقعد أيّام قرئها الذي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام «3».

حيث لم يفصّل بين الاولىٰ و الثانية، فمن ولدت و رأت الدم أكثر ممّا كانت ترى، تكون موضوعة للحكم بوجوب القعود، ففي الولادة الثانية إذا رأت الدم أكثر ممّا كانت ترى، يصدق «أنّها ولدت

و رأت الدم ..» إلىٰ آخره، فتكون الولادة

______________________________

(1) الخلاف 1: 246.

(2) تهذيب الأحكام 1: 176/ 505، وسائل الشيعة 2: 395، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 7، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 175/ 502، وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 545

و رؤية الدم تمام الموضوع للحكم، تأمّل.

و

كرواية الخلقاني المتقدّمة؛ حيث قال فيها تصلّي حتّى يخرج رأس الصبيّ، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة «1».

فإنّ الظاهر منها: أنّ السبب لوجوب تركها هو خروج رأس الصبيّ مطلقاً، نعم يقيّد ذلك بذيلها الدالّ علىٰ لزوم رؤية الدم عند خروج بعض الولد، فيكون الموضوع هو خروج بعض الولد مع رؤية الدم، أو رؤيته عند ظهور رأس الولد، فتدلّ علىٰ موضوعية كلّ دم عند كلّ ولادة لحرمة الصلاة، أو موضوعية كلّ ولادة مع رؤية الدم لها، و هذا معنى الاستقلال. و لو نوقش في دلالة الروايات، فلا مجال للمناقشة في الصدق العرفي.

و أمّا احتمال كون «النفاس» عبارة عن حدث معنوي، فإن كان المراد منه أنّ حدث النفاس كحدث الحيض و الجنابة، فالضرورة قاضية بمخالفته للنفاس؛ فإنّ المرأة بعد عشرة أيّام أو ثمانية عشر، ليست بنفساء بلا إشكال و إن كانت محدثة بحدث النفاس، فحدثه غير نفسه، كحدث الحيض فإنّه غير الحيض. و إن كان المراد أنّ هنا أمراً معنوياً آخر هو حدث النفاس، فلا دليل عليه، بل الأدلّة قاطبةً علىٰ خلافه.

و يظهر ممّا مرّ حال احتمال عدم نفاسية الأوّل، كما احتمله المحقّق في محكي «المعتبر» بدعوىٰ عدم اجتماع النفاس كالحيض مع الحمل «2».

و فيه منع عدم اجتماع الحيض معه كما تقدّم «3» و

علىٰ فرض تسليمه منع كون النفاس كالحيض في ذلك.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 507.

(2) المعتبر 1: 257.

(3) تقدّم في الصفحة 341.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 546

حكم ما إذا وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً

بقي شي ء: و هو أنّه لو وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً، فهل يكون لكلّ قطعة نفاس مستقلّ مطلقاً، أو لا يكون للجميع إلّا نفاس، أو يفصّل بين كون القطعة معتدّاً بها بحيث يكون خروجها بمنزلة ولادة و بين غيره، أو يفصّل بين وقوع الفصل بأقلّ الطهر بين خروج القطعة الأُولىٰ و الثانية و عدمه؟ وجوه.

و الأقرب في غير الفصل بأقلّ الطهر كونه نفاساً واحداً؛ لكون الولادة واحدةً عرفاً و لغةً و إن خرج المولود قطعةً قطعةً، و النفاس واحداً مع استمرار الدم. بل مع الفصل بالأقلّ من أقلّ الطهر إذا قلنا: بأنّه نفاس.

بل مع الفصل بأقلّ الطهر يمكن أن يقال أيضاً: إنّه نفاس واحد و إن فصل بين أجزائه طهر؛ فإنّ العرف كما يرى الولادة واحدةً و المولود واحداً، يرى الدم دم الولادة الواحدة و من تتمّة النفاس، لا نفاساً مستقلا، و لا مانع من الفصل بين أجزائه بأجنبي.

و لا ثمرة ظاهراً في خصوص الفرع إن قلنا: بأنّ النفاس من خروج الدم، و حساب العدد من وضع القطعة الأخيرة، كما يأتي الكلام فيه قريباً.

و كيف كان: ففي خروج القطعات هل يكون مبدأ النفاس من بعد وضع المجموع، كما احتمله صاحب «الجواهر» حيث قال:

«و يحتمل هنا توقّف النفاس علىٰ خروج المجموع؛ و إن اكتفينا ببروز الجزء مع الاتصال؛ للفرق بينه و بين الانفصال» «1» انتهىٰ.

______________________________

(1) جواهر الكلام 3: 393.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 547

و لم يذكر وجه الفرق، فكأنّه دعوى قصور

الدليل عن شمول المنفصل.

و فيه ما لا يخفى؛ ضرورة صدق «دم الولادة» مع الخروج مقارناً للجزء كما مرّ «1» بل احتملنا أولوية الصدق من الدم بعد الولادة، و لا فرق بنظر العرف في دمها بين كون الرأس منفصلًا عن الجسد أو متصلًا به. كما لا ريب في شمول الأدلّة- كخبر الخلقاني للمنفصل أيضاً، و دعوى الانصراف غير مسموعة، فالفرق بينهما غير وجيه.

أو يكون مبدأ النفاس و الحساب من أوّل خروج القطعة الأُولىٰ؛ لمرسلة المفيد، بل لمرسلاته «2» و لظهور أدلّة الأمر بالقعود مقدار أيّام عادتها، في كون المبدإ أوّل ما صدق عليها «النفساء»؟

أو يكون مبدأ النفاس خروج الدم مع بروز أوّل الجزء، و مبدأ حساب أيّام القعود و حساب عشرة أيّام من زمان تمام الوضع؟

الأقوىٰ هو الأخير؛ لأنّ روايات الباب علىٰ طوائف:

منها: ما تدلّ علىٰ لزوم ترك الصلاة إذا رأت علىٰ رأس الولد دماً، كرواية الخلقاني و السكوني و «الجعفريات» المتقدّمات «3»، و هذه الطائفة لم تتعرّض لمقدار القعود و لا لمبدئه.

و منها: ما تدلّ علىٰ أنّ النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام، كمرسلات المفيد و مرسلة الشيخ عن ابن سنان «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 518.

(2) راجع ما تقدّم في الصفحة 536.

(3) تقدّمت هذه الروايات في الصفحة 517 518.

(4) انظر السرائر 1: 52 53، تهذيب الأحكام 1: 178/ ذيل الحديث 510.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 548

و منها: ما تدلّ علىٰ أنّ النفساء تقعد بمقدار أيّام عادتها و تستظهر «1».

و هاتان الطائفتان ظاهرتان و لو بالإطلاق في كون المبدأ هو مبدأ تحقّق النفاس و إن لم تتعرّض لخصوص المبدأ.

لكن

حسنة مالك بن أعين المتقدّمة حاكمة على الروايات و مبيّنة لحدودها،

قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن النفساء، يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم؟ قال نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها، ثمّ تستظهر بيوم، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها «2».

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)؛ ج 1، ص: 548

و هي كما ترى لا تنافي الروايات الدالّة علىٰ لزوم ترك الصلاة من أوّل بروز الدم، و هو ظاهر، و لا ما دلّت على القعود بمقدار أيّام العادة؛ لعدم تعرّضها لمبدإ القعود، و إنّما يفهم منها ذلك بالإطلاق و السكوت في مقام البيان، و هو لا يقاوم ما تعرّض لمبدإ الحساب؛ و أنّه منذ يوم وضعت.

بل هي حاكمة علىٰ مثل المرسلات؛ فإنّها تدلّ علىٰ عدم زيادة عددها على الحيض، و هي تدلّ علىٰ أنّ عدم الزيادة يحسب من أوّل يوم وضعت، فلها حكومة عليها عرفاً.

نعم، لأحد أن يقول: إنّ مقتضى الأدلّة هو التفصيل بين ذات العادة و غيرها؛ و الأخذ في غيرها بإطلاق ما دلّ علىٰ عدم الزيادة من حين الرؤية.

لكنّه تفصيل لم يلتزم به أحد ظاهراً، و لم أَرَ احتماله من أحد، بل الظاهر أنّ حدّ النفاس في جميع النسوة بحسب الواقع واحد؛ و لا يزيد علىٰ عشرة أيّام من يوم الوضع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 382، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 و 3 و 5.

(2) تقدّمت في الصفحة 530.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 549

حول ثمرة القول بتعدّد النفاسين

ثمّ إنّه حكي عن «الروض»: «أنّه تترتّب الثمرة علىٰ تعدّد النفاسين؛

ما لو ولدت فرأت الدم، و انقطع فولدت الثاني، فرأت قبل مضيّ عشرة أيّام من الولادة الأُولىٰ، فإنّه على التعدّد لا يحكم بنفاسية النقاء المتخلّل، و على الوحدة يحكم بها» «1».

و فيه: أنّ هذه الثمرة ليست من ثمرات القول بالتعدّد و الوحدة؛ لعدم إبطال الولادة الثانية نفاسية الاولىٰ، فيكون النقاء خلال نفاس واحد، فهو محكوم بالنفاسية؛ بناءً علىٰ ما يأتي من نفاسية النقاء المتخلّل أثناء النفاس الواحد «2». و كون الدم معنوناً بعنوان آخر و هو نفاس آخر، لا يوجب إبطال حكم النفاس الواحد. بل هي من ثمرات القول بلزوم الارتباط بنحو السببية أو غيرها بين الولادة و الدم الخارج عقيبها و عدمه:

فعلى الثاني: يكون الدم الخارج عقيب الثانية نفاسين، و باعتبار كونه من تتمّة النفاس الأوّل، يكون النقاء المتخلّل في أثنائه نفاساً.

و على الأوّل: لا يكون ما رأت عقيب الثانية مع النقاء بعد الولادة الأُولىٰ- خصوصاً إذا كان معتدّاً به نفاسين، بل هو نفاس واحد مربوط بالولادة الثانية، و قد تقدّم ترجيح ذلك «3»، فحينئذٍ لا يكون النقاء المتخلّل بحكم النفاس. لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه.

______________________________

(1) روض الجنان: 91/ السطر 14.

(2) يأتي في الصفحة 557.

(3) تقدّم في الصفحة 541 544.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 550

المسألة الخامسة في حكم تأخّر الدم عن الولادة

اشارة

لو لم تَرَ دماً أوّلًا ثمّ رأت، فإمّا أن يكون بعد عشرة أيّام من يوم الولادة، أو أثناء العشرة قبل مضي مقدار عادتها، كما لو كان مقدار عادتها ستّة و رأت في اليوم الرابع، أو بعد مضي مقدارها، كما لو رأت في الفرض في اليوم السابع أو العاشر.

و علىٰ أيّ تقدير فإمّا أن ينقطع إلىٰ عشرة من يوم الولادة، أو يتجاوز عنها.

فيقع الكلام في

الفروض تارة: في نفاسية الدم، و أُخرى: في مقدار قعودها، و ثالثة: في حال ذات العادة و غيرها.

الكلام في أصل نفاسية الدم

فنقول: قد يقال بانصراف الأدلّة عن صورة تخلّف الدم عن حال الولادة، خصوصاً إذا كان الفصل طويلًا، كتسعة أيّام أو عشرة، فيعمل في الدم على القواعد، فيحكم بنفاسيته؛ لصدق كونه نفاساً، و لقاعدة الإمكان مع الشكّ في الصدق «1».

و فيه: أنّه مع فرض الانصراف، لا دليل علىٰ ترتّب الأحكام حتّى مع العلم بكونه نفاساً و كون المرأة نفساء؛ لأنّ وجه الانصراف ندرة تخلّف الدم عن الولادة، فيكون هذا الوجه موجوداً في جميع أدلّة الباب.

و دعوى امتناع تخلّف الأحكام مع كون المرأة نفساء، مدفوعة بأنّ الأحكام

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 273/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 551

يمكن أن تكون مترتّبة علىٰ قسم من النفاس و النفساء، كما ذكرنا في الحيض «1»؛ أ لا ترى أنّ «النفساء» صادقة علىٰ من ترى الدم إلى الحادي عشر بلا ريب؛ ضرورة أنّ الدم الجاري إلى الساعة الأخيرة من اليوم العاشر، نفاس في غير ذات العادة، و بعدها ليس بنفاس حكماً؟! و لا يمكن أن يقال: إنّ الدم بحسب التكوين إلىٰ هذه الساعة نفاس دون ما بعدها، أو بحسب العرف و العادة كذلك، فلا محالة يكون التصرّف في الموضوع من الشارع، فجعل دمَ النفاس في مقدار معيّن أو وقت معيّن موضوعَ حكمه دون غيره، مع كونه نفاساً واقعاً.

فحينئذٍ نقول: بعد قصور الأدلّة عن إثبات الحكم لمن لم ترَ دماً مع الولادة أو قريباً منها للانصراف حسب الفرض يكون مقتضى الأُصول و القواعد عدم محكومية المرأة بأحكام النفساء، فلا يجب التنفّس عليها إذا لم تَرَ الدم، ثمّ رأت

بعد فصل.

و أمّا قاعدة الإمكان فلا أصل لها في الحيض كما عرفت «2» فضلًا عن النفاس. بل لو قلنا: بأنّ دليل القاعدة هو الأصل العقلائي كما قيل في باب الحيض «3»، و ثبت بها كون الدم نفاساً و المرأة نفساء، لا يفيد في المقام مع عدم دليل علىٰ ترتّب الأحكام على النفساء مطلقاً، كما تقدّم.

لكنّ الإنصاف: أنّ دعوى الانصراف في الأدلّة مطلقاً سواء فيما دلّت علىٰ أنّ النفساء تقعد أيّامها أو قدر عادتها «4» أو ما دلّت علىٰ جواز الغشيان إذا مضى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9 10.

(2) تقدّم في الصفحة 67 68.

(3) رياض المسائل 1: 345، مصباح الفقيه، الطهارة: 271/ السطر 17.

(4) راجع وسائل الشيعة 2: 382 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 1 و 2 و 3 و 5.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 552

لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها «1»، أو ما دلّت علىٰ أنّ دم النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام «2» غير وجيهة؛ فإنّ ندرة الوجود و إن كانت موجبة لعدم انتقال الذهن إلى الفرد النادر، لكن لا توجب الانصراف و خروج العنوان المأخوذ في الأدلّة عن كونه تمام الموضوع للحكم، خصوصاً في مثل المقام الذي كان موضوع الحكم النفساء، و تقتضي المناسبة بين الحكم و الموضوع، أن يكون الموضوع هو نفس العنوان؛ من غير دخل للأُمور الخارجة فيها، و لا يرى العرف للظرف و الوقت موضوعية للأحكام.

و هذا نظير

قوله الماء يطهِّر «3»

حيث يكون بعض مصاديقه نادر الوجود جدّاً؛ بحيث ينصرف الذهن عنه، لكنّ المناسبة بين الحكم و الموضوع توجب دفع الانصراف؛ لأنّ المطهّرية بنظر العرف لا تكون إلّا لنفس

طبيعة الماء؛ من غير دخل لشي ء آخر فيها. بل العرف قد يلغي بعض القيود لأجل بعض المناسبات. و كيف كان فلا مجال لدعوى الانصراف.

و أوهن منها دعوى «4» الانصراف في بعض الأدلّة كحسنة مالك بن أعين «5» دون بعض؛ ضرورة أنّه لا وجه للتفصيل بعد كون وجه الانصراف ما تقدّم، و لا يكون قوله

و هي في نفاسها من الدم

موجباً للانصراف إلّا للوجه المتقدّم.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 4.

(2) راجع وسائل الشيعة 2: 385، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 10.

(3) الكافي 3: 1/ 1، وسائل الشيعة 1: 134، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 6.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 342/ السطر 22.

(5) تقدّمت في الصفحة 530.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 553

مقدار قعود ذات العادة مع انقطاع دمها في العشرة

ثمّ إنّه بعد البناء علىٰ إنكار الانصراف في الأدلّة، لا بدّ من بيان مفادها و وجه الجمع بينها.

فنقول: مقتضىٰ إطلاق ما دلّت علىٰ أنّ النفساء تقعد قدر حيضها و تستظهر يوماً أو يومين إلى عشرة أيّام، أنّ كلّ من صدق عليها عنوان «النفساء» يجب عليها القعود قدر حيضها و الاستظهار بعده؛ كان الدم متصلًا بالوضع أو منفصلًا، قبل مضيّ مقدار العادة من يوم الوضع أو بعده، بل قبل عشرة أيّام أو بعدها، مع صدق «دم الولادة» و عنوان «النفساء» و لا منافاة بين هذه الطائفة و بين ما دلّت علىٰ أنّ دم النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام، كما هو واضح.

بقيت رواية مالك بن أعين، حيث دلّت علىٰ أنّ مقدار أيّام العادة إنّما هو من يوم وضعت، و إطلاقها يقتضي أن يكون حساب الأيّام من يوم الوضع؛

سواء رأت الدم من حال الوضع أو لا، و مقتضى تحكيمها علىٰ سائر الأدلّة: أنّ ذات العادة تقعد مع رؤية الدم مقدار أيّام عادتها من زمان الوضع، فيكون ظرف القعود مقدار أيّام العادة من أوّل الوضع، لكن مع رؤية الدم.

و أمّا مع عدم الرؤية رأساً فلا قعود لها؛ لما دلّ علىٰ أنّ النفاس هو دم الولادة. و لمثل قويّة السكوني و رواية «الجعفريات» و الخلقاني «1» حيث علّق الحكم فيها علىٰ الدم المرئي علىٰ رأس الطفل، فالقعود يتوقّف علىٰ رؤية الدم، و كونِ ظرف الرؤية أيّام العادة من يوم الوضع. فالمرأة التي لم تَرَ دماً أوّل الوضع ليست موضوعة للحكم؛ لفقدان قيد هو رؤية الدم.

______________________________

(1) تقدّمت هذه الروايات في الصفحة 517 518.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 554

و بعد مضيّ مقدار العادة من زمن الوضع، أيضاً لا تكون موضوعة له؛ لفقدان قيد آخر هو عدم المضي من يوم الوضع بمقدار العادة.

و مع رؤيتها في زمان العادة و لو بعضها تكون موضوعة له؛ لتحقّق جميع قيود الموضوع، فهي امرأة وضعت، و رأت الدم قبل مضي مقدار عادتها في الحيض منذ يوم وضعت.

فمحصّل مفاد الأدلّة بعد تحكيم بعضها علىٰ بعض و ردّ بعضها إلىٰ بعض: أنّ المرأة ذات العادة إذا رأت الدم من أوّل الوضع، يجب عليها القعود مقدار أيّام عادتها، و تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة إلىٰ عشرة أيّام من يوم الوضع، و لا يجب الاستظهار، كما مرّ في الحيض «1».

و إن رأت بعد عدم رؤيتها أوّل الوضع قبل مضي مقدار عادتها، يجب عليها التنفّس تتمّة مقدار العادة، و تستظهر بعدها إلى العشرة.

و إن رأت بعد مضي مقدار العادة، فلا يجب

عليها القعود و التنفّس، فهل لها الاستظهار إلى العشرة أو لا؟

لا تبعد مشروعيته؛ لأنّ الظاهر أنّ الاستظهار إنّما هو لطلب ظهور حالها في زمان يمكن تحقّق النفاس فيه، و بعد العادة إلى العشرة يمكن تحقّقه؛ لأنّ الدم المرئي بعد العادة إذا انقطع على العشرة فهو نفاس؛ للصدق العرفي، و مع التجاوز عنها لا يكون نفاساً؛ لخروج ما بعد العشرة من يوم الوضع، و عدم الدليل علىٰ نفاسيته بعد العادة مع التجاوز، تأمّل.

بل يمكن الاستدلال علىٰ عدم كونه نفاساً بأدلّة الاستظهار بعد أيّام العادة؛ فإنّ أيّام العادة أيّام النفاس ظاهراً بحسب تلك الأدلّة، و أيّام الاستظهار أيّام يمكن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 201.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 555

أن يكون الدم فيها نفاساً و غير نفاس، فيحتمل بدواً أن تكون النفاسية مع التجاوز، و عدمها مع عدمه، و بالعكس بأن تكون النفاسية مع عدم التجاوز، و عدمها معه. و لا ريب في تعيّن الثاني؛ بعد كون الاستظهار هاهنا كالاستظهار في الحيض.

و بالجملة: لا يكون الاستظهار ملازماً للقعود و من توابعه، بل هو حكم مستقلّ شرع لأجل الاستظهار و الاحتياط؛ قعدت و تنفّست أو لا.

و أمّا غير ذات العادة و ذات العادة عشرة أيّام، فتجعل ما رأت بين العشرة نفاساً، و ما بعدها استحاضة؛ لأنّ النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام من حين الوضع. هذا حال من انقطع دمها في العشرة.

مقدار قعود ذات العادة مع تجاوز دمها عن العشرة

و أمّا إن تجاوز عنها فإن رأت في بعض أيّام العادة و استمرّ و تجاوز كمن كانت عادتها سبعة، فرأت في الخامس مثلًا، و تجاوز عن العشرة فيحتمل شمول الأدلّة لها، فيجب عليها القعود بقيّة عادتها. و لها الاستظهار بيوم إلىٰ

تمام العشرة من يوم الوضع، و بعدها مستحاضة.

و يحتمل أن تكون بقيّة أيّام العادة أيّام نفاسها، ثمّ هي مستحاضة. و لا يبعد أقربية ذلك؛ لاستفادته من أدلّة الاستظهار، فإنّه لطلب ظهور الحال كما مرّ، و لا يكون ذلك إلّا على احتمال التجاوز و عدم نفاسية غير أيّام العادة، و عدم التجاوز و نفاسية الجميع، فإذا رأت في العادة و تجاوز، تكون بقيّة الأيّام أيّام نفاسها، و الزائد عليها استحاضة.

و إن رأت بعدها كمن كانت عادتها سبعة، فرأت في الثامن و تجاوز عن العاشر ففي شمول الروايات لها إشكال، بل منع؛ لعدم أيّام للقعود لها حتّى تؤمر به فيها، و ليس لها أيّام للاستظهار؛ لأنّ الاستظهار إنّما هو فيما إذا رأت الدم في

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 556

العادة و تجاوز عنها، فاحتملت الانقطاعَ على العشرة فيكون تمام الدم نفاساً و تجاوزَه عنها، فتكون أيّام عادتها فقط نفاساً، و مع هذه الشبهة و هذا الاحتمال، يتحقّق موضوع الاستظهار و طلب ظهور حالها، و أمّا إذا لم يكن تكليفها الرجوع إلىٰ أيّام عادتها مع التجاوز، فلا تكون مشتبهة في حالها موضوعاً، و لا مشمولة لأدلّة ذات العادة، فالأيّام التي بعد العادة إلى العشرة أمّا نفاس مطلقاً؛ تجاوز الدم عن العشرة أو لا، أو ليس بنفاس كذلك، فلا تكون موضوعة للاستظهار.

و الظاهر تسالمهم علىٰ أنّ النفساء قبل تمام عشرة أيّام إذا لم تكن مشمولة لأدلّة العادة موضوعة للأحكام، و يجب عليها التنفّس؛ و إن أمكن المناقشة في دلالة الأدلّة. و لا ينبغي ترك الاحتياط إلى العاشر بالجمع بين الوظيفتين، بل لا يترك.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 557

المسألة السادسة في تخلّل النقاء أثناء النفاس الواحد

لو

رأت في الأوّل و نقت، ثمّ رأت، فإمّا أن ترى الدم الثاني في بعض أيّام العادة أو لا. و علىٰ أيّ حال: فإمّا أن يتجاوز الدم عن العشرة أو لا.

فإن رأت في أيّام العادة فلا إشكال في كون الحاشيتين نفاساً، و الظاهر شمول أدلّة القعود أيّام العادة و الاستظهار لها. كما أنّ الظاهر أنّ الدمين نفاس مع الانقطاع على العشرة مطلقاً؛ للصدق العرفي، و موضوعية النفساء قبل تجاوز دمها عن عشرة أيّام للحكم. و مع التجاوز لا إشكال ظاهراً في ذات عادة عشرة أيّام و في غير ذات العادة في كون الحاشيتين نفاساً.

و أمّا ذات العادة إذا كانت عادتها أقلّ منها، فإن قلنا بشمول أدلّة الرجوع إلى العادة لها لأجل إمكان القعود في أيّام عادتها في الجملة فلا يكون الدم الثاني نفاساً. و إن قلنا بعدم شمولها لها فلا يبعد الحكم بنفاسية الطرفين؛ و لو قلنا بكون النقاء في البين في حكم النفاس.

و ما قيل: «من أنّ كون الدم الثاني نفاساً ممتنع؛ لأنّه يلزم من وجوده عدمه؛ حيث إنّ نفاسيته سبب لاندراج المرأة في موضوع الأخبار الدالّة علىٰ أنّها لا تقعد أزيد من أيّامها؛ و أنّ ما تراه استحاضة» «1».

مدفوع: بأنّ الظاهر من الأدلّة كون الدم من أيّام العادة مستمرّاً إلىٰ ما بعد العشرة، و شمولها لما الحِق به حكماً محلّ إشكال، بل منع.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 343/ السطر 12.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 558

و كيف كان: فيقع الكلام في أنّ الطهر المتخلّل بين النفاس الواحد نفاس أولا؟

الظاهر نفاسيته؛ لإطلاق

صحيحة محمّد بن مسلم لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام «1»

و خروج الطهر بين النفاسين من مفادها بالتقريب

المتقدّم «2» لا يلزم منه خروج الطهر بين النفاس الواحد؛ فإنّ القرء في النفاسين لا يكون للاختزان بل جمع الدم إنّما هو لأجل الولد، بخلاف المقام.

و بالجملة: لا مانع من الأخذ بإطلاق الصحيحة.

نعم، يشكل التمسّك بمرسلة يونس بما مرّ «3» و الظاهر أنّ الحكم متسالم عليه بينهم.

و أمّا الاستدلال على المطلوب بصدق «النفساء» على المرأة في أيّام النقاء؛ إذ لا يعتبر في مثل هذا المشتقّ تلبّس الذات بالمبدإ على الدوام، فيشمله حينئذٍ كلّ ما دلّ علىٰ أنّ النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام قرئها، كما أفاد الشيخ الأعظم «4».

فغير تامّ؛ ضرورة أنّه لو سلّم الصدق في الفترات القليلة، لم يسلّم في مثل المفروض ممّا كان أيّام النقاء ثمانية مثلًا، و أيّام التلبّس يوماً أو يومين من الحاشيتين بعد فرض كون المبدأ هو الدم.

نعم، لو فرض أنّ المبدأ هو حال معنوي محفوظ أو استعداد لقذف الدم، كان حاصلًا و المشتقّ صادقاً. لكنّه ممنوع مخالف للأدلّة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الكافي 3: 76/ 4، وسائل الشيعة 2: 297، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 11، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 548 549.

(3) تقدّم في الصفحة 92.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 274/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، ج 1، ص: 559

المسألة السابعة في اتحاد أحكام النفساء و الحائض

النفساء كالحائض في جميع الأحكام إلّا ما استثني و تقدّم بعضها «1» إجماعاً، كما عن «الغنية» و «شرح المفاتيح» «2» و هو قول الأصحاب، كما عن «المسالك» و «الكفاية» «3» و «لا نعرف فيه خلافاً بين أهل العلم» كما عن «المعتبر» و «المنتهي» و «التذكرة» «4» و هو الحجّة بعد ظهور التسالم بينهم.

و أمّا الاستدلال «5» عليه بأنّ النفاس هو الحيض المحتبس، فقد مرّ عدم الدليل عليه «6»،

و بعد الإجماع علىٰ مشاركتهما في الحكم، لا وقع لدعوى الإجماع علىٰ أنّه حيض محتبس؛ فإنّه يرجع إلىٰ مشاركتهما حكماً، و هو عين الإجماع المتقدّم. و أمّا وحدة الموضوع تكويناً، فالاتكال على الإجماع لإثباتها مشكل.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً. قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة يوم السبت 22 من شهر ربيع الأوّل من سنة 1376 ه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 521، 524 527.

(2) غنية النزوع 1: 40، مصابيح الظلام 1: 59/ السطر 13 (مخطوط).

(3) مسالك الأفهام 1: 77، كفاية الأحكام: 6/ السطر 11.

(4) المعتبر 1: 257، منتهى المطلب 1: 126/ السطر 31 32، تذكرة الفقهاء 1: 332.

(5) الحدائق الناضرة 3: 325، مصباح الفقيه، الطهارة: 343/ السطر 22.

(6) تقدّم في الصفحة 511 512.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الطهارة (للإمام الخميني، ط - الحديثة)، 4 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.